المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وأخرجه ابن أبي حاتم من هذا الوجه، وزاد: ما أدري - معترك الأقران في إعجاز القرآن - جـ ١

[الجلال السيوطي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌(من وجوه الإعجاز)

- ‌الوجه الأول من وجوه إعجازه

- ‌الوجه الثاني من وجوه إعجازه

- ‌الوجه الثالث من وجوه إعجازه

- ‌وهل يجوزُ استعمال السجع في القرآن

- ‌ وقد تتبعت الأحكام التي وقعت في آخر الآي مراعاة للمناسبة فعثرتمنها على ما ينيف على الأربعين حكماً:

- ‌تنبيهات

- ‌(فصل)

- ‌تنبيهات

- ‌الوجه الرابع من وجوه إعجازه

- ‌قاعدة

- ‌تنبيه:

- ‌فصل

- ‌الوجه الخامس من وجوه إعجَازه افتتاح السور وخواتمها

- ‌الوجه السادس من وجوه إعجازه (مُشْتَبِهات آياته)

- ‌الوجه السَّابع من وجوه إعجَازه (ووود مشكله حتى يوهم التعارض بين الآيات)

- ‌فصل

- ‌تنبيه:

- ‌الوجه الثامن من وجوه إعجازه (وقوع ناسخه ومنسوخه)

- ‌تنبيه:

- ‌تنبيه:

- ‌تنبيه:

- ‌الوجه التاسع من وجوه إعجازه (انقسامه إلى محكم ومتشابه)

- ‌فصل

- ‌الوجه العاشر من وجوه إعجازه (اختلاف ألفاظه في الحروف وكيفيتها من تخفيف وتشديد وغيرهما)

- ‌تنبيهات:

- ‌الوجه الحادي عشر من وجوه إعجازة (تقديم بعض ألفاظه وتأخيرها في مواضع)

- ‌الوجه الثاني عشر من وجوه إعجازه (إفادة حصره واختصاصه)

- ‌تنبيه:

- ‌الوجه الثالث عشر من وجوه إعجازه (احتواؤه على جميع لغات العرب وبلغة غيرهم من الفرس والروم والحبشة وغيرهم)

- ‌فائدة

- ‌الوجه الرابع عشر من وجوه إعجازه (عموم بعض آياته وخصوص بعضها)

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌(فروع منثورة تتعلق بالعموم والخصوص)

- ‌الوجه الخامس عشر من وجوه إعجازه (ورود بعض آياته مجملة وبعضها مبيّنة)

- ‌فصل

- ‌تنبيه:

- ‌تنبيه:

- ‌الوجه السادس عشر من وجوه إعجازه (الاستدلال بمنطوته أو بمفهومه)

- ‌فصل

- ‌فائدة

- ‌الوجه السابع عشر من وجوه إعجازه (وجوه مخاطباته)

- ‌الوجه الثامن عشر من وجوه إعجازه (ما انطوى عليه من الإخبار بالمغيبات)

- ‌الوجه التاسع عشر من وجوة إعجازه (إخباره بأحوال القرون السالفة والأمم البائدة، والشرائع الداثرة)

- ‌الوجه العشرون من وجوه إعجازه (الروعة التي تلحق قلوبَ سامعيه وأسماعهم عند سماعه)

- ‌الوجه الحادي والعشرون من وجوه إعجازه (أن سامِعَه لا يمجه وقارئه لا يَملة فتلذ له الأسماع وتشغف له القلوب)

- ‌الوجه الثاني والعشرون من وجوه إعجازه (تيسيره تعالى حفظه وتقريبه على متحفظيه)

- ‌الوجه الثالث والعشرون من وجوه إعجازه (وقوع الحقائق والمجاز فيه)

- ‌تنبيه:

- ‌تنبيه:

- ‌فصل في أنواع مختلف في عدها من المجاز

- ‌فصل فيما يوصف بأنه حقيقة أو مجاز باعتبارين

- ‌فصل في الواسطة بين الحقيقة والمجاز

- ‌خاتمة

- ‌الوجه الرابع والعشرون من وجوه إعجازه (تشبيهه واستعاراته وهو من أشرف أنواع البلاغة وأعلاها)

- ‌ذكر أقسامه

- ‌قاعدة

- ‌قاعدة أخرى

- ‌فائدة

- ‌فرع

- ‌تنبيه

- ‌فائدة

- ‌فائدة ثانية

- ‌خاتمة

- ‌الوجه الخامس والعشرون من وجوه إعجازه (وقوع الكناية والتعريض)

- ‌تذنيب

- ‌ فصل

- ‌الوجه السادس والعشرون من وجوه إعجازه (إعجازه في آية وإطنابه في أخرى)

- ‌تنبيه:

- ‌فصل

- ‌تنبيهات

- ‌القسم الثاني من قسمي الإيجاز إيجاز الحذف، وله فوائد

- ‌فائدة

- ‌قاعدة

- ‌ذكر شروطه

- ‌تنبيه:

- ‌فائدة

- ‌‌‌قاعدة

- ‌قاعدة

- ‌قاعدة

- ‌فصل

- ‌الحذف على أنواع

- ‌النوع الثاني: ما يسمّى بالاكتفاء

- ‌النوع الثالث: ما يسمى بالاحتباك

- ‌النوع الرابع: ما يسمى بالاختزال

- ‌خاتمة

- ‌فصل

- ‌فائدة

- ‌النوع الثاني: دخول الأحرف الزائدة:

- ‌النوع الثالث: التأكيد الصناعي

- ‌النوع الرابع: التكرير

- ‌النوع الخامس: الصفة

- ‌‌‌قاعدة

- ‌قاعدة

- ‌‌‌فائدة

- ‌فائدة

- ‌النوع السادس - البدل:

- ‌النوع السابع: - عطف البيان:

- ‌النوع الثامن: عطف أحد المترادفين على الآخر:

- ‌النوع التاسع: عطف الخاص على العام:

- ‌تنبيه

- ‌النوع العاشر: عطف العام على الخاص:

- ‌النوع الحادي عشر: الإيضاح بعد الإبهام:

- ‌النوع الثاني عشر: التفسير:

- ‌النوع الثالث عشر: وضع الظاهر موضع المضمر:

- ‌تنبيه:

- ‌النوع الرابع عشر: الإيغال:

- ‌النوع الخامس عشر - التذييل:

- ‌النوع السادس عشر: الطرد والعكس:

- ‌النوع السابع عشر: التكميل:

- ‌النوع الثامن عشر: التتميم:

- ‌النوع التاسع عشر: الاستقصاء:

- ‌النوع العشرون: الاعتراض:

- ‌النوع الحادي والعشرون: التعليل:

- ‌الوجه السابع والعشرون من وجوه إعجازه (وقوع البدائع البليغة فيه)

- ‌الإيهام: ويدعى التّورية:

- ‌ومنها الالتفات

- ‌تنبيهات:

- ‌الإطراد

- ‌الانسجام

- ‌الافتنان

- ‌الاقتدار

- ‌ائتلاف اللفظ مع اللفظ وائتلافه مع المعنى

- ‌الاستدراك والاستثناء

- ‌الاقتناص

- ‌الإبدال

- ‌تاكيد المدح بما يشبه الذم

- ‌التفويف

- ‌التقسيم

- ‌التدبيج

- ‌التنكيت

- ‌التجريد

- ‌التعديد

- ‌الترديد

- ‌التضمين

- ‌الجناس

- ‌تنبيه:

- ‌الجمع

- ‌الجمع والتفريق

- ‌الجمع والتقسيم

- ‌الجمع والتفريق والتقسيم

- ‌جع المؤتلف والمختلف

- ‌حسن النسق

- ‌عتاب المرء نفسه

- ‌العكس

- ‌العنوان

- ‌الفرائد

- ‌القسم

- ‌اللف والنشر

- ‌المشاكلة

- ‌المزاوجة

- ‌المبالغة

- ‌‌‌فائدة

- ‌فائدة

- ‌المطابقة

- ‌المواربة

- ‌المراجعة

- ‌النزاهة

- ‌الإبداع

- ‌الوجه الثامن والعشرون من وجوه إعجازه (احتواؤه على الخبر والإنشاء)

- ‌فصل

- ‌فرع

- ‌قاعدة

- ‌فرع

- ‌تنبيهات

- ‌قاعدة

- ‌فائدة

- ‌فصل

- ‌تنبيهات

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌قاعدة

- ‌فائدة

- ‌فصل

- ‌الوجه التاسع والعشرون من وجوه إعجازه (إقسامه تعالى في مواضع لإقامة الحجة وتأكيدها)

- ‌الوجه الثلاثون من وجوه إعجازه (اشتماله على جميع أنواع البراهين والأدلة)

- ‌فصل

- ‌الوجه الحادي والثلاثون من وجوه إعجازه (ضَرْب الأمثَالِ فيهِ ظاهرة ومضْمَرة)

- ‌فائدة

- ‌الوجه الثاني والثلاثون من وجوه إعجازه (ما فيه من الآيات الجامعة للرَّجاء والعدْل والتَخْويف)

- ‌الوجه الثالث والثلاثون من وجوه إعجازه (ورود آيات مُبهمة يحِيرُ العقل فيها)

- ‌ذكر المجموع من المبهمات الذين عرف أسماء بعضهم

- ‌تنبيه:

- ‌الوجه الرابع والثلاثون من وجوه إعجازه (احتواؤها على أسماء الأشياء والملائكة والكُنى والألقاب وأسماء القبائل والبلاد والجبال والكواكب)

- ‌الوجه الخامس والثلاثون من وجوة إعجازه (ألفاظه المشتركة)

الفصل: وأخرجه ابن أبي حاتم من هذا الوجه، وزاد: ما أدري

وأخرجه ابن أبي حاتم من هذا الوجه، وزاد: ما أدري ما هما، وأكره أن

أقول فيهما ما لا أعلم.

قال ابن أبي مليكة: فضرب الدهر حتى دخلت على سعيد بن المسيب فَسُئل

عن ذلك فلم يدر ما يقول.

فقلت: ألَا أخْبِرك بما حضرت عن ابن عباس.

فأخبرته.

فقال ابن المسيب للسائل: هذا ابن عباس قد اتَّقَى أنْ يقول فيها، وهو

أعلمُ مني.

وروي عن ابن عباس أيضاً أن يوم الألف هو مقدار سَيْرِ الأمرِ وعروجه

إليه، ويوم الألف في سورة الحج أحد الأيام الستة التي خلق الله فيها السماوات.

ويوم الخمسين ألفاً هو يوم القيامة، فأخرج ابن أبي حاتم من طريق سماك عن

عكرمة عن ابن عباس أن رجلاً قال له: حدثني ما هؤلاء الآيات: في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة.

(وإن يَوماً عند ربك كألْفِ سنة) . الحج: 47.

فقال: يوم القيامة حساب الخمسين ألف سنة.

والسماوات في ستة أيام كل يوم يكون ألف سنة.

(يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ) .

قال ذلك مقدار السير.

وذهب بعضهم إلى أن المراد بهما يوم القيامة، وأنه باعتبار حال المؤمن

والكافر، بدليل قوله: يوم عسير على الكافرين غير يسير.

‌فصل

قال الزركشي في "البرهان": للاختلاف أسباب:

أحدها: وقوع الخبر به على أحوال مختلفة وتطورات شتى، كقوله في خلق

آدم مرة: (مِنْ ترَاب) آل عمران: 59) ، ومرةً:(مِنْ حَمَأ مَسْنون)

الحجر: 26) ، ومرة:(مِنْ طِين لازِبِ) الصافات: 11) ، ومرة -: (مِنْ

صَلْصَال كالفَخَّار) . الرحمن: 14) ، فهَذه ألفاظ مختلفة ومعانيها في أحوال

مختلفة، ً لأن الصلصال غير الحمأ والحمأ غير التراب، إلا أن مرجعها كلها إلى جوهر وهو التراب، ومن التراب تدرجت هذه الأحوال.

ص: 77

وكقوله: (فإذا هي ثعْبَانٌ) ، في موضع.

وفي موضع: (تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ) ، والجان الصغيرُ من الححَّاتِ، والثعبان الكبير منها، وذلك لأن خَلْقَهَا خلقُ الثعبان العظيم، واهتزازها وحركتها وخفتها كاهتزاز الجان وحركته وخفّته.

الثاني: لاختلاف الموضوع، كقوله:(وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24) .

وقوله: (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) .

- مع قوله: (فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ (39) .

قال الحليمي: فتحمل الآية الأولى على السؤال عن التوحيد وتصديق الرسل.

والثانية على ما يستلزمه الإقرار بالنبوءات من شرائع الدين وفروعه.

وحمله غيره على اختلاف الأماكن، لأن في القيامة مواقف كثيرة، ففي موضع: يسألون، وفي موضع آخر: لا يسألون.

وقيل: إن السؤال المثبت سؤال تبكيت وتوبيخ والمنفي

سؤال المعذرة وبيان الحجة.

وكقوله: (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ)، مع قوله:(فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) .

قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي: الآية الأولى على التوحيد، بدليل قوله بعدها:(ولا تموتنَ إلا وأَنْتمْ مسلمون) .

والثانية على الأعمال.

وقيل: بل الثانية ناسخة للأولى.

وكقوله: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) .

مع قوله: (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ) .

فالأولى تفهم إمكان العدل، والثانية تنفيه.

والجواب أن الأولى في توفية الحقوق.

والثانية في الميل القلبي، وليس في قدرة البشر.

وكقوله: (قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ)، مع قوله:

ص: 78

(أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا) .

فالأولى في الأمر الشرعي، والثانية في الأمر الكوني بمعنى القضاء والتقدير.

الثالث: لاختلافهما في جهتي الفعل، كقوله: (فَلَمْ تَقْتلوهم ولكنَّ اللهَ

قتَلَهم وما رَمَيْتَ إذ رميت ولكنَّ اللهَ رمى) .

فأضاف الفعل إليهم والرمي إليه صلى الله عليه وسلم على جهة الكسب والمباشرة، ونفاه عنهم وعنه باعتبار التأثير.

الرابع: لاختلافهما في الحقيقة والمجاز، كقوله:(وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى) .

أي سكارى من الأهوال مجازاً، لَا منَ الشراب حقيقة.

الخامس: بوجهين واعتبارين، كقوله:(فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) .

مع قوله: (خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ) .

قال قطْرب: فبصرك اليوم، أي عِلْمك ومعرفتك بها قوية.

من قوله: بَصرَ بكذا أي علم، وليس المراد رؤية العين.

قال الفارسي: ويدل على ذلك قوله: (فكشَفْنَا عنكَ غطاءك) .

وكقوله: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ) .

مع قوله: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) .

فقد يظنّ أن الوجل خلاف الطمأنينة.

وجوابه أن الطمأنينة تكون بانشراح الصدر بمعرفة التوحيد.

والوجل يكون عند خوف الزيغ والذهاب عن الهدى فتوجل القلوب لذلك، وقد جمع بينهما في قوله:(تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) .

وممّا استشكلوه قوله تعالى: (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا (55) .

ص: 79

فإنه يدل على حصر المانع من الإيمان في أحد هذين الشيئين.

وقال في آية أخرى: (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (94) .

فهذا حصر آخر في غيرهما.

وأجاب ابن عبد السلام بأن معنى الآية: وما منع الناس أن يؤمنوا إلا إرادة

أن تأتيهم سنة الأولين من الخسف أو غيره، أو يأتيهم العذاب قبلاً في الآخرة.

فأخبر أنه أراد أن يصيبهم أحد الأمرين.

ولا شك أن إرادة الله مانعة من وقوع ما ينافي المراد، فهذا حصر في السبب الحقيقي، لأن الله هو المانع في الحقيقة.

ومعنى الآية الثانية: وما منع الناس أن يؤمنوا إلا استغراب بعثه بشرا رسولاً، لأن قولهم ليس مانعاً من الإيمان، لأنه لا يصلح لذلك، وهو يدل على

الاستغراب بالتزام، وهو المناسب للمانعية، واستغرابهم ليس مانعاً حقيقيا، بل عادياً، لجواز وجود الإيمان معه بخلاف عادة الله، فهذا حصر في المانع العادي، والأول حصر في المانع الحقيقي، فلا تنافي

انتهى.

ومما استشكل قوله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا) .

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ) .

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ) .

إلى غير ذلك من الآيات.

ووجهه أن المراد هنا بالاستفهام النفي، والمعنى لا أحد أظلم، فيكون خبراً.

وإذا كان خبراً وأخِذت الآيات على ظاهرها أدى إلى التناقض.

وأجيب بأوجه: منها تخصيص كل موضع بمعنى صلته، أي لا أحد من

المانعين أظلم ممن منع مساجد الله.

ولا أحد من المفترين أظلم ممن افترى على الله.

وكذا باقيها، وإذا تخصص بالصِّلات زال التناقض.

ومنها: أن التخصيص بالنسبة إلى السبق لَمّا لم يسبق أحد إلى مثله حكم

عليهم بأنهم أظلم ممن جاء بعدهم سِالكاً طريقهم، وهذا يؤول معناه إلى ما قبله، لأن المراد السبق إلى المانعية والافترائية.

ص: 80

ومنها - وادعى أبو حيان أنه الصواب: أن نفي الأظلمية لا يستدعي نفي

الظالمية، لأن نفي المقيد لا يدل على نفي المطلق، وإذا لم يدل على نفي الظالمية لم يلزم التناقض، لأن فيها إثبات التسمية في الأظلمية، ثم لم يكن أحد وصف بذلك يزيد على الآخر، لأنهم يتساوون في الأظلمية، وصار المعنى لا أحد أظلم ممن افترى، وممن منع ونحوها، ولا إشكال في تساوي هؤلاء في الأظلمية، ولا يدل على أن أحد هؤلاء أظلم من الآخر، كما إذا قلت لا أحد أفقه منهم

انتهى.

وحاصل الجواب أن نفي التفضيل لا يلزم منه نفي المساواة.

وقال بعض المتأخرين: هذا استفهام مقصود به التهويل والتفظيع من غير

قصد إثبات الأظلمية للمذكور حقيقة، ولا نفيها عن غيره.

وقال الخطابي: سمعت ابن أبي هريرة يحكي عن أبي العباس بن سريج، قال:

سأل رجل بعض العلماء عن قوله: (لا أقسم بهذا البلد) .

فأخبر أنه لا يقسم به، ثم أقسم به في قوله:(وهذا البلد الأمين) التين: 3) ، فقال: أيّهما أحبّ إليك أجيبك ثم أقطعك، أو أقطعك ثم أجيبك، فقال: أقطعني ثم أجبْني.

فقال له: اعلم أن هذا القرآن نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بحضرة رجال وبين ظهراني قوم، وكانوا أحرص الخلق على أن يجدوا فيه مَغْمَزا وعليه مطْعناً، فلو كان هذا عندهم مناقضة لتعلقوا به وأسرعوا بالرد عليه، ولكن القوم علموا وجهلت، فلم ينكروا منه ما أنكرت، ثم قال له: إن العرب قد تدخل لا في أثناء كلامها وتلغي معناها وأنشد فيه أبياتاً.

ومما استشكلوه أيضاً قوله تعالى في سورة سبحان: (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (83) .

وفي سورة فصلت: (وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (51) .

ومن لوازم الإياس نفي مطلق الدعاء، وأثبته في سورة فصلت.

ص: 81