الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والثاني-أنّا لو كتمنا هذه الشهادة، لم يكن أحد أظلم منّا. وفيه تعريض بكتمانهم شهادة الله لمحمد صلى الله عليه وسلم بالنّبوة في كتبهم، وسائر شهاداته
(1)
.
وليس الله غافلا عن أعمالكم، فهو محصيها ومجازيكم عليها، وفي ذلك وعيد وتهديد، عقب التقريع والتوبيخ.
تلك جماعة الأنبياء لها ما كسبت من الأعمال الحسنة، ولكم ما كسبتم من العمل الحسن، ولا يسأل أحد عن عمل غيره، بل يسأل عن عمل نفسه، فلا يضره ولا ينفعه سواه، فأنتم لا تسألون عن أعمال السابقين، وهم لا يسألون عن أعمالنا، تلك قاعدة الأديان التي أقرتها العقول، وهي المسؤولية الشخصية أو الفردية، كما قال تعالى:{أَلاّ تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى، وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاّ ما سَعى} [النجم 38/ 53 - 39]. كرّر الحقّ سبحانه هذه القاعدة وهذه الآية بمناسبات متعددة، فقد ذكرت في الآية السابقة (134) للمبالغة عما يفتخرون به من أعمال الآباء، والاتّكال على الماضي، وهذا شأن الخامل الضعيف الذي ينظر إلى الماضي، ويتكاسل عن المستقبل.
وكرر الله أيضا قوله في مواطن كثيرة: {وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ} لتأكيد الجزاء والحساب ورصد الأعمال، وذلك هو العدل المطلق بين الخلائق، قال أبو حيان: ولا تأتي الجملة إلاّ عقب ارتكاب معصية، فتجيء متضمنة وعيدا، ومعلمة أن الله لا يترك أمرهم سدى
(2)
.
فقه الحياة أو الأحكام:
نبذ الإسلام كلّ الصّور والهياكل والطقوس الفارغة كالمعمودية عند النصارى ونحوها، وأعلن بكل صراحة أن المعول عليه هو ما فطر عليه النفوس من الإقرار
(1)
الكشاف: 242/ 1.
(2)
البحر المحيط: 416/ 1، ط الرياض.
بوحدانية الله، وإخلاص العمل لله، وحبّ الخير والاعتدال في الأمور، كما قال سبحانه:{فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها، لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ، ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم 30/ 30].
وإن روح الدّين التوحيد، وأساسه الإخلاص، وهذا ما دعا إليه جميع الأنبياء، وجدد الدعوة إليه محمد صلى الله عليه وسلم، فدعوته أو شريعته مكملة لدعوة وشريعة إخوانه النبيين والمرسلين.
أما الدعاوي الرخيصة، والأكاذيب المفتراة، والأماني التي لا تعتمد على برهان، مما صدر من اليهود والنصارى، فكل ذلك باطل بالحجج الثلاث التي دحض بها القرآن كل ما ذكر وهي قوله:{وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ} [البقرة 139/ 2]، وقوله:{أَمْ تَقُولُونَ: إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ} [البقرة 140/ 2]، وقوله:
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ} [البقرة 140/ 2].
ولا تكون النجاة بالاعتماد على أعمال الآخرين من الأسلاف وغيرهم، ولا على شفاعة الصالحين دون انتفاع بهديهم وسنتهم، وإنما السعادة والنجاة بالعمل الصالح. وأساس الصلاح إخلاص العبادة لله، وحقيقة الإخلاص: تصفية الفعل عن مراءاة المخلوقين.
وقد أكّدت هذه الآيات أمرين عظيمين جدا هما:
الأوّل-أن المسؤولية الشخصية أساس الحساب، ومناط الجزاء والعقاب، وهذا ما تفاخر به الشريعة الإسلامية التي جاءت ناقضة لأعراف الجاهلية عند العرب والرومان من توجيه المسؤولية لغير الجاني الحقيقي.
الثاني-أن أولئك الأنبياء على إمامتهم وفضلهم يجازون بعملهم وكسبهم، فغيرهم من الناس العاديين أحرى وأولى.
انتهى الجزء الأول