الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بلاغة، والفواصل مثله.
وإن أراد به ما تقع المعاني تابعة له - وهو مقصود متكلف - فذلك عيب.
والفواصل مثله.
قال: وأظن الذي دعاهم إلى تسمية كل ما في القرآن فواصل، ولم يسموا ما
تماثلت حروفه سجعاً - رغبتهم في تنزيه القرآن عن الوصف اللاحق بغيره من
الكلام المروي عن الكهنة وغيرهم، وهذا غَرَضٌ في التسمية قريب.
والحقيقة ما قلناه.
قال: والتحرير أن الأسجاع حروف متماثلة في مقاطع الفواصل.
قال: فإن قيل: إذا كان عندكم أن السجع محمود فَهلا وَرَدَ القرآنُ كله
مسجوعاً، وما الوجه في ورود بعضه مسجوعا وبعضه غير مسجوع، قلنا، إن القرآن نزل بلغة العرب، وعلى عُرْفهم وعادتهم، وكان الفصيح منهم
لا يكون كلامُه كله مسجوعاً، لما فيه من أمارات التكللف والاستكراه لاستماع طول الكلام، فلم يَرِدْ كله مسجوعاً جرياً منهم على عُرْفِهم في اللطيفة الغالبة من كلامهم، ولم يخل من السجع، لأنه يحسن في بعض الكلام على الصفة السابقة.
وقد ألف الشيخ شمس الدين بن الصائغ الحنفي كتاباً سماه " إحكام الراي في
أحكام الآي " قال فيه: إن المناسبة أمر مطلوب في اللغة العربية يُرتكب بها
أمور من مخالفة الأصول.
قال:
وقد تتبعت الأحكام التي وقعت في آخر الآي مراعاة للمناسبة فعثرت
منها على ما ينيف على الأربعين حكماً:
1 -
تقديم المعمول إما على العوامل نحو: (أهؤلاء إياكم كانوا يعْبُدون)
قيل: ومنه: (وَإيّاك نستعين) .
أو معمول آخر أصله التقديم، نحو:(لِنُرِيَكَ مِنْ آياتنَا الْكبْرَى) .
إذا أعربنا (الكبرى) مفعول نرِي.
أو على الفاعل، نحو:(ولقد جاء آل فرعون النّذُر) .
ومنه تقديم خبر كان على اسمها، نحو:(وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) .
2 -
تقديم ما هو متأخر في الزمان، نحو:(فَلِلّهِ الآخِرَةُ والاْولى) .
ولولا مراعاة الفواصل لقُدمت " الأولى"، كقوله: (لهُ الْحَمْدُ في الأولى
والآخرة) . القصص: 70.
3 -
تقديم الفاضل على الأفضل، نحو:(برَبِّ هَارون ومُوسى) .
وتقدم ما فيه.
4 -
تقديم الضمير على ما يفسره، نحو:(فأوْجَسَ في نَفْسِه خِيفَة مُوسى) .
5 -
تقديم الصفة الجملة على الصفة المفرد، نحو: (وَنُخْرجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُورا) . الإسراء: 13.
6 -
حذف ياء المنقوص العرّف، نحو:(الكبِير المتعال) الرعد: 10.
(يوم التناد) . المؤمن: 32.
7 -
حذف ياء الفعل غير المجزوم، نحو:(واللّيْلِ إذَا يَسْرِ) .
8 -
حذف ياء الإضافة، نحو:(فكيف كان عَذَابي ونُذُر) . القمر 18.
(فكيف كان عقاب) الرعد: 32.
9 -
حرف المد، نحو: الظنُونَا، والرسولا، والسبيلا.
ومنه إبقاؤه مع الجازم، نحو:(لا تخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشَى) أطه: 77.
(سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) .، على القول بأنه نَهْي.
10 -
صرف ما لا ينصرف، نحو:(قَوَاريرا. قَوَاريرا) . الإنسان: 15.
16.
11 -
إيثار تذكير الجنس، كقوله:(أعجاز نَخْلٍ مُنْقَعِرْ) .
12 -
إيثار تأنيثه، نحو:(أعجاز نَخْل خَاوية) . الحاقة: 7، ونظيرُ هذين
قوله في القمر: (وكلّ صَغِير وَكَبير مستَطِر) . القمر: 53.
وفي الكهف: (لا يُغادِرُ صَغِيرة ولا كَبِيرة إِلَاّ أحصَاها) . الكهف: 49.
13 -
الاقتصار على أحد الوجهين الجائزين اللذين قرىء بهما في السبع في غير ذلك، كقوله:(فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا) الجن: 14) ، ولم يجئْ رشداً في
السبع، وكذا:(وهَبْ لَنَا مِنْ أمْرِنَا رَشَدا) . الكهف: 10) ، فإن الفواصل
في السورتين محركة الوسط، وقد جاء في:(وإن يَرَوْا سَبِيل الرّشْد) الأعراف: 146.
وبهذا يبطل ترجيح الفارسي قراءة التحريك بالإجماع عليه فيما تقدم.
ونظير ذلك قراءة: (تَبّتْ يَدَا أبِي لَهَب) بفتح الهاء وسكونها، ولم
يقرأ: (سيصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَب) المسد: 3.
إلا بالفتح لمراعاة الفاصلة.
14 -
إيراد الجملة التي ورد بها ما قبلها على غير وجه المطابقة في الاسمية
والفعلية، كقوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بالله وَباليَوْمِ الآخر ومَا
هَمْ بمؤمِنين) البقرة: 8، لم يطابق بين قولهم " آمنّا" وبين ما ردّ به فيقول: لم
يؤمنوا، أو ما آمَنوا لِذَلك.
15 -
إيراد أحد القسمين غير مطابق للآخر كذلك، نحو: (فليعلمنَّ الله
الذين صدقوا ولَيَعْلَمَنَّ الكاذبين) العنكبوت: 3.
ولم يقل الذين كذبوا.
16 -
إيراد أحد جزأى الجملتين على غير الوجه الذي أورد نظيرها من
الجملة الأخرى، نحو:(أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتَّقُون) البقرة:
177.
17 -
إيثار أغرب اللفظتين، نحو:(قِسْمَةٌ ضِيْزَى) . النجم: 22) ، ولم
يقل جائرة.
و (لَيُنْبَذَنَّ في الحُطَمَة) . الهمزة: 4) ، ولم يقل جهنم أو النار.
وقال في المدثر: (سَأصْليهِ سَقَر) . المدثر: 26.
وفي سأل (إِنَّهَا لَظَى (15) .
وفي القارعة: (فأمهُ هَاوِية) . لمراعاة فواصل كل سورة.
18 -
اختصاص كل من المشتركين بموضع، نحو:(وليذكَّر أولو الألباب)
وفي سورة طه: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (54) .
19 -
حذف المفعول، نحو:(فأمَّا مَنْ أعطَى واتَّقَى) . الليل: هـ.
(ما وَدَّعَكَ ربُّكَ ومَا قَلَى) الضحى: 2.
ومنه حذف متعلق أفعل التفضيل، نحو:(يَعْلَم السَرَّ وأخْفَى) ، (خَيْر وأبقى) .
20 -
الاستغناء بالإفراد عن التثنية، نحو: (فلا ئخْرِجَتكمَا من الجنة
فتَشْقَى) .
21 -
الاستغناء به عن الجمع، نحو:(واجْعَلْنَا للِمُتَّقِين إماماً) . ولم يقل أئمة، كما قال:(وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا)
(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ)،: أي أنهار.
22 -
الاستغناء بالتثنية عن الإفراد، نحو:(وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) .
قال الفراء: أراد جنة، كقوله:(فإن الجنةَ هي المأوَى) .
فثنى لأجل الفاصلة.
قال: والقوافي تحتمل من الزيادة والنقصان ما لا يحتمله سائر الكلام.
ونظير ذلك قول الفراء أيضاً في قوله: (إذ انْبَعَثَ أشْقَاهَا) ، فإنهما رجلان فدَار وآخر معه ولم يقل أشقياها للفاصلة.
وقد أنكر ذلك ابن قتيبة وأغلظ فيه، وقال: إنما يجوز في رؤوس الآي زيادة
هاء السكت أو الألف أو حذف همزة أو حرف، فأما أن يكون الله وعد جنتين فيجعلهما جنة واحدة لأجل رؤوس الآى فمعاذ الله! وكيف هذا وهو يصفهما بصفات الاثنين.
قال: (ذَوَاتَا أفْنَان) الرحمن: 48) ، ثم قال:" فيهما".
وأما ابن الصائغ فإنه نقل عن الفراء أنه أراد جنات، فأطلق الاثنين على
الجمع لأجل الفاصلة، ثم قال: وهذا غير بعيد.
قال: وإنما أعاد الضمير بعد ذلك بصيغة التثنية مراعاة للفظ، وهذا هو الثالث والعشرون.
24 -
الاستغناء بالجمَع عن الإفراد، نحو:(لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ)
، أى ولا خُلّة، كما في الأخرى، وجمع مراعاة للفاصلة.
25 -
إجراء غير العاقل مجرى العاقل، نحو:(رَأيْتُهُمْ لي ساجدين) .
(كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33) .
26 -
إمالة ما لا يمال، كآى طه والنجم.
27 -
الإتيان بصيغة المبالغة، كقدير، وعليم، مع ترك ذلك في نحو: (هو
القادر) ، و (عالم الغيب) .
ومنه: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64) .
28 -
إيثار بعض أوصاف المبالغة على بعض، نحو:(إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) .
أوثر على عجيب لذلك.
29 -
الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه، نحو:(وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى (129) .
30 -
إيقاع الظاهر موقع المضمر، نحو:(وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170) .
وكذا آية الكهف.
31 -
وقوع مفعول موقع فاعل، كقوله:(حِجَابًا مَسْتُورًا (45)
(إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61) .
أي ساتراً، وآتياً.
32 -
وقوع فاعل موقع مفعول، نحو (عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ) .
(ماءٍ دافق) .
33 -
الفصل بين الموصوف والصفة، نحو: (أخرج المرعَى فجعلَهُ غثَاءً
أحْوَى) . الأعلى: 5، 6، إن أعْرِب أحوى صفة للمرعى، أي حالاً.
34 -
إيقاع حرف مكان غيره، نحو:(بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5) .
والأصل إليها.
35 -
تأخير الوصف غير الأبلغ عن الأبلغ.
ومنه: الرحمن الرحيم.
رؤوف رحيم، لأن الرأفة أبلغ من الرحمة.
36 -
حذف الفاعل ونيابة المفعول نحو: (وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) .
37 -
إثبات هاء السكت، نحو: مالِيَه. سُلْطَاييَه. مَا هِيَه.
38 -
الجمع بين المجرورات، نحو:(ثم لا تَجِدُوا لكم عَلَيْنَا به تَبِيعا)
، فإن الأحسن الفصل بينهما، إلا أن مراعاة الفاصلة اقتضت
عدمه.
39 -
العدول عن صيغة المضي إلى صيغة الاستقبال، نحو: (فَفَرِيقاً كذَّبتم
وفريقاً تَقْتُلون) ، الأصل قتلتم.
40 -
تغيير بنْية الكلمة، نحو:(وطورِ سينين) التين: 2.
والأصل طور سيناء.
قال ابن الصائغ: لا يمتنعُ في توجيه الخروج عن الأصل في الآيات المذكورة
أمور أخرى مع وجه المناسبة، فإن القرآن العظيم - كما جاء في الأثر - لا تنقضي عجائبه.
وقال ابن أبي الإصبع: لا تخرج فواصل القرآن عن أحد أربعة أشياء:
التمكين، والتصدير، والتوشيح، والإيغال.
والتمكين - ويسمى ائتلاف القافية: أن يمهد الناثرُ للقرينة أو الشاعر للقافية
تمهيداً تأتي به القافية أو القرينة متمكنة في أماكنها مستقرة في قرارها، مطمئنة
في مواضعها، غير نافرة ولا قلقة، ومتعلقا معناها بمعنى الكلام كله تعلقاً تاما، بحيث لو طُرِحَت لاختل المعنى واضطرب الفهم، وبحيث لو سكت عنها كمّله السامع بطبعه.
ومن أمثلة ذلك قوله: (يا شُعَيْبُ أصَلاتُكَ تأمُرُكَ) .