الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأعجب، كقوله:(فمنهم مَنْ يَمْشي على بَطْنِه) .
وقوله: (وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ) .
قال الزمخشوي: قدم الجبال على الطير، لأن تسخيرها له وتسبيحها له
أعجب، وأدل على القدرة، وأدخل في الإعجاز، لأنها جماد، والطير حيوان
ناطق.
ومنها رعاية الفواصل كما تقدمت الأمثلة لذلك.
*******
الوجه الثاني عشر من وجوه إعجازه (إفادة حصره واختصاصه)
وهو تخصيص أمر بآخر بطريق مخصوص.
ويقال أيضاً إثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه.
وينقسم إلى قصر الموصوف على الصفة، وقصر الصفة على الموصوف، وكلّ منهما إما حقيقي وإما مجازي، مثال قصر الموصوف على الصفة حقيقياً نحو ما زَيْد إلا كاتب، أي لا صفة له غيرها، وهو عزيز لا يكاد يوجد، لتعذر الإحاطة بصفات الشيء حتى يمكن إثبات شيء منها ونفي ما عداها بالكلية، وعلى عدم تعذرها يبعد أن يكون للذات صفة واحدة ليس لها غيرها، ولذا لم يقع في التنزيل.
ومثاله مجازيّاً: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ) ، أي مقصور على الرسالة لا يتعداها إلى التبري من الموت الذي استعظموه، إنه شأن الإله.
ومثال قصر الصفة على الموصوف حقيقياً: لا إله إلا الله.
ومثاله مجازياً: (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً) .
كما قال الشافعي فما تقدم نقله من أسباب النزول: إن الكفار لما كانوا يحلون الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهِلّ لغير الله به، وكانوا يحرمون كثيرا من المباحات، وكانت سجيَّتهم تخالف وضع
الشرع، ونزلت الآية مستوفية بذكر شبههم في البَحيرة والسائبة والوَصيلة
والحامي، وكان الغرض الرد عليهم والمضادة لا الحصر الحقيقي.
وقد تقدم بأبسط مِنْ هذا.
وينقسم الحصر باعتبار آخر إلى ثلاثة أقسام: قصر إفراد، وقصر قلب.
وقصر تعيين:
فالأول: يخاطَب به من يعتقد الشركة، نحو، (إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ) .
وخوطب به من يعتْقد اشتراك الله والأصنام في الألوهية.
والثاني: يخاطب به من يعتقد إثبات الحكم لغير من أثبته المتكلم له، نحو:
(رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) البقرة: 258.
خوطب به نُمْرود الذي اعتقد أنه المحي المميت دونَ الله.
(ألا إنهم هم السفهاء) . البقرة: 13.
خوطب به من اعتقد من المنافقين أن المؤمنين سفهاء دونهم.
(وأرسلْنَاكَ للناسِ رَسولاً) .
خوطب به من يعتقد من اليهود اختصاص بعثته بالعرب.
والثالث: يخاطب به من تساوى عنده الأمران، فلم يحكم بإثبات الصفة
لواحد بعينه ولا لواحد بإحدى الصفتين بعينها.
وطرق الحصر كثيرة، أحدها النفي والاستثناء سواء كان النفي بلا أو ما أو
غيرهما.
والاستثناء بإلا أو غير، نحو: لا إله إلا الله.
وما من إله إلا الله.
(ما قلت لهم إلا ما أمَرْتنِي به) .
ووجه إفادة الحصر أن الاستثناء المفرّغ لا بد أن يتوجه النفي فيه إلى مقدّر
وهو مستثنى منه، لأن الاستثناء إخراج فيحتاج إلى مُخْرج منه.
والمراد التقدير المعنوي لا الصناعي.
ولا بد أن يكون عاماً، لأن الإخراج لا يكون إلا من عام.
ولا بد أن يكون مناسباً للمستثنى منه في جنسه مثل ما قام إلا زيد، أي لا أحد.
وما أكلت إلا تمراً، أي مأكولاً، ولا بد أنْ يوافقه في صفته، أي إعرابه، وحينئذ يجب القصر إذا أوجب منه شيء بإلا ضرورة بإبقاء ما عداه على صفة الانتفاء.
وأصل استعمال هذا الطريق أن يكون المخاطب جاهلاً بالحكم.
وقد يخرج عن ذلك فينزل المعلوم منزلة الجهول لاعتبار مناسب، نحو:(وما محمدٌ إلا رسول) ، فإنه خطاب للصحابة، وهم لم يكونوا يجهلون
رسالةَ النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه نَزّل استعظامهم له عن الموت منزلةَ من يجهل رسالته، لأن كل رسول فلا بد من موته، فمن استبعد موته فكأنه استبعد رسالته.
الثاني: (إنما) الجمهور على أنها للحصر، فقيل بالمنطوق وقيل بالمفهوم.
وأنكر قوم إفادتها، منهم أبو حيان، واستدل مثبتوه بأمور:
منها: قوله تعالى: (إنما حَرَّمَ عليكم الميتةَ) ، بالنصب، فإن معناه: ما حرم عليكم إلا الميتة، لأنه المطابق في المعنى لقراءة الرفع فإنها للقصر، فكذا قراءة النصب.
والأصل استواء معنى القراءتين.
ومنها أن إن للإثبات وما للنفي، فلا بد أن يحصل القصر للجمع بين النفي
والإثبات، لكن تعقّب بأن " ما " زائدة كافة لا نافية.
ومنها أن (إن) للتأكيد و (ما) كذلك، فاجتمع تأكيدان، فأفاد الحصر، قاله السكاكي.
وتعقب بأنه لو كان اجتماع تأكيدين يفيد الحصر لأفاده نحو إن زيد القائم.
وأجيب بأن مراده لا يجتمع حرفا تأكيد متواليان إلا للحصر.
ومنها قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ) .
(قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ) .
(قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي) .
فإنه إنما تحصل مطابقة الجواب إذا كانت (إنما) للحصر ليكون
معناها لا آتيكم به، إنما يأتيكم به الله إنْ شاء.
ولا أعلمها إنما يعلمها الله.
وكذا قوله: (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ) .
(مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ)
…
إلى قوله: (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ) .
(وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ)
(وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ) .
لا يستقيم المعنى في هذه الآيات ونحوها إلا بالحصر.
وأحسن ما يستعمل (إنما) في مواقع التعريض، نحو:(إنما يَتَذكر أولو الألباب) .
الثالث،:(أنما) بالفتح: عدها من طرق الحصر الزمخشري والبيضاوي.
فقالا في قوله: (قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ) .
- أنما لقَصر الحكم على شيء، أو لقصر الشيء على حكم، نحو: إنما زيد قائم.
وإنما يقوم زَيْد، وقد اجتمع الأمران في هذه الآية، لأن إنما يوحى إليّ مع فاعله بمنزلة إنما يقوم زيد وإنما إلهكم بمنزلة إنما زيد قائم.
وفائدة اجتماعهما الدلالة على أن الوحي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مقصور على استئثار اللَه بالوحدانية.
وصرح التَّنوحي في الأقصى القريب بكونها للحصر، فقال: كل ما أوجب
إنما - بالكسر للحصر أوجب أنما - بالفتح للحصر، لأنها فرع عنها، وما ثبت للأصل ثبت للفرع ما لم يثبت مانع منه، والأصل عدمه.
ورد أبو حيان على الزمخشري ما زعمه بأنه يلزمه انحصار الوحي في
الوحدانية، وأجيب بأنه حصر مجازي باعتبار المقام.
الرابع: العطف بلا أو بل، ذكره أهل البيان، ولم يحكوا فيه خلافا، ونازع
فيه الشيخ بهاء الدين في عروس الأفراح، فقال: أي قصر في العطف بلا، إنما فيه نفي وإثبات، فقولك: زيد شاعر لا كاتب لا تعرُّض فيه لنفي صفة ثالثة، والقصر انما يكون بنفي جميع الصفات غير المثبتة حقيقة أو مجازا، وليس هو خاصا بنفي الصفة التي يعتقدها المخاطب.
وأما العطف ببل فأبعد منه، لأنه لا يستمر فيها النفي والإثبات.
الخامس: تقديم المعمول نحو: (إيّاكَ نَعْبد) .
(لَإلَى اللهِ تحْشَرون) .
وخالف فيه قوم، وسيأتي بسط الكلام فيه قريباً.
السادس: ضمير الفصل، نحو:(فالله هوَ الوَليّ) ، لا رب غيره.
(وأولئك هم الْمُفْلِحُون) .
(إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ) .
(إن شانِئَك هو الأبْتَر) .
وممن ذكر أنه للحصر البيانيون في بحث المسند إليه، واستدل له السّهَيْلي بأنه
أتي به في كل موضع ادّعي فيه نسبة ذلك المعنى إلى غير الله، ولم يُؤْتَ به حيث لم يدّع، وذلك في قوله:(وأنه هو أضْحَكَ وأبكى) .
إلى آخر الآيات، فلم يؤت به في:(وأنه خلق الزّوْجَين) ، (وأنّ عليه النشأةَ الأخرى) .
(وأنه أهلك عادًا الأولى) ، لأن ذلك لم يدّع لغير الله، وأتي به في الباقي لادِّعائه لغيره.
قال في عروس الأفراح: وقد استنبطت دلالته على الحصر في قوله: (فلما
توفَيْتَنِي كنْتَ أنتَ الرقيبَ عليهم) ، لأنه لو لم تكن للحصر
لما حَسنَ، لأن الله لم يزل رقيباً عليهم، وإنما حصر بتوفيته أنه لم يبق لهم رقيب غير الله.
ومن قوله: (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) .
فإنه ذكر لتبيين عدم الاستواء، وذلك لا يحسن إلا بأن يكون الضمير للاختصاص.
السابع: تقديم المسنَد إليه على ما قال الشيخ عبد القاهر: قد يُقدم المسنَد إليه ليفيد تخصيصه بالخبر الفعلي.
والحاصل - على رأيه - أن لها أحوالاً.
أحدها: أن يكون المسند إليه معرفة والمسند مثبتاً، فيأتي التخصيص، نحو:
أنا قُمْتُ، وأنا سعَيْتُ في حاجتك، فإن قصِد به قصر الإفراد أكد بنحو:
وحدي، أو قصر القلب أكد بنحو: لا غيري.
ومنه في القرآن: (بل أنْتُمْ بِهَدِيّتِكم تفْرَحُون) .
فإن ما قبله من قوله: (أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ)
ولفظ (بل) مشْعر بالإضراب - يقتضي بأن المراد بل أَنتم لا غيركم، فإن المقصود نفي فرحه هو بالهدية لا إثبات الفرح لهم بهديتهم.
قاله في عروس الأفراح.
قال: وكذا قوله: (لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) ، أي لا يعلمهم إلا نحن.
وقد يأتي للتقوية والتأكيد دون التخصيص، قال الشيخ بهاء الدين: ولا يتميز ذلك إلا بما يقتضيه الحال وسياق الكلام.
ثانيها: أن يكون المسند منفياً، نحو: أنت لا تكذب، فإنه أبلغ في نفي
الكذب من " لا تكذب " ومن لا تكذب أنت ".
وقد يفيد التخصيص، ومنه:(فَهُمْ لَا يَتَسَاءلُونَ) .
ثالثها: أن يكون المسند إليه نكرة مثبتاً، نحو: رجل جاءني، فيفيد
التخصيص إما بالجنس، أى لا امرأة، أو الوحدة، أي لا رجلان.
رابعها: أن يليَ المسند إليه حرف النفي فيفيده، نحو: ما أنا قلت هذا، أي
لم أقله مع أن غيري قاله.
ومنه: (وما أنْتَ علينا بعَزِيز) .
أي العزيز علينا رهْطُك لا أنت، ولذا قال:(أرَهْطِي أعزُّ عليكم من الله) .
هذا حاصل رأي الشيخ عبد القاهر، ووافقه السكاكي، وزاد شروطاً
وتفاصيل بسطناها في شرح ألفية المعاني.
الثامن: تقديم المسند، ذكر ابن الأثير وابن النفيس وغيرهما أن تقديم الخبر
على المبتدأ يفيد الاختصاص.
ورد صاحب الفلك الدائر بأنه لم يقل به أحد، وهو ممنوع، فقد صرح السكاكي وغيره بأن تقديم ما رُتْبته التأخير يفيده، ومثّلُوه بنحو: تميمي أنا.
التاسع: ذكر المسند إليه، ذكر السكاكي أنه قد يُذكر ليفيد التخصيص.
وتعقّبه صاحب الإيضاح، وصرح الزمخشري بأنه أفاد الاختصاص في قوله: