الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (سورة الأنعام: 59).
«وفى الصحيح عن عبد الله بن عمر أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم قال «مفاتح الغيب خمس» إن الله عنده علم الساعة، وينزل الغيث، ويعلم ما فى الأرحام، وما تدرى نفس ماذا تكسب غدا، وما تدرى نفس بأى أرض تموت إن الله عليم خبير» (1).
وأخذ ابن عباس نصيبا وافرا من هذه الأقوال، ومثال ذلك ما جاء فى قوله تعالى:
اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (سورة الشورى: الآية 17).
ذكر ابن عاشور:
«وعن ابن عباس: كل ما جاء فعل" ما أدرك" فقد أعلمه الله به «أى بيّنه لرسوله صلى الله عليه وسلم» عقب كلمة" ما أدرك" نحو وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ* نارٌ حامِيَةٌ (2)، وكل ما جاء فيه وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (3)، وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (4). لم يعلمه به أى لم يعقبه بما يبين إبهامه.
(1) التحرير والتنوير، ج 7، ص 270.
(2)
سورة القارعة: الآيتان 10، 11.
(3)
سورة الشورى: الآية 17.
(4)
سورة عبس: الآية 3.
ويعقّب ابن عاشور: ولعل معنى هذا الكلام أن الاستعمال خص كل صيغة من هاتين الصيغتين بهذا الاستعمال فتأمل (1).
وعن على وابن مسعود، ذكر فى تفسير قوله تعالى:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (سورة النحل: 90).
«روى أحمد بن حنبل: إن هذه كانت السبب فى تمكن الإيمان من عثمان بن مظعون، فإنها لما نزلت كان عثمان بن مظعون بجانب رسول الله- صلى الله عليه وسلم وكان حديث الإسلام، وكان إسلامه حياء من النبى- صلى الله عليه وسلم وقرأها النبى عليه. قال عثمان: فذلك حين استقر الإيمان فى قلبى. وعن عثمان بن أبى العاص: كنت عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم جالسا إذ شخّص بصره، فقال: أتانى جبريل فأمرنى أن أضع هذه الآية بهذا الموضع" إن الله يأمر بالعدل" الآية أهـ. وهذا يقتضى أن هذه الآية لم تنزل متصلة بالآيات التى قبلها فكان وضعها فى هذا الموضع صالحا لأن يكون بيانا لآية وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ إلخ، ولأن تكون مقدمة لما بعدها وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ الآية.
وعن ابن مسعود إن هذه الآية أجمع آية فى القرآن.
وروى ابن ماجة عن على قال: أمر الله نبيه أن يعرض نفسه على
(1) التحرير والتنوير، ج 25، ص 68 - 69.
وانظر أمثلة أخرى عن ابن عباس ج 14، ص 326، ج 19، ص 91/ 201/ 222، ج 23، ص 311، ج 25، ص 83/ 221، ج 26، ص 217.
قبائل العرب، فخرج، فوقف على مجلس قوم من شيبان بن ثعلبة فى الموسم.
فدعاهم إلى الإسلام وأن ينصروه، فقال مفروق بن عمرو منهم: إلام تدعونا أخا قريش، فتلا عليهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ الآية. فقال: دعوت والله إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك» (1).
وعن مالك بن صعصعة وجابر بن عبد الله الأنصارى ذكر ابن عاشور فى قوله تعالى:
وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا* وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا (سورة مريم: 56، 57).
وقوله وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا قال جماعة من المفسرين هو رفع مجازى، والمراد: رفع المنزلة، لما أوتيه من العلم الذى فاق به على من سلفه. ونقل هذا عن الحسن، وقال به أبو مسلم الأصفهانى، وقال جماعة: هو رفع حقيقى إلى السماء، وفى الإصحاح الخامس من سفر التكوين، «وسار أخنوخ مع الله ولم يوجد لأن الله أخذه» وعلى هذا فرفعه مثل رفع عيسى- عليه السلام والأظهر أن ذلك بعد نزع روحه وروحنة جثته، ومما يذكر عنه أنه بقى ثلاث عشرة سنة لا ينام ولا يأكل حتى تروحن، فرفع.
وأما حديث الإسراء فلا حجة فيه لهذا القول لأنه ذكر فيه عدة أنبياء غيره وجدوا فى السماوات. ووقع فى حديث مالك بن صعصعة عن الإسراء بالنبى- صلى الله عليه وسلم إلى السماوات أنه وجد إدريس- عليه السلام
(1) التحرير والتنوير، ج 14، ص 259.
فى السماء وأنه لما سلم عليه قال: مرحبا بالأخ الصالح والنبى الصالح. فأخذ منه أن إدريس- عليه السلام لم تكن له ولادة على النبى- صلى الله عليه وسلم لأنه لم يقل له والابن الصالح، ولا دليل فى ذلك لأنه قد يكون قال ذلك اعتبارا بأخوة التوحيد فرجحها على صلة النسب فكان ذلك من حكمته.
على أنه يجوز أن يكون ذلك سهوا من الراوى، فإن تلك الكلمة لم تثبت فى حديث جابر بن عبد الله فى صحيح البخارى. وقد جزم البخارى فى أحاديث الأنبياء بأن إدريس جد نوح أو جد أبيه. وذلك يدل على أنه لم يرمى قوله «مرحبا بالأخ الصالح، ما ينافى أن يكون أبا للنبى- صلى الله عليه وسلم» (1).
وعن أبى هريرة ذكر فى قوله تعالى:
وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ* أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ* وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (سورة الشعراء: 224 - 227).
وعن عائشة وابن عباس وأبى هريرة، ذكر فى تفسير قوله تعالى:
وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (سورة الشعراء: 214).
(1) التحرير والتنوير، ج 16، ص 132.
(2)
التحرير والتنوير، ج 19، ص 211.
«ففي حديث عائشة وابن عباس وأبى هريرة فى صحيحى البخارى ومسلم يجمعها قوله، لما نزلت و" أنذر عشيرتك الأقربين"، قام رسول الله على الصفا فدعا قريشا فجعل ينادى: يا بنى فهر يا بنى عدى، لبطون قريش حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو، فقال:
يا معشر قريش، فعم وخص، يا بنى كعب بن لؤى أنقذوا أنفسكم من النار، يا بنى مرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار، يا بنى عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار، يا بنى عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار، يا بنى هاشم أنقذوا أنفسكم من النار، يا بنى عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار، اشتروا أنفسكم من الله لا أغنى عنكم من الله شيئا، يا عباس بن عبد المطلب لا أغنى عنك من الله شيئا، يا صفية عمة رسول الله لا أغنى عنك من الله شيئا، يا فاطمة بنت رسول الله سلينى من مالى ما شئت لا أغنى عنك من الله شيئا، وكانت صفية وفاطمة من المؤمنين وكان إنذارها إعمالا لفعل الأمر فى معانيه كلها من الدعوة إلى الإيمان وإلى صالح الأعمال، فجمع النبى- صلى الله عليه وسلم بين الإنذار من الشرك والإنذار من المعاصى لأنه أنذر صفية وفاطمة وكانتا مسلمتين.
وفى صحيح البخارى عن ابن عباس قال: لما نزلت وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ صعد النبى على الصفا فجعل ينادى يا بنى فهر، يا بنى عدى، لبطون قريش حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش تسمع فقال: أرأيتكم لو أخبرتكم أن فيلا بالوادى تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقى؟ قالوا: نعم ما جرّبتنا عليك إلا صدقا، قال: فإنى نذير لكم بين يدى عذاب شديد. فقال أبو لهب: تبا لك
سائر اليوم ألهذا جمعتنا؟ فنزلت يدا أبى لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب (1).
ومن الأمثلة التى حشد فيها أقوالا عن بعض الصحابة والتابعين ما ذكره فى قوله تعالى:
وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (سورة الأحقاف: 17).
«وعن ابن عباس ومروان بن الحكم ومجاهد والسدى وابن جريج أنها نزلت فى ابن لأبى بكر الصديق واسمه عبد الكعبة الذى سماه النبى- صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بعد أن أسلم عبد الرحمن قالوا: كان قبل الهجرة مشركا وكان يدعوه أبوه أبو بكر وأمه أم رومان إلى الإسلام ويذكراه بالبعث، فيرد عليهما بكلام مثل ما ذكره
فى هذه الآية. ويقول: فأين عبد الله بن جدعان، وأين عثمان بن عمرو، وأين عامر ابن كعب، ومشايخ قريش حتى أسألهم عما يقول محمد. لكن ليست الآية خاصة به حتى تكون نازلة فيه، وبهذا يؤول قول عائشة رضى الله عنها لما قال مروان بن الحكم لعبد الرحمن هو الذى يقول الله فيه «والذى قال لوالديه أف لكما» وذلك فى قصة إشارة عبد الرحمن على مروان أخذه البيعة ليزيد بن معاوية بالعهد له بالخلافة.
ففي صحيح البخارى فى كتاب التفسير عن يوسف بن ماهك أنه قال:
«كان مروان بن الحكم على الحجاز استعمله معاوية فخطب، فجعل يذكر يزيد ابن معاوية لكى يبايع له بعد أبيه (أى بولاية العهد) فقال له عبد الرحمن
(1) التحرير والتنوير، ج 19، ص 201.
ابن أبى بكر أهرقلة" أى اجعلتموها وراثة مثل سلطنة هرقل" فقال خذوه فدخل بيت عائشة فلم يقدروا عليه، فقال مروان: إن هذا الذى أنزل الله فيه «والذى قال لوالديه أف لكما أتعدانني» فقالت عائشة من وراء حجاب، ما أنزل الله فينا شيئا من القرآن إلا أن الله أنزل عذرى (أى براءتى) وكيف يكون المراد ب" الذى قال لوالديه أف لكما" عبد الرحمن بن أبى بكر وآخر الآية يقول" أولئك الذين حق عليهم القول" إلى" خاسرين" فذكر اسم الإشارة للجمع، وقضى على المتحدث عنهم بالخسران، ولم أقف على من كان مشركا وكان أبواه مؤمنين، وأياما كان فقد أسلم عبد الرحمن قبل الفتح فلما أسلم جب إسلامه ما قبله، وخرج من الوعيد الذى فى قوله أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ الآية. لأن ذلك وعيد، وكل وعيد فإنما هو مقيد تحققه بأن يموت المتوعد به غير مؤمن، وهذا معلوم بالضرورة من الشريعة. وتلقب عند الأشاعرة بمسألة الموافاة، على أنه قيل إن الإشارة بقوله" أولئك" عائدة إلى" الأولين" من قوله «ما هذا إلا أساطير الأولين» (1).
ومن الملحوظ فى أغلب الأمثلة السابقة حرص ابن عاشور فيما يرويه من أقوال الصحابة على ذكر مصادره مثل صحيح البخارى وصحيح مسلم وسنن ابن ماجة ومسند أحمد بن حنبل فضلا عن كتب التفسير.
ومن الملحوظ أيضا أن هذه الأقوال تناولت جوانب مختلفة من التفسير، فالمثال الأول وهو عن ابن عمر كان فى معنى مفاتيح الغيب وعددها، والمثال الثانى وهو عن ابن عباس كان حول استعمال بعض الصيغ، والثالث من هذه الأمثال وهو عن ابن مسعود دار حول إسلام عثمان بن مظعون وبعض الحوادث فى زمن الدعوة، والمثال الرابع عن مالك بن صعصعة، وجابر بن عبد
(1) التحرير والتنوير، ج 26، ص 37.