الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أي فلا تحزن واصبر.
(وإنْ يَعُودوا فقد مضَتْ سُنّةُ الأوَّلين) ، أي يصيبهم مثل ما أصابهم.
فصل
كما انقسم الإيجاز إلى إيجاز قصر وإيجاز حذف، كذلك انقسم الإطناب إلى
بسط وزيادة.
فالأول الإطناب بتكثير الجمل، كقوله:(إنَّ في خَلْقِ السماواتِ والأرْضِ) .
في سورة البقرة، أبلغ في إطنابها لكون الخطاب مع الثقَلين وفي كل عصر وحين، للعالم منهم والجاهل، والموافق والمنافق.
وقوله: (الذين يَحْمِلُون العَرْشَ ومَنْ حوله يُسبّحون بحَمْدِ ربّهم ويؤمنون
به ويستغفرون) .
فقوله: (ويُؤمنون به) إطناب، لأن إيمان حملة العرش معلوم وحسَّنه إظهار شرف الإيمان ترغيباً فيه.
(وَويْل للمشركين الذين لا يُؤتُونَ الزكاة) ، وليس من المشركين مُزَكٍّ، والنكتةُ الحثّ للمؤمنين على أدائها، والتحذير من المنع منها حيث جعلها من أوصاف المشركين.
والثاني يكون بأنواع:
أحدها: دخول حرف فأكثر من حروف التأكيد الآتية في نوع الأدوات.
وهي: إنَّ، وأنَّ، ولام الابتداء، والقسم، وألا الاستفتاحية، وأما، وها التنبيه، وكأن في تأكيد التشبيه، ولكن في تأكيد الاستدراك، وليت في تأكيد التمني، ولعل في تأكيد الترجي، وضمير الشأن، وضمير الفصل، وإما في تأكيد الشرط، وقد، والسين، وسوف، والنونان في تأكيد الفعلية، ولا التبرئة، ولن ولمَّا في تأكيد النفي.
وإنما يحسن تأكيد الكلام بها إذا كان المخاطَب بها منكراً أو متردداً.
ويتفاوت التأكيد بحسب قوة الإنكار وضعفه، كقوله تعالى حكاية عن رسل
عيسى إذ كذبوا في المرة الأولى: (إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ) .
فأكد بأن، واسمية الجملة.
وفي المرة الثانية: (رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ) .
فأكد بالقسم، وإن، واللام، واسمية الجملة، لمبالغة المخاطبين في
الإنكار، حيث قالوا:(مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15) .
وقد يؤكد بها والمخاطب به غَيْرُ منكر، لعدم جَرْيه على مقتضى إقراره.
فينزل منزلةَ المنكر.
وقد يترك التأكيد وهو معه منكر، لأن معه أدلة ظاهرة لو تأملها لرجع عن
إنكاره، وعلى ذلك يخرج:(ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16) .
أكد الموت تأكيدين، وإن لم ينكر، لتنزيل المخاطبين - لتماديهم في الغفلة - تنزيل من ينكر الموت.
وأكد إثبات البعث تأكيداً واحداً وإن كان أشد نكيراً، لأنه لما كانت أدلته ظاهرة كان جديرا بألا ينكر، فنزل المخاطبون منزلة غير المنكر، حثاً لهم على النظر في أدلته الواضحة.
ونظيره قوله تعالى: (لا رَيْبَ فيه) .
نفى عنه الرَّيْبَ بلا على سبيل الاستغراق، مع أنه ارتاب فيه المرتابون، لكن نزل منزلة العدم، تعويلاً على ما مرّ به من الأدلة الباهرة، كما نزل الإنكار منزلة عدمه لذلك.
قال الزمخشري: بولغ في تأكيد الموت، تنبيهاً للإنسان على أن يكون الموت
نصب عينيه، ولا يغفل عن ترقُّبه، فإن مآله إليه، فكأنه أكد جملته ثلاث مرات لهذا المعنى، لأن الإنسان في الدنيا يسعى فيها غايةَ السعي حتى كأنه يخلد،
ولم يؤكد جملة البعث إلا بأن أبرز في صورة المقطوع به الذي لا يمكن فيه نزاع ولا يَقْبل إنكارا.
وقال التاج بن الفركاح: أكد الموت ردا على الدهرية القائلين ببقاء النوع
الإنساني خلفا عن سلف، واستغنى عن تأكيد البعث هنا، لتأكيده، والرد على منكره - في مواضع، كقوله تعالى:(بَلَى وربّي لتبْعَثنَّ) .
وقال غيره: لما كان العطف يقتضي الاشتراك استغني عن إعادة اللام لذكرها
في الأول.
وقد يؤكد بها للمستشرف الطالب الذي قدم له ما يلوّح بالخبر، فاستشرفت
نفسه إليه، نحو:(ولا تُخاطِبْنَي في الذين ظَلموا) أي لا تَدْعني يا نوح في شأن قومك، فهذا الكلام يلوح بالخبر تلويحاً، ويشعر بأنه قد
حق عليهم العذاب، فصار المقام مقام أن يتردد المخاطب في أنهم هل صاروا
محكوماً عليهم بذلك أم لا.
فقيل: إنهم مغرقون - بالتأكيد.
وكذا قوله: (يا أيّها الناس اتَّقوا ربكم) .
لما أمرهم بالتقوى، وظهور ثمرتها، والعقاب على تركها محله الآخرة، تشوّفت نفوسهم إلى وصف حال الساعة، فقال:(إنّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيء عظيم) - بالتأكيد، ليتقرر عليه الوجوب.
وكذا قوله: (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي) ، فيه تحيير للمخاطب، وتردد في أنه كيف لا يبريء نفسه، وهي بريئة زكية ثبتت عصمتها وعدم مواقعتها السوء، فأكده بقوله:(إنّ النَّفْسَ لأمَّارَة بالسّوء) .
وقد يؤكد لقصد الترغيب، نحو:(فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)
أكد بأربع تأكيدات، ترغيباً للعباد في التوبة.