الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التَّدْلِيسُ
التَّدْلِيس: إخفاء عيب في الإسناد، وتحسين لظاهره، حتى يقبل الحديث.
وَالمتقدمون يطلقون في كثير من الأحيان على الإرسال تدليسًا، فيقولون: فلان يدلس، يعني: يرسل (1).
وهو أقسام: تدليس الإسناد، والتسوية، والشيوخ، والعطف، والمتابعة، والقطع - أو السكوت -، وصيغ التحمل، والبلدان.
تَدْلِيْسُ الإِسْنَاد: أن يَرْوِيَ الراوي عن شيخ سمع منه بالجملة شيئًا لم يسمعه منه بصيغة تحتمل السماع.
كرواية ابن عُيَيْنَة عن الزهري؛ فقيل له: سمعته من الزهري؟ فقال: لا، ولا ممن سمعه من الزهري، حدثني عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري.
ويندرج تحت تدليس الإسناد؛ تدليس التسوية، والقطع أو السكوت، والعطف، والمتابعة، والصيغة.
أ - تَدْليسُ التَّسْوِيَة: هو أن يسقط الراوي شيخ شيخه أو من هو فوقه، فيسوِّي رواية شيخه عن شيخ شيخه مباشرة (2).
وصورته أن يجيء المدلس إلى حديث سمعه شيخه الثقة من شيخ ضعيف، وذلك الشيخ الضعيف يرويه عن شيخ ثقة، فيعمَد المدلسُ فيسقطُ منه شيخَ شيخه الضعيف، ويجعله من رواية شيخه الثقة عن الثقة الثاني بلفظ يوهم السماع، فيصير الإسناد كله ثقات.
كرواية الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن عبد الله بن عامر الأسلمي عن نافع.
فأسقط الوليدُ بنُ مسلم عبدَ الله بنَ عامرٍ الأسلمي. بين الأوزاعي ونافع، فجعله عن الأوزاعي عن نافع.
(1) وبهذا تعرف خطأ كثير من المتأخرين ممن صنف في التدليس بإيرادهم رواة لم يذكروا عند المتقدمين بالتدليس الذي هو بمعناه عند المتأخرين، كالزهري.
(2)
هذا النوع من التدليس لا يُعرف أحد يفعله غير أحد عشر راويًا.
لا يشترط في مدلس التسوية التصريح بالسماع في جميع طبقات السند، وإنما يكفي أن يصرح بسماعه من شيخه وبسماع شيخه من شيخه.
ب - تَدْليسُ القَطْع أو السكوت: هو أن يحذف الصيغة، ويقتصر على اسم شيخه.
كقول الراوي: "فلان عن فلان"، ولا يقول مثلًا حدثني، أو سمعت، أو عن فلان عن فلان.
فيأتي الراوي بلفظ يفيد السماع ثم يسكت وينوي القطع، ثم يقول: فلان، فيذكر اسم شيخ من شيوخه، كهشام بن عروة مثلًا، وهو لم يسمع منه الحديث مع شيخ آخر سمع منه.
كما نقل عن عمر بن علي المُقَدَّمِيّ (1): "سمعت" و "حدثنا"، ثم يسكت، ثم يقول:"هشام بن عروة"، "الأعمش"! يوهم أنه سمع منهما، وليس كذلك.
ت - تَدْليسُ العَطْف: هو أن يصرح بالتحديث عن شيخ له، ويعطف عليه شيخًا آخر له، ولا يكون سمع ذلك الحديث من الثاني.
كقول هُشَيْم: حدثنا حُصَيْن ومغيرة (2).
ث - تَدْليسُ المُتَابَعَة: هو أن يروي الراوي خبرًا عن شيخين له أو أكثر، ويكون بين من روى عنهم اختلاف إما باللفظ أو الإسناد، فيحمل رواية أحدهما على الآخر ولا يبين.
كحديث رواه ابن عُيَيْنَة عن ليث بن أبي سليم (3) عن مجاهد عن أبي معمر عن علي رضي الله عنه.
ورواه أيضًا عن ابن أبي نَجِيح عن مجاهد (4) عن علي.
(1) ولا أعلم أحدًا كان يصنعه غير عمر بن علي المقدمي. ثم إن ابن عدي مع استقصائه لم يذكر للمتقدمين إلا حديثًا واحدًا فقط دُلس فيه بهذه الصورة - ونُسب إلى عمر بن عبيد الطنافسي وهو غلط - ولست أعلم لهذا النوع تفعيلًا عمليًا فلا يشتغل به، وبه تعرف وهم من ضعف أحاديث عمرو بن علي المقدمي خارج الصحيح، بل إخراج البخاري ومسلم له بالعنعنة دليل على فساد تصرف المتأخرين مع التدليس عمومًا، وهذه القضية خصوصًا.
(2)
هكذا يمثلون له برواية هشيم، والذي يظهر أن هذا لا يثبت عن هشيم. ولست أعلم أحدًا فعله غير ما مثل به) عن هشيم، فلا فائدة علمية في هذا النوع فلا يشتغل به.
(3)
ليث بن أبي سليم ضعيف.
(4)
مجاهد لم يسمع من علي.
حديث القيام للجنازة.
فأحيانًا يروي ابن عُيَيْنَة الحديث عنهما، فيعطف رواية ابن أبي نَجِيح على رواية الليث ولا يبين.
فيضيع ضعف ابن أبي سليم بمتابعة ابن أبي نَجِيح، ويضيع كذلك الانقطاع - الذي في رواية ابن أبي نَجِيح - بين مجاهد وعلي.
ج) تَدْليسُ الصِّيْغَة: هو أن يعبر الراوي بالتحديث أو الإخبار، في بعض أنواع التحمل التي تحتمل السماع وعدمه، موهمًا أنه سمع.
كأن يقول في الإجازة أو غيرها: أخبرنا - تأولًا منه -.
وأكثر ما يكون في الإجازة والمذاكرة.
ومن تلك الصيغ المستعملة للإيهام (أخبرني) و (شافهني) و (كتب إليّ).
ويسمى (تدليس صورة التحمل)، أو (تدليس كيفية التحمل).
تَدْليسُ الشُّيُوْخ: هو أن يَرْوي الراوي عن شيخ فيذكره بغير ما يعرف، كي لا يهتدى إليه.
كما فعل الرواة بمحمد بن سعيد الشامي المصلوب، فقد قيل أنهم قلبوا اسمه على مائة وجه ليخفى.
ويندرج تحته تدليس البلاد.
تَدْلِيْسُ البُلدَان: وهو أن يذكر الراوي لفظًا مشتركًا، يطلق في المشهور، على غير الموضع الذي أراده.
وسماه البعض: تدليس المكان.
وصورته: أن يقول الراوي البغدادي: حدثني فلان بما وراء النهر وأراد نهر دجلة، أو حدّثنا بقرطبة، ويقصد بها موضعًا في بغداد، وليست المدينة المعروفة في الأندلس. أو يقول الراوي المصري: حدثني فلان بزقاق حلب، وأراد موضعًا بالقاهرة.