الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العَجْز يلحقهما أو أحدهما، وذلك لأنه لو أراد أحدهما إحياء جسم وأراد
الآخر إماتته فإما أن تنفذ إرادتهما فيتناقض، لاستحالة تجزيء الفعل إن
فرض الاتفاق، أو لامتناع اجتماع الضدين إن فرض الاختلاف، وإما ألا تنفذ إرادتهما فيؤدي إلى عجزهما، أو لا تنفذ إرادة أحدهما فيؤدي إلى عَجْزه، والإله لا يكون عاجزاً.
فصل
من الأنواع المصطلح عليها في علم الجدل السّبْر والتقسيم.
ومن أمثلته في القرآن قوله تعالى: (ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ) .
فإن الكفار لما حَرَّموا ذكورَ الأنعام تارة وإناثها أخرى رد تعالى ذلك عليهم بطريق السَّبْر والتقسيم، فقال: إن الخلق لله، خلق من كل زَوْج مما ذكر ذكرأ وانثى، فمِمَّ جاء تحريم ما ذكرتم، وما علته، لا يخلو إما أن يكون من جهة الذكورة أو الأنوثة، أو اشتمال الرحم الشامل لهما، أو لا يدرى له علة، وهو التعبّدي، بأنْ أخذ ذلك عن الله، والأخذ عن الله إما
بوحْي، أو إرسال رسول، أو سماع كلامه ومشاهدة تلقّي ذلك عنه، وهو في معنى قوله:(أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا) ..
فهذه وجوه التحريم لا تخرج عن وَجْهٍ منها:
والأول: يلزم عليه أن تكون جميع المذكور حراماً.
والثاني: يلزم عليه أن تكون جميع الإناث حراماً.
والثالث: يلزم عليه تحريم الصنفين معاً، فبطل ما فعلوه من تحريم بعضٍ في
حالة وبعضٍ في حالة، لأن العلة، على ما ذكر، تقتضي إطلاق التحريم، والأخذ عن الله بلا واسطة باطل ولم يدَّعوه، وبواسطة رسول كذلك، لأنه لم يأت إليهم رسولٌ قبل النبي صلى الله عليه وسلم.
وإذا بطل جميع ذلك ثبت المدَّعَى، وهو أن ما قالوه افتراء على الله وضلال.
ومنها القول بالموجب، قال ابن أبي الإصبع: وحقيقته ردّ كلام الْخصم من
فحوى كلامه.
وقال غيره: هو قسمان:
أحدهما: أن تقع صفةٌ في كلام الغير كناية عن شيء أثبت له حُكم، فيثبتها
لغير ذلك الشيء، كقوله تعالى:(يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) .
فالأعزّ وقعت في كلام المنافقين كناية عن فريقهم، والأذل كناية عن فريق المؤمنين، وأثبت المنافقون لفريقهم إخراجَ المؤمنين من المدينة، فأثبت الله في الرد عليهم صفةَ العزة لغير فريقهم، وهو اللَّهُ ورسوله والمؤمنون، وكأنه قيل: صحيح ذلك ليخرجنَّ الأعز منها الأذل، لكن هم الأذل المخْرَج، والله ورسوله الأعز المُخْرِج.
والثاني: حَمْل لفظٍ واقع في كلام الغير على خلاف مراده مما يحتمله، بذكد
متعلَّقه، ولم أر مَنْ أورد له مثالاً من القرآن.
وقد ظفرت بآية منه، وهي قوله تعالى:(وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ) .
ومنها التسليم، وهو أن يفرض الْمُحال إما منفيًّا أو مشروطاً بحرف
الامتناع، ليكون المذكور ممتنعَ الوقوع لامتناع وقوع شرطه، ثم يسلَّم وقوع ذلك تسليما جَدَلياً، ويدل على عدم فائدة ذلك على تقدير وقوعه، كقوله تعالى:(مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ) .
المعنى ليس مع الله من إله، ولو سلِّم أن مع الله إلهاً لزم من ذلك التسليم ذهاب كل إله من الاثنين بما خلق، وعلوّ بعضهم على بعض، فلا يتم في العالم أمر، ولا ينفذ حكم، ولا تنتظم أحواله.
والواقع خلاف ذلك، ففَرض إلهين فصاعداً محال، لا يلزم عليه من المحال.
ومنها الإسْجَال، وهو الإتيان بألفاظ تسجِّل على المخاطب وقوعَ ما خوطب
به، نحو قوله تعالى:(رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ) .