الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاسم لما بينهنَّ من التَّشَاكُل الذي اختصت به، وهو أن كل واحدة منها
استفتحت بالكتاب أو صِفَة الكتاب، مع تفاوت المقادير في الطول، والقِصَر، وتشاكل الكلام في النظام.
*******
الوجه الخامس من وجوه إعجَازه افتتاح السور وخواتمها
وهو من أحسن البلاغة عند البيانيين.
وهو أنْ يتأتقَ فىِ أول الكلام، لأنه
أول ما يقرع السمع، فإن كان محرراً قِبَل السامع قَبِلَ الكلام ووعاه، وإلا
أعرض عنه، وإن كان في نهاية الحسن، فينبغي أن يُؤتى فيه بأعذب اللفظ
وأرقّه، وأجزله وأسلسه، وأحسنه نظماً وسبكاً، وأصحه معنى وأوضحه، وأخلاه من التعقيد والتقديم والتأخير الملْبِس، أو الذي لا يناسب.
قالوا: وقد أتت فواتح جميع السور على أحسن الوجوه وأكملها، كالتحميدات، وحروف النداء، والهجاء، وغير ذلك.
ومن الابتداء الحسن نوع أخص منه يسمى براعة الاستهلال، وهو أن
يشتمل أول الكلام على ما يناسب الحال المتلكم فيه، ويشير إلى ما سبق الكلام لأجله، والعَلَم الأسنى في ذلك سورة الفاتحة التي هي مطلع القرآن! فإنها مشتملة على جميع مقاصده، لأنه افتتح فيها فنبه في الفاتحة على جميع مقاصد القرآن.
وهذا هو الغاية فىِ براعة الاستهلال، مع ما اشتملت عليه من الألفاظ الحسنة، والمقاطع المستحسنة وأنواع البلاغة.
وخواتم السور مثل الفواتح فىِ الحسن، فلهذا جاءت متضمنة للمعاني البديعة، مع إيذان السامع بانتهاء الكلام، حتى لا يبقى معه للنفوس تشوّق إلى ما يذكر بعد، لأنها بين أدعية ووصايا، وفرائض، وتحميد وتهليل ومواعظ، ووعد ووعيد، إلى غير ذلك، كتفصيل جملة المطلوب في خاتمة الفاتحة، إذ المطلوب الأعلى الإيمان المحفوظ من المعاصي السبّبة لغَضَبِ الله والضلال، ففصّل جملة
ذلك بقوله: الذين أنعمت عليهم.
والمراد المؤمنون، ولذلك أطلق الإنعام ولم يقيده ليتناول كلَّ إنعام، لأنَّ مَنْ أنعم الله عليه بنعمة الإيمان فقد أنعم عليه بكل نعمة، لأنها مسببة لجميع النعم، ثم وصفهم بقوله: غير المغضوب عليهم ولا الضالِّين.
يعني أنهم جعوا بين النعم المطلقة - وهي نعمة الإيمان - وبين السلامة من
غضب الله والضلال المتسبّبَيْن عن معاصيه وتعدي حدوده، وكالدعاء الذي
اشتملت عليه الآيتان من آخر سورة البقرة، وكالوصايا التي
ختمتنها سورة آل عمران، والفرائض التي ختمت بها سورة النساء، وحَسُنَ
الخَتْم بها لما فيها من أحكام الموت الذي هو آخر كل امرئ حي، والآخر ما
نزل من الأحكام وكالتبجيل والتعظيم الذقي خُتِمَتْ به المائدة.
وكالوعد والوعيد الذي ختمت به الأنعام.
وكالتحريض على العبادة بوصف حال الملائكة الذي ختمت به الأعراف.
وكالحض على الجهاد وصلة الأرحام الذي ختمت به الأنفال.
وكوصف الرسول ومدحه والتهليل الذي ختمت به براءة.
وتسليته عليه السلام التي ختم بها سورة يونس.
ومثلها خاتمة هود.
ووصف القرآن ومدحه الذي ختم به يوسف.
والرد على من كذّب يوسف والرد على من كذب الرسول الذي ختم به الرعد.
ومن أوضح ما آذن بالختام خاتمة إبراهيم: (هذا بلاغ للناس) .
ومثلها خاتمة الأحقاف، وكذلك خاتمة الحجر: (واعْبُدْ رَبَّكَ حتى يَأتيكَ
اليَقين) ، وهو مُفَسّر بالموت، وهو في غاية البراعة.
وانظر إلى سورة الزّلْزَلة كيف بدئت بأحوال القيامة، وختمت بقوله:
(فَمَنْ يعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّة خَيْراً يرَه) .
وانظر إلى براعة آخر آية نزلت، وهي قوله:(وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ) ، وما فيه من الإشعار بالآخرية المستلزمة للوفاة.
وكذا آخر سورة نزلت، وهي سورة النَّصْرِ، فيها الإشعار بالوفاة، كما قال ابن عباس، كأنه قال له:(إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) .
فذلك علامة أجَلك.
(فسبِّحْ بحمده رَبِّكَ واستَغْفِرْه إنه كان تواباً) ، ووافقه عمر على ذلك.
فإن قلت: ما الحكمة في ختم هذا القرآن العظيم بالمعوّذتين؟
والجواب ما قاله ابن جرير في تفسيره عن شيخه ابن الزبير: لثلاثة أمور:
الأول: لما كان القرآن العظيم من أعظم نعم الله على عباده، والنعم مظنّة
الحسد، فختم بما يطفىء الحسد من الاستعاذة بالله.
الثاني: إنما ختم بهما لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيهما: أنْزِلَتْ عليَّ آيات لم أرَ مِثْلَهن قط، كما قال في فاتحة الكتاب: لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الفرقان مثلها، فافتتح القرآن بسورة لم ينزل مثلها، واختتم بسورتين لم ير مثلهما، ليجمع حسن الافتتاح والاختتام.
ألا ترى أن الخطَب والقصائد وغير ذلك من أنواع الكلام إنما يُنظر فيها إلى
حسن افتتاحها واختتامها.
الثالث: أنه لما أمر القارىء أن يفتتح قراءته بالتعوذ من الشيطان الرجيم ختم
القرآن بالمعوذتين لتحصُلَ الاستعاذة بالله عند أول القراءة وعند آخر ما يقرأ من القرآن، فتكون الاستعاذة اشتملت على طرفي الابتداء والانتهاء، ليكون القاريء محفوظاً بحفظ الله الذي استعاذ به من أول الأمر إلى آخره.
قال البيهقي في شعب الإيمان: أخبرنا أبو القاسم بن حبيب، حدثنا محمد بن
صالح بن هانيء، حدثنا الحسين بن الفضل، حدثنا عفان بن مسلم، عن الربيع بن صبيح، عن الحسن، قال: أنزل الله مائة وأربعة كتب أودع علومه منها أربعة: التوراة، والإنجيل، والزبور، والفرقان، ثم أودع علم التوراة والإنجيل والزبور في الفرقان، ثم أودع علوم القرآن في المفصل، ثم أودع المفصل فاتحة الكتاب، فمن علم تفسيرها كان كمن علم جميع الكتب المنزلة.
وقد وُجّه ذلك بأن العلوم التي احتوى عليها القرآن وقامت بها الأديان
أربعة: علم الأصول، ومداره على معرفة الله وصفاته، وإليه الإشارة برب العالمين الرحمن الرحيم.
ومعرفة النبوات، وإليه الإشارة بالذين أنعمت عليهم.
ومعرفة المعاد، وإليه الإشارة بـ مالِكِ يوْم الدين.
وعلم العبادات، وإليه الإشارة بـ إيّاكَ نَعْبد.
وعلم السلوك، وهو حَمْلَ النفس على الآداب الشرعية، والانقياد لرب
البرية، وإليه الإشارة بإياك نستعين، اهْدِنا الصِّرَاط المستقيم.
وعلم القصص، وهو الاطلاع على أخبار الأمم السالفة والقرون الماضية، ليعلم المطلع على ذلك سعادة من أطاع الله وشقاوة من عصاه، وإليه الإشارة بقوله: صراط الذين أنعمت عليهم غَيْر المغضوب عليهم ولا الضالين.
فنَبَّه في الفاتحة على جميع مقاصد القرآن، وهذا هو الغاية في براعة الاستهلال
- مع ما اشتملت عليه من الألفاظ الحسنة والمقاطع المستحسنة وأنواع البلاغة.
وكذلك أول سورة اقْرَأ لكونها أول ما نزل من القرآن، فإن فيها الأمر
بالقراءة والبداءة فيها باسم الله، وفيها الإشارة إلى علم الأحكام، وفيها ما يتعلق بتوحيد الرب، وإثبات ذاته وصفاته، من صفات ذات وصفة فعل، وفي هذا الإشارة إلى أصول الدين.
وفيها ما يتعلق بالأخبار من قوله: (عَلّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يعْلَمْ) .
ولهذا قيل: إنها جديرة أن تُسمى عنوان القرآن، لأن
عنوان الكتاب يجمع مقاصده بعبارة وجيزة في أوله.
والكلام في هذا الوجه عريض، أفرده بالتأليف ابن أبي الإصبع في كتاب
سماه " الخواطر السوانح في أسرار الفواتح "، وهأنا ألخص هنا ما ذكره مع زوائد من غيره، طالبا ممن نظر فيه دعوة خالصة في وقت استجابةٍ أن ينفعنا بهذا القرآن العظيم بجاه نبيه عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم:
اعلم أن الله تعالى افتتح القرآن بعثصرة أنواع من الكلام لا يخرج شيء من
السور عنها:
الأول: الثناء عليه تعالى، والثناء قسمان: إثبات لصفات المدح، ونفي وتنزيه عن صفات النقص.
فالأول التحميد في خمس سور، و (تبارك) في سورتين.
والثاني: التسبيح في سبع سور.
قال الكِرْماني في متشابه القرآن: التسبيح كلمة استأثر الله بها، فبدأ بالمصدر
في بني إسرائيل، لأنه الأصل، ثم بالماضي في الحديد والحشر، لأنه أسبق
الزمانين، ثم بالضارع في الجمعة والتَّغَائن، ثم بالأمر في الأعلى، استيعابا لهذه
الكلمة من جميع جهاتها.
الثاني: حروف التهجي في تسع وعشرين سورة، وسيأتي الكلام عليها في وجه تشابهه، ومضى في وجه مناسبة سوره.
الثالث: النداء في عشر سور، خمس بنداء الرسول صلى الله عليه وسلم: الأحزاب، والطلاق، والتحريم، والمزَّمّل، والمدَّثّر.
وخمس بنداء الأمة: النساء، والمائدة، والحج، والحجرات، والممتحنة.
الرابع: الجمل الخبرية، نحو:(يسألونك عن الأنفال) .
(برَاءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسولِه) .
(أتى أمْر اللهِ) .
(اقترب للناسِ حِسابهم) .
(قد أفلح المؤمنون) .
(سورَةٌ أنزلناها) .
(تَنْزِيل الكتَاب) .
(الذين كفَروا) .
(إنَّا فَتَحْنَا) .
(اقْتَرَبَتِ الساعة) .
(الرحمن علَّم القرآن) .
(قد سَمِع)
(الحاقَّةُ) .
(سأل سائل) .
(إنا أرسلنا نوحاً) .
(لا أقْسم) في موضعين القيامة، والبلد.
(عبس) .
(إنا أنزلناه) .
(لم يكن)
(القارعة) .
(ألهاكم) .
(إنا أعطيناك) .
فتلك ثلاثٌ وعشرون سورة.
الخامس: القَسَم في خمس عشرة سورة أقسم فيها بالملائكة وهي: والصافّات. وسورتان بالأفلاك: البروج، والطارق.
وست سور بلوازمها: في النجم أقسم بالثريا.
والفجر بمبدأ النهار.
والشمس بآية النهار.
والليل بشطر الزمان.
والضحى بشطر النهار.
والعصر بالشطر الآخر، أو بجملة الزمان.
وسورتان بالهواء الذي هو أحد العناصر: والذاريات، والمرسلات.
وسورة بالتربة التي هي منها أيضاً، وهي الطور.
وسورة بالنَّبَاتِ وهي: والتين.
وسورة بالحيوان الناطق، وهي: والنازعات.
وسورة بالبهائم، وهي: والعاديات.
السادس: الشرط في سبع سور: الواقعة.
والمنافقون. والتكوير. والانفطار. والانشقاق. والزّلْزَلَة. والنَّصْر.
السابع: الأمر في ست سور: (قل أوحى) .
(اقرأ)(قل يا أيها الكافرون) والإخلاص. والمعوِّذتين.
الثامن: الاستفهام في ست: (هل أتى) . (عَمَّ يتساءلون) . (هل أتاك)
(ألم نشرح) . (ألم تر) . (أرأيت)
التاسع: الدعاء في ثلاث: (وَيْلٌ لِلْمُطَففِين) .
(وَيْلٌ لِكلّ همزة) .
(تَبَّتْ يَدَا) .
العاشر: التعليل في: (لإيلَافِ فريش) .
هكذا جمع أبو شامة، قال وما ذكرناه في قسم الدعاء يجوز أن يذكر مع الخبر، وكذا الثناء كله خبر إلا سبّح
فإنه يدخل في قسم الأمر، وسبحان يحتمل الأمر والخبر، ثم نظم ذلك في بيتين:
أثنى على نَفْسِهِ سبحانه بثبو
…
ت الحمد والسلب لَمَّا استفتح السّوَرَا
والأمرُ شرط النِّدا التعليل والقَسَم ال
…
عما حروف التهجِّي استفهمِ الْخَبَرا
وسئل الشيخ الإمام تاج الدين السبكي عن الحكمة في افتتاح سورة الإسراء
بالتسبيح، والكهف بالتحميد.
فأجاب بأن التسبيح حيث جاء مقدم على
التحميد، نحو: فسبح بحمد ربك.
سبحان الله والحمد لله.
وأجاب ابن الزَّمْلكاني بأن سورة سبحان لما اشتملت على الإسراء الذي
كذّب المشركون به النبي صلى الله عليه وسلم، وتكذيبه تكذيبٌ لله تعالى - أتى بسبحان لتنزيه الله عما نُسب إليه ولنَبِيِّه من الكذب.
وسورة الكهف لما أنزلت بعد سؤال المشركين عن قصة أصحاب الكهف
وتأخير الوحي نزلت مبيّنَةً أنَّ الله تعالى لم يقطع نعمته عن نبيه ولا عن المؤمنين، بل أتم عليهم النعمة بإنزال الكتاب، فناسب افتتاحها بالحمد على هذه النعمة.
وفي تفسير الحوفي: افتتحت الفاتحة بقوله: الحمد للهِ رب العالين، فوصف بأنه
مالك جميع المخلوقين.
وفي الأنعام والكهف وسبأ وفاطر لم يوصَف بذلك، بل
بفرد من أفراد صفاته وهو خلقُ السماوات والأرض، والظلمات والنور في
الأنعام، وإنزال الكتاب في الكهف، ومالك ما في السماوات وما في الأرض في سبأ، وخلقهما في فاطر، لأن الفاتحةَ أمّ القرآن ومطلعه، فناسب الإتيان فيها بأبلغ الصفات وأعمها وأشملها.
قال الأستاذ ابن الزبير: وأما مناسبة الوصف الوارد في سورة الأنعام فمن
حيث ما وقع فيها من الإشارة إلى مَنْ عبد الأنوار، وأعاد سبحانه ذكر ما فيه
الدلالة البينة على بُطلان مذهب مَنْ عَبد النَّيِّرات أو شيئاً منها في قوله تعالى:
(وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) الآية.
فقال: (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا) .
ثم قال عليه السلام على جهة الفَرْض وإقامة الحجة على قومه: " هذا رَبّي " فلما أفل قال: لا أحِبُّ الآفلين.
ثم قال في الشمس والقمر مستدلاّ بتغيُّرهما وتقلبهما في الطلوع
والغروب على أنهما حادثين مربوبين مسخرين طالعين لموجدِهما المنَزّه عن سمات التغير والحدوث، فقال عليه السلام عند ذلك لقومه:(إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) .
فأخبر عن حاله قبل هذا الاعتبار وبعده.
قال تعالى: (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا) .
وفي طيّ قوله: وما كان من المشركين تنزيهه عن عبادة النيرات وغيرها مما
سواه تعالى، وبانَ من هذا كله ما افتتحت به السورة من انفراده تعالى بخلق
السماوات والأرض، والظلمات والنور، فوضح التلازمُ والتناسب.
وأما سورة الكهف فإنها لما انطوت على التعريف بقصة أهل الكهف، ولقاء
موسى عليه السلام والخضر، وما كان من أمرهما، وذكر الرجل الطّواف وبلوغه مطلع الشمس ومغربها، وبنيانه سدَّ يَأجُوج ومأجوج، وكل هذا إخبار بما لا مجال للعقل فيه، ولا تُعْرَف حقيقته إلا بالوحي والإنباء بالصدق الذي لا عِوَج فيه ولا امْتِراءَ ولا زيْغ - ناسب ذكر افتتاح السورة المعرّفة بذلك بالوحي
المقطوع به قوله تعالى: (الحمد لله الذي أنْزَلَ على عَبْدِهِ الكتَابَ ولم يجعل له
عِوجاً) .
والتناسب في هذا أوضح من أن يتوقف فيه.
وأما سورة سبأ فلما تضمنت ما منح سبحانه داود عليه السلام من تسخير
الجبال والطير والريح وإلانةِ الحديد ناسب ما به افتتحت السورة من أن الكل
ملكه وخلقه، فهو المسخّر لها والتصرف في الكل بما شاء، فقال تعالى:
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ) .
وهذا أوضح التناسب.
وأما سورة الملائكة فمناسبة وصفِه تعالى باختراع السماوات والأرض لما ذكره
من خلق عامّ في السماوات من الملائكة وجعلهم رسلاً أولي أجنحة، وإمساكه
السماوات والأرض أنْ تَزولا - أبْين شيء وأوْضَحه، وليس شيء من هذه
الأوصاف العليّة بمناسب لغير موضعه لمناسبته موضعه الوارد منه.
فقد بان مجيء كلّ منها في موضعه ملائماً لما اتصل به.
والله أعلم.
قال الكَرْمَاني في العجائب: إن قيل كيف جاء يسألون أربع مرات بغير واو.
(يسألونك عن الأهِلَّةِ) .
(يسألونك ماذا ينْفِقُون) .
(يسألونك عن الشَّهْرِ الحَرَام) .
(يسألونك عن الخمر) .
ثم جاء ثلاث مراتٍ بالواو:
(ويسألونك ماذا يُنْفقون)(ويسألونك عن اليَتَامَى) .
(ويسألونك عن المحِيض) .
قلنا: لأن سؤالهم عن الحوادث الأوَل وقع متفرقاً، وعن الحوادث الأخَر وقع في وقت واحد، فجيء بحرف الجمع دلالة على ذلك.
فإن قيل: كيف جَاء: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105)
، وعادة القرآن مجيء قل في الجواب بلا فاء؟
أجاب الكرماني بأن التقدير لو سئلت عنها فَقُلْ.