المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌5 - التفسير بأسباب النزول: - منهج الإمام الطاهر بن عاشور في التفسير

[نبيل أحمد صقر]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة:

- ‌الباب الأول ابن عاشور ومصادره تفسيره

- ‌ابن عاشور: 1296 - 1393 هـ، 1879 - 1973 م:

- ‌الكتاب وبواعث تأليفه:

- ‌مصادر الكتاب:

- ‌أولا: كتب التفسير:

- ‌ثانيا: كتب الحديث النبوى:

- ‌ثالثا: مصادر الفقه:

- ‌رابعا: مصادر النحو:

- ‌أ- مدرسة البصرة:

- ‌ب- مدرسة الكوفة:

- ‌ج- مدرسة بغداد:

- ‌د- مدرسة الأندلس:

- ‌هـ- المدرسة المصرية:

- ‌خامسا: مصادر الشعر:

- ‌أ- أصحاب القصائد التسع المشهورات:

- ‌ب- من الشعراء الأوائل:

- ‌ج- ومن الطبقة الثالثة من فحول الجاهلية

- ‌د- ومن الطبقة الأولى من فحول الإسلام:

- ‌هـ- ومن الطبقة الرابعة من فحول الإسلام

- ‌سادسا: مصادر اللغة:

- ‌سابعا: مصادر البلاغة:

- ‌ثامنا: كتب الغزالى والتصوف:

- ‌أ- كتب الغزالى:" ت 505 ه

- ‌ب- كتب التصوف:

- ‌تاسعا: مصادر الفلسفة:

- ‌عاشرا: الكتب العامة

- ‌ كتب الأديان:

- ‌ كتب السيرة:

- ‌ كتب المذاهب:

- ‌ علوم القرآن:

- ‌ دوائر العارف:

- ‌الحادى عشر: كتب التراجم:

- ‌الثانى عشر: مصادر منوعة:

- ‌الباب الثانى منهج الطاهر بن عاشور فى التفسير بالرواية

- ‌أولا: خطته فى تفسير السور:

- ‌ذكر اسم السورة وسبب هذه التسمية:

- ‌ترتيب النزول:

- ‌ أسباب النزول:

- ‌وفى سبب نزول سورة الكهف:

- ‌عدد آيها:

- ‌قال عن عدد آيات سورة الطور:

- ‌وعن سورة الحديد:

- ‌سورة المجادلة:

- ‌مكيها ومدنيها:

- ‌قال عن سورة الشورى:

- ‌وعن سورة محمد:

- ‌أغراض السورة:

- ‌قال عن سورة الحجر:

- ‌وعن سورة الإسراء:

- ‌ثانيا: منهجه فى التفسير:

- ‌1 - تفسير القرآن بالقرآن:

- ‌2 - التفسير بالحديث النبوى:

- ‌أ- موقفه من السند:

- ‌ب- موقفه من المتن:

- ‌3 - التفسير بأقوال الصحابة:

- ‌ذكر ابن عاشور:

- ‌4 - التفسير بأقوال التابعين:

- ‌5 - التفسير بأسباب النزول:

- ‌6 - التفسير بالقصص:

- ‌7 - التفسير بالناسخ والمنسوخ:

- ‌8 - التفسير بالقراءات:

- ‌9 - التفسير بأقوال من التوراة والإنجيل:

- ‌الباب الثالث منهج الطاهر بن عاشور فى التفسير بالدراية

- ‌تمهيد:

- ‌التفسير بالرأى عند ابن عاشور:

- ‌وذكر فى الإجابة عن ذلك:

- ‌أولا: الشعر

- ‌ثانيا: اللغة:

- ‌أ- الألفاظ:

- ‌ المصدر

- ‌الاشتقاق:

- ‌أ- اسم الفاعل

- ‌ب- اسم المفعول

- ‌صيغ المبالغة:

- ‌التصريف

- ‌الإعراب:

- ‌نخلص من ذلك إلى أن الإعراب كان عند ابن عاشور على الوجه التالى:

- ‌ثالثا: الاستعانة بعلوم البلاغة:

- ‌رابعا: الاستعانة بأقوال فقهاء الأمصار فى تفسير آيات الأحكام:

- ‌ليهن لكم أن قد نفيتم بيوتنا

- ‌به ذئب يعوى كالخليج المعبل

- ‌خامسا: الاستعانة بأقوال الفلاسفة وعلماء الهيئة:

- ‌ضروب الناس عشاق ضروبا

- ‌الباب الرابع موقف الطاهر بن عاشور من المذاهب الاعتقادية

- ‌تقديم:

- ‌أولا: التصوف:

- ‌البسملة»

- ‌الحروف المقطعة:

- ‌الحروف المقطعة عند ابن عاشور:

- ‌ثانيا: الاعتزال:

- ‌1 - التوحيد:

- ‌2 - العدل:

- ‌3 - الوعد والوعيد:

- ‌4 - المنزلة بين المنزلتين:

- ‌5 - الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر:

- ‌ثالثا: الجبرية:

- ‌رابعا: الشيعة:

- ‌خامسا: الخوارج:

- ‌سادسا: البهائية:

- ‌الخاتمة

- ‌1 - تفسير القرآن بالقرآن:

- ‌2 - التفسير بالحديث النبوى:

- ‌3 - التفسير بأقوال الصحابة:

- ‌4 - التفسير بأقوال التابعين:

- ‌5 - التفسير بأسباب النزول:

- ‌6 - التفسير بالقصص:

- ‌7 - التفسير بالناسخ والمنسوخ:

- ‌8 - التفسير بالقراءات:

- ‌9 - التفسير بأقوال من التوراة والإنجيل:

- ‌التفسير بالدراية:

- ‌ومقومات التفسير بالدراية كانت عند ابن عاشور على النحو التالى:

- ‌أولا: الشعر:

- ‌ثانيا: اللغة:

- ‌أ- التفسير اللفظى:

- ‌ب- الاعراب:

- ‌رابعا: إعجاز القرآن:

- ‌خامسا: آيات الأحكام:

- ‌سادسا: أقوال الفلاسفة وعلماء الهيئة:

- ‌1 - أقوال الفلاسفة:

- ‌2 - أقوال علماء الهيئة:

- ‌المذاهب الاعتقادية:

- ‌التصوف

- ‌الاعتزال

- ‌الجبرية:

- ‌الشيعة الإمامية:

- ‌الخوارج:

- ‌البهائية:

- ‌جريدة أهم المراجع على حروف المعجم

- ‌كتب أخرى للمؤلف

الفصل: ‌5 - التفسير بأسباب النزول:

أو الأخلاق التى كان عليها أهل الجاهلية وما أمر الله به منها إذا كانت من الخلق الحسن أو ما كانوا عليه من أخلاق مذمومة، ونهى الله تعالى عنها كما جاء عن قتادة فى المثال الثانى، أو نزول الآية الثامنة والعشرين من سورة النحل فى المدينة كما جاء عن عكرمة فى المثال الثالث، أو أول ما نزل من سورة المائدة عن محمد بن كعب القرظى فى المثال الرابع، وكذلك ما جاء عن مقاتل فى المثال الخامس، وما جاء عن السدى فى شأن قوم أسلموا، وسألوا أن يفرض عليهم القتال فى المثال السادس، أو ما جاء عن عطاء وطاوس فى شأن حاضرى المسجد الحرام، أو ما جاء فى شأن طلاق البكر كما جاء عن ابن جبير وعطاء وابن دينار وجابر بن زيد فى المثالين السابع والثامن.

وقد كانت مصادر ابن عاشور فى الحديث النبوى من كتب السنة المعتبرة فضلا عما عرفناه عن موقفه من السند والمتن والأحاديث الضعيفة وأحاديث فضائل السور، وكانت النقول عن التابعين عنده تمثل الجانب الذى يمكن الاستئناس به حيث تدرك بالعقول معانيه، أو ما تلقاه هؤلاء التابعون من أقوال عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أسباب النزول، أو أول ما نزل من آيات بعض السور أو مكان نزولها. (1)

‌5 - التفسير بأسباب النزول:

من الأقوال التى تحدد قيمة أسباب النزول فى التفسير وشروط استخدامها، وكذا الأقوال التى توضح سبب نزول القرآن منجما خصوصا الآيات التى نزلت بسبب.

(1) ابن تيمية:" قال شعبة بن الحجاج وغيره: أقوال التابعين فى الفروع ليست حجة، فكيف تكون فى التفسير؟ يعنى أنها لا تكون حجة على غيرهم مما خالفهم، وهذا صحيح، أما إذا أجمعوا على الشيء فلا يرتاب فى كونه حجة .... " مقدمة فى أصول التفسير ص 28.

ص: 82

ومما ذكره الدكتور فتحى الدرينى:

«اقتضاء صحة التفسير وعلميته" للمأثور" أمر تقتضيه ظروف تنزيله منجما على مدى ثلاث وعشرين عاما تقريبا، إذ احتفت ببعض آية ظروف ومناسبات، يطلق عليها" أسباب النزول" مما لم يتح لغير من عاصر التنزيل مشاهدتها، والوقوف على دقائقها، كما يطلق عليها بعض من تخصص فى علم أسباب النزول" القصة التشريعية" وهى عنصر بالغ الأهمية من عناصر ثقافة المفسر، إذ تسدد خطاه فى تعيين المعنى المراد، فكانت من القرائن الدالة عليه، دون أن يكون لها من أثر على تكييف النص القرآنى، فى قصر شمول معناه، أو عموم حكمه، أو تقييد إطلاقه، وإنما هى مجرد قرائن، أو دوال للاستيضاح فحسب» (1).

وذكر أيضا:

«ومعلوم أن هذه" المناسبات" لا يمكن الوقوف عليها بالنسبة إلى الأجيال الخالفة من العلماء، أو تصورها إلا عن طريق" النقول المأثورة" فكان هذا العنصر الأثرى إذن أساسيا فى قوام تفسير المفسر بالنسبة إلى الآى التى احتفت بها مثل تلك الظروف والمناسبات لما تلقى من ضوء على المراد من معنى النص، ولا سيما إذا كان النص القرآنى ذا وجوه من المعانى، أو يحتمل دلالات، فكان" سبب النزول" أنه قرينة على تعيين مراد الشارع منها، أو ترجيحه على الأقل» (2).

(1) دراسات وبحوث فى الفكر الإسلامى المعاصر، ص 167، 168.

وانظر البرهان فى علوم القرآن بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشى" ت 794 هـ" ص 22 ج 1 تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية صيدا- بيروت.

(2)

دراسات وبحوث فى الفكر الإسلامى المعاصر، ص 168.

وعن حكمة نزول القرآن منجما يقول النيسابورى:" إن الرسول لم يكن له بد من التلقين والحفظ" غرائب القرآن ورغائب الفرقان على هامش تفسير الطبرى ج 19 ص 12 دار المعرفة- بيروت- لبنان.-

ص: 83

ويقول ابن خلدون: «كان القرآن ينزل جملا جملا، وآيات آيات لبيان التوحيد والفروض الدينية بحسب الوقائع» (1).

والنيسابورى: «إن نزول القرآن بحسب الوقائع والحوادث أوفق فى باب التكليف والاستبصار» (2).

والقسطلانى: «إن الوحى فى الزمن الأخير من الحياة النبوية كان أكثر نزولا لأن الوفود بعد فتح مكة كثروا، وكثر سؤالهم عن الأحكام» (3).

وقد أظهرت الأقوال السابقة أهمية أسباب النزول فى تفسير كثير من الآيات ووصفت الضوابط التى يمكن بواسطتها الاستعانة بها.

وابن عاشور استعان بأسباب النزول وجعل لها فصلا خاصا من المقدمات العشر التى ذكرها فى مقدمة التحرير والتنوير حيث رسم فيه منهجه فى الاستعانة بهذه الوسيلة، ومما ذكره فى هذا الفصل.

«أولع كثير من المفسرين يتطلب أسباب نزول آى القرآن، وهى حوادث يروى أن الآيات من القرآن نزلت لأجلها لبيان حكمها أو حكايتها أو إنكارها أو نحو ذلك، وأغربوا فى ذلك وأكثروا حتى كاد بعضهم أن يوهم

- ويقول الزركشى:" تنجيم القرآن أقرب إلى الضبط والتثبت" البرهان فى علوم القرآن ج 1 ص 236.

دار إحياء الكتب العربية 1376 هـ- 1957 م.

ويقول ابن حجر:" لو نزل جملة واحدة على أمة أمية لا يقرأ غالبهم ولا يكتب لشق عليهم حفظه"، فتح البارى بشرح صحيح البارى ج 9 ص 6.

(1)

ابن خلدون، المقدمة، ص 438 ط 1 مصطفى محمد.

(2)

غرائب القرآن ورغائب الفرقان، هامش تفسير الطبرى ج 19 ص 12.

(3)

إرشاد السارى إلى شرح صحيح البخارى ج 7 ص 496.

وانظر الإتقان للسيوطى ج 1 ص 38 النوع التاسع:" معرفة سبب النزول" دار المعرفة بيروت- لبنان ط 4، 1398 هـ- 1978 م.

وانظر لباب النقول فى أسباب النزول للسيوطى، هامش تفسير الجلالين دار المعارف- القاهرة.

ص: 84

الناس أن كل آية من القرآن نزلت على سبب، حتى رفعوا الثقة بما ذكروا، بيد أنّا نجد فى بعض آى القرآن إشارة إلى الأسباب التى دعت إلى نزولها. ونجد لبعض الذى أسبابا تثبت بالنقل دون احتمال أن يكون ذلك رأى الناقل، فكان أمر أسباب نزول القرآن دائر بين القصد والإسراف، وكان فى غض النظر عنه وإرسال حبله على غاربه خطر عظيم فى فهم القرآن» (1).

وفحوى هذا الكلام أن ابن عاشور ينعى على بعض المفسرين الذين أكثروا فى ذكر أسباب النزول وأغربوا فيها ليوهموا الناس أن لكل آية سببا فى نزولها، ومن ثم رفعوا الثقة فيما يذكرون من أقوال.

وعلى الجانب الآخر وجد ابن عاشور فى بعض الآيات إشارة إلى الأسباب التى دعت إلى نزولها، كما أن لبعض الآيات أسبابا ثبتت بالنقل لا بالرأى، وعلى ذلك لا يستطيع أن يغض النظر عن ذكر هذه الأسباب أو الإشارات ولكن دون إسراف أو مبالغة.

وذكر أيضا فى هذا الفصل:

«إن من أسباب النزول ما ليس المفسر بغنى عن علمه بها لأن فيها بيان مجمل، أو إيضاح خفى وموجز، ومنها ما يكون وحده تفسيرا، ومنها ما يدل المفسر على طلب الأدلة التى بها تأويل الآية أو نحو ذلك» .

أى أن أسباب النزول تمثل عونا كبيرا فى بيان المواد من الآية المطروحة أمام المفسر أيا ما كانت الحاجة التى تستوجب وقوفه عندها شريطة أن تكون صحيحة الأسانيد كما ذكر ابن عاشور فى مواضع كثيرة فى هذا الفصل.

وابن عاشور وهو يستعين بأسباب النزول نراه أحيانا يذكر أكثر من سبب فى نزول الآية الواحدة

(1) التحرير والتنوير ج 1 ص 46.

ص: 85

ذكر فى سبب نزول قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها (سورة البقرة: الآية 26).

روى الواحدى فى أسباب النزول عن ابن عباس أن الله تعالى لما أنزل قوله: لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ (1) وقوله: مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً (2) قال المشركون أرأيتم أى شىء يصنع بهذا، فأنزل الله إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها وروى عن الحسن وقتادة أن الله لما ذكر الذباب والعنكبوت فى كتابه وضرب بها المثل ضحك اليهود وقالوا ما يشبه أن يكون هذا كلام الله فأنزل الله إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي الآية» (3).

والرواية الأولى عن ابن عباس، والثانية عن الحسن وقتادة، ويمكن التوفيق أو الجمع بينهما حيث لا يختلف موقف المشركين أو اليهود فيما ضربه الله تعالى من مثل فى الآيتين المذكورتين، ولعل ذلك هو المقصود من قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي ........ الآية. حيث يتوقف فهم المراد منها على علم المفسر بسبب نزولها».

(1) سورة الحج: الآية: 73.

(2)

سورة العنكبوت: الآية 41.

(3)

التحرير والتنوير ج 1 ص 358 الكتاب

ص: 86

وذكر فى قوله تعالى:

وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (1).

" روى الطبرى، والواحدى" فى سبب نزول هذه الآية: أن عياش بن أبى ربيعة المخزومي كان قد أسلم وهاجر إلى المدينة قبل هجرة النبى- صلى الله عليه وسلم، وكان

أخا أبى جهل لأمه، فخرج أبو جهل وأخوه الحارث ابن هشام، والحارث بن زيد بن أبى أنيسة فى طلبه، فأتوه بالمدينة وقالوا له:

" إن أمك أقسمت أن لا يظلها بيت حتى تراك، فارجع معنا حتى تنظر إليك، ثم ارجع، وأعطوه موثقا من الله أن لا يهيجوه، ولا يحولوا بينه وبين دينه، فخرج معهم فلما جاوزوا المدينة أوثقوه، ودخلوا به مكة، وقالوا له" لا نحلك من وثقائك حتى تكفر بالذى آمنت به" وكان الحارث بن زيد يجلده ويعذبه، فقال عياش للحارث «والله لا ألقاك خاليا إلا قتلتك» فبقى بمكة حتى خرج يوم الفتح إلى المدينة فلقى الحارث بن زيد بقباء، وكان الحارث قد أسلم ولم يعلم عياش بإسلامه، فضربه عياش فقتله، ولما أعلم أنه أسلم رجع عياش إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم فأخبره بالذى صنع تنزلت: وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً فتكون هذه الآية قد نزلت بعد فتح مكة.

(1) سورة النساء: الآية 92.

ص: 87

وفى ابن عطية: قيل نزلت فى اليمان. والد حذيفة بن اليمان حين قتله المسلمون يوم أحد خطأ.

«وفى رواية للطبرى: أنها نزلت فى قضية أبى الدرداء حين كان فى سرية، فعدل إلى شعب فوجد رجلا فى غنم له، فحمل عليه أبو الدرداء بالسيف، فقال الرجل" لا إله إلا الله" فضربه فقتله وجاء بغنمه إلى السرية، ثم وجد فى نفسه شيئا فأتى إلى النبى- صلى الله عليه وسلم فذكر له فنزلت الآية» (1).

ونحن هنا أمام ثلاث روايات فى سبب نزول هذه الآية الأولى ذكرها الطبرى والواحدى، والثانية ابن عطية فى تفسيره، والأخيرة الطبرى وحده، والأولى والأخيرة ذكرهما الطبرى على الرغم من اختلافهما.

وفى الإتقان: «كثيرا ما يذكر المفسرون لنزول الآية أسبابا متعددة، وطرق الاعتماد فى ذلك أن ينظر إلى العبارة الموافقة، فإن عبّر أحدهما بقوله:

نزلت فى كذا، والآخر نزلت فى كذا، وذكر أمرا آخر، فإن هذا يراد به التفسير لا ذكر سبب النزول، فلا منافاة بين قوليهما إذا كان اللفظ يتناولهما، وإن عبر أحد بقوله نزلت فى كذا، وصرح الآخر بذكر سبب النزول فهو المعتمد، وذاك استنباط» (2).

وأحيانا ما يذكر رواية واحدة كما فى قوله تعالى:

وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ (سورة العنكبوت: الآية 3).

روى الطبرى عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: نزلت هذه الآية:

الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا إلى قوله: وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ (3).

(1) التحرير والتنوير ج 5 ص 157.

(2)

الإتقان ج 1 ص 42، وانظر" النوع السابع والسبعين".

(3)

سورة العنكبوت: الآيات 1، 2، 3.

ص: 88

«فى عمار بن ياسر إذ كان يعذب فى الله، هو وأمثاله مثل عياش بن أبى ربيعة، والوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام ممن كانوا يعذبون بمكة، وكان النبى- صلى الله عليه وسلم يدعو لهم الله بالنجاة لهم وللمستضعفين من المؤمنين» (1).

«ورواية الطبرى هذه عن عبد الله بن عبيد بن عمير صريحة الجزم بأنها فى سبب نزول الآيات المذكورة وقد نبّه السيوطى إلى ان قبيل المسند من الصحابى إذا وقع من تابعى فهو مرفوع أيضا لكنه مرسل، فقد يقبل إذا صح المسند إليه وكان من أئمة التفسير الآخذين عن الصحابة كمجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير أو اعتضد بمرسل آخر أو نحو ذلك» (2).

وكما ذكر فى قوله تعالى:

وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (سورة النور الآية 55).

قال أبو العالية (3): مكث رسول الله بمكة عشر سنين بعد ما أوحى إليه خائفا هو وأصحابه، ثم أمر بالهجرة إلى المدينة وكانوا فيها خائفين

(1) التحرير والتنوير، ج 20، ص 206.

(2)

انظر: الإتقان، ج 1، ص 42.

(3)

أبو العالية: هو رفيع بن مهران الرياحى مولاهم، أدرك الجاهلية وأسلم بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم بسنتين، روى عن على وابن مسعود وابن عباس وابن عمرو وأبى بن كعب وغيرهم، وهو من الثقات التابعين المشهورين بالتفسير، قال فيه ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم ثقة، وقد أجمع عليه أصحاب الكتب الستة.

ص: 89

يصبحون ويمسون فى السلاح، فقال رجل: يا رسول الله أما يأتى علينا يوم نأمن فيه ونضع السلاح؟ فقال رسول الله: لا تغبرون (أى تمكثون) إلا قليلا حتى يجلس الرجل منكم فى الملإ العظيم محتبيا ليس عليه حديدة" ونزلت هذه الآية.

فكان اجتماع هذه المناسبات سببا لنزول هذه الآية فى موقعها هذا بما اشتملت عليه من الموعود به الذى لم يكن مقتصرا على إبدال خوفهم أمنا كما اقتضاه أثر ابى العالية، ولكنه كان من جملة الموعود كما كان سببه من عداد الأسباب» (1).

وأحيانا يذكر روايات عدة ويستبعد واحدة منها، ذكر فى قوله تعالى:

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ سورة الحج الآية 11.

«والظاهر أن هذه الآية نزلت بالمدينة. ففي صحيح البخارى عن ابن عباس فى قوله: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ قال: كان الرجل يقدم المدينة فإن ولدت امرأته غلاما ونتجت خيله قال: هذا دين صالح، وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله قال: هذا دين سوء» .

وفى رواية الحسن: أنها نزلت فى المنافقين يعنى المنافقين من الذين كانوا مشركين مثل: عبد الله بن أبى بن سلول، وهذا بعيد لأن أولئك كانوا مبطنين الكفر فلا ينطبق عليهم قوله" فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ". وممن يصلح مثالا لهذا الفريق العرنيون الذين أسلموا وهاجروا وجاءوا إلى المدينة، فأمرهم

(1) التحرير والتنوير، ج 18، ص 282.

ص: 90

النبى- صلى الله عليه وسلم بأن يلحقوا براعى إبل الصدقة خارج المدينة فيشربوا من ألبانها وأبوالها حتى يصحوا فلما صحوا قتلوا الراعى واستاقوا الذود ومروا، فألحق بهم النبى- صلى الله عليه وسلم الطلب فى أثرهم حتى لحقوا بهم فأمر بهم فقتلوا.

وفى حديث الموطأ: أن أعرابيا أسلم وبايع النبى- صلى الله عليه وسلم فأصابه وعك بالمدينة، فجاء إلى النبى- صلى الله عليه وسلم يستقيله بيعته فأبى أن يقيله: فخرج من المدينة فقال النبى- صلى الله عليه وسلم:

«المدينة كالكير تنفى خبثها وينصع طيبها» فجعله خبثا لأنه لم يكن مؤمنا ثابتا، وذكر الفخر عن مقاتل إن نفرا من أسد وغطفان قالوا: نخاف أن لا ينصر الله محمدا فينقطع الذى بيننا وبين حلفائنا من اليهود فلا يميزوننا، فنزل فيهم قوله تعالى مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ (الحج: 15).

وعن الضحاك (1): «أن الآية نزلت فى المؤلفة قلوبهم منهم: عينية بن حصن والأقرع بن حابس والعباس بن مرداس قالوا: ندخل فى دين محمد فإن أصبنا خيرا عرفنا أنه حق، وإن أصبنا غير ذلك عرفنا أنه باطل. وهذا كله ناشئ عن الجهل وتخليط الأسباب الدنيوية بالأسباب الأخروية، وجعل المقارنات الاتفاقية كالمعلومات اللزومية، وهذا أصل كبير من أصول الضلالة فى أمور الدين وأمور الدنيا. ولنعم المعبر عن ذلك قوله تعالى: خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ إذ لا يهتدى إلى تطلب المسببات من أسبابها» (2).

(1) الضحاك بن مزاحم البلخي الخرسانى" أبو القاسم" مفسر كان يؤدب الطفال، ويقال كان فى مدرسته ثلاث آلاف صبى، وهو من أشراف المعلمين وفقهاءهم، وله كتاب فى التفسير، توفى بخرسان 105 هـ- 723 م. انظر الأعلام، ج 3، ص 215.

(2)

التحرير والتنوير، ج 17، ص 211.-

ص: 91