الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالنعم التي أنعم الله بها على آبائكم من الإنجاء من فرعون، وتظليل الغمام، واشكروا الله على نعمه بامتثال أوامره وإطاعته، وأوفوا بما عاهدتكم عليه من الإيمان بالله ورسله دون تفريق، وبخاصة محمد خاتم النبيين، أوفّ بعهدي لكم في الدنيا والآخرة، بالتمكين لكم في الأرض المقدسة-في زمنهم-ورفع شأنكم، وتوسيع معيشتكم، ونصركم على أعدائكم، وتوفير السعادة لكم في الآخرة.
وآمنوا-ضمن مشتملات العهد-بالقرآن إيمانا صادقا، وأنه من عند الله، وأنه نزل مؤيدا ومصدقا وموافقا للتوراة وكتب الأنبياء السابقة، في الدعوة إلى توحيد الله، وترك الفواحش، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وفي التوراة وصف للنبي صلى الله عليه وسلم، فلا تكونوا يا أهل الكتاب أول الناس في الكفر به، فأنتم أحق الناس بالإيمان به، لوجود دليل صدقه في التوراة. ولا تبيعوا آيات الله الدالة على صدق محمد في نبوته ودعوته بثمن دنيوي حقير، من رياسة أو زعامة أو مال أو موروثات وعادات قديمة، فإنه ثمن قليل بخس، وتجارة خاسرة غير رابحة. ولا تخافوا أحدا سوى الله فهو بيده الخير كله. ولا تخلطوا الحق الموجود في التوراة بالباطل الذي تخترعونه وتكتبونه، ولا تكتموا وصف النبي وبشارته التي هي حق وأنتم تعلمون ضرر الكتمان، فليس جزاء العالم في الآخرة كالجاهل. وأدوا ما افترض الله عليكم من الصلاة والزكاة وأدوها جماعة مع النّبي محمد عليه السلام.
وعبر بالركوع عن الصلاة ليبعدهم عن صلاتهم القديمة التي لا ركوع فيها.
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى أحكام كثيرة في العقيدة والأخلاق والعبادة والحياة الخاصة والعامة، فأوجبت على اليهود ألا يغفلوا عن نعم الله التي أنعم بها عليهم وألا يتناسوها، والنعمة هنا: اسم جنس، مفردة بمعنى الجمع، قال الله تعالى:
{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها} [إبراهيم 34/ 14]، ومن نعمه عليهم: أن
أنجاهم من آل فرعون، وجعل منهم أنبياء، وأنزل عليهم المن والسلوى، وفجّر لهم من الحجر الماء، واستودعهم التوراة التي فيها صفة محمد صلى الله عليه وسلم ونعته ورسالته
(1)
، والنعم على الآباء نعم على الأبناء، لأنهم يشرفون بشرف آبائهم وكانت النعم سببا في بقائهم. والتذكير بكثرة النعم يوجب الحياء عن إظهار المخالفة، ويوجب عظم المعصية، ويستدعي الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن.
وألزمهم الوفاء بالعهد: وهو عام في جميع أوامره تعالى ونواهيه ووصاياه، ويدخل في ذلك الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم الذي ذكر في التوراة وغيرها، فإذا وفّوا بعهودهم، وفي الله لهم عهده: وهو أن يدخلهم الجنة، على سبيل التفضل والإنعام.
وما طلب من اليهود من الوفاء بالعهد هو مطلوب منا، قال الله تعالى:
{أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة 1/ 5]{وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ} [النحل 91/ 16].
وأمرهم بخشية الله وحده والإيمان (التصديق) بما أنزل الله وهو القرآن، ونهاهم عن أن يكونوا أول من كفر، وألا يأخذوا على آيات الله ثمنا، أي على تغيير صفة محمد صلى الله عليه وسلم رشى، وكان الأحبار يفعلون ذلك، فنهوا عنه.
وقد أثار العلماء في هذه الآية (41) ونحوها مسألة أخذ الأجرة على تعليم القرآن
(2)
، فمنع ذلك الزهري وأصحاب الرأي، وقالوا: لا يجوز أخذ الأجرة على تعليم القرآن، لأن تعليمه واجب من الواجبات التي يحتاج فيها إلى نية التقرب
(1)
تفسير الرازي: 33/ 3 وما بعدها، قال بعض العارفين: عبيد النعم كثيرون، وعبيد المنعم قليلون، فالله تعالى ذكّر بني إسرائيل بنعمه عليهم، ولما آل الآمر إلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم ذكرهم بالمنعم فقال: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة 152/ 2] فدل ذلك على فضل أمة محمد صلى الله عليه وسلم على سائر الأمم.
(2)
تفسير القرطبي: 335/ 1
والإخلاص، فلا يؤخذ عليها أجرة كالصلاة والصيام، وقد قال تعالى:{وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً} .
وأجاز جمهور العلماء غير الحنفية أخذ الأجرة على تعليم القرآن،
لقوله عليه السلام في حديث ابن عباس-حديث الرّقية الذي أخرجه البخاري: «إن أحقّ ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله» والقياس على الصلاة والصيام فاسد، لأنه في مقابلة النص، ولأن تعليم القرآن يتعدى أثره لغير المعلّم، فيختلف عن العبادات المختصة بالفاعل.
وهذا الخلاف جار أيضا في أداء الصلاة وغيرها من الشعائر الدينية بأجر.
ونهى الله اليهود-ومثلهم غيرهم-عن أن يخلطوا ما عندهم من الحق في الكتاب بالباطل، وهو التغيير والتبديل، وعن كتمان ما علموا، ومنه أن محمدا عليه السلام حق، فكفرهم كان كفر عناد، ولم يشهد تعالى لهم بعلم في ذلك.
وفي نهاية الآيات أمرهم الله تعالى-والأمر للوجوب-بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وعبر عن الصلاة بالركوع، لأن بني إسرائيل لم يكن في صلاتهم ركوع، ليرشدهم إلى الصلاة بالصفة الإسلامية، والمراد بالزكاة على الأصح الزكاة المفروضة، لمقارنتها بالصلاة، وليس المراد هو صدقة الفطر. وفي الصلاة تطهير النفوس، وفي الزكاة تطهير المال، وكلاهما مظهر شكر الله على نعمه، والزكاة تنفرد بأنها تحقق مبدأ التكافل الاجتماعي بين الناس، فالغني بحاجة إلى الفقير، والفقير بحاجة إلى الغني. قال الجصاص: أريد بالصلاة والزكاة ما خوطبنا به من هذه الصلوات المفروضة والزكوات الواجبة
(1)
.
(1)
أحكام القرآن: 34/ 1