الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ) .
وفي قوله: (اللهُ نَزّلَ أحْسَنَ الحديث) .
وفي قوله: (واللهُ يَقُولُ الحقَّ وهو يهْدِي السبيلَ) .
ويحتمل أنه أراد أن تقديمه أفاده، فيكون من أمثلة الطريق السابع.
العاشر: تعريف الجزأين، ذكر الإمام فخر الدين في " نهاية الإيجاز " أنه يفيد
الحصر حقيقة أو مبالغة، نحو: المنطلق زيد، ومنه في القرآن فما ذكر الزملَكاني في أسرار التنزيل: الحمد لله، قال: إنه يفيد الحصر، كما في إياك نعبد، أي الحمد لله لا لغيره.
الحادي عشر: نحو: جاء زيد نفسه، نقل بعض شراح التلخيص عن بعضهم
أنه يفيد الحصر.
الثاني عشر: نحو: إن زيد القائم، نقله المذكور أيضاً.
الثالث عشر: نحو: قائم - في جواب زيد إما قائم أو قاعد، ذكره الطيبي في
شرح التبيان.
الرابع عشر: قلب بعض حروف الكلمة، فإنه يفيد الحصر على ما نقله في
الكشاف في قوله: (والَّذين اجتَنَبُوا الطاغُوتَ أنْ يَعْبُدُوها) .
قال: القلب للاختصاص بالنسبة إلى الطاغوت، لأن وزنَه على فعلوت، من
الطغيان، كملكوت ورحموت، قُلِب بتقديم اللام على العين، فوزنه فَلَعُوت، ففيه مبالغات: التسمية بالمصدر، والبناء بناء مبالغة، والقلب، وهو للاختصاص، إذ لا يطلق على غير الشيطان.
تنبيه:
كاد أهلُ البيان يطْبِقون على أن تقديم المعمول يفيد الحصر، سواء كان
مفعولاً أو ظرفاً أو مجروراً، ولهذا قيل في:(إيّاكَ نَعْبُدُ وإيّاك نستعين) معناه
نخصك بالعبادة والاستعانة.
وفي: (لَإلَى اللهِ تُحْشَرون) .
معناه إليه لا لغيره.
وفي: (لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) .
أخرت الصلة في الشهادة الأولى، وقدمت في الثانية، لأن الغرض في
الأولى إثبات شهادتهم، وفي الثانية إثبات اختصاصهم بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم عليهم.
وخالف في ذلك ابنُ الحاجب، فقال في شرح المفصّل: الاختصاص الذي
يتوهّمه كثير من الناس من تقديم المعمول وَهْم، واستدل على ذلك بقوله:
(فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) .
(بل الله فاعْبد) . الزمر: 66.
ورد هذا الاستدلال بأن (مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ) أغنى عن إعادة الحصر، كما قال
الله تعالى: (واعْبدوا رَبَّكم) .
وقال: (أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ)
بل قوله: (بل اللهَ فاعْبُدْ) - أقوى من أدلة الاختصاص.
فإن قبلها: (لئن أشركتَ ليَحْبَطَن عَملك) ، فلو لم يكن للاختصاص وكان معناها أعبد الله لما حصل الإضراب الذي هو معنى بل.
واعترض أبو حيان على مدعي الاختصاص بنحو: (أفَغيرَ اللهِ تأمرونّي
أعْبُد) .
وأجيب بأنه لما كان مَنْ أشرك بالله غيره كأنه لم يعبد الله كان أمْرُهم
بالشرك كأنه أمر بتخصيص غير الله بالعبادة.
ورد صاحب الفلك الدائر الاختصاص بقوله: (كُلاًّ هَدْينَا ونُوحاً هدَينَا
مِنْ قَبْلُ) .
وهو من أقوى ما ردّ به.
وأجيب بأنه لا يدعى فيه اللزوم، بل الغلبة، وقد يخرج الشيء عن الغالب.
قال الشيخ بهاء الدين: وقد اجتمع الاختصاص وعدمه في آية واحدة، وهي
(أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ) ، فإن التقديم في الأولى قطعا ليس للاختصاص.
وفي إياه قطعاً للاختصاص.
وقال والده الشيخ تقي الدين في كتاب الاقتصاص بين الحصر والاختصاص:
اشتهر كلام الناس في أن تقديم المعمول يفيد الاختصاص، ومن الناس من ينكر
ذلك ويقول: إنما يفيد الاهتمام.
وقد قال سيبويه في كتابه: وهم يقدّمون ما هم به أعْنى.
والبيانيون على إفادة الاختصاص.
ويَفْهم كثير من الناس من الاختصاص الحصر، وليس كذلك، وإنما
الاختصاص شيء آخر، والفضلاء لم يذكروا في ذلك لفظةَ الحصر، وإنما عبّروا بالاختصاص.
والفرق بينهما أن الحصر نفي غير المذكور وإثبات المذكور.
والاختصاص قصد الخاص من جهة خصوصه، وبيانُ ذلك أن الاختصاص
افتعال من الخصوص: والخصوص مركب من شيئين: أحدها عام مشترك بين
شئين أو أشياء.
والثاني معنى مُنْضَمٌّ إليه يفصله عن غيره، كضرب زيد، فإنه
أخص من مطلق الضرب.
فإذا قلتَ ضربت زيداً أخبرت بضرب عام وقع منك
على شخص خاص، فصار ذلك الضرب المخبر به خاصّاً لما انضم إليه منك ومن زيد، وهذه المعاني الثلاثة، أعني مطلق الضرب، وكونه واقعاً منك، وكونه واقعاً على زيد، قد يكون قصدَ المتكلمُ لها ثلاثتها على السواء.
وقد يرجّح قصده لبعضها على بعض، ويُعرف ذلك بما ابتدأ به كلامه، فإن الابتداء بالشيء يدل على الاهتمام به، وأنه هو الأرجح في غرض المتكلم، فإذا قلت زيداً ضربت عُلِمَ أن خصوص الضرب على زيد هو المقصود.
ولا شك أن كل مركب من خاص وعام له جهتان، فقد يقصَد من جهة
عمومه، وقد يقصَد من جهة خصوصه.
والثاني هو الاختصاص، وأنه هو الأهم عند المتكلم، وهو الذي قصد إفادته السامع من غير تعرض ولا قصد لغيره لإثباب ولا نَفْي، ففي الحصر معنى زائد عليه، وهو نفي ما عدا المذكور، وإنما جاء هذا في:(إيّاكَ نَعْبُد) ، للعلم بأن قائليه لا يعبدون غير الله، ولذا لم يطرد في بقية الآيات.
فإن قوله: (أفَغَيْرَ دين الله يَبْغُون) آل عمران: 83.
لو جُعل في معنى ما يبغون إلا غير دين الله، وهمزة الإنكار داخلة عليه - لزم أن يكون المنكر الحصر، لا مجرد بغيهم غير دين الله، وليس المراد.
وكذلك: (آلهةً دونَ اللهِ تُرِيدون) الصافات: 86، المنكر إرادتهم آلهة دون الله من غير حصر.
وقد قال الزمخشري في: (وبالآخِرَة هم يوقنون) البقرة: 4.
في تقديم الآخرة وبناء يوقنون على هُمْ تعريض بأهل الكتاب وبما كانوا عليه من إثبات أمر الآخرة على خلاف حقيقته، وأن قولهم ليس بصادر عن إيقان، وأن اليقين ما عليه مَنْ آمَن بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك.
وهذا الذي قاله الزمخشري في غاية الحسن.
وقد اعترض عليه بعضهم، فقال: تقديم الآخرة أفاد أن إيقانهم مقصور على
أنه إيقان بالآخرة لا بغيرها.
وهذا الاعتراض من قائله مبنيّ على ما فهمه من أن
تقديم المعمول يفيد الحصر، وليس كذلك.
ثم قال المعترض: وتقديم هم أفاد أن هذا القصر يختص بهم، فيكون إيقان غيرهم بالآخرة إيماناً بغيرها حيث قالوا:
(لَنْ تَمَسَّنَا النارُ إلا أياماً معدودة) . البقرة:.8.
وهذا منه أيضاً استمرار على ما في ذهنه من الحصر، أي أن المسلمين لا يوقنون إلا بالآخرة، وأهل الكتاب يوقنون بها وبغيرها.
وهذا فهم عجيب ألجأه إليه فهمه الحصر، وهذا ممنوع.
وعلى تقدير تسليمه فالحصر على ثلاثة أقسام:
أحدها: بما وإلا، كقوله: ما قام إلا زيد - صريح في نفي القيام من غير
زيد، ومقتضى إثبات القيام لزيد، قيل بالمنطوق، وقيل بالمفهوم، وهو الصحيح لكنه أقوى المفاهيم، لأن " إلا " موضوعة للاستثناء وهو الإخراج، فدلالتها على الإخراج بالمنطوق لا بالمفهوم، ولكن الإخراج من عدم القيام ليس هو عَيْن القيام، بل قد يستلزمه، فلذلك رجحنا أنه بالمفهوم، والتبس على بعض الناس لذلك، فقال: إنه بالمنطوق.
والثاني: الحصر بإنما، وهو قريب من الأول فما نحن فيه، وإن كان جانبُ
الإثبات فيه أظهر، فكأنه يفيد إثبات قيام زيد إذا قلت: إنما قام زيد بالمنطوق ونفيه عن غيره بالمفهوم.
الثالث: الحصر الذي قد يفيده التقديم، وليس على تقدير تسليمه مثل الحصر في الأوّلين، بل هو في قوة جملتين: إحداهما ما صُدّر به الحكم نفياً كان أو إثباتاً، وهو المنطوق.
والأخرى ما فُهم من التقديم، والحصر يقتضي نفي المنطوق
دون ما دل عليه من المفهوم، لأن المفهوم لا مفهوم له.
فإذا قلت: أنا لا أكرم إلا إياك - أفاد التعريض بأن غيرك يكرم غيره، ولا يلزم أنك لا تكرمه، وقد قال تعالى:(الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً) . - أفاد أن العفيف قد ينكح غير الزانية، وهو ساكت عن نكاحه الزانية، فقال سبحانه بعده:(والزانية لا يَنْكحُهَا إلاّ زَان أو مُشْرِك) ، بياناً لما سكت عنه في الأولى، فلو قال:" بالآخرة يوقِنون " أفاد بمنطوقه إيقانهم بها، ومفهومه عند مَنْ يزعم أنهم لا يوقنون بغيرها، وليس ذلك مقصوداً بالذات.
والمقصود بالذات قوة إيقانهم بالآخرة حتى صار غيرها عندهم كالمدحوض، فهو حَصْر مجازي، وهو دون قولنا: يُوقِنُون بالآخرة دون غيرها، فاضبط هذا، وإياك أن تجعل تقديره لا يوقنون إلا بالآخرة.
إذا عرفت هذا فتقديم "هُمْ" أفاد أن غيرهم ليس كذلك، فلو جعلنا
التقدير لا يوقنون إلا بالآخرة كان المقصود المهم النفي، فيتسلط المفهوم عليه، فيكون المعنى إفادة أن غيرهم يوقن بغيرها، كما زعم المعترض، ويطرح إفهام أنه لا يوقن بالآخرة.
ولا شك أن هذا ليس بمراد، بل المراد إفهام أن غيرهم لا
يُوقن بالآخرة، فلذلك حافظنا على أن الغرض الأعظم إثبات الإيقان بالآخرة، ليتسلط المفهومُ عليه، وأن المفهوم لا يتسلط على الحصر، لأن الحصر لم يدل عليه بجملة واحدة، مثل ما وإلا، ومثل إنما، وإنما دل عليه بمفهوم مستفاد من منطوق، وليس أحدهما متقيداً بالآخر حتى نقول: إن المفهوم أفاد نفي الإيقان المحصور، بل أفاد نفي الإيقان مطلقاً عن غيرهم، وهذا كله على تقدير تسليم الحصر، ونحن نمنع ذلك، ونقول: إنه اختصاص، وإن بينهما فرقاً.
*******