الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صيغ المبالغة:
وهى من المشتقات التى لجأ إليها ابن عاشور فى تفسيره اللغوى، يذكر اللفظة التى جاءت على هذا النحو، مثل معناها ووظيفة الحروف المزيدة على الأصل، ثم يتولى بيان المقصود منها فى الآية، ومثال ذلك ما جاء فى تفسير قوله تعالى فى معنى" الاستحسار":
وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ* يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ (سورة الأنبياء: الآية 19، 20).
«والاستحسار: مصدر كالحسور وهو التعب، فالسين والتاء فيه للمبالغة فى الوصف كالاستكبار والاستنكار والاستيخار، أى لا يصدر منهم الاستحسار الذى هو التعب الشديد الذى يقتضيه عملهم العظيم، أى لا يقع منهم ما لو قام بعملهم غيرهم لاستحسر ثقل ذلك العمل، معبّر بالاستحسار هنا الذى هو الحسور القوى لأنه المناسب للعمل الشديد، ونفيه من قبيل نفى المقيد بقيد خرج مخرج القالب فى أمثاله. فلا يفهم من نفى الحسور القوى أنهم قد يحسرون حسورا ضعيفا.
وهذا المعنى قد يعبر عنه أهل المعانى بأن المبالغة فى النفى لا فى المنفى» (1).
وقد يذكر أصل اللفظة التى جاءت على إحدى صيغ المبالغة وما جاء على مثالها من كلام العرب، ويكثر من الشواهد القرآنية فى معنى هذه الصيغة، ومثال ذلك ما ذكره فى تفسير قوله تعالى فى معنى" الصديقة".
(1) التحرير والتنوير، ج 17، ص 36.
مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (سورة المائدة: 75).
«والصديقة صيغة مبالغة، مثل شريب ومسيك، مبالغة فى الشرب والمسك، ولقب امرئ القيس بالملك الضليل، لأنه لم يهتد إلى ما يسترجع به ملك أبيه. والأصل فى هذه الصيغة أن تكون مشتقة من المجرد الثلاثى. فالمعنى المبالغة فى وصفها بالصدق، أى صدق وعدد بها، وهو ميثاق الإيمان وصدق وعد الناس، كما وصف إسماعيل- عليه السلام بذلك فى قوله تعالى:
وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ (1).
وقد لقب يوسف بالصديق، لأنه صدق وعد ربه فى الكف عن المحرمات مع توفر أسبابها، ومثل: أريد هنا وصفها بالمبالغة فى التصديق لقوله تعالى: وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها (2)، كما لقب أبو بكر بالصديق لأنه أول من صدق رسول الله- صلى الله عليه وسلم كما فى قوله تعالى: وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ (3) فيكون مشتقا من المزيد» (4).
وكما فى قوله تعالى فى معنى كفّارة:
لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ
(1) سورة مريم: الآية 54.
(2)
سورة التحريم: الآية 12.
(3)
سورة الزمر: الآية 33.
(4)
التحرير والتنوير، ج 6، ص 286.