المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فقه الحياة أو الأحكام: - التفسير المنير - الزحيلي - جـ ١

[وهبة الزحيلي]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌بعض المعارف الضرورية المتعلقة ب‌‌القرآن

- ‌القرآن

- ‌أولا-تعريف القرآن وكيفية نزوله وطريقة جمعه:

- ‌أسماء القرآن:

- ‌كيفية نزول القرآن:

- ‌المكي والمدني من القرآن:

- ‌فائدة العلم بأسباب النزول:

- ‌أول القرآن وآخره نزولا:

- ‌جمع القرآن:

- ‌الجمع الأول في عهد النبوة:

- ‌الجمع الثاني في عهد أبي بكر:

- ‌الجمع الثالث-في عهد عثمان بنسخ المصاحف على خط واحد:

- ‌ثانيا-طريقة كتابة القرآن والرسم العثماني:

- ‌وللعلماء رأيان في طريقة كتابة القرآن أو الإملاء

- ‌ثالثا-الأحرف السبعة والقراءات السبع:

- ‌رابعا-القرآن كلام الله وأدلة الإثبات بوجوه الإعجاز:

- ‌ومظاهر الإعجاز أو أوجه الإعجاز كثيرة:

- ‌وأما خصائص المعنى فهي أربعة أيضا:

- ‌خامسا-عربية القرآن وترجمته إلى اللغات الأخرى:

- ‌ترجمة القرآن:

- ‌سادسا-الحروف التي في أوائل السور-الحروف المقطعة:

- ‌سابعا-التشبيه والاستعارة والمجاز والكناية في القرآن:

- ‌أما التشبيه:

- ‌وأما الاستعارة

- ‌وأما المجاز:

- ‌والكناية:

- ‌والتعريض:

- ‌فوائد:

- ‌الاستعاذة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

- ‌1 - معناها:

- ‌2 - أمر الله سبحانه بالاستعاذة

- ‌3

- ‌4

- ‌البسملة: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}

- ‌1 - معناها:

- ‌2 - حكمتها:

- ‌3 - هل هي آية من السورة

- ‌فضل البسملة:

- ‌أمل ودعاء وغاية

- ‌سورة الفاتحةمكية وآياتها سبعنزلت بعد المدّثّر

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌أسماؤها:

- ‌فضلها:

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التأمين:

- ‌آراء العلماء في الجهر والإسرار بالتأمين:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة البقرة

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌سبب التسمية:

- ‌فضلها:

- ‌صفات المؤمنين وجزاء المتقين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌صفات الكافرين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة وسبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌صفات المنافقين-1

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌صفات المنافقين-2

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌صفات المنافقين-3

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول الآية 14:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إيراد الأمثال للمنافقين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول الآية 19:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الأمر بعبادة الله وحده والأسباب الموجبة لها

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌مناسبة الآيات:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تحدي الجاحدين بالإتيان بمثل أقصر سورة من القرآن

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الوجه الأول

- ‌والوجه الثاني

- ‌والوجه الثالث

- ‌جزاء المؤمنين العاملين

- ‌الإعراب:

- ‌لمفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌فائدة ضرب الأمثال للناس في القرآن

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مظاهر قدرة الله بخلق الإنسان وإماتته وخلق الأرض والسماء

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌لتفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌استخلاف الإنسان في الأرض وتعليمه اللغات

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌ا، ولا

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌ثانيا

- ‌ثالثا

- ‌رابعا

- ‌خامسا

- ‌سادسا

- ‌سابعا

- ‌ثامنا

- ‌تاسعا

- ‌التكريم الإلهي السامي لآدم بسجود الملائكة له

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌آدم وحواء في الجنة وموقف الشيطان منهما

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة آدم عليه السلام

- ‌العظة من قصة آدم:

- ‌ما طلب من بني إسرائيل

- ‌الإعراب

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌نماذج من سوء أخلاق اليهود

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌نعم الله تعالى العشر على اليهود

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تتمة النّعم العشر على بني إسرائيل

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مطامع اليهود وبعض جرائمهم وعقوباتهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌عاقبة المؤمنين بنحو عام

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بعض جرائم اليهود وعقابهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة ذبح البقرة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌سبب القصة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قسوة قلوب اليهود

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌استبعاد إيمان اليهود

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌وسبب نزول الآية (76):

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تحريف أحبار اليهود وافتراءاتهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزلت الآية (79)

- ‌ونزلت الآية (80)

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مخالفة اليهود المواثيق

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بعض حالات مخالفة اليهود الميثاق

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة التاريخية المتجددة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌موقف اليهود من الرسل والكتب المنزلة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول الآية (89):

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌كفرهم بما أنزل الله وقتلهم الأنبياء

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تكذيب ادعائهم الإيمان بالتوراة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حرص اليهود على الحياة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول الآية (94):

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌موقف اليهود من جبريل والملائكة والرسل

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول الآية (97):

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌كفرهم بالقرآن ونقضهم العهود

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول الآية (99):

- ‌وسبب نزول الآية (100):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌اشتغال اليهود بالسحر والشعوذة والطلاسم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول الآية (102):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حكم السحر:

- ‌الفرق بين معجزات الأنبياء عليهم السلام وبين السحر:

- ‌أدب الخطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم ومصدر الاختصاص بالرسالة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول الآية (104):

- ‌سبب نزول الآية (105):

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إثبات نسخ الأحكام الشرعية

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول الآية (106):

- ‌سبب نزول الآية (107):

- ‌سبب نزول الآية (108) وما بعدها:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌وقوع النسخ:

- ‌أنواع النسخ:

- ‌المراد بالآية في قوله تعالى: {ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ}:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌موقف أهل الكتاب من المؤمنين وكيفية الردّ عليه

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول الآية (109):

- ‌المناسبة العامة للآية (109):

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌رأي كل فريق من اليهود والنصارى في الآخر

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول الآية (113):

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌ظلم مانع الصلاة في المساجد، وصحة الصلاة في أي مكان

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول الآية (114):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حكم الخطأ في الاتجاه لغير القبلة:

- ‌صلاة النافلة على الراحلة:

- ‌الصلاة على الغائب:

- ‌المقصود بوجه الله في القرآن والسنة:

- ‌افتراءات أهل الكتاب والمشركينبنسبة الولد لله والمطالبة بتكليمه الناس

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة وسبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌التحذير من اتباع اليهود والنصارى

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول الآيات (119 - 121):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تذكير بالنعمة وتخويف من الآخرة

- ‌المفردات اللغوية

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌اختبار إبراهيم عليه السلاموخصائص البيت الحرام وفضائل مكة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول الآية (125):

- ‌المناسبة العامة للآيات:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بناء البيت الحرام ودعاء إبراهيم وإسماعيل

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سفاه من يرغب عن ملة إبراهيم

- ‌الإعراب

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول الآية (130):

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إبطال دعوى اليهود أنهم على دين إبراهيم ويعقوب

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول الآية (133):

- ‌وسبب نزول الآية (135):

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌صبغة الإيمان وأثره في النفوس والعبودية لله تعالى

- ‌الإعراب

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول الآية (138):

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

الفصل: ‌فقه الحياة أو الأحكام:

ولأهل الكتاب من الإعراض عن دعوة الإسلام، فالله تعالى خص طلب الرزق للمؤمنين، إشارة إلى جدارتهم واستحقاقهم له.

‌فقه الحياة أو الأحكام:

النبوة أو الإمامة في الدين الصالحة الدائمة الأثر تتطلب الاستقامة على أوامر الله واجتناب نواهيه، والإمامة المؤقتة القائمة على الانحراف والظلم تحفر لنفسها قبرها بيدها، وتدمر كيانها، وتقوض عرش وجودها. فالظلم مانع من الإمامة ومن اتخاذ الظالم قدوة للناس. ولا تكون الإمامة الصالحة أو النبوة إلا للأفاضل الذين يعملون الصالحات، ويرشدون إلى الخير، ويزجرون أنفسهم وغيرهم عن الشر والآثام، ولا حظّ للظالمين في شيء من هذا، لأن الظلم مؤذن بخراب المدنيات، وتدمير الحضارة والعمران.

واستدل جماعة بهذه الآية على أن الإمام يكون من أهل العدل والإحسان والفضل، مع القوة على القيام بذلك. فأما أهل الفسوق والجور والظلم، فليسوا له بأهل، لقوله تعالى:{لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ} .

والذي عليه أكثر العلماء: أن الصبر على طاعة الإمام الجائر أولى من الخروج عليه، لأن في منازعته والخروج عليه استبدال الأمن بالخوف، وإراقة الدماء، وانطلاق أيدي السفهاء، وشن الغارات على المسلمين، والفساد في الأرض.

وإن تعظيم البيت الحرام بالطواف حوله والسعي فيه أمر قديم من عهد أبينا إبراهيم عليه السلام، وتخصيصه بالاتجاه إليه رمز لوجوده تعالى هناك، مع أن ذاته العلية لا تتحدد بمكان، وحضوره تعالى معناه حضور رحمته، وإفاضة فضله، وإسباغ نعمه، وإجابة الدعاء فيه.

والجدير بالرزق الإلهي: من آمن بالله واليوم الآخر، وأطاع ربه، واستقام على أوامر الله، واجتنب ما نهى الله عنه.

ص: 306

والإنسان مخير في اختيار الحق والطيّب والتزام جادة الاستقامة، وترك الباطل والخبيث، بما أعطاه الله من العقل، وبما أرشده به من الوحي، فمن حاد عن ذلك، فقد ظلم نفسه، وعرّضها للعذاب والشقاء، ويكون ذلك سببا لحملة على العذاب، وإلجائه إليه، وصب السخط عليه والانتقام منه.

وأما الكلمات التي اختبر الله بها إبراهيم: فهي الوظائف التي كلفه بها، ولما كان تكليفها بالكلام سميت به، كما يسمى عيسى بالكلمة، لأنه صدر عن الكلمة، وهي كن، وتسمية الشيء بمقدمته أحد قسمي المجاز.

واختلف العلماء في بيان المراد من الكلمات على أقوال، منها ما يأتي:

أحدها-أنها شرائع الإسلام، وقد أكملها إبراهيم عليه السلام، فما قام أحد بوظائف الدين مثله، ثم قام بها بعده كثير من الأنبياء عليهم السلام، وخصوصا محمدا صلى الله عليه وسلم. قال ابن عباس: ما ابتلى الله أحدا بهن، فقام بها كلها إلا إبراهيم عليه السلام، ابتلي بالإسلام، فأتمه، فكتب الله له البراءة، فقال:{وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفّى} [النجم 37/ 53].

الثاني-أنها الفطرة التي أقامها الله تعالى فيه.

روت عائشة في الصحيح عن النّبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللّحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم (غسل عقد ظهور الأصابع لاجتماع الوسخ فيها)، وحلق العانة، ونتف الإبط، وانتقاص الماء أي الاغتراف منه، ونسيت العاشرة، إلا أن تكون المضمضة» .

الثالث-أنها الكوكب والشمس والقمر، التي رآها واستدل بأفولها على وجود الله تعالى ووحدانيته. وهذا القول هو الذي فسر به ابن كثير (الكلمات) ثم أورد قول ابن جرير الطبري وحاصله: أنه يجوز أن يكون المراد بالكلمات جميع ما ذكر، وجائز أن يكون بعض ذلك، ولا يجوز الجزم بشيء منها أنه أنه المراد على

ص: 307

التعيين إلا بحديث أو إجماع. ثم قال: ولم يصح في ذلك خبر، بنقل الواحد، ولا بنقل الجماعة الذي يجب التسليم له.

الرابع-قال ابن عباس: «الكلمات التي ابتلى الله بهن إبراهيم فأتمهن: فراق قومه في الله حين أمر بمفارقتهم، ومحاجة نمرود في الله، وصبره على قذفهم إياه في النار ليحرقوه، والهجرة من وطنه حين أمر بالخروج عنهم، وما ابتلي به من ذبح ابنه حين أمر بذبحه» ويظهر أن هذا أصح الأقوال.

واختلف العلماء أيضا في تفسير الأمن على أربعة أقوال:

الأول-أنه أمن من عذاب الله تعالى، والمعنى أن من دخله معظّما له، وقصده محتسبا الأجر، سلم من العذاب، ويعضده

قول النّبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح:

«من حج فلم يرفث ولم يفسق، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه» .

الثاني-معناه: من دخله كان آمنا من التشفي والانتقام، كما كانت العرب تفعله فيمن أناب إليه، من تركها لحق يكون لها عليه.

الثالث-أنه أمن من حد يقام عليه، فلا يقتل به الكافر، ولا يقتص فيه من القاتل، ولا يقام الحد على المحصن والسارق، قاله أبو حنيفة وغيره.

الرابع-أنه أمن من القتال،

لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «إن الله حبس عن مكة الفيل، وسلّط عليها رسوله والمؤمنين، ولم تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار» .

قال ابن العربي: والصحيح فيه القول الثاني، وهذا إخبار من الله تعالى عن منّته على عباده، حيث قرر في قلوب العرب تعظيم هذا البيت، وتأمين من لجأ إليه، إجابة لدعوة إبراهيم صلى الله عليه وسلم، حين أنزل به أهله وولده، فتوقع عليهم الاستطالة، أي الاعتداء، فدعا أن يكون أمنا لهم، فاستجيب دعاؤه

(1)

.

(1)

أحكام القرآن لابن العربي: 38/ 1 - 39

ص: 308

والصحيح من اتخاذ مقام إبراهيم مصلّى معناه: موضعا للصلاة المعهودة، كما بان في سبب نزول الآية السابق ذكره عن عمر رضي الله عنه، واتضح منه أربعة أمور: وهي أن ذلك الموضع هو المقام المراد في الآية، وأن المراد به الصلاة المتضمنة للركوع والسجود، لا مطلق الدعاء، وأن الصلاة عقب الطواف، وأن ركعتي الطواف مطلوبتان، وهما عند المالكية: واجبتان، فمن تركهما، فعليه دم.

وقال الجصاص الحنفي عن قوله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى} هو أمر ظاهره الإيجاب، والمراد بالآية فعل الصلاة بعد الطواف،

وقد روي أن النّبي صلى الله عليه وسلم قد صلاهما عند البيت. فدلت هذه الآية على وجوب صلاة الطواف، ودل فعل النّبي صلى الله عليه وسلم لها تارة عند المقام، وتارة عند غيره على أن فعلها عنده ليس بواجب.

ويفهم من قوله تعالى: {لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ} عدم جواز تولية الظالم، أو الفاسق، ولا فرق بين القاضي وبين الخليفة في أن شرط كل واحد منهما العدالة، وأن الفاسق لا يكون خليفة ولا يكون حاكما، كما لا تقبل شهادته ولا خبره لو روى خبرا عن النّبي عليه السلام.

قال ابن خويز منداد: وكل من كان ظالما لم يكن نبيا ولا خليفة ولا حاكما ولا مفتيا، ولا إمام صلاة، ولا يقبل عنه ما يرويه عن صاحب الشريعة، ولا تقبل شهادته في الأحكام، غير أنه لا يعزل بفسقه، حتى يعزله أهل الحل والعقد.

وقال أيضا: وأما أخذ الأرزاق (المخصصات المالية) من الأئمة الظلمة فله ثلاث أحوال: إن كان جميع ما في أيديهم مأخوذا على موجب الشريعة فجائز أخذه، وقد أخذت الصحابة والتابعون من يد الحجاج وغيره. وإن كان مختلطا

ص: 309

حلالا وظلما، فالورع تركه، ويجوز للمحتاج. وإن كان ما في أيديهم ظلما صراحا فلا يجوز أن يؤخذ من أيديهم

(1)

.

وقال الجصاص: دل قوله تعالى: {لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ} على أن الإجابة وقعت له في أن ذرية إبراهيم أئمة.

واستدل أبو حنيفة بقوله تعالى: {وَأَمْناً} على ترك إقامة الحد في الحرم على الزاني المحصن والسارق إذا لجأ إليه، وعضدوا ذلك بقوله تعالى:{وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً} [آل عمران 97/ 3]. والصحيح-كما قال القرطبي-إقامة الحدود في الحرم، وأن ترك إقامتها من المنسوخ؛ لأن الاتفاق حاصل أنه لا يقتل في البيت، ويقتل خارج البيت.

وآية: {أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} استدل بها أبو حنيفة والشافعي والثوري على جواز صلاة الفرض والنفل داخل البيت الحرام، قال الشافعي رحمه الله: إن صلى في جوفها مستقبلا حائطا من حيطانها، فصلاته جائزة، وإن صلى نحو الباب، والباب مفتوح، فصلاته باطلة، وكذلك من صلى على ظهرها، لأنه لم يستقبل منها شيئا.

وقال مالك: لا يصلي في البيت الفرض ولا السّنن، ويصلي فيه التطوع (غير الرواتب)، غير أنه إن صلى فيه الفرض، أعاد في الوقت، ودليله: ما

رواه مسلم عن ابن عباس قال: أخبرني أسامة بن زيد أن النّبي صلى الله عليه وسلم لما دخل البيت، دعا في نواحيه كلها، ولم يصلّ فيه حتى خرج منه، فلما خرج ركع في قبل الكعبة ركعتين.

والحاصل: لا خلاف في صحة التطوع في الكعبة، وأما الفرض فلا يصح عند المالكية، لأن الله تعالى عين الجهة بقوله تعالى:{فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة 150/ 2].

(1)

تفسير القرطبي: 109/ 2 وما بعدها.

ص: 310