الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثانى عشر: مصادر منوعة:
1 -
كشف الظنون عن أسامى الكتب والفنون مصطفى بن عبد الله المشهور بكاتب جلبى حاجى خليفة" ت 1068 هـ".
2 -
العواصم من القواصم فى تحقيق موقف الصحابة بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم، أبو بكر بن عربى" ت 543 هـ"
3 -
محاضرة للإيطالى المستعرب فريدو
4 -
المدارك القاضى عياض بن موسى" ت 544 هـ"
5 -
الإكمال القاضى عياض بن موسى
6 -
شرح القصيدة العضدية الجلال الدواني
وهذه الكثرة من المصادر وتنوعها أتاحت لابن عاشور أن يعرض المسائل والقضايا على أكثر من وجه، ويحدد مواطن الاختلاف، أو الاتفاق معها، مما جعله ينفذ من خلالها ليصل إلى ما يرتضيه ويطمئن إليه، وهو لا يفعل ذلك إلا بعد تحليل ورد الشيء إلى أصله، وليس رائده فى ذلك جمع الآثار والأقوال وحشو كتابه بالغث والثمين، ولكنه يقوم من خلال ما استعان به من وسائل التفسير سواء التفسير بالرواية أم الدراية بالتتبع والاستقصاء واستقراء كل ما قيل حول الآية تقريبا، ولا ينتقل إلى تفسير الآية التالية إلا بعد أن تكون الآية السابقة قد أوضح معناها وحدد مبناها، وكشف كثيرا من عجائبها وأسرارها.
ولو تتبعنا- على سبيل المثال- مصادره من كتب التفسير نجد" كشاف الزمخشرى الاعتزالى" قد أخذ نصيبا وافرا من التحرير والتنوير، وقد اتفق مع صاحبه فى بعض المسائل، واختلف معه فى مسائل أخرى، بل قد يتفق مع المذهب الاعتزالى كله أو يختلف، وهو فى عرضه لكل ذلك لم يكتف بالكشاف فحسب، بل رجع إلى كثير ممن تولوا شروح هذا التفسير، يناقش ويحلل ويعلل خصوصا دقيق الكلام من مسائل العقيدة والإيمان.
أما البلاغة وفنونها، فلم ينقل عن الزمخشرى نقلا حرفيا، بل كان هناك نقول أخرى من مختلف كتب البيان والبديع وأسرار البلاغة والإعجاز، إضافة إلى ثقافته الواسعة فى هذا الميدان.
كذلك كتب التفسير الأخرى التى تنوعت اتجاهاتها واهتماماتها لم يكن ابن عاشور ناقلا منها فحسب، إنما كان حكما واعيا بينها، يذكر قول المفسر أو ما رواه ومعه قول مفسر آخر أو مفسرين آخرين، فإذا كانت الأقوال مقنعة لعقله وضميره ذكرها مستأنسا بها، وإن لم تكن عارضها مفندا دون تعصب أو تطرف، والقارئ يشعر أمام هذه المعارضة أن وراءها عقل راجح، وذهن متقد، وميزان لم تفقد يد صاحبه الإحساس بمقدار الأوزان.
وكتب الحديث النبوى كانت عونا صادقا له، رجع إليها فيما احتاجه تفسير الآية من أقوال أو أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم، ذاكرا إياها فى المواطن التى تحتاج إلى ذكرها، أو مكتفيا ببعض الإشارات إليها، وله مواقف أمام السند والمتن كانت جديرة بتسجيلها نراها فيما يستقبل من صفحات هذه الدراسة، وهو فى هذا الشأن لم يكتف بكتب الحديث المعتبرة المذكورة، ولكنه رجع أيضا إلى شرّاحها، فلا يغفل عما ذكروه فى شروح الأحاديث النبوية وتبيين مقاصدها.
وتنوعت عنده أيضا مصادر الفقه بمختلف مذاهبه، يجمع بين الأقوال حينا، أو يذكر قولا لأحد أئمتها مقرونا باسم بعض الصحابة والتابعين، وعلى الرغم من أنه مالكى المذهب إلا أنه لم يتوقف عند ذلك، فلم يتعصب لمذهبه الفقهى، ولم يناصر إلا ما وجده يتفق مع الآية أو الحديث، أو ما فيه المصلحة للناس جميعا، ولم يلجأ إلى القياس أو الإجماع إلا فيما ارتضاه أئمة المسلمين، وهما على كل حال لم يمثلا دورا بارزا فى تفسيره، اللهم إلا فى بعض القضايا القليلة التى رجع فيها إلى علماء الأصول كالغزالى والشافعى والشاطبى.
أما عن مصادر النحو، فلم يترك ابن عاشور مدرسة نحوية إلا وأخذ منها، وقرن بين أقوال رجالها، وقارن بين مذاهبهم، وأكثر الأقوال كان يعزوها إلى أصحابها، علاوة على جهوده النحوية التى زاحمت كثيرا هذه الأقوال.
وتنوعت عنده مصادر الشعر من جاهلى وإسلامى وأموى، وامتد استشهاده بالشعر إلى العصر العباسى، كشعر المتنبى وأبى نواس وأبى العلاء، على الرغم من توقف كثير من النقاد عند عصر الفرزدق وجرير والأخطل والبعيث وأضرابهم، والغالب أن ابن عاشور قد وجد عند هؤلاء الشعراء العباسيين ما يستشهد به أو يستأنس، وقد كانوا- ولا ريب- من أرباب اللغة وأصحاب الباع الطويل فيها.
وشغلت" اللغة" فى التحرير والتنوير حيزا كبيرا ولم يكتف صاحبه بمعنى اللفظ المعجمى أو المقابل له، وإنما كان السياق عونا أساسيا فى كشف دلالات اللفظ القرآنى، وكان ابن عاشور يلجأ إلى ضروب الاشتقاق ووجوه الأعراب، وقد يحدد المعنى الشرعى للفظ وتفصيل معناه مستعينا بأقوال علماء اللغة وواضعى المعاجم وكتب الأدب القديم والأمالى العلمية والمجالس النقدية والأدبية والتعريفات اللغوية، وجهده الشخصى فى كل ذلك ظاهر، وثقافته اللغوية العريضة أظهر.
ومن كتب التصوف رجع ابن عاشور إلى كتب الغزالي سواء أكانت فى أصول الفقه كالمستصفى فى علم الأصول أم الكتب الأخرى التى دارت حول التصوف السنى، وقد ضمّ ابن عاشور فى كتابه نقولا أخرى عن رجال هذا المذهب، ونقوله هذه قد تعنى الموافقة حينا، والمعارضة حينا، وأبرز ألوان هذه المعارضة كانت حول تفاوت مراتب
الكشف عند الصوفى وتعلق ذلك بتفسير القرآن الكريم حيث لا تقوم الشريعة إلا على أصول ثابتة.
وكان أكثر مصادره فى الفلسفة عند ابن سينا وابن رشد فضلا عن أقوال ابن رشد فى الفقه والتفسير، وكانت نقوله عنهما فى الحكمة أو الفلسفة بعيدة عن التعقيدات التى ينبو عنها تفسير كتاب الله الكريم.
كذلك رجع ابن عاشور إلى التوراة والإنجيل يستعين بما ورد فيها من قصص الأنبياء وخصوصا أنبياء بنى إسرائيل بدلا من أن يحشو كتابه بالإسرائيليات، وذهب فى ذلك إلى ما يؤيده من آيات أو أحاديث نبوية أو مرويات عن الصحابة والتابعين، ويضعّف الحديث إذا وجده كذلك، ولا يقبل المرويات أو يرفضها إلا بعد ذكر أسباب اتفاقه أو اختلافه معها.
واستقل ابن إسحاق صاحب كتاب السيرة النبوية برجوع ابن عاشور إليه فيما يتصل بأحداث هذا التاريخ، كذلك كان الشهرستانى فى كتابه الملل والنحل، وهو واحد من كتّاب المذاهب المعدودين.
أما مصادر علوم القرآن فقد تنوعت هى أيضا، كما تنوعت كتب التراجم، فضلا على دائرة المعارف الإسلامية وكشف الظنون ومحاضرة العالم الإيطالى المستعرب فريدو.
ومهما يكن من أمر، فإن ما ذكرته هذه الدراسة من مصادر التفسير عند ابن عاشور، لم تكن هى مصادره كلها وإلا لاستغرق ذلك صفحات
وصفحات، واحتاج الأمر إلى كتاب آخر، وقد كان المقصد ضرب الأمثلة لكل نوع منها وتصنيفه، ومن ثم توضيح مقومات المنهج عنده، وأولها تعدد المصادر وتنوعها وقبول أقوالها أو رفضها بعيدا عن روح التقليد.