الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر أقسامه
ينقسم التشبيه باعتبارات:
الأول: باعتبار طرفيه إلى أربعة أقسام، لأنهما إما حسيّان، أو عقليان، أو
المشبه به حسي والمشبه عقلي، أو عكسه.
مثال الأول: (والقمرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حتى عادَ كالْعُرْجونِ القديم)
، (كأنَّهم أعجازُ نَخْل مُنْقَعِر) .
ومثال الثاني: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) .
وكذا مثَّل به في البرهان، وكأنه ظن أن التشبيه واقع في
القسوة وهو غير ظاهر، بل هو واقع بين القلوب والحجارة، فهو من الأول.
ومثال الثالث: (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ) .
ومثال الرابع لم يقع في القرآن، بل منعه الإمام أصلاً، لأن العقل مستفاد من
الحس، فالمحسوس أصل للمعقول، وتشبيهه به يستلزم جعل الأصل فرعاً والفرع أصلاً، وهو غير جائز.
وقد اختلف في قوله تعالى: (هُن لِبَاسٌ لكم وأنتُم لِبَاس لهُنَّ) .
الثاني: ينقسم باعتبار وجهه إلى مفرد ومركب، والمركب أن ينتزع وجه
الشبه من أمور مجموع بعضها إلى بعض، كقوله:(كمثَلِ الحِمَارِ يحملُ أسفاراً) ، فالتشبيه مركب من أحوال الحمار، وهو حرمان الانتفاع بأبلغ
نافع مع تحمّل التعب في استصحابه.
وقوله: (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ
…
)
إلى قوله: (كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ)
، فإنَّ فيه عشر جمل وقع التركيب من مجموعها بحيث لو سقط منها شيء اختل التشبيه، إذ المقصود تشبيه حال الدنيا في سرعة تقضّيها، وانقراض نعيمها، واغترار الناس
بها - بحال ماء نزل من السماء، وأنبت أنواع العشب، وزين بزخرفها وجه
الأرض، كالعروس إذا أخذت الثياب الفاخرة، حتى إذا طمع أهلها فيها.
وظنوا أنها مسلَّمة من الجوائح أتاها بأس الله فجأة، فكأنها لم تكن بالأمس.
وقال بعضهم: وجه تشبيه الدنيا بالماء أمران:
أحدهما: أن الماء إذا أخذت منه فوق حاجتك تغررت، وإن أخذت قدر
الحاجة انتفعت به، فكذلك الدنيا.
والثاني: أن الماء إذا أطبقت عليه كفك لتحفظه لم يحصل فيه شيء فكذلك
الدنيا.
وقوله: (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ) .
شبه نورهُ الذي يلقيه في قلب المؤمن بمصباح اجتمعت فيه أسباب الإضاءة إما بوضعه في مشكاة - وهي الطاقة التي لا تنفذ، وكونها لا تنفذ لتكون أجمع للبصر.
وقد جُعل فيها مصباح في داخل زجاجة تشبه الكوكب الدُّرِّي في صفائها، ودهن المصباح من أصفى الأدهان وأقواها وقوداً، لأنه من زيت شجرة في وسط السراج، لاشرقية ولا غربية، فلا تصيبها الشمس في أحد طرفي النهار، بل تصيبها الشمس أعدل إصَابة.
وهذا مثل ضربه الله للمؤمن، ثم ضرب للكافر مثلين: أحدهما: (كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً)، والآخر:(كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ) .
وهو أيضاً تشبيه مركب.
الثالث: ينقسم باعتبار آخر إلى أقسام:
أحدها: تشبيه ما تقع عليه الحاسة بما لا تقع، اعتمادا على معرفة النقيض
والضد، فإن إدراكهما أبلغ من إدراك الحاسة، كقوله:(طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) .
شبّه بما لا يُشك أنه منكر قبيح لما حصل في نفوس الناس من بشاعة صور الشياطين وإن لم ترها عيانا.
الثاني: عكسه، وهو تشبيه ما لا تقع عليه الحاسة بما تقع عليه، كقوله:
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ) .
أخرج ما لا يحس - وهو الإيمان - إلى ما يحس وهو السراب.
والمعنى الجامع بطلان التوهم مع شدة الحاجة وعظم الفاقة.
الثالث: إخراج ما لا تجري العادة به إلى ما جرت، كقوله تعالى:(وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ) .
والجامع بينهما الارتفاع في الصورة.
الرابع: إخراج ما لا يعلم بالبديهة إلى ما يعلم بها، كقوله:(وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) .
والجامع العظم، وفائدته التشويق إلى الجنة بحسن الصفة وإفراط السعة.
الخامس: إخراج ما لا قوة له في الصفة إلى ما له قوة فيها، كقوله تعالى:
(وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (24) .
والجامع فيهما العظم، ولفائدته إبانة القدرة على تسخير الأجسام العظام في ألطف ما يكون من الماء، وما في ذلك من انتفاع الخلق بحمل الأثقال وقطعها الأقطار البعيدة في المسافة القريبة، وما يلازم ذلك من تسخير الرياح للإنسان، فتضمّن ذلك نبأ عظيما من الفخر وتعداد النعم، وعلى هذه الأوجه الخمسة تجرى تشبيهات القرآن.
الرابع: ينقسم باعتبار آخر إلى مؤكد، وهو ما حذفت فيه الأداة، نحو:
(وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ) ، أي مثل مر السحاب.
(وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) .
(وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ) .
ومرسل، وهو ما لم يحذف، كالآيات السابقة.
والمحذوف الأداة أبلغ، لأنه نُزّل فيه الثاني منزلة الأول تجوزا.