الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المَشْهُورُ والعَزِيزُ والغَرِيبُ
اعلم أنَّ تقسيم الحديث إلى مشهور أو مستفيض وعزيز وغريب لم يكن عند المتقدمين بمعناه عند المتأخرين.
الغَرِيْب: هو ما انفردَ بروايته واحد في أيِّ موضع كان من السند.
وغالب الغريب ضعيف، وقد يكون حسنًا، ونادرًا ما يكون صحيحًا.
مثاله:
حديث: مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ الفَضْلِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ:"عَبَّأنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِبَدْرٍ لَيْلًا": سنن الترمذي (4/ 194).
قال الترمذي: وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
واعلم: أن الغريب شر الحديث، لذلك كان جماعة من السلف يحذرون منه.
قال أحمد بْنَ حَنْبَلٍ: شَرُّ الحَدِيثِ الغَرَائِبُ الَّتِي لَا يُعْمَلُ بِهَا وَلَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهَا. الكفاية للخطيب البغدادي (ص: 141).
وقال أحمد بن يحيى سمعت أحمد غير مرة يقول: لا تكتبوا هذه الأحاديث الغرائب، فإنها مناكير وعامتها عن الضعفاء. شرح علل الترمذي لابن رجب (2/ 68).
فوائد وقواعد مهمة في الغريب
- لا يوجد غريب متنًا إسناده ليس بغريب.
ربما يكون الحديث غريبًا، وتجتمع الأمة على صحته، كحديث "الأعمال بالنيات".
- الثقة المكثر إذا أغرب ببعض حديثه عن شيخ عرف بالعناية به؛ فهو علامة على ضبطه، وهمته في الطلب.
- كثرة الغرائب إنما تضر الراوي في حالين:
الأولى: أن تكون مع غرابتها عن شيوخ ثقات بأسانيد جيدة.
الثانية: أن يكون مع كثرة غرائبه غير معروف بكثرة الطلب. انظر التنكيل (1/ 98)
- كثيرًا ما يسوي المتقدمون بين الغريب والمنكر والشاذ.
العَزِيْز: ما لا يقل رواته عن اثنين في طبقة أو أكثر من طبقات السند.
ولا أعلمه في اصطلاح المتقدمين، ولا وجود له عندهم بمعناه عند المتأخرين.
والعزيز لا يقتضي الصحة أو الضعف.
كحديث "أبي كُرَيب، وواصل، وعلي بن المُنْذِر" قالوا: حدَّثنا ابن فُضَيْل، عن أبي مالك الأشْجَعِي، عن أبي حازم، عن أبي هُرَيْرَة، وعن رِبْعِيّ بن حِرَاش، عن حُذَيْفَة، قالا: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أضَلَّ الله عَنِ الُجمُعَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا، فَكَانَ لِليَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ، وَكَانَ لِلنَّصَارَى يَوْمُ الأحَد، فَجَاءَ الله بِنَا، فَهَدَانَا الله لِيَوْمِ الجُمُعَةِ، فَجَعَلَ الجُمُعَةَ، وَالسَّبْتَ، والأحَدَ، وَكَذَلِكَ هُمْ تَبَعٌ لنا يَوْمَ القِيَامَةِ، نَحْنُ الآخِرُونَ مِنْ أهْلِ الدُّنْيَا، وَالأوَّلُونَ يَوْمَ المَقْضِيُّ لَهُمْ قَبْلَ الخَلائِقِ" أخرجه مسلم، وابن ماجه، والنسائي.
فهذا رواه من هذا الوجه في طبقة التابعين: أبو حازم، وربعي، وفي طبقة الصحابة: أبو هريرة، وحذيفة، وإلا فهو من طريق أبي هريرة في طبقة التابعين رواه جمع أكثر من اثنين.
فائدة: ليس العزيز شرطًا للصحيح.
المَشْهُور: هو المعروف بين المحدثين لتعدد أسانيده، وشاع بينهم بالصحة.
وهذا عند المتقدمين.
وعند المتأخرين: ما لا يقل عن ثلاثة في كل طبقة ما لم يبلغ حد التواتر، وهذا يسمى بالمشهور الاصطلاحي.
ويطلق عليه بعضهم: المستفيض، وذلك لانتشاره.
وهما واحد عند محدثي المتأخرين.
كحديث ابن عمرو: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الله تعالى لا يَقْبِضُ العِلمَ انْتِزاعًا يْنَتزِعُهُ منَ العبادِ ولَكِنْ يَقبِضُ العِلمَ بقَبْضِ العُلَماءِ، حتى إذا لمْ يُبْقِ عالِمًا اتَّخَذَ الناسُ رُؤَساءَ جُهَّالًا
فسُئِلُوا فأفْتَوْا بِغَيْرِ عِلمٍ فضلُّوا وأضلُّوا". أخرجه: ابن أبي شيبة، وأحمد، والدارمي، والبخاري، ومسلم، وابن ماجه، والترمذي.
فرواه عن ابن عمرو في جميع طبقات السند ثلاثة فأكثر.
المَشْهُوْرُ غَيْر الاصْطِلَاحِيّ: وهو الذي يشتهر عند فئة من الناس.
كالمشهور بين أهل الحديث خاصة، أو بين أهل الحديث والعلماء والعوام، أو بين الفقهاء، أو بين الأصوليين، أو بين النحاة، أو بين الأدباء، أو بين العامة.
فعند المحدثين يشتهر حديث عمر: إنما الأعمال بالنيات .... أخرجه أصحاب الكتب.
وعند الأصوليين يشتهر حديث: معاذ رضي الله عنه، حينما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال: بما تحكم؟ قال: بكتاب الله، قال: فإن لم تجد، قال: بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو .. " أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، وأحمد، والترمذي.
وعند الفقهاء حديث: "لا ضرر ولا ضرار".
أخرجه أحمد، وابن ماجه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما وعبادة بن الصامت رضي الله عنه.
وأخرجه الدارقطني، والحاكم، والبيهقي من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
وعند النحويين حديث عمر رضي الله عنه: "نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه" ابن قتيبة مشكل الحديث معلقًا. وهو حديث لا أصل له.
وعند الأدباء: حديث علي رضي الله عنه: "أدبني ربي فأحسن تأديبي" أخرجه العسكَريّ في الأمثال.
وعند العوام: حديث: الحسود لا يسود. وهو حديث لا أصل له.
واعلم أنه لا يلزم من شهرة الحديث صحته.
فائدة: بالحديث الصحيح المشهور تعرف علل كثير من الأحاديث.