الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما (إلَاّ أنْ يشاءَ رَبّي شيئاً) ، فيحتمل أن يكون منه، وأن يكون الشيء بمعنى الأمر والشأن.
والأصل في هذا النوع أن يُنعت بالوصف المراد، نحو: (اذكروا اللهَ ذِكْراً
كثيراً) .
(وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا) .
وقد يضاف وصفُه إليه، نحو:(اتَقُوا اللهَ حقَّ تُقَاتِه) .
وقد يؤكد بمصدر فعل آخر، أو اسم عين نيابة عن المصدر، نحو:(وتَبَتَّل إليه تبْتيلا) .
والمصدر تبتلا، والتبتيل مصدر بتَّل.
(أنْبتَكم من الأرض نباتاً) ، أي إنباتاً، إذ النبات اسم عَيْن.
رابعها: الحال المؤكدة، نحو:(ويَوْم أبْعَثُ حَيّا) .
(ولا تَعْثَوْا في الأرض مُفْسِدين) .
(وأرسلْنَاكَ للناسِ رَسُولا) .
(ثم تولَّيْتُم إلا قليلاً منكم وأنْتُم مُعْرِضُون) .
(وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) .
وليس منه: (ولَّى مُدْبِراً) ، لأن التولي قد لا يكون إدباراً، بدليل قوله:(فَولِّ وجْهَكَ شَطْرَ المسجدِ الحرام)
ولا: (فتَبَسَّم ضاحكا) ، لأن التبسم قد لا يكون ضحكاً.
ولا: (وهو الحقُّ مصَدِّقا) ، لاختلاف المعنيَيْن، إذ كونه حقا في نفسه غير كونه مصدقاً لما قبله.
النوع الرابع: التكرير
، وهو أبلغ من التأكيد، وهو من محاسن الفصاحة.
خلافاً لبعض من غلط.
وله فوائد:
منها: التقرير، وقد قيل: إن الكلام إذا تكرر تقرر، وقد نبه تعالى على
السبب الذي لأجله كرر القصص والإنذار بقوله: (وصزرفْنَا فيه منَ الوَعيد
لعلهم يتَقون أو يُحْدِثُ لهم ذِكْرا) .
ومنها: التأكيد.
ومنها: زيادة التنبيه على ما ينفي التهمة، ليكمل تلقّي الكلام بالقبول، ومنه:(وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38) يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39) .
فإنه كرر فيه النداء لذلك.
ومنها: إذا طال الكلام وخُشي تناسي الأول أعيد ثانياً تطرية له وتجديداً
لِعَهْدِه، ومنه:(ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (119) .
(ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110) .
(وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) .
(لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ) .
(إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) .
ومنها: التعظيم والتهويل، نحو: الحاقة ما الحاقة.
القارعة ما القارعة.
وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين.
فإن قلت: هذا النوع أحد أقسام النوع قبله، فإن منها التوكيد بتكرار
اللفظ، فلا يحسن عدّه نوعا مستقلاً.
قلت: هو يجامعه ويفارقه، ويزيد عليه وينقص عنه، فصار أصلاً برأسه.
فإنه قد يكون التأكيد تكراراً كما تقدم في أمثلته، وقد لا يكون تكراراً كما
تقدم أيضاً.
وقد يكون التكرير غير تأكيد صناعة وإن كان مفيداً للتأكيد
معنى.
ومنه ما وقع فيه الفصل بين المكررين، فإن التأكيد لا يفصل بينه وبين
مؤكده، نحو:(اتّقُوا اللهَ ولْتَنْطرْ نَفْسٌ ما قدمَتْ لغَدٍ واتقُوا اللهَ) .
(إن الله اصْطفَاكَ وطهَّركَ واصْطَفَاك على نساء العالمين) .
فالآيتان من باب التكرير، لا التأكيد اللفظي الصناعي.
ومنه الآيات المتقدمة في التكرير للطول.
ومنه ما كان لتعدد المتعلق، بأن يكون المكرر ثانياً متعلقاً بغير ما تعلق به
الأول.
وهذا القسم يسمى بالترديد، كقوله:(اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ) .
وقد وقع فيها الترديد أربع مرات.
وجعل منه قوله تعالى: (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) في سورة الرحمن.
فإنها تكررت نيفاً وثلاثين مرة، كلُّ واحدة تتعلق بما قبلها، ولذلك زادت على ثلاثة، ولو كان عائداً على شيء واحد لما زاد على ثلاثة، لأن التأكيد لا يزيد عليها، قاله ابن عبد السلام وغيره.
وإن كان بعضها ليس بنعمة فذكرُ النقمة للتحذير نعمة.
وقد سئل: أي نعمة في قوله: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ) ، فأجاب بأجوبة أحسنها النقلةُ من دار الهموم إلى دار السرور، وإراحة المؤمن من الكافر، والبار من الفاجر.
وكذا قوله: (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) ، في سورة المرسلات، لأنه تعالى ذكر قصصاً مختلفة، وأتبع كل قصة بهذا القول، كأنه قال عقب كل قصة: ويل للمكذب بهذه القصة.
وكذا قوله في سورة الشعراء: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (8) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) .
كررت ثمان مرات، كل مرة عقب كل قصة، فالإشارة في كل واحدة بذلك إلى قصة النبي المذكور قبلها، وما اشتملت عليه من الآيات والعبر.
وبقوله (وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) إلى قومه خاصة، ولما كان مفهومه أن الأقل من قومه آمنوا أتى بوصفي العزيز الرحيم، للإشارة إلى أن العزة على من لا يؤمن منهم والرحمة لمن آمن.
وكذا قوله في سورة القمر: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) .
قال الزمخشري: كرر ليجدِّدوا عند سماع كل نبأ منها اتعاظاً وتنبيهاً، وأن
كلاًّ من تلك الأنباء مستحق لاعتبار يختص به، وأن يتنبهوا كي لا يغلبهم
السرورُ والغفلة.
قال في عروس الأفراح: فإن قلت: إذا كان المراد بكل ما قبله فليس
بإطناب، بل هي ألفاظ، كل أرِيد به في ما أريد بالآخر.
قلت: إذا قلنا العبرة بعموم اللفظ فكل واحد أريد به ما أريد بالآخر
ولكن كرر ليكون نصّاً فيما يليه وظاهرا في غيره.
فإن قلت: يلزم التأكيد.
قلت: والأمر كذلك، ولا يَرِد عليه أن التأكيد لا يزاد عليه عن ذلك، لأن
ذلك في التأكيد الذي هو تابع.
أما ذكر الشيء في مقامات متعددة أكثر من ثلاثة فلا يمتنع. انتهى.
ويقرب من ذلك ما ذكره ابن جرير في قوله تعالى: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا (131) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (132) .
قال: فإن قيل: ما وَجُْ تكرار قوله: (وَلِلَّهِ ما في السماواتِ وما في
الأرض) في آيتين إحداهما في أثر الأخرى؟.
قلت: لاختلاف معنى الخبرين عما في السماوات والأرض، وذلك أن الخبر
عنه في إحدى الآيتين ذِكْر حاجته إلى بارئه، وغِنَى بارئه عنه، وفي الأخرى
حفظُ بارئه إياه، وعلمه به وبتدبيره.
قال: فإن قيل: أفلا قيل: وكان الله غنياً حميداً، وكفى بالله وكيلا؟.
قيل: ليس في الآية الأولى ما يصلح أن تُخْتم بوصفه معه بالحفظ والتدبير.
انتهى.
وقال تعالى: (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ) .
قال الراغب: الكتاب الأول ما كتبوه بأيديهم المذكور في قوله تعالى:
(فَوَيْل للّذِين يكتبون الكتابَ بأيديهم) .
والكتاب الثاني التوراة.
والثالث لجنس كتب الله كلها، أى ما هو من شيء من كتب الله
وكلامه.
ومن أمثلة ما يُظن أنه تكرار وليس منه: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) .
فإن لا أعبد ما تعبدون أي في المستقبل، ولا أنتم عابدون أي في الحال، ما أعبد في المستقبل، ولا أنا عابد أي في الحال.
ما عبدتم في الماضي. ولا أنتم عابدون، أي في المستقبل.
ما أعبد أي في الحال.
والحاصل أن القَصْد نفيُ عبادته لآلهتهم في الأزمنة الثلاثة، وكذا:
(فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ) .
ثم قال: (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا) .
ثم قال: (واذكرُوا الله في أيام مَعْدوداتٍ) .
فإن المراد بكل واحد من هذه الأذكار غير المراد بالآخر، فالأول الذكر بالمزدلفة عند الوقوف بقُزَح، وقوله:(واذكرُوه كما هَداكُمْ) إشارة إلى تكرره ثانيا وثالثاً.
ويحتمل أن يراد به طوافُ الإفاضة، بدليل تعقيبه بقوله:(فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ) .
والذكر الثالث إشارة إلى رَمْي جمرة العقبة.
والذكر الأخير لرمي أيام التشريق.
ومنه تكرير حرف الإضراب في قوله: (بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ) .
وقوله: (بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (66) .
ومنه قوله: (وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236) .
ثم قال: (وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (241) .
فكرر الثاني ليعم كل مطلقة، فإن الآية
الأولى في المطلقات قبل الفَرْض والمسيس خاصة.
وقيل: لأن الأولى لا تشعر بالوجوب، ولهذا لما نزلت، قال بعض الصحابة: إن شئت أحسنت وإن شئت فلا، فنزلت الثانية، قاله ابن جرير.
ومن ذلك تكرير الأمثال، كقوله:(وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ.
وكذلك ضرب مثل المنافقين أول البقرة، بالمستَوتقدِين نارا، ثم
ضربه بأصحاب الصّيِّب، قال الزمخشري: والثاني أبلغ من الأول، لأنه أدل على فَرْط الحيرة وشدة الأمر وفظاعته، قال: ولذلك أخر، وهم يتدرجون في نحو هذا من الأهون إلى الأغلظ.
ومن ذلك تكرير القصص، كقصة آدم وموسى ونوح وغيرهم من الأنبياء.
قال بعضهم: ذكر الله موسى في كتابه في مائة وعشرين موضعًا.
وقال ابن العربي في القواصم: ذكر الله قصةَ نوح في خمسة وعشرين موضعاً.
وقصة موسى في تسعين آية.
وقد ألف البَدْرُ بن جماعة كتاباً سماه المقتنص في فوائد تكرير القصص.
وذكر في فوائده:
أن في كل موضع زيادة شيء لم يذكر في الذي قبله، أو إبدال كلمة بأخرى
لنكتة، وهذه عادةُ البلغاء.
ومنها: أن الرجل كان يسمع القصةَ من القرآن، ثم يعود إلى أهله ثم يهاجر
بعده آخرون يحكون ما نزل بعد صدور مَنْ بعدهم، فلولا تكرار القصص
لوقعت قصةُ موسى إلى قوم وقصةُ عيسى إلى آخرين، وكذا سائر القصص.
فأراد الله اشتراكَ الجميع فيها، فيكون فيه إفادةٌ لقوم وزيادة تأكيد لآخرين.
ومنها: أنَ في إبراز الكلام الواحد في فنون كثيرة وأساليب مختلفة ما لا
يخفى من الفصاحة.
ومنها: أن الدواعيَ لا تتوفر على نَقْلها كتوفرها على نقل الأحكام، فلهذا
كررت القصص دون الأحكام.
ومنها: أنه تعالى أنزل هذا القرآن، وعجز القوم عن الإتيان بمثله، ثم أوضح
الأمر في عجزهم بأن كرَّرَ ذكر القصة في مواضع إعلاماً بأنهم عاجزون عن
الإتيان بمثله بأي نظم جاءوا وبأي عبارة عبّروا.
ومنها: أنه لما تحداهم قال: (فأتُوا بسورة من مِثْله) .
فلو ذُكرت القصة في موضع واحد، واكتفى بها لقال العربي: ائتونا أنتم بسورة من مثله، فأنزلها سبحانه في تعداد السور دفعاً لحجتهم من كل وجه.
ومنها: أن القصة الواحدة لما كُررت كان في ألفاظها في كل موضع زيادةٌ
ونقصان، وتقديم وتأخير، وأتت على أسلوب غير أسلوب الأخرى، فأفاد ذلك ظهور الأمر العجيب في إخراج الأمر الواحد في صورة متباينة في النظم، وجذب النفوس إلى سماعهم لما جُبلت عليه من حب التنقل بين الأشياء المتجددة، واستلذاذها بها، وإظهار خاصة القرآن، حيث لم يحصل - مع ذلك التكرير فيه -
هُجْنةٌ في اللفظ، ولا مَلَل عند سماعه، فبايَنَ بذلك كلام المخلوقين.
وقد سئل: ما الحكمةُ في عدم تكرير قصة يوسف، وسَوْقها مساقاً واحداً في
موضع واحد دون غيرها من القصص، وأجيب بوجوه:
أحدها: أن فيها تشبيبَ النسوة به، وحالَ امرأةٍ ونسوة افتتنوا بأبدع الناس
جمالاً، فناسب عدم تكرارها لما فيها من الإغضاء والستر.
وقد صحح الحاكم في مستدركه حديثَ النهي عن تعليم النساء سورة يوسف.
ثانيها: أنها اختصت بحصول الفَرَج بعد الشدة، خلاف غيرها من القصص.
فإن مآلها إلى الوبال، كقصة إبليس وقوم نوح وهود وصالح وغيرهم، فلما
اختصت بذلك اتفقت الدواعي على نقْلها لخروجها عن سِمَةِ القصص.
ثالثها: قال الأستاذ أبو إسحاق الإسفَرايني:
إنما كرر الله قصص الأنبياء، وساق قصةَ يوسف مساقاً واحداً إشارة إلى
عجز العرب، كأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: إن كان من تلقاء نفسي فافعلوا في قصة يوسف ما فعلته في سائر القصص.