الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رمضان، ونسخ قيام الليل في حقه صلى الله عليه وسلم.
أليس الله على كل شيء قدير؟ فالله القادر على كل شيء لا يصعب عليه نسخ الأحكام.
وأليس الله ملك السموات والأرض؟ فهو يملك كل ما في الكون أرضه وسمائه، ويتصرف بحسب إرادته ومشيئته، ويدبر الأمور حسبما يرى من المصلحة، فله أن ينسخ ما شاء من الأحكام.
وليس لكم ولي سواه يتولى أموركم، ولا ناصر ولا معين ينصركم ويعينكم غير الله وحده. وفي هذا نصح للمسلمين أن يعملوا بما يأمرهم به رسولهم، وينتهوا عما نهاهم عنه.
ثم أتبع التحذير بالوعيد لمن يطلب المعجزات تعنتا وعنادا، فمن يترك الثقة بالآيات المنزلة بحسب المصالح، ويطلب غيرها معاندة للنبي صلى الله عليه وسلم، كما طلبت اليهود من موسى عليه السلام أن يريهم الله جهرة، فقد اختار الكفر على الإيمان، وضلّ عن الحق، وترك السبيل السوي كما قال تعالى:{فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ، فَأَنّى تُصْرَفُونَ؟} [يونس 32/ 10]. ومعنى قوله تعالى: {أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا} بل تريدون، أو هي على بابها في الاستفهام، وهو إنكاري، وهو يعمّ المؤمنين والكافرين، فإنه عليه السلام رسول الله إلى الجميع.
وقوع النسخ:
النسخ جائز عقلا بإجماع أهل الشرائع ما عدا اليهود والنصارى، وواقع شرعا بإجماع المسلمين، ما عدا أبا مسلم الأصفهاني.
ودليل الجواز العقلي: أنه لا يترتب على فرض وقوعه محال، وهو معنى الجواز، لأن أحكام الله تعالى إن لم يراع في شرعيتها مصالح العباد، فذلك تابع
لمشيئة الله، والنسخ فعل لله، والله يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، فقد يأمر بالفعل في وقت، وينهى عنه في وقت، كما أمر بالصيام في نهار رمضان، ونهى عنه في يوم العيد.
أما لو راعينا في أحكام الله مصالح العباد، وأن التشريع قائم على أساس المصالح، كما تقول المعتزلة، فالمصالح تختلف باختلاف الأشخاص والأزمان، فما قد يكون مصلحة لشخص أو في زمن، قد لا يكون مصلحة لشخص آخر أو في زمن آخر، وما دامت المصالح تتغير، والأحكام يراعى في تشريعها مصالح الناس، فإن النسخ أمر ممكن غير محال، ويكون جائزا عقلا.
وأدلة وقوع النسخ فعلا كثيرة.
منها: إجماع الصحابة والسلف على أن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ناسخة لجميع الشرائع السابقة، أي في غير أصول العقيدة والأخلاق، مثل تحريم الشحوم، وكل ذي ظفر على اليهود بسبب ظلمهم، وأكلهم أموال الناس بالباطل بالربا وغيره.
ومنها: الإجماع على نسخ وجوب التوجه إلى بيت المقدس، باستقبال الكعبة، وعلى نسخ الوصية للوالدين والأقربين بآية المواريث، ونسخ صوم عاشوراء بصوم رمضان، ونسخ وجوب تقديم الصدقة بين يدي مناجاة النبي صلى الله عليه وسلم بالعفو عنه.
أما أبو مسلم الأصفهاني من علماء التفسير المتوفى سنة 322 هـ، فإنه أجاز النسخ مطلقا بين الشرائع، كما هو المشهور عنه، ولكنه منع وقوعه في الشريعة الواحدة، مستدلا بقول الله تعالى في صفة القرآن:{لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ، تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت 42/ 41] فلو وقع النسخ في القرآن، لأتاه الباطل. وأجيب بأن النسخ إبطال، لا باطل، لأن النسخ حقّ وصدق، والباطل ضدّ الحقّ، كل ما في الأمر أن يصبح حكم المنسوخ غير معمول