الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والعمل اليوم في الحديث كله على الوجَادَات، وهنا لا بد من جمع نسخ المخطوط، ولا يكتفى في تحقيق الكتاب بمخطوطة واحدة، ثم لا بد من التأكد من دور النشر، ومعرفة المؤتمن منها من غير المؤتمن.
وصِيَغُ التَّحَمُّلِ مِنْ حَيْثُ ألفَاظهَا ثَلَاثَة:
أوَّلًا: الصِّيَغُ الصَّرِيْحَةُ بِالسَّمَاع:
وأعلاها سمعت، وقال لي (1)، ويليها: حدثني، وحدثنا، ويليها: أخبرني وأخبرنا، ويليها: أنبأني وأنبأنا، وقرأ علينا وسمعنا عليه، وقال لنا وحكى لنا، وذكر لنا وشافهنا، وعرض علينا وعرضنا عليه، وناولنا وكتب لنا، ونحوها من العبارات الدالة على الاتصال.
والأصل المساواة بين هذه الصيغ، وهذا صنيع كثير من المتقدمين.
وقد فرَّق بين هذه الألفاظ بعض المتقدمين وتبعهم عليه المتأخرون.
ثَانِيًا: الصِّيَغُ الصَّرِيْحَةُ بِعَدَمِ السَّمَاع: مثل أُخْبِرْت، أو حُدِّثْتُ "بالبناء للمجهول"، فهي تدل على انقطاع في السند بين الراوي وشيخه الذي حدَّث عنه.
ثالثًا: الصِّيَغُ المُحْتَملَةُ لِلسَّمَاعِ وَعَدَمِه: كصيغ (أنَّ)، و (عَنْ)، و (قَال)، و (ذَكَر).
تَنْبِيْه: (أنَّ) و (عَنْ) ليستا في الحقيقة ألفاظًا للأداء، وإنما أُدخِلَتا في ألفاظ الأداء؛ لأنهما تُذْكَران في سياق الإسناد كألفاظ الأداء ونيابة عنها.
العَنْعَنَة: أداء الراوي صيغة التحمل بلفظ (عَنْ).
المُعَنْعَن: هو الإسناد الذي تكون بعض أو كل صيغ التحمل فيه بين الرواة (عَنْ، عَنْ).
المُؤنَّن: هو الإسناد الذي تكون بعض أو كل صيغ التحمل فيه بين الرواة (أنَّ، أنَّ).
واعلم: الأصل المساواة بين الصيغ الصريحة في السماع، ولم يأت من فرَّق بينها بطائل.
والصيغ الصريحة بعدم السماع الأصل فيها انقطاع السند.
أما الصيغ المحتملة للسماع وعدمه: فإن صدرت عن راو ثبت له السماع من شيخه، فهي محمولة على الاتصال، وإن لم يثبت السماع فهو منقطع، وإذا لم يترجح ثبوت السماع من عدمه فهو منقطع، إلا أن يكون احتمال سماعه كبيرًا بقرائن تدل على صحة السماع.
(1) وهذا بناء على قول من قدَّم العرض على السماع.
التفريق بين الرواية بـ (عَنْ) والرواية بـ (أنَّ).
فإن الرواية بـ (أنَّ) فيها تفصيل:
فإن كان خبر (أنَّ) مما يمكن أن يكون الراوي قد شهده، أو سمعه ممن روى عنه، فهذا حكمه حكم (عَنْ).
كقول جابر: أن سليكًا جاء والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يخطب.
وعن جابر عن سليك: أنه جاء والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يخطب.
لأنه يمكن أن يكون جابر شهد ذلك وحضره.
ويمكن أن يكون رواه عن سليك.
ومثل رواية ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لعمر: كذا وكذا، في أحاديث متعددة.
وروي بعضها عن ابن عمر عن عمر عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
فمن رواه عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال لعمر؛ جعله من مسند ابن عمر.
ومن رواه عن ابن عمر عن عمر؛ جعله من مسند عمر.
(وإن كان خبر (أنَّ) مما لا يمكن أن يكون الراوي قد شهده؛ فهذا حكمه منقطع (1).
كقول عروة: إن عائشة قالت للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: كذا وكذا.
قال أبو داود: وسمعت أحمد قيل له: إن رجلًا قال: عن عروة قالت عائشة يا رسول الله.
وعن عروة عن عائشة سواء؟ .
قال: كيف هذا سواء؟ ليس هذا بسواء.
والحفاظ كثيرًا ما يذكرون مثل هذا، ويعدونه اختلافًا في إرسال الحديث واتصاله، وهو موجود كثيرًا في كلام أحمد، وأبي زرعة، وأبي حاتم، والدارقطني، وغيرهم من الأئمة.
(1) تنبيه: قال ابن رجب: ولكن كان القدماء كثيرًا ما يقولون: "عن فلان" ويريدون به الحكاية عن قصته، والتحديث عن شأنه، لا يقصدون الرواية عنه.
ومن الناس من يقول: هما سواء، كما نُقِلَ عن مالك.
وهذا إنما يكون فيمن اشتهر بالرواية عن المحكيِّ قِصَّتهُ، كعروة مع عائشة.
أما من لم يعرف له سماع منه فلا ينبغي أن يحمل على الاتصال، ولا عند من يكتفي بإمكان اللقي.
وقد ذكر الإسماعيلي في صحيحه أن المتقدمين كانوا لا يفرقون بين هاتين العبارتين.
وكذلك ذكر أحمد أيضًا أنهم كانوا يتساهلون في ذلك مع قوله: إنهما ليسا سواء، وإن
حكمهما مختلف، لكن كان يقع ذلك منهم أحيانًا على وجه التسامح وعدم التحرير.
قال أحمد في رواية الأثرم في حديث سفيان عن أبي النضر، عن سليمان بن يسار، عن عبد الله بن حذافة في النهي عن صيام أيام التشريق.
ومالك قال فيه: عن سليمان بن يسار أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعث عبد الله بن حذافة.
قال أحمد: هو مرسل، سليمان بن يسار لم يدرك عبد الله بن حذافة.
قال: وهو كانوا يتساهلون بين (عن عبد الله بن حذافة) وبين (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعث عبد الله بن حذافة).
قيل له: وحديث أبي رافع: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعثه يخطب ميمونة.
وقال مطر: عن أبي رافع؟ : قال: نعم، وذاك أيضًا. شرح علل الترمذي لابن رجب (ص: 221).
ولكن كان القدماء كثيرًا ما يقولون عن فلان ويريدون الحكاية عن قصته، والتحديث عن شأنه، لا يقصدون الرواية عنه.
وقد حكى الدارقطني عن موسى بن هارون الحافظ أن المتقدمين كانوا يفعلون ذلك. انظر شرح علل الترمذي لابن رجب (2/ 48).
تنبيه: غالبًا ما تكون العَنْعَنَةُ في الإسناد: هي ممن دون الراوي الذي جاء لفظ (عَنْ) بعده، وليست من كلام الراوي.