المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

النّبي صلى الله عليه وسلم قرأ: غير المغضوب عليهم ولا - التفسير المنير - الزحيلي - جـ ١

[وهبة الزحيلي]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌بعض المعارف الضرورية المتعلقة ب‌‌القرآن

- ‌القرآن

- ‌أولا-تعريف القرآن وكيفية نزوله وطريقة جمعه:

- ‌أسماء القرآن:

- ‌كيفية نزول القرآن:

- ‌المكي والمدني من القرآن:

- ‌فائدة العلم بأسباب النزول:

- ‌أول القرآن وآخره نزولا:

- ‌جمع القرآن:

- ‌الجمع الأول في عهد النبوة:

- ‌الجمع الثاني في عهد أبي بكر:

- ‌الجمع الثالث-في عهد عثمان بنسخ المصاحف على خط واحد:

- ‌ثانيا-طريقة كتابة القرآن والرسم العثماني:

- ‌وللعلماء رأيان في طريقة كتابة القرآن أو الإملاء

- ‌ثالثا-الأحرف السبعة والقراءات السبع:

- ‌رابعا-القرآن كلام الله وأدلة الإثبات بوجوه الإعجاز:

- ‌ومظاهر الإعجاز أو أوجه الإعجاز كثيرة:

- ‌وأما خصائص المعنى فهي أربعة أيضا:

- ‌خامسا-عربية القرآن وترجمته إلى اللغات الأخرى:

- ‌ترجمة القرآن:

- ‌سادسا-الحروف التي في أوائل السور-الحروف المقطعة:

- ‌سابعا-التشبيه والاستعارة والمجاز والكناية في القرآن:

- ‌أما التشبيه:

- ‌وأما الاستعارة

- ‌وأما المجاز:

- ‌والكناية:

- ‌والتعريض:

- ‌فوائد:

- ‌الاستعاذة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

- ‌1 - معناها:

- ‌2 - أمر الله سبحانه بالاستعاذة

- ‌3

- ‌4

- ‌البسملة: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}

- ‌1 - معناها:

- ‌2 - حكمتها:

- ‌3 - هل هي آية من السورة

- ‌فضل البسملة:

- ‌أمل ودعاء وغاية

- ‌سورة الفاتحةمكية وآياتها سبعنزلت بعد المدّثّر

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌أسماؤها:

- ‌فضلها:

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التأمين:

- ‌آراء العلماء في الجهر والإسرار بالتأمين:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سورة البقرة

- ‌ما اشتملت عليه السورة:

- ‌سبب التسمية:

- ‌فضلها:

- ‌صفات المؤمنين وجزاء المتقين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌صفات الكافرين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة وسبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌صفات المنافقين-1

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌صفات المنافقين-2

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌صفات المنافقين-3

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول الآية 14:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إيراد الأمثال للمنافقين

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول الآية 19:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الأمر بعبادة الله وحده والأسباب الموجبة لها

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌مناسبة الآيات:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تحدي الجاحدين بالإتيان بمثل أقصر سورة من القرآن

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الوجه الأول

- ‌والوجه الثاني

- ‌والوجه الثالث

- ‌جزاء المؤمنين العاملين

- ‌الإعراب:

- ‌لمفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌فائدة ضرب الأمثال للناس في القرآن

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مظاهر قدرة الله بخلق الإنسان وإماتته وخلق الأرض والسماء

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌لتفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌استخلاف الإنسان في الأرض وتعليمه اللغات

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌ا، ولا

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌ثانيا

- ‌ثالثا

- ‌رابعا

- ‌خامسا

- ‌سادسا

- ‌سابعا

- ‌ثامنا

- ‌تاسعا

- ‌التكريم الإلهي السامي لآدم بسجود الملائكة له

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌آدم وحواء في الجنة وموقف الشيطان منهما

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة آدم عليه السلام

- ‌العظة من قصة آدم:

- ‌ما طلب من بني إسرائيل

- ‌الإعراب

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌نماذج من سوء أخلاق اليهود

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌نعم الله تعالى العشر على اليهود

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تتمة النّعم العشر على بني إسرائيل

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مطامع اليهود وبعض جرائمهم وعقوباتهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌عاقبة المؤمنين بنحو عام

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بعض جرائم اليهود وعقابهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قصة ذبح البقرة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌سبب القصة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قسوة قلوب اليهود

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌استبعاد إيمان اليهود

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌وسبب نزول الآية (76):

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تحريف أحبار اليهود وافتراءاتهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزلت الآية (79)

- ‌ونزلت الآية (80)

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مخالفة اليهود المواثيق

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بعض حالات مخالفة اليهود الميثاق

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة التاريخية المتجددة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌موقف اليهود من الرسل والكتب المنزلة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول الآية (89):

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌كفرهم بما أنزل الله وقتلهم الأنبياء

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تكذيب ادعائهم الإيمان بالتوراة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حرص اليهود على الحياة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول الآية (94):

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌موقف اليهود من جبريل والملائكة والرسل

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول الآية (97):

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌كفرهم بالقرآن ونقضهم العهود

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول الآية (99):

- ‌وسبب نزول الآية (100):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌اشتغال اليهود بالسحر والشعوذة والطلاسم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول الآية (102):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حكم السحر:

- ‌الفرق بين معجزات الأنبياء عليهم السلام وبين السحر:

- ‌أدب الخطاب مع النبي صلى الله عليه وسلم ومصدر الاختصاص بالرسالة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول الآية (104):

- ‌سبب نزول الآية (105):

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إثبات نسخ الأحكام الشرعية

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول الآية (106):

- ‌سبب نزول الآية (107):

- ‌سبب نزول الآية (108) وما بعدها:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌وقوع النسخ:

- ‌أنواع النسخ:

- ‌المراد بالآية في قوله تعالى: {ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ}:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌موقف أهل الكتاب من المؤمنين وكيفية الردّ عليه

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول الآية (109):

- ‌المناسبة العامة للآية (109):

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌رأي كل فريق من اليهود والنصارى في الآخر

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول الآية (113):

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌ظلم مانع الصلاة في المساجد، وصحة الصلاة في أي مكان

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول الآية (114):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حكم الخطأ في الاتجاه لغير القبلة:

- ‌صلاة النافلة على الراحلة:

- ‌الصلاة على الغائب:

- ‌المقصود بوجه الله في القرآن والسنة:

- ‌افتراءات أهل الكتاب والمشركينبنسبة الولد لله والمطالبة بتكليمه الناس

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة وسبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌التحذير من اتباع اليهود والنصارى

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول الآيات (119 - 121):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تذكير بالنعمة وتخويف من الآخرة

- ‌المفردات اللغوية

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌اختبار إبراهيم عليه السلاموخصائص البيت الحرام وفضائل مكة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول الآية (125):

- ‌المناسبة العامة للآيات:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌بناء البيت الحرام ودعاء إبراهيم وإسماعيل

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌سفاه من يرغب عن ملة إبراهيم

- ‌الإعراب

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول الآية (130):

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إبطال دعوى اليهود أنهم على دين إبراهيم ويعقوب

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول الآية (133):

- ‌وسبب نزول الآية (135):

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌صبغة الإيمان وأثره في النفوس والعبودية لله تعالى

- ‌الإعراب

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول الآية (138):

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

الفصل: النّبي صلى الله عليه وسلم قرأ: غير المغضوب عليهم ولا

النّبي صلى الله عليه وسلم قرأ: غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقال: آمين، يمدّ بها صوته»

(1)

.

‌التفسير والبيان:

أرشدنا الله تعالى إلى أن نبدأ كل أعمالنا وأقوالنا بالبسملة، فهي مطلوبة لذاتها، محققة للاستعانة باسمه العظيم. وعلمنا سبحانه كيف نحمده على إحسانه ونعمه، فهو صاحب الثناء بحق، فالحمد كله لله دون سواه، لأنه مالك الملك ورب العوالم والموجودات كلها، أوجدها ورباها وعني بها، وهو صاحب الرحمة الشاملة الدائمة، ومالك يوم الجزاء والحساب ليقيم العدل المطلق بين العباد، ويحقق للمحسن ثوابه، وللمسيء عقابه. فهذه الصفات تقتضينا أن نخص الله بالعبادة وطلب المعونة، والخضوع التام له، فلا نستعين إلا به، ولا نتوكل إلا عليه، ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين، لأنه المستحق لكل تعظيم، والمستقل بإيجاد النفع ودفع الضر.

وقد تعصف الأهواء بالنفوس، وتزيغ بالعقول، فلا غاصم من التردي في الشهوات ومتاهات الانحراف إلا الله، لذا أرشدنا الحق سبحانه إلى طلب الهداية والتوفيق منه، حتى نسير على منهج الحق والعدل، ونلتزم طريق الاستقامة والنجاة، وهو طريق الإسلام القديم المستمر الذي أنعم الله به على النبيين والصديقين والصالحين. وهذا شأن العبد العابد الناسك العاقل العارف حقيقة نفسه ومصيره في المستقبل، لا شأن الكافر الجاحد الضال المنحرف، الذي أعرض عن طريق الاستقامة عنادا، أو ميلا مع الأهواء، أو جهلا وضلالا، وما أكثر الضالين عن طريق الهداية، المتنكبين منهج الاستقامة، الذين استحقوا الغضب والسخط الإلهي!

(1)

رواه أحمد وأبو داود والترمذي.

ص: 58

فاللهم أدم علينا البقاء في طريق الهداية، وتقبل ثناءنا ودعاءنا واحفظنا من الغواية والضلال.

وبه تبين أن الناس فريقان: فريق الهدى، وفريق الضلال

(1)

. وقد منح الله تعالى للإنسان خمس هدايات يتوصل بها إلى سعادته

(2)

.

1 -

هداية الإلهام الفطري: وتكون للطفل منذ ولادته، فهو يحس بالحاجة إلى الطعام والشراب، فيصرخ طالبا له إن غفل عنه والداه.

2 -

هداية الحواس: وهي متممة للهداية الأولى، وهاتان الهدايتان يشترك فيهما الإنسان والحيوان، بل هما في البداية أكمل في الحيوان من الإنسان، إذ إلهام الحيوان يكمل بعد ولادته بقليل، ويكتمل في الإنسان تدريجيا.

3 -

هداية العقل: وهي أسمى من الهدايتين السابقتين، فالإنسان خلق مدنيا بالطبع ليعيش مع غيره، ولا يكفي الحس الظاهر للحياة الاجتماعية، فلا بد له من العقل الذي يوجهه إلى مسالك الحياة، ويعصمه من الخطأ والانحراف، ويصحح له أغلاط الحواس، والانزلاق في تيارات الهوى.

4 -

هداية الدين: وهي الهداية التي لا تخطئ، والمصدر الذي لا يضل، فقد يخطئ العقل، وتنجرف النفس مع اللذات والشهوات، حتى توردها موارد الهلاك، فيحتاج الإنسان إلى مقوّم مرشد هاد لا يتأثر بالأهواء، فتسعفه هداية الدين لإرشاده إلى الطريق الأقوم، إما بعد الوقوع في الخطأ أو قبله، وتظل هذه الهداية هي الحارس الأمين الذي يفيء إليها الإنسان للتزود بمفاتيح الخير، والتسلح بمغلاق الشر، فيأمن العثور، ويضمن النجاة، وتعرّفه بحدود ما يجب

(1)

الضلال: العدول عن الطريق المستقيم، ويضاده الهداية.

(2)

تفسير المنار: 62/ 1، تفسير المراغي: 35/ 1.

ص: 59

عليه لسلطان الله الذي يخضع له في أعماق نفسه، ويحس بالحاجة الملحة لصاحب ذلك السلطان، الذي خلقه وسواه، وأنعم عليه نعما ظاهرة وباطنة، لا تعد ولا تحصى. فصارت هذه الهداية أشد ما يحتاج إليها الإنسان، لتحقيق سعادته.

وقد أشار القرآن إلى تلك الهدايات في آيات كثيرة، منها {وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد 10/ 90] أي بينا له طريقي الخير والشر، والسعادة والشقاء.

ومنها قوله تعالى: {وَأَمّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ، فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى} [فصلت 17/ 41] أي أرشدناهم إلى طريق الخير والشر، فاختاروا الثاني.

5 -

هداية المعونة والتوفيق للسير في طريق الخير والنجاة: وهي أخص من هداية الدين، وهي التي أمرنا الله بدوام طلبها في قوله تعالى:{اِهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ} أي دلنا دلالة، تصحبها من لدنك معونة غيبية، تحفظنا بها من الضلال والخطأ.

وهذه الهداية خاصة به سبحانه، لم يمنحها أحدا من خلقه، بل نفاها عن النّبي صلى الله عليه وسلم في قوله:{إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ، وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ} [القصص 56/ 28]، وقوله:{لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ، وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ} [البقرة 272/ 2]، وأثبتها لنفسه في قوله:{أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام 90/ 6].

أما الهداية بمعنى الدلالة على الخير والحق، فأثبتها الله للنّبي صلى الله عليه وسلم في قوله:

{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى 52/ 42].

والخلاصة: الهداية في القرآن نوعان: هداية عامة: وهي الدلالة إلى مصالح العبد في معاده، وهذه تشمل الأنواع الأربعة السابقة، وهداية خاصة: وهي الإعانة والتوفيق للسير في طريق الخير والنجاة، مع الدلالة، وهي النوع الخامس.

ص: 60

والإضلال نوعان

(1)

:

أحدهما-أن يكون سببه الضلال: إما بأن يضل عنك الشيء كقولك:

أضللت البعير، أي ضلّ عني، وإما أن تحكم بضلاله. والضلال في هذين سبب الإضلال.

والثاني-أن يكون الإضلال سببا للضلال: وهو أن يزين للإنسان الباطل ليضلّ.

وإضلال الله تعالى للإنسان على أحد وجهين: إما الحكم عليه بالضلال، أو التّمكين من البقاء في الضلال.

والأول-سببه الضلال: وهو أن يضل الإنسان، فيحكم الله عليه بذلك في الدنيا، ويعدل به عن طريق الجنة إلى النار في الآخرة، وذلك إضلال هو حق وعدل، لأن الحكم على الضال بضلاله والعدول به عن طريق الجنة إلى النار عدل وحق.

والثاني-سببه اختيار الإنسان: وهو أن يختار الإنسان طريق الانحراف، فيمده الله في ضلاله، ويمكّنه من البقاء في طغيانه، ويخلق له القدرة على الاستمرار في كفره وفساده، لذا نسب الله الإضلال للكافر والفاسق، دون المؤمن، بل نفى عن نفسه إضلال المؤمن، فقال:{وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ} [التوبة 115/ 9]، {فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ، سَيَهْدِيهِمْ} [محمد 4/ 47 - 5]، وقال في الكافر والفاسق:{فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ} [محمد 8/ 47]، {وَما يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفاسِقِينَ} [البقرة 26/ 2]، {كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ الْكافِرِينَ} [غافر 74/ 40]، {وَيُضِلُّ اللهُ الظّالِمِينَ} [إبراهيم 27/ 14]، وعلى هذا النحو

(1)

مفردات الراغب للأصفهاني: ص 307

ص: 61