الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن المواطن التى وافقهم فيها ما ذكره فى تفسير قوله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (1).
الحروف المقطعة عند ابن عاشور:
كذلك قرأنا تأويل ابن عربى للحروف المقطعة وتصنيفه لهذه الحروف وطبقاتها وما ذكره عن مصادره فى هذا التأويل، ونرى ابن عاشور يذكر فى أول تفسير سورة البقرة:" الم".
«تحير المفسرون فى محل هاته الحروف الواقعة فى أول هاته السور، وفى فواتح سور أخرى عدة، جميعها تسع وعشرون سورة ومعظمها من السور المكية، وكان بعضها فى ثانى سورة نزلت وهى ن وَالْقَلَمِ (3) وأخلق بها أن تكون مثار حيرة ومصدر أقوال متعددة وأبحاث كثيرة، ومجموع ما وقع من حروف الهجاء أوائل السور أربعة عشر حرفا وهى نصف حروف الهجاء وأكثر السور التى وقعت فيها هذه الحروف: السور المكية عدا البقرة وآل عمران، والحروف الواقعة فى السور هى- أ، ح، ر، س، ص، ط، ع، ق، ك، ل، م، ن، هـ، ى بعضها تكرر فى سور وبعضها لم يتكرر، وهى من القرآن لا محالة ومن المتشابه فى تأويلها.
(1) سورة الفاتحة الآية 5.
(2)
التحرير والتنوير ج 1 ص 180.
(3)
سورة القلم الآية 1.
ولا خلاف أن هاته الفواتح حين ينطق بها القارئ أسماء لحروف التهجى التى ينطق فى الكلام بمسمياتها، وأن مسمياتها الأصوات المكيفة بكيفيات خاصة تحصل فى مخارج الحروف، ولذلك إنما يقول القارئ (ألف لام ميم) مثلا ولا يقول (الم). وإنما كتبوها فى المصاحف بصور الحروف التى يتهجى بها فى الكلام، ولم يكتبوها بدوالّ ما يقرءونها به فى القرآن لأن المقصود التهجى بها، وحروف التهجى تكتب بصورها لا بأسمائها.
ومثل لأن رسم المصحف سنة لا يقاس عليه، وهذا أولى لأنه أشمل للأقوال المندرجة تحتها، وإلى هنا خلص أن الأرجح من تلك الأقوال الثلاثة وهى كونها تلك الحروف لتبكت المعاندين وتسجيلا لعجزهم عن المعارضة، أو كونها أسماء للسور الواقعة هى فيها، أو كونها أقساما أقسم بها لتشريف قدر الكتابة، وتنبيه العرب الأميين إلى فوائد الكتابة لإخراجهم من حالة الأمية، وأرجح هذه الأقوال الثلاثة هو أولها: فإن الأقوال الثانى والسابع والثامن والثانى عشر والخامس عشر والسادس عشر يبطلها أن هذه الحروف لو كانت مقتضية من أسماء أو كلمات لكان حق أن ينطق بمسمياتها لا بأسمائها، لأن رسم المصحف سنة لا يقاس عليها، وهذا أولى لأنه أشمل الأقوال، وعرفت اسميتها من دليلين: أحدهما اعتوار أحوال الأسماء عليها مثل التعرف حين تقول: الألف، والباء، ومثل الجمع حين تقول الجيمات، وحين الوصف حين تقول ألف ممدودة، والثانى ما حكاه سيبويه فى كتابه: قال الخليل يوما وسأل أصحابه كيف تلفظون بالكاف التى لك والباء التى فى ضرب، فقيل نقول كاف باء فقال: إنما جئتهم بالاسم ولم تلفظوا بالحرف، وقال أقوال كه وبه «يعنى بهاء وقعت فى آخر النطق به ليعتمد عليها اللسان عند النطق إذا بقيت على حرف واحد لا يظهر فى النطق به مفردا» (1).
(1) التحرير والتنوير ج 1 ص 206 - 207.
وقد ذكر ابن عاشور فى تفسير هذه الحروف واحدا وعشرين قولا بعضها عن الخلفاء الأربعة فى روايات ضعيفة، أو عن ابن عباس، أو عن الشعبى وسفيان أو عن محمد بن القرظى والربيع بن أنس وغيرهم.
ومما يلفتنا من هذه الأقوال فيما يتصل بأقوال المتصوفة ما ذكره عن ابن عربى ....... قال: «جزم الشيخ محى الدين فى الباب الثامن والتسعين والمائة فى الفصل 27 منه من كتابه الفتوحات أن هائه الحروف المقطعة فى أوائل السور أسماء للملائكة وأنها إذا تليت كانت كالنداء لملائكة، فتصغى أصحاب تلك الأسماء إلى ما يقوله التالى بعد النطق بها فيقولون صدقت إن كان ما بعدها خير، ويقولون هذا مؤمن حقا نطق حق وأخبر بحق فيستغفرون له، وهذا لم يقله غيره وهو دعوى» (1).
وتظهر معارضة ابن عاشور لأصول هذا المذهب فيما ذكره فى تفسير قوله تعالى:
قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً* أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ
غَصْباً* وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً* فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً* وَأَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَيَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (2).
(1) التحرير والتنوير ج 1 ص 207 - 208.
(2)
سورة الكهف الآية 78 إلى الآية 82.
«واعلم أن قصة موسى والخضر قد اتخذتها طوائف من أهل النحل الإسلامية أصلا بنوا عليه قواعد موهومة.
فأول ما أسسوا منها أن الخضر لم يكن نبيا وإنما كان عبدا صالحا، وإن العلم الذى أوتيه ليس وحيا ولكنه إلهام، وأن تصرفه الذى تصرفه فى الموجودات أصل لإثبات العلوم الباطنية، وأن الخضر منحه الله البقاء إلى انتهاء مدة الدنيا ليكون مرجعا لتلقى العلوم الباطنية، وأنه يظهر لأهل المراتب العليا من الأولياء فيفيدهم من علمه ما هم أهل لتلقيه.
وبنوا على ذلك أن الإلهام ضرب من ضروب الوحى، وسموه الوحى الإلهامى، وأنه يجيء على لسان ملك الإلهام، وقد فصله الشيخ محى الدين بن العربى فى الباب الخامس والثمانين من كتابه" الفتوحات المكية" وبيّن الفرق بينه وبين وحى الأنبياء بفروق وعلامات ذكرها منثورة فى الأبواب الثالث والسبعين والثامن والستين بعد المائتين. والرابع والستين بعد ثلاثمائة، وجزم بأن هذا الوحى الإلهامى لا يكون مخالفا للشريعة، وأطال فى ذلك، ولا يخلو ما قاله من غموض ورموز.
وقد انتصب علماء الكلام وأصول الفقه لإبطال أن يكون ما يسمى بالإلهام حجة، وعرّفوه بأنه إيقاع شىء فى القلب يثلج له الصدر، وأبطلوا كونه حجة لعدم الثقة بخواطر من ليس معصوما، ولتفاوت مراتب الكشف عندهم، وقد تعرض لها النسفى فى عقائده، وكل ما قاله النسفى فى ذلك حق ولا يقام التشريع على أصول موهومة لا تنضبط» (1).
فكون الخضر ليس نبيا وأجله فى الدنيا محدود بزمن، وإنما هو عبد صالح منحه الله البقاء إلى انتهاء مدة الدنيا ليكون مرجعا لتلقى العلوم الباطنية،
(1) التحرير والتنوير ج 16 ص 15، 16.