الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: وظهر لي جواب رابع، وهو أن سورة يوسف نزلت بسبب طلب
الصحابة أن يقص عليهم، كما رواه الحاكم في مستدركه، فنزلت مبسوطة تامة ليحصل لهم مقصود القصص من استيعاب القصة، وترويح النفس بها، والإحاطة بطرفيها.
وجواب خامس، وهو أقوى ما يجاب به: أنَّ قصص الأنبياء إنما كُررت
لأن المقصود بها إفادة إهلاك من كَذَّبوا رسلهم، والحاجةُ داعية إلى ذلك
لتكرير تكذيب الكفار للرسول صلى الله عليه وسلم، فلما كذّبوا أنزلت قصة مُنْذرة بحلول العذاب، كما حل على المكذبين، ولهذا قال تعالى في آيات:(فقد مضَتْ سنَّة الأولين) .
(أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ) .
وقصة يوسف لم ئقصد منها ذلك، وبهذا أيضاً يحصل الجواب
عن حكمة عدم تكرير قصة أهل الكهف، وقصة ذي القَرْنين، وقصة موسى مع الخضر، وقصة الذّبيح.
فإن قلت: قد تكررت قصة ولادة يحيى وولادة عيسى مرتين، وليست من
قَبِيل ذلك؟
قلت: الأولى في سورة كهيعص، وهي مكية أنزلت خطاباً لأهل
مكة، والثانية في سورة آل عمران، وهي مدنية أنزلت خطاباً لليهود ولنصارى نجران حين قدموا، ولهذا اتصل بها ذكر الحاجّة والمباهلة.
النوع الخامس: الصفة
.
وترِد لأسباب:
أحدها: التخصيص في النكرة، نحو:(فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) .
الثاني: التوضيح في المعرفة، أي زيادة البيان، نحو:(ورَسولِه النبي الأمّيِّ) .
الثالث: المدح والثناء، ومنه صفات الله تعالى، نحو:(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) .
(هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ) .
ومنه: (يَحْكُمُ بها النبيُّون الذين أسْلَمُوا) .
فهذا الوصف للمدح، وإظهار شرف الإسلام
والتعريض باليهود، وأنهم بعدوا عن ملّة الإسلام الذي هو دينُ الأنبياء كلهم، وأنهم بمعزل عنها، قاله الزمخشري.
الرابع: الذم، نحو:(فاستَعِذْ باللهِ من الشيطانِ الرجِيم) .
الخامس: التأكيد لرفع الإيهام، نحو:(لا تَتَخِذُوا إلهين اثنين) .
فإن إلهين للتثنية، فاثنين بعده صفة مؤكدة للنهي عن الإشراك، ولإفادة
أن النهي عن اتِّخاذ إلهين، إنما هو لمحض كونهما اثنين فقط، لا لمعنى آخر من
كونهما عاجزين أو غير ذلك، ولأن الوحدة تطلق ويراد بها النوعية، كقوله
صلى الله عليه وسلم: إنما نحن وبنو المطلب شيء واحد.
وتطلق ويراد بها نفيُ العدة بالتثنية باعتبارها.
فلو قيل: لا تتخذوا إلهين فقط لتوهم أنه نهى عن اتخاذ جنسين آلهة.
وإن جاز أن نتخذ من نوع واحد عدداً آلهة، ولهذا أكد بالوحدة قوله: (إنما
هُوَ إله واحد) .
ومثله: (فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) - على قراءة تنوين كل.
وقوله: (إذا نُفِخَ في الصُّورِ نَفْخَةٌ واحدةٌ) .
فهو تأكيد لرفع توهُّم تعدد النفخة، لأن هذه الصيغة قد تدل على الكثرة
بدليل: (وإن تَعدّوا نعمةَ اللهِ لا تُحْصُوها) .
ومن ذلك قوله: (فإنْ كانَتَا اثْنَتَيْن) .
فإن لفظ (كانتا) يفيد التثنية، فتفسيره باثنتين لم يفِدْ زيادة عليه.
وقد أجاب عن ذلك الأخفش والفارسي بأنه أفاد العدد المحض مجردا عن
الصفة، لأنه قد كان يجوز أن يقال: فإن كانتا صغيرتين أو كبيرتين أو صالحتين أو غير ذلك من الصفات، فلما قال اثنتين أفهم أن فرض الثنتين تعلق بمجرد كونهما اثنتين فقط، وهذه فائدة لا تحصل من ضمير المثنى.