الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قسم على صحة نبوءته، وعلى جزائه في الآخرة، فهو قسم على النبوءة والمعَاد.
وأقسم بآيتين عظيمتين من آياته.
وتأمّل مطابقة هذا القسم وهو نور الضحى الذي هو يوافي بعد ظلام الليل للمقسَم - عليه، وهو نور الوَحْي الذي وافاه بعد احتباسه عنه، حتى قال أعداؤه: ودع محمدًا ربُّه، فأقسم بضوء النهار بعد ظلمة الليل على ضوء الوحي ونوره بعد ظلمة احتباسه واحتجابه.
*******
الوجه الثلاثون من وجوه إعجازه (اشتماله على جميع أنواع البراهين والأدلة)
وما من برهان ودلالة وتقسيم وتحديد يبْنَى من كليات العلومات المعقلية
والسمعية إلا وكتاب الله قد نطق به، لكن أورده على عادة العرب دون دقائق طرق المتكلمين، لأمرين:
أحدهها: بسبب ما قاله: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) .
والثاني: أن المائل إلى دقيق المحاجَّة هو العاجز عن إقامة الحجة بالجليل من
الكلام، فإن من استطاع أن يفهم بالأوضح الذي يفهمه الأكثرون لم ينحط إلى الأغمض الذي لا يعرفه إلا الأَقلّون، ولم يكن ملْغِزاً، فأخرج تعالى مخاطباته في محاجة خَلْقه في أجلى صورة، ليفهم العامة من جليلها ما يقنعهم ويلزمهم الحجة، وتَفْهَم الخواص من أثنائها ما يربي على ما أدركه فهم الخطباء.
وقد أفرد جدل القرآن بالتصنيف نجم الدين الطوفي.
قال ابن أبي الإصبع: زعم الجاحظ أن المذهب الكلامي لا يوجد منه شيء في
القرآن، وهو مشحون به، وتعريفه أنه احتجاج المتكلم على ما يريد إثباته بحجةٍ تقطع المعاندة فيه على طريقة أرباب الكلام.
ومنه نوع منطقي تستنتج منه النتائج الصحيحة من المقدمات الصادقة، فإن الإسلاميين من أهل هذا العلم ذكروا أنَّ من أول سورة الحج إلى قوله:(وأنَّ اللَهَ يبعث مَنْ في القبور)
- خمس نتائج تستنتج من عشر مقدمات:
قوله: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ) ، لأنه قد ثبت عندنا بالخبر المتواتر أنه تعالى أخبر بزلزلة الساعة معظماً لها، وذلك مقطوع بصحته، لأنه خبر أخبر به مَنْ ثبت صِدقه عمن ثبتت قدرته، منقول إلينا بالتواتر، فهو حق، ولا يخبر بالحق عما سيكون إلا الحق، فهو الولي.
وأخبر تعالى أنه يحي الموتى، لأنه أخبر عن أهوال الساعة بما أخبر، وحصول
فائدة هذا الخبر موقوفة على إحياء الموتى ليشاهدوا تلك الأهوال التي يعلمها الله مِنْ أجلهم.
وقد ثبت أنه قادر على كل شيء، ومن الأشياء إحياء الموتى، فهو يحي
الموتى.
وأخبر تعالى أنه على كل شيء قدير، لأنه أخبر أنه من يتبع الشياطين، ومن
يجادل في الله بغير علم - يذِقْه من عذاب السعير، ولا يقدر على ذلك إلا من هو على كل شيء قدير، فهوعلى كل شيء قدير.
وأخبر أن الساعة آتيةٌ لا رَيْبَ فيها، لأنه أخبر بالخبر الصادق أنه خلق
الإنسان من تراب إلى قوله: (لكيْلَا يَعْلَمَ مِن بعد علم شيئاً) .
وضرب لذلك مثلاً بالأرض الهامدة التي ينزل عليها الماء فتهتزّ وتَرْبو، وتنْبِت
من كل زَوْج بَهِيج.
ومن خَلق الإنسان على ما أخبر به فأوجده بالخلق ثم أعدمه
بالموت، ثم يعيده بالبعث، وأوجد الأرض بعد العدم فأحياها بالخلق ثم أماتها
بالمَحْل، تم أحياها بالخصب، وصدق خَبَره في ذلك كله بدلالة الواقع المشاهد على التوقع الغائب، حتى انقلب الخبر عيانا - صدق خبره في الإتيان بالساعة، ولا يأتي بالساعة إلا من يبعث مَنْ في القبور، لأنها عبارة عن مدة تقوم فيها الأموات للمجازاة، فهي آتية لا ريب فيها، وهو سبحانه يَبْعَث مَنْ في القبور.
وقال غيره: استدل سبحانه على المعاد الجسماني بضروب:
أحدها: قياس الإعادة على الابتداء، قال:(كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) .
(كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) .
(أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ) .
ثانيها: قياس الإعادة على خلق السماوات والأرض بطريق الأولى، قال:
(أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر) .
ثالثها: قياس الإعادة على إحياء الأرض بعد موتها بالمطر والنبات.
رابعها: قياس الإعادة على إخراج النار من الشجر الأخضر.
وقد روى الحاكم وغيره أن أبي بن خلف جاء بعَظْمٍ ففَتَّه، فقال: أَفَيحِيي اللهُ
هذا بعد ما بليَ ورَمَّ، فأنزل الله:(قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) .
فاستدل سبحانه بردِّ النشأة الأخرى إلى الأولى والجمع بينهما بعلة الحدوث.
ثم زاد في الحجاج بقوله: (الذي جعل لكم من الشّجَر الأخضر ناراً) .
وهذه في غاية البيان في رد الشيء إلى نظيره، والجمع بينهما من حيث تبديل الأعراض عليها.
خامسها: في قوله: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا) .
وتقريرها أن اختلاف المختلفين في الحق لا يوجب انقلابَ الحق في نفسه، وإنما تختلف الطرق الموصلة إليه، والحقُّ في نفسه واحد، فلما ثبت أن ها هنا حقيقة موجودة لا محالة، وكان لا سبيل لنا في حياتنا إلى الوقوف عليها وقوفاً يوجب الائتلاف ويرفع عنا الاختلاف، إذ كان
الاختلاف مركوزا في فِطَرِنا، وكان لا يمكن ارتفاعه وزواله إلا بارتفاع هذه
الجِبِلّة، ونقلها إلى صورة غيرها - صح ضرورة أن لنا حياة أخرى غير هذه
الحياة، فيها يرتفع الاختلاف والعناد، وهذه هي الحالة التي وعد الله بالمصير
إليها، فقال:(ونَزَعْنَا ما في صدورِهم مِنْ غِلّ إخوانا) .
فقد صار الخلاف الموجود، كما ترى، أوضح دليل على كَوْن البعث الذي ينكره المنكرون، كذا قرره ابن السيّد.
ومن ذلك الاستدلال على أنَّ صانع العالم واحد، بدلالة التمانع المشار إليها في قوله:(لو كان فيهما آلهة إلَاّ الله لفَسَدَتا) .
لأنه لو كان للعالم صانعان لكان لا يجري تدبيرهما على نظام، ولا يتسق على إحكام، ولكان