الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لدى النفس، والشكل المختل قبيحا، ومع الاعتراف باختلاف الناس فى بعض ما يعبر عنه بالجمال والقبح كما قال أبو الطيب:
ضروب الناس عشاق ضروبا
وأن بعض الناس يستجيد من الملابس ما لا يرضى به الآخر، ويستحسن من الألوان ما يستقبحه الآخر، ومع ذلك كله فالمشاهد أن معظم الأحوال لا يختلف فيها الناس السالمو الأذواق.
فأما المتقدمون فقال سقراط: سبب الجمال حب النفع، وقال أفلاطون:«الجمال أمر إلهى أزلى موجود فى عالم غير قابل للتغير، قد تمتعت الأرواح به قبل هبوطها إلى الأجسام فلما نزلت إلى الأجسام صارت مهما رأت شيئا على مثال ما عهدته فى العوالم العقلية، وهى عالم المثال مالت إليه لأنه مألوفها من قبل هبوطها» . وذهب الطبائعيون إلى أن الجمال شىء ينشأ عندنا عن الإحساس بالحواس، ورأيت فى كتاب جامع أسرار الطب للحكيم عبد الملك بن زهر القرطبى «العشق الحسى إنما هو ميل النفس إلى الشيء الذى تستحسنه وتستلذه، وذلك أن الروح النفسانى الذى مسكنه الدماغ قريب من النور البصرى الذى يحيط بالعين ومتصل بمؤخر الدماغ وهو الذكر، فإذا نظرت العين إلى الشيء المستحسن انضم النورى البصرى وارتعد فبذلك الانضمام والارتعاد يتصل بالروح النفسانى فيقبله قبولا حسنا ثم يودعه الذكر فيوجب ذلك المحبة، ويشترك أيضا بالروح الحيوانى الذى مسكنه القلب لاتصاله بأفعاله فى الجسد كله فحينئذ تكون الفكرة والهم والسهر» (1).
رأينا فى المثال الأول من الأمثلة السابقة عند تفسير قوله تعالى:
(1) التحرير والتنوير، ج 3، ص 226.
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ما ساقه ابن عاشور من قول الإمام الفخر الرازى فى مراتب العبادة، وما ذكره الشيخ الرئيس ابن سينا فى المرتبة الثالثة من هذه المراتب.
وفى المثال الثانى كان حول حقيقة الفطرة التى فطر الله الناس عليها كما ذكرها بشيخ الرئيس.
وفى المثال الأخير رأينا اختلاف الحكماء كسقراط وأفلاطون فى أمر الجمال ومذاهب الناس فى رد أسبابه إلى أصول متباينة عندهم، أو نشأته كما عند الطبائعيين، أو تعريف العشق الحسى كما جاء عند عبد الله بن زهر القرطبى فى كتابه جامع أسرار الطب.
وكل تلك الأقوال قد تلقى ضوءا على معنى اللفظة من الآية" العبودية، الفطر، الجمال، الحب أو العشق"، ومعانى تلك الألفاظ قد شغلت الحكماء طويلا، وذهب كل منهم
مذاهب مختلفة فى تحديد مراميها أو دلالاتها، وحين ينقل ابن عاشور هذه الأقوال كان ذلك فى دائرة الاستفادة منها، تعينه فى تعميق معنى اللفظة لا معنى الآية، حيث يبقى هذا المعنى للمفسر، يقترب منه بأدواته المختلفة، ويحيطه بما يستطيعه منها دون أن تنفرد أقوال الحكماء بمعنى الآية أو تطغى عليه.
ومن علوم الهيئة وخواص المخلوقات، وهى من علوم المرتبة الثانية التى صنفها ابن عاشور على هذا النحو، كذا من العلوم التى أشار إليها القرآن الكريم، أو جاءت مؤيدة له والمصنفة عند ابن عاشور فى المرتبة الثالثة
…
ذكر فى تفسير قوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (سورة البقرة: الآية 29).
وما ذكره ابن عاشور فى هذه الفقرة يعد مما أشار إليه القرآن الكريم أو يتفق معه، وابن عاشور يلجأ إلى توضيح ذلك من خلال صياغة القرآن لهذه الحقائق، أو ما وصفه بها، واتفاق العلماء إلى عصر نزوله حولهما، وقد رفض ابن عاشور تفسير بعض العلماء أن السموات هى الأفلاك، وتعليله فى هذا الرفض أن السموات غير الأفلاك، فهى الطرق التى تسلكها الكواكب السيارة
(1) التحرير والتنوير، ج 1، ص 385 - 386.
وقد وضع هذه الفقرة فى هامش الصفحة زيادة فى توضيح المقصود من الأجرام السماوية، ولكون أقوال العلماء فى ذلك التقسيم ليس مما تسعى إليه الآية ولا هو من تفسيرها، ويؤكد ابن عاشور بعد ذلك ما جاء به القرآن وما يؤيده العلماء.
(1) التحرير والتنوير، ج 1، ص 386.
(2)
التحرير والتنوير، ج 1، ص 366.
ويقول أيضا:
وهو فى ذلك لم يسلم بكل ما قاله علماء الهيئة، فأسرار الكون البعيد ما زال أغلبها غامضا عن العقول، بعيدا عن أدوات العلم أو مناهجه، والأبعاد التى أشارت إليها الآية أكثرها لم يقترب منها العقل الإنسانى، وما قرّبه الله إلى أفهامنا إنما هو حث على التدبر والتصديق.
(1) التحرير والتنوير، ج 1، ص 366.