الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَدْخَل أهَمُّ وَأشْهَرُ المُصَنَّفَاتِ في عُلُومِ الحَدِيث قَدِيْمًا وَحَدِيْثًا
لم يُصنف المتقدمون من طبقة الكبار في المصطلح مصنفات مستقلة؛ فقد كانوا يتعاملون مع هذا الفن عمليًا، ولهذا قَلَّتْ كتابتهم فيه، أو عُدِمت، فقد كانوا يعتمدون على الفهم والحفظ، وإعمال القرائن، ولم يكونوا يعتبرون القواعد حاكمة إلا بالجملة، وهي محفوظة في أذهانهم، خاضعة عندهم للقرائن غالبًا، فالقواعد عندهم عصى الأعمى، وقوالب غير متسعة، حتى جاء المتأخرون فركنوا إلى الدِعَة وجعلوا هذا العلم عبارة عن قوالب، وأخضعوه لقواعد صمَّاء ضيقة جامدة، وأهملوا القرائن.
فكانت مظانّ أصول علم الحديث عموم المصنفات الحديثية: ككتب المتون، وكتب الجرح والتعديل، وكتب العلل، وكتب السؤالات، وكتب الأجزاء.
ففي كتب المتون: كما في "سنن الدارمي" كثير من أصول علم الحديث، وكذا في "صحيح البخاري" جملٌ كثيرةٌ في مسائل علوم الحديث، وكذا في مقدمة "صحيح مسلم" وفي "جامع الترمذي" جمل كثيرة مبثوثة عقب أحاديثه، ثم ختمه بجزء نفيسٍ عُرِف بالعلل الصغير، وفي "رسالة "أبي داود إلى أهل مكة" ولم تخل "سنن النسائي" من بعض مباحث علوم الحديث وإن قَلَّت.
وفي كتب الجرح والتعديل: ككتاب "التاريخ الكبير" للبخاري، و "المعرفة والتاريخ" للفَسَوي، و "مقدمة الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم.
وفي كتب العلل: كما في "علل ابن أبي حاتم"، و "علل الدارقطني" وفيها أصول منهج، التعليل (1)، وفي كتب السؤالات: كما في "سؤالات ابن أبي شيبة لابن المديني"، وسؤالات" "أبي داود للإمام أحمد، و "سؤالات الدارمي لابن معين".
(1) ومن تدبر هذين الكتابين علم بطلان قواعد التعليل المعتمدة في كتب المصطلح المتعارف عليها عند المتأخرين.
وفي كتب الأجزاء: كجزء عبد الله بن الزبير الحميدي. و "معرفة المتصل" للبَردِيجي، وقد هُجِرت هذه الكتب بالنسبة لأخذ أصول هذا العلم منها، ومن هنا نشأ الخطأ في فهم هذا العلم، والتباين الحاصل بين المتقدمين والمتأخرين، نعم قد يكون السبب الرئيس لهجر الأخذ من هذه الكتب أن الأقوال متناثرة فيها غير مجموعة في موضع واحد، مما شق على الكسول والمُتعجِّل والمقلِّد النظر فيها، ولو سبر أحدٌ هذه المصنفات لأتى على كل مباحث المصطلح عند المتقدمين، حتى جاء القرن الرابع الهجري فتوجهت أنظار بعض العلماء إلى جمع تلك المباحث والقواعد المتفرقة.
فكتب ابن حبان مقدمات كتبه "التقاسيم والأنواع"(1)، "المجروحين" و "الثقات"، ثم صنف الرَّامَهُرْمُزِيُّ كتابه "المحدِّث الفاصل بين الراوي والواعي" وكذا أبو سليمان، الخطَّابي فيما كتبه في مقدمة كتابه "معالم السنن" وتبعهم أبو الحسن القابسي في مقدمة كتابه "مختصر الموطأ" المعروف بالملخَّص، وصنف ابن مَنْدَه في شروط الأئمة، وكتاب الحاكم، "المدخل إلى الإكليل" ثم صنف الحاكم كتابه العظيم "معرفة علوم الحديث"(2)، ووضع عليه أبو نعيم الأصبهاني مستخرجًا، نسجه على منواله (3).
ثم صنف الخطيب البغدادي "الكفاية في علم الرواية"(4)، ثم "الجامع لأخلاق الراوي "وآداب السامع" وهو خاص بأدب الرواية، ثم صنف ابن طاهر المقدسي "شروط الأئمة الستة" وهو جزء صغير.
وصنف القاضي عياض "الإلماع" وصنف أبو موسى المديني "خصائص مسند أحمد"
(1) المعروف اليوم بصحيح ابن حبان.
(2)
والحاكم فيه محرر لما عليه أئمة الحديث المتقدمين، لا يتجاوزهم، لعلمه أن (غير أهل الحديث) لا يحسن هذا العلم، وهو أجلُّ ما كتب في علوم الحديث، مع الحاجة إلى ترتيبه وتهذيبه.
(3)
وزاد في أثنائه أشياء تناسب مواضعها.
(4)
ولم يؤلف في المصطلح أجمع منه، ولكنه لم يقتصر فيه على الأخذ من المحدثين أهل الشأن، بل شَانَهُ بأقوال غيرهم ممن لا يحسن هذا الفن ولا يعرفه، كالفقهاء، والأصوليين، والمتكلمة. والخطيب في كتبه الأخرى يخالف ما قرره في "الكفاية".
وصنف أبو حفص المَيَانَجِيّ "إيضاح ما لا يسع المحدث جهله"(1)، وصنف الحازمي "شروط الأئمة الخمسة".
ثم جاء المتأخرون (2)، فصنف ابن الصلاح كتابه "معرفة أنواع علم الحديث" المشهور بمقدمة ابن الصلاح، حاول فيه جمع شتات ما تقدم مما كُتب في المصطلح، وعليه بنى المتأخرون مصنفاتهم في علوم الحديث، وهو عمدة المتأخرين وقبلتهم في تصانيفهم، فمنهم من اختصره ومنهم من نظمه ومنهم من نكَّتَ عليه، ومنهم من شرحه، فمن مختصراته:"إرشاد طلاب الحقائق" للنووي (3). و "الخلاصة" لحسن بن محمد الطيبي، و "المُقنع" لابن المُلَقِّن، و "اختصار علوم الحديث" لابن كثير، و "الاقتراح" لابن دقيق العيد (4)، ومن شروحه "إصلاح كتاب ابن الصلاح" لابن اللبَّان. و "إصلاح ابن الصلاح" لمُغُلْطَاي. و "الجواهر الصحاح" لابن جَمَّاعَة.
ومن النكت عليه: "النكت"، للزركَشِي، و "التقييد والإيضاح" للعراقي، و "النكت" لابن حجر.
ومن منظوماته وشروحها: "ألفية العراقي"، شرحها السخاوي في "فتح المغيث"، و "ألفية السيوطي"، شرحها هو نفسه في "البحر الذي زَخَر".
وقد مارستُ مصنفات المصطلح المشهورة عند المتأخرين فرأيت أجلَّهَا وأشهَرَها عندهم: "الكفاية" للخطيب، و "مقدمة" ابن الصلاح، و "الموقظة" للذهبي، و "النخبة" لابن حجر. و "المنظومة البيقونية" للبيقوني، و "الألفية" للعراقي، و "فتح المغيث" للسخاوي، و "تدريب الراوي" للسيوطي، و "نكت" العراقي، و "نكت" ابن حجر (5).
(1) والكتاب على شهرته، فليس مصنفه بالمتقن في علوم الحديث.
(2)
وقد اندرست علوم المتقدمين، وظهرت مدارس الرأي والفلسفة وعلم الكلام، وعَلا الفقهاء، وهُجِرَ المحدثون. فصنف من صنف في المصطلح، كل متأثر باعتقاده أو مذهبه فخلط بين أقوال أهل الحديث وأقوال غيرهم، من المتكلمة والفقهاء والأصوليين، فصارت كتب المتأخرين هي المعروفة في هذا العلم، بل لا يعرف غيرها، ولو سئل أحد عن الكتب المصنفة في هذا الباب لا يذكر لك غير المعروف عند المتأخرين.
(3)
ثم اختصر النووي كتابه هذا في كتاب أسماه "التقريب والتيسير". و"شرح التقريب" السيوطي في كتابه الشهير "تدريب الراوي".
(4)
اختصره الذهبي في "الموقظة".
(5)
وعندي أن "توضيح الأفكار" للصنعاني، خير شروح المتأخرين، لكن ليس له شهرة غيره.
هذا وغالب من كتبَ في الباب على طريقة المتأخرين، إلا ابن رجب، فإنه حَرَّرَ منهج المتقدمين، بل كل من صنف في علوم الحديث بعد ابن حجر إنما ينقل عنه من مصنفاته كـ "النخبة" و "النزهة" و "هدي الساري"، فكأنَّ المصنف ابن حجر نفسه.
حتى جاء عبد الرحمن المُعَلِّمِي فتابع ابن رجب، وحرَّر كثيرًا من مباحث المصطلح، ونقى كثيرًا من قواعده التي اندرست وهجرها المشتغلون، ثم شرع جمعٌ من المعاصرين يكتبون في تحرير مباحث هذا العلم على طريقة السلف، لتنقيته من أقوال غير أهل الحديث، وأقوال أهل الحديث الذين تأثروا بغير أهل الحديث، منهم محمد عمرو بن عبد اللطيف - رحمه الله تعالى -، والحافظ عبد الله بن عبد الرحمن السعد، وهما المقدَّمان على المعاصرين، وأبو المعاطي النوري - رحمه الله تعالى -، وإبراهيم اللاحم، وعمرو عبد المنعم سليم، وحمزة المِلِّبَارِي، وأضرابهم، فلله درهم.
وهنا أقول: لا بد لطالب العلم بعد هذا أن يأخذ هذا العلم من مصنفات من حرَّر على طريقة المتقدمين، حتى لا يقع في الإشكالات التي سنذكرها في موضعها إن شاء الله من هذه الرسالة (1).
وسيتبين لكَ جليًّا بإذن الله أنَّ المتأخرين لا يحسنون هذا الفن كما يحسنه المتقدمون، بل حرفوا منهاجه وأفسدوه علينا، مما جرَّ إلى قَلبِ الحقائق الشرعية.
* * *
(1) وانظر مبحث التأصيل آخر المباحث في هذه الرسالة.