الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال الشافعي أيضا: لا يجوز نسخ السنة بالقرآن، ويتطلب كون الناسخ سنة أيضا، لأن الله تعالى في قوله:{لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل 44/ 16] جعل السنة بيانا، فلو نسخت قرآنا، خرجت عن كونها بيانا، وذلك غير جائز.
وأجيب: بأن المراد بالبيان هو التبليغ، سواء بالقرآن وغيره.
المراد بالآية في قوله تعالى: {ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ} :
ذهب الإمام محمد عبده إلى أن الآية لا يراد منها الآية القرآنية، بل المراد المعجزات الدالة على صدق الرسل، حيث يبدل الله معجزة الرسول السابق بالمعجزة التي يأتي بها الرسول الذي بعده، استدلالا بقوله تعالى:{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} . وأجيب بأن هذه الآية جاءت للتمهيد في تحويل القبلة، ونسخ التوجه إليها بالتوجه إلى الكعبة، فهي في نسخ الأحكام المقررة بالآيات. والمراد بالآية إذا أطلقت: القطعة من السورة المتضمنة أمرا أو نهيا أو غير ذلك.
فقه الحياة أو الأحكام:
أجمع السلف على وقوع النسخ في الشريعة، ودلت وقائع ثابتة على وقوعه، بغض النظر عن التعسف في تأويل الآيات المنسوخة، وليس النسخ جهلا بالحكم الأخير، أو من باب البداء، بل هو نقل العباد من عبادة إلى عبادة، وحكم إلى حكم، لنوع من المصلحة التشريعية الملائمة لحاجات الناس، إظهارا لحكمة الله، وكمال ملكه، ولا خلاف بين العقلاء أن شرائع الأنبياء قصد بها مصالح الخلق الدينية والدنيوية، وإنما كان يلزم البداء (الظهور بعد الخفاء أو ظهور مصلحة لم تكن ظاهرة للمشرع) لو لم يكن عالما بمآل الأمور، وأما العالم بذلك، فإنما تتبدل خطاباته بحسب تبدل المصالح، كالطبيب المراعي أحوال العليل، فراعى
ذلك في خليقته بمشيئته وإرادته، لا إله إلا هو، فخطابه يتبدل، وعلمه وإرادته لا تتغير، فإن ذلك محال على الله تعالى.
وجعلت اليهود النسخ والبداء شيئا واحدا، والفرق بين النسخ والبداء: أن النسخ تحويل العبادة من شيء قد كان حلالا فيحرّم، أو كان حراما فيحلّل. وأما البداء: فهو ترك ما عزم عليه، وهذا يلحق البشر لنقصانهم.
والناسخ في الحقيقة هو الله تعالى، والنسخ: إزالة ما قد استقر من الحكم الشرعي بخطاب وارد متراخ عنه.
والمنسوخ: هو الحكم الثابت نفسه، لا مثله، كما تقول المعتزلة: بأنه الخطاب الدال على أن مثل الحكم الثابت فيما يستقبل بالنص المتقدم زائل. وقادهم إلى ذلك مذهبهم في أن الحسن صفة ذاتية للحسن لا تفارقه، ومراد الله حسن.
والفرق بين التخصيص والنسخ أن الأول قصر للحكم على بعض الأفراد، والثاني قصر له على بعض الأزمان.
وجمهور العلماء على أن النسخ يختص بالأوامر والنواهي، وأما الأخبار فلا يدخلها النسخ لاستحالة الكذب على الله تعالى. وقد يرد في الشرع أخبار ظاهرها الإطلاق والاستغراق، ثم تقيد في موضع آخر، فيرتفع ذلك الإطلاق، فليس هو من قبيل نسخ الأخبار، وإنما هو من باب الإطلاق والتقييد، مثل قوله تعالى:{وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ، أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ} [البقرة 186/ 2] ظاهره خبر عن إجابة كل داع على كل حال، لكنه قيّد في موضع آخر، وهو قوله تعالى:{فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ} [الأنعام 41/ 6].