الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للمشتقات، لأن المصدر يجيء بعده فى التصريف فيقال مثلا: ضرب يضرب ضربا» (1)، وعلى ذلك يميل ابن عاشور إلى المذهب البصرى فى كون المصدر أصل المشتقات، ومن ثم راح يقدمه عليها ويوضح معناه فى مقدمة تفسيره اللغوى للآية.
الاشتقاق:
اعتنى ابن عاشور فى تفسيره للألفاظ بالمشتقات مثل اسم الفاعل واسم المفعول وصيغ المبالغة، واعتبر المصدر هو الأصل، ويقول السيوطى عن الاشتقاق:«هو أخذ صيغة من أخرى، مع اتفاقهما معنى، ومادة أصلية، وهيئة تركيب لها، ليدل بالثانية على معنى الأصل بزيادة مفيدة، لأجلها اختلفا حروفا أو هيئة، كضارب من ضرب، وحذر من حذر» (2).
والاشتقاق على ذلك يمثل عند ابن عاشور إحدى الوسائل التى تثرى تفسيره للمفردات، ويمكن الحديث عن ذلك على النحو التالى:
أ- اسم الفاعل
(3):
ذكر فى تفسير قوله تعالى: فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (سورة الأنعام: الآية 45).
«والدابر اسم فاعل من دبره من باب كتب، إذا مشى من ورائه،
(1) د. رمضان عبد التواب، فصول فى فقه اللغة، ص 291، مكتبة الخانجى- القاهرة، ط 3، 1408 هـ- 1987 م.
(2)
المزهر فى علوم اللغة، ج 1، ص 346.
وانظر د. صبحى الصالح، دراسات فى فقه اللغة، ص 174، بيروت، 1970 م.
(3)
اسم الفاعل صفة تؤخذ من الفعل المعلوم لتدل على معنى وقع من الموصوف بها أو قام به على وجه الحدوث لا الثبوت: ككاتب ومجتهد.
والمصدر الدبور- بضم الدال- ودابر الناس آخرهم، وذلك مشتق من الدبر، وهو الوراء، قال تعالى: وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ (1) فقطع الدابر كناية عن ذهاب الجميع، لأن المستأصل يبدأ بما يليه، ويذهب ليستأصل إلى أن يبلغ آخره وهو دابره، وهذا مما جرى مجرى المثل، وقد تكرر فى القرآن كقوله: أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ.
ومما ينبغى ملاحظته فى هذا المثال قوله «دابر الناس آخرهم، وذلك مشتق من الدبر» أى أن اسم الفاعل" دابِرَ" مشتق من المصدر" الدبر" وهو ما يوضح أن المصدر أصل المشتقات عند ابن عاشور.
وفى قوله تعالى: أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (سورة الملك: الآية 22).
قال عن المكب والسوىّ:
«والمكب: اسم فاعل من أكب، إذا صار ذا كبّ، فالهمزة فيه أصلها لإفادة المصير فى الشيء مثل همزة أقشع السحاب، إذا دخل فى حالة القشع، ومنه قولهم أنفض القوم إذا هلكت مواشيهم، وأرملوا إذا فنى زادهم، وهى أفعال قليلة فيما جاء فيه المجرد متعديا والمهموز قاصرا.
والسوىّ: الشديد الاستواء فعيل يعنى فاعل، قال تعالى: فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا (2)، و [أم] فى قوله:" أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا" حرف عطف،
(1) سورة الحج: الآية 65.
(2)
سورة مريم: الآية 43.
وهى [أم] المعادلة لهمزة الاستفهام، و [من] الأولى والثانية فى قوله" أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا" أو قوله" أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا" موصولتان، ومحملهما أن المراد منهما فريق المؤمنين وفريق المشركين، وقيل: اريد شخص معين أريد بالأولى أبو جهل، وبالثانية النبى صلى الله عليه وسلم، أو أبو بكر أو حمزة رضى الله عنهما» (1).
وقد عالج ابن عاشور فى هذا المثال كلا من" المكب" و" السوى" ويفصل القول فيهما، فذكر فى الأول حاله فى دخول الهمزة على فعله وما يفيد ذلك من معنى، وجاء بأمثلة من كلام العرب مستدلا بها، وفى" السوى" وهو الشديد الاستواء أتى بشاهد من القرآن على ذلك، ثم أوضح المقصود ب [أم] و [من] فى قوله تعالى" أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا" و" أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا"، وبعد تناوله اللغوى هذا يذكر المراد منهما، وذلك يعنى أن التناول اللغوى للألفاظ سابق على تفسير الآية لتحقيق التكامل المرجو فيما يمكن أن يكون مقصدها.
وذكر فى تفسير قوله تعالى:
وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (سورة الذاريات: 47).
«والموسع: اسم فاعل من أوسع، إذا كان ذا وسع، أى قدرة، وتصاريفه جائية من السعة، وهى امتداد مساحة المكان ضد الضيق، واستعير معناها للوفرة فى أشياء مثل الأفراد، مثل عمومها فى وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ (2)، ووفرة المال مثل لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ (3)، وقوله: عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ (4)، وجاء فى أسمائه تعالى فى الواسع إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ (5)،
(1) التحرير والتنوير، ج 29، ص 46.
(2)
سورة الأعراف: الآية 156.
(3)
سورة الطلاق: الآية 7.
(4)
سورة البقرة: الآية 236.
(5)
سورة البقرة: الآية 115.