الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (سورة المائدة: الآية 89).
«وقوله ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إشارة إلى المذكور، زيادة فى الإيضاح والكفارة مبالغة فى كفر بمعنى ستر وأزال. وأصل الكفر- بفتح الكاف- الستر.
وقد جاءت فيها دلالتان على المبالغة هما التضعيف والتاء الزائدة، كتاء نسّابة وعلامة، والعرب يجمعون بينهما غالبا» (1).
وفى المثالين السابقين رأينا إصرار ابن عاشور على رد اللفظة إلى أصلها، فالصديقة مشتقة من المصدر الثلاثى، والحروف الزائدة على المجرد الثلاثى تعنى المبالغة فى وصف السيدة العذراء بالصدق، أى صدق وعد ربها، ويأتى بالشاهد القرآنى يستدل به على المعنى الذى تسعى إليه الآية، أو ما قيل فى الغرض من هذه الصيغة المذكورة، كذلك فى" كفّارة" وهى على فعالة من كفر بمعنى ستر وأزال، وأصلها" كفر" بفتح الكاف، وما طرأ عليها من تضعيف الفاء والتاء الزائدة تدلان على المبالغة وكان العرب يجمعون بينها.
التصريف
(2):
وهو مما لجأ إليه ابن عاشور فى تناوله للألفاظ حيث يعتنى باللفظة التى تحتاج إلى بيان تصريفها، ويذكر أقوال العلماء من المدارس النحوية كالبصرة
(1) التحرير والتنوير، ج 7، ص 19.
وانظر أمثلة أخرى: ج 15، ص 280، ج 28، ص 134.
(2)
هو العلم الذى يبحث فى التغييرات التى تطرأ على أبنية الكلمات وصورها المختلفة من الداخل.
والكوفة والأندلس ووجوه الخلاف التى وقعت فى هذا التصريف. أو يستقل هو بالقول فيه.
ومن ذلك ما ذكره فى تفسير قوله تعالى:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْها وَاللَّهُ غَفُورٌ (سورة المائدة: الآية 101).
«و (أشياء) كلمة تدل على جمع (شىء)، والظاهر أنه صيغة جمع لأن زنة شىء (فعل)، و (فعل) إذا كان معتل العين قياس جمعه (أفعال) مثل بيت وشيخ. فالجارى على متعارف التصريف أن يكون (أشياء) جمعا، وأن همزته الأولى همزة مزيدة للجمع.
إلا أن (أشياء) ورد فى القرآن هنا ممنوعا من الصرف، فتردد أئمة اللغة فى تأويل ذلك، وأمثل أقوالهم فى ذلك قول الكسائى: إنه لما كثر استعماله فى الكلام أشبه (فعلاء)،
فمنعوه من الصرف لهذا الشبه، كما منعوا سراويل من الصرف وهو مفرد لأنه شابه صيغة الجمع مثل مصابيح.
وقال الخليل وسيبويه: (أشياء) اسم جمع (شىء) وليس جمعا فهو مثل طرفاء وحلفاء فأصله شيئاء، فالمدّة فى آخره مدّة تأنيث، فلذلك منع من الصرف، وادعى أنهم صيروه أشياء بقلب مكانى. وحقه أن يقال: شيئاء بوزن (فعلاء) مضار بوزن (لفعاء)» (1).
وفى هذا المثال رد ابن عاشور أشياء إلى شىء، وذكر ميزانها الصرفى فإذا كانت اللفظة" شىء" معتلة العين كبيت وشيخ وكل منهما معتلة العين أصبح وزنهما قياسا على" أفعال" كأبيات وأشياخ، وكذلك شىء تجمع على
(1) التحرير والتنوير، ج 7، ص 66.
أشياء، ولكن مجيئها فى هذه الآية كان ممنوعا من الصرف، وقد راح ابن عاشور يذكر قول الكسائى" الكوفة" وقول الخليل وسيبويه [البصرة] وتعليلهم فى عدم صرف" أشياء".
وذكر فى قوله تعالى:
كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً (سورة الكهف: الآية 5).
ومما ذكره عن أبى حيان" الأندلسى" ما جاء فى تفسير قوله تعالى:
مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (سورة القلم: الآية 12).
«والاعتداء: مبالغة فى العدوان فالافتعال فيه للدلالة على الشدة والأثيم: كثير الإثم، وهو فعيل من أمثلة المبالغة قال تعالى: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ* طَعامُ الْأَثِيمِ (2)، والمراد بالإثم هنا ما يعد خطيئة وفسادا عند أهل العقول والمروءة وفى الأديان المعروفة.
(1) التحرير والتنوير، ج 15، ص 253.
(2)
سورة الدخان: الآية 43.
قال أبو حيان: وجاءت هذه الصفات صفات مبالغة ولو؟؟؟ فيها فجاء" خلاف" وبعده" مهين" لأن النون فيها تواخ مع الميم، أى ميم" أثيم" ثم جاء وهماز مشاء بصفتى المبالغة، ثم جاء" مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ" صفات مبالغة أ. هـ.
يريد أن الافتعال فى" مُعْتَدٍ" للمبالغة (1).
ويذكر ابن عاشور فى المثال السابق: إن الاعتداء" افتعال" للدلالة على الشدة، والأثيم فعيل، وهما من المبالغة، والتصريف هنا عون له فى تحديد هوية اللفظة، ومن ثم تعريف المراد منها، وذكر بعد ذلك قول أبى حيان فيما جاء من صفات المبالغة فى قوله تعالى: وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ* هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (2)، وما أراده من أن الافتعال فى" معتد" للمبالغة.
ومما استقل بالقول فيه، ما جاء فى تفسير قوله تعالى: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ* الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ* وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (سورة المطففين: الآية 1، 2، 3).
(1) التحرير والتنوير، ج 29، ص 73.
(2)
سورة القلم: الآية 10، 11.
(3)
سورة يوسف: الآية 63.
(4)
التحرير والتنوير، ج 30، ص 190 -
وكذلك فى هذا المثال ذكر ابن عاشور وزن اللفظة المختارة وهى اكتيال على وزن افتعال وأصله من الكيل واستعماله على النحو المبين فى قوله السابق.
والتصريف عنده تتردد فيه أسماء أعلام اللغة من المدارس المختلفة، أو يعتمد فيه على جهوده اللغوية وثقافته الواسعة مستعينا بالشواهد من القرآن فى كثير من المواطن، يختار اللفظة من الآية التى تحتاج إلى ذكر صرفها، وينفذ بعده إلى أصلها ومعناها واستعمالاتها.
ومن خلال الصفحات السابقة وما جاء فيها من أمثلة تناول فيها ابن عاشور تفسير الألفاظ يمكن أن نحدد أهم الأسس التى قام عليها هذا التفسير على النحو التالى:
- تناول اللفظة الواحدة فى كل آية وذكر معناها الحسى، ثم ما انتقلت إليه حقيقة أو مجازا، ثم دلالتها فى السياق أى الدلالة القرآنية لها دون الفصل بين كل ذلك.
- يتم الربط بين [المعنى والدلالة] وبين المعنى الشرعى للفظة إن كانت من الألفاظ التى تدخل تحت هذا المعنى.
- كان التناول اللفظى محاطا بكثير من الشواهد المختلفة من قرآن وحديث وشعر وقول عالم وما شاع على ألسنة العرب وأساليبهم، وكانت الشواهد القرآنية أكثر ذكرا من الشواهد الأخرى.
- وانظر أمثلة أخرى:
ج 6، ص 245، ج 15، ص 176، 260، 282، ج 16، ص 79، ج 18، ص 22، ج 29، ص 38، ج 30، ص 22.