الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمنافقون، أمر جميع الناس ومنهم مشركو مكة بعبادته والاستكانة والخضوع له بالطاعة، وإفراد الربوبية والوحدانية له، وعبادته دون الأوثان والأصنام والآلهة التي كانوا يعبدونها، لأنه تعالى هو خالقهم وخالق من قبلهم من آبائهم وأجدادهم، وخالق أصنامهم وأوثانهم وآلهتهم، ولأنه المنعم المتفضل على جميع الخلائق بخيرات الأرض والسماء.
التفسير والبيان:
يأمر الله تعالى جميع الناس من مشركي مكة وغيرهم بعبادته وحده، كما أمرهم على لسان الأنبياء السابقين في قوله تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ، وَاجْتَنِبُوا الطّاغُوتَ} [النحل 36/ 16] أي الأوثان. وأصل العبادة:
الخضوع والتذلل، ويراد بها هنا توحيد الله والتزام شرائع دينه، ونبذ عبادة الأصنام. والسبب أن هذا الرب العظيم يستحق إفراده بالعبادة، لأنه خالق العباد جميعهم، المأمورين وأسلافهم، ومدبر شؤونهم، وواهبهم ما يحتاجونه من طرق الهداية ووسائل المعرفة. وللعبادة ثمرة مؤكدة هي الوصول للتقوى والظفر بالفوز والنجاح والهدى وبلوغ درجة الكمال، لأن من ذرأه الله لجهنم لم يخلقه ليتقي، ومن عبد الله حق العبادة تحققت تقواه التي يحبها الله من عباده. وبما أن الأصل في كلمة «لعل» للترجي والتوقع، وهو مستحيل من الله القدير الأعلى للعبد الضعيف الأدنى، فكان المراد به: افعلوا ذلك راجين الوصول للتقوى، أو لتعقلوا ولتذكروا ولتتقوا.
والأمر بالعبادة أيضا لأنه سبحانه جعل الأرض مهادا وقرارا للاستقرار عليها، والحياة والإقامة فيها بهدوء واطمئنان، بالرغم من دورانها وكرويتها، فهي ثابتة بالجبال الراسيات:{وَالْجِبالَ أَوْتاداً} [النبأ 7/ 78]، ولأنه جعل السماء سقفا مرفوعا فوق الأرض كالقبة، تظلّ الناس بالخير والبركة، وأحكم
بناءها مع ما فيها من أفلاك وأجرام، وأحكم النّسب بينها بسنة الجاذبية، فلا يختل نظامها، ولا يسقط منها جرم عظيم على الأرض، ولا تصطدم ببعضها، وأنزل منها أي من السحاب ماء مباركا ومطرا عذبا ينبت به الزرع والعشب، ويحيي الأرض بعد موتها، ويغسل به الجو الذي تلوث بالتراب وغيره من كل ما يؤذي ويضر ويعكر صفو الحياة وصفاء الهواء.
فمن اتصف بالخلق والإبداع والتكوين للإنسان، والإمداد له بالنعم والأرزاق، وبخلق السماء والأرض لخير البشر، جدير بالعبادة والتعظيم والخضوع له، فلا يليق اتخاذ الشركاء الضعفاء معه من الأصنام والبشر، الذين لا يخلقون شيئا ولا يقدمون رزقا، ولا يملكون لأنفسهم نفعا، ولا يدفعون عن ذواتهم ضرا، وتقدس الله تعالى عن اتخاذ الأنداد والشركاء والأولاد، إذ لا حاجة له بهم، فمن كانت له حقيقة القدرة، ودلت عليه دلائل الربوبية والوحدانية هو المستحق وحده للطاعة.
وأما اتخاذ المشركين الأصنام أندادا توسلا بها إلى الله، واتخاذ أهل الكتاب أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله، في التشريع وتحليل المنكرات، وتحريم بعض الطيبات، فهو محض الافتراء والكذب، ومغالطة الواقع، مع أن الكل متفقون على أن الخالق والرازق هو الله، وحال جميع الكافرين والمنافقين يعلمون في الحقيقة بطلان شرائع وأنظمة الآلهة المزعومة، قال تعالى:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ، وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، لَيَقُولُنَّ اللهُ، فَأَنّى يُؤْفَكُونَ} [العنكبوت 61/ 29] أي يصرفون. وقال سبحانه منددا باتخاذ الوسائط إلى الله، وبإبطال التقرب بغير ما شرع الله:{ما نَعْبُدُهُمْ إِلاّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى} [الزمر 3/ 39].