الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولا: التصوف:
يقول الغزالى عن خواص الصوفية:
«إن أخص خواصهم ما لا يمكن الوصول إليه بالتعلم، بل بالذوق (1) والحال (2) وتبدل الصفات، وكم من الفرق بين أن تعلم حد الصحة وحد الشبع وأسبابها وشروطها، وبين أن تكون صحيحا وشبعان» (3)، ويقول عن هؤلاء المتصوفة وهو يتحدث عن سيرته وسبيله إليهم.
(1) الذوق فى معرفة الله: عبارة عن نور ربانى عرفانى، يقذفه الحق بتجليه فى قلوب أوليائه، فيفرقون بواسطته بين الحق والباطل دون أن يعتمدوا فى ذلك التفريق على كتاب أو غيره.
انظر: كمال الدين عبد الرازق القاسانى" من صوفية القرن الثامن الهجرى"، اصطلاحات الصوفية، تحقيق الدكتور محمد كمال إبراهيم جعفر، ص 162، الهيئة المصرية العامة للكتاب 1981 م.
(2)
الحال عند الصوفية: معنى يرد على القلب من غير تصنع ولا اجتلاب ولا اكتساب من طرب، أو حزن، أو قبض، أو بسط، ويزال الحال بظهور صفات النفس، فإذا دام وصار ملكا يسمى مفاجأة، فالأحوال مواهب، والمقومات مكاسب، فالأولى تأتى بعين الجود، والثانية يبذل المجهود. انظر المصدر السابق ص 62.
(3)
أبو حامد الغزالى" ت 505 هـ" المنقذ من الضلال ص 132 حققه وقدمه له د. جميل صليبا، ود. كمال عياد، دار الأندلس بيروت- لبنان ط 8.
والتصوف عند الغزالى:" هو عبارة عن تجرد القلب لله تعالى واستحقار ما سوى الله، وحاصلة يرجع إلى عمل القلب والجوارح" إحياء علوم الدين ج 6 ص 1089 دار الشعب.
انظر كتاب التعريفات، على بن محمد الشريف الجرجانى" ت 816 هـ" مكتبة لبنان- بيروت 1969 م.
(4)
أبو حامد الغزالى، المنقذ من الضلال، ص 133.
وفى رواية عن سهل التسترى" ت 282 هـ" يذكر فيها أصول المتصوفة:" أصولنا سبعة أشياء: التمسك بكتاب الله، والاقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وأكل الحلال، وكف الأذى، واجتناب الآثام، والتوبة وأداء الحقوق" (1).
وفى معنى قوله صلى الله عليه وسلم:" اطلبوا العلم ولو بالصين، فإن طلب العلم فريضة على كل مسلم"(2).
ذكر أبو طالب مكى:" طلب علم القلوب، ومعرفة الخواطر وتفصيلها فريضة لأنها رسل الله تعالى إلى العبد، ووسواس العدو والنفس، فيستجيب لله تعالى بتنفيذ ما سنه إليه، وفيها ابتلاء الله تعالى للعبد، واختيار تقتضيه مجاهدة النفس فى نفسها، ولأنها أول النية التى هى أول العمل، وعنها تظهر الأفعال، وعلى قدرها تضاعف الأعمال"(3).
(1) أبو عبد الرحمن السلمى" ولد 412 هـ" طبقات الصوفية ص 220 تحقيق نور الدين شريبة. مطابع دار الكتاب العربى القاهرة 1372 هـ- 1973 م.
(2)
جاء فى سنن ابن ماجة:" حدثنا هشام بن عمار: حدث حفص بن سليمان، ثنا كثير بن شنظير، عن محمد بن سرين عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" طلب العلم فريضة على كل مسلم، وواضع العلم عند غير أهله كمقلد الخنازير الجوهر واللؤلؤ والذهب"
وذكر المعلق: فى الزوائد اسناده ضعيف لضعف حفص بن سليمان، وقال السيوطى:" سئل الشيخ محى الدين النووى رحمه الله تعالى عن هذا الحديث، فقال: أنه ضعيف أى سندا، وإن كان صحيحا، أى معنى، وقال تلميذه جمال الدين المزى، هذا حديثه روى من طرق تبلغ رتبة الحسن، وهو كما قال، فإنى رأيت له خمسين طريقا وقد جمعت فى جزء"
ج 1 ص 80 كتاب 17 باب" فضل العلماء والحث على طلب العلم، وانظر شرح مسند أبى حنيفة شرح الملا على القارئ ص 76 قدم له وضبطه الشيخ خليل محيى الدين الميس، دار الكتب العلمية بيروت- لبنان 1405 هـ- 1985 م.
(3)
أبو طالب مكى" ت 386 هـ قوت القلوب ج 2 ص 17 المكتبة الحسينية المصرية الأزهر 1351 هـ- 1933.
وهذا العلم يرتبط بمفاهيم عملية وأخلاقية «فالعلم حرف لا يعربه إلا العمل، والحرف لا يعبر به إلا الإخلاص، والإخلاص حرف لا يعربه إلا الصبر، والصبر لا يعربه إلا التسليم» (1).
وتلعب التجربة الذاتية عند المتصوف دورها المهم، وتنكشف له معانى القرآن- كما يقول أصحاب هذا المذهب- تبعا لعمق كل مرحلة من مراحل التجربة وما تتميز به كل مرحلة من جلد وصدق واستغناء، ويقول الحلاج:
" الحقيقة دقيقة، طرقها مضيقة، فيها نيران شهيقة، ودونها مفازة عميقة، الغريب سلكها يخبر عن قطع مقامات الأربعين، مثل مقام الذوب والرهب، والسلب والطلب، والعجب، والعطب، والطرب والشره، والترة، والصفاء، والصدق، والرفق والعتق، والصريح والتمنى، والعد والكد، والرد والامتداد والاعتداد والانفراد والانقياد والمراد، والشهود والحضور، والرياضة والحياطة .....
فهذه مقامات أهل الصفاء والصفوية، ولكل مقام علو مفهوم وغير مفهوم" (2).
وكما تختلف هذه المقامات وتتدرج مستوياتها تختلف أيضا الحقيقة من صوفى إلى صوفى، ومن مقام إلى آخر، فيعيد تأويلها حسبما تتجلى له فى كل مقام" فلكل صوفى عالم روحى قائم بذاته، والطرق الصوفية المؤدية إلى الله هى بقدر عدد هذه العوالم الروحية، وإذا عرّف بعض علماء الصوفية بأنه- أى التصوف- إدراك الحقائق، فليس لهذا التعريف من معنى إلا أنه إدراك الحقائق
(1) محمد بن عبد الجبار النفرى" ت 354 هـ" المواقف والمخاطبات ص 71 تحقيق أرثر إربرى تقديم د. عبد القادر محمود الهيئة المصرية العامة للكتاب 1985 م.
(2)
الحسين بن منصور الحلاج، كتاب الطواسين، ص 8، تحقيق وتصحيح، بولس نويا الميسوعى، دار النديم القاهرة 1989 م.
الإلهية كما يدركها كل صوفى على حدة، وبمقدار استعداده الروحى وتكوينه" (1).
ومحيى الدين بن عربى" ت 638 هـ" من مفسرى هذا المذهب يقول فى مقدمة تفسيره عن التجربة الروحية التى مر بها «طالما تعهدت تلاوة القرآن وتدبرت معانيه بقوة الإيمان، وكنت مع المواظبة على الأوراد حرج الصدر قلق الفؤاد، لا ينشرح بها قلبى، ولا يصرفها عنى ربى، حتى استأنست بها فألفتها، وذقت حلاوة كأسها وشربتها، فإذا أنا بها نشيط النفس، ثلج الصدر، متسع البال، منبسط القلب، تتكشف لى تحت كل آية من المعانى ما يكل بوصفه لسانى، لا القدرة تفى بضبطها وإحصائها ولا القوة تصير على نشرها، فتذكرت خير من آتى ما ازدهانى، مما وراء المقاصد والأمانى، قول النبى الأمى الصادق عليه أفضل الصلوات من كل صامت وناطق،" ما نزل من القرآن آية إلا ولها ظهر وبطن، ولكل حرف حد، ولكل حد مطلع"(2). وفهمت منه أن
(1) الدكتور أبو العلا عفيفى التصوف" الثورة الروحية فى الإسلام ص 118 - 119 دار المعارف- مصر 1963 م.
(2)
جاء فى الفتوحات المكية:
" وقد أجمع أصحابنا، أهل الكشف على صحة خبر عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال فى آى القرآن أنه:
" ما من آية إلا ولها ظاهر وباطن وحد ومطلع".
وذكر ابن عربى:
" ولكل مرتبة من هذه المراتب رجال، ولكل طائفة من هذه الطوائف قطب، وعلى ذلك القطب يدور فلك ذلك الكشف".
محى الدين بن عربى- السفر الثالث ج 18 الباب 27 مراتب رجال الله فى فهم مراتب القرآن.- تحقيق د. عثمان يحيى- تصدير ومراجعة د. إبراهيم مدكور، الهيئة العامة للكتاب 1401 هـ- 1981 م، وانظر مقدمة تفسير البغوى، معالم التنزيل، المجلد الأول، ص 35، وانظر السهروردى، عوارف المعارف على هامش الإحياء ج 1 ص 52 طبعة الحلبى- القاهرة 1369 هـ والتفسير والمفسرون ج 2 ص 3.
الظهر هو التفسير، والبطن هو التأويل والحد ما يتناهى إليه المفهوم من معنى الكلام، والمطلع ما يصعد إليه منه، فيطلع على شهود الملك العلام" (1).
ويفهم من ذلك أن التفسير عند هؤلاء القوم لا يقوم على الظاهر وما يدل عليه من معان ترتبط بحقيقة الألفاظ أو مدلولاتها فحسب، وإنما يقوم أيضا على الباطن الذى لا تتوقف معانيه عند شاطئ معلوم، فهى تتمدد وتتزايد تبعا لنضج التجربة الروحية للمتصوف، يقول الدكتور السيد خليل:
ومن شروط هذا التفسير" وجوب الجمع بين الظاهر والباطن دون رفع أحدهما، أو بعبارة أخرى وجوب الجمع بين مدلول التعبير المباشر لبعض الآية، وبين مدلول التعبير الرمزى لها، وعدم جواز التفسير الباطنى إلا لأهل الكشف وبذلك لا تكون فكرة الباطن أو الدلالة الرمزية منفذا يحارب منه، الإسلام لأنها فكرة واسعة لا أدلّ على اتساعها من احتوائها لدوائر تنسب إلى الإسلام
(1) محى الدين بن عربى، تفسير القرآن الكريم، المجلد الأول ص 4 - دار السلام- القاهرة، المكتبة العصرية- بيروت- إشراف إبراهيم الأبياري، وانظر مذاهب التفسير الإسلامى ص 248، وكشف الظنون ج 1 ص 233 وطبقات المفسرين للسيوطى ص 37.
(2)
الدكتور السيد أحمد خليل- نشأة التفسير فى الكتب المقدسة والقرآن، ص 75 الوكالة الشرقية للثقافة- الإسكندرية 1954 م.
وانظر محى الدين بن عربى- الفتوحات المكية السفر السابع ج 30 ص 158" السعادة كل السعادة فى الجمع بين الظاهر والباطن"