الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنها أنه لو كان القرآن كله محكماً لما كان مطابقاً إلا لمذهب واحد، وكان
بصريحه مبطلاً لما سوى ذلك المذهب، وذلك مما ينَفِّر أرباب سائر المذاهب عن قبوله، وعن النظر فيه، والانتفاع به، فلما كان مشتملاً على المحكم والمتشابه طمع صاحب كل مذهب أن يجد فيه ما يؤيد مذهبه وينصر مقالته، فينظر فيه جميع أرباب المذاهب، ويجتهد في التأمل فيه صاحب كل مذهب، وإذا بالغوا في ذلك صارت المحكمات مفسرة للمتشابهات، وبهذا الطريق يتخلص المبطل من باطله، ويتوصل إلى الحق.
ومنها أن القرآن إذا كان مشتملاً على المتشابه افتقر إلى العلم بطريق
التأويلات، وترجيح بعضها على بعض، وافتقر في تعلم ذلك إلى تحصيل علوم كثيرة من علم اللغة والنحو والمعاني والبيان وأصول الفقه، ولو لم يكن الأمر كذلك لم يحتج إلى تحصيل هذه العلوم الكثيرة، فكان في إيراد المتشابه هذه الفوائد الكثيرة.
ومنها أن القرآن مشتمل على دعوة الخواصّ والعوامّ، وطبائع العوامّ تنفر في
أكثر الأمر عن درك الحقائق، فمن سمع من العوام في أول الأمر إثبات موجود
ليس بجسم ولا متحيز ولا مشار إليه ظن أن هذا عدم ونفي، فوقع في التعطيل، فكان الأصلح أن يخاطَبوا بألفاظ دالة على بعض ما يناسب ما توهموه وتخيلوه، ويكون ذلك مخلوطاً بما يدل على الحق الصريح.
فالقِسْم الأول هو الذي يخاطبون به في أول الأمر من التشابهات.
والقسم الثاني هو الذي يكشف لهم في آخر الأمر
من المحكمات.
*******
الوجه العاشر من وجوه إعجازه (اختلاف ألفاظه في الحروف وكيفيتها من تخفيف وتشديد وغيرهما)
وقد ألَّف الناس في هذا الفن تواليف كابن الجزري والشاطبي وغيرهما ممن لا
نطوِّل بذكرهم.
وبالجملة فالقراءات السبع متواترة عند الجمهور.
وقيل: بل مشهورة.
وقال الزركشي: والتحقيق أنها متواترة عن الأئمة السبعة.
أما تواترها عن النبي صلى الله عليه وسلم ففيه نظر، فإن إسنادهم بهذه القراءات السبعة موجود في كتب القراءات، وهي نَقْل الواحد عن الواحد.
قلت: في ذلك نظر لما سيأتي، واستثنى أبو شامة الألفاظ المختلف فيها عن
القراء، واستثنى ابن الحاجب ما كان من قبيل الأداء، كالمد والإمالة وتخفيف
الهمزة.
وقال غيره: الحق أن أصل المد والإمالة متواتر، ولكن التقدير غير
متواتر للاختلاف في كيفيته، كذا قال الزركشي.
قال: وأما أنواع تخفيف الهمزة فكلها متواترة.
وقال ابن الجزري: لا نعلم أن أحداً تقدم ابنَ الحاجب إلى ذلك، وقد نص
على تواتر ذلك كله أئمة الأصول، كالقاضي أبي بكر وغيره، وهو الصواب، لأنه إذا ثبت تواتر اللفظ ثبت تواتر هيئة أدائه، لأن اللفظ لا يقوم إلا به، ولا يصح إلا بوجوده.
قال الكواشي: من المهم صرفة توجيه القراءات، وفائدته أن يكون دليلاً على حسب المدلول عليه أو مرجحاً، إلا أنه ينبغي التنبيه على شيء، وهو أنه قد ترجح إحدى القراءتين على الأخرى ترجيحاً يكاد يسقطها، وهذا غير مرضِ لأن كلاًّ منهما متواتر.
وقد حكى أبو عمر الزاهد في كتاب " اليواقيت " عن ثعلب أنه قال: إذا
اختلف إعرابان في القرآن لم أفضل إعراباً على إعراب، فإذا خرجت إلى كلام الناس فضّلت الأقوى.
وقال أبو جعفر النحاس: السلامة عند أهل الدين - إذا صحّت القراءتان -
ألا يقال إحداهما أجود، لأنهما جميعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيَأثَم مَنْ قال ذلك، وإن كان رؤساء الصحابة ينكرون مثل هذا.
وقال أبو شامة: أكثر المصنفون من الترجيح بين قراءة مالك ومَلِكِ حتى إن