الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأَمَّا الْأَمَةُ فَلَا إلَّا أَنْ تُعْتَقَ هِيَ أَيْضًا فَيُنْفِقُ عَلَيْهَا فِي حَمْلِهَا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ وَلَدُهُ، انْتَهَى. فَيُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: يَوْمِئِذٍ أَنَّهُ لَا يُعْطِيهَا إذَا عَتَقَ نَفَقَةَ أَوَّلِ الْحَمْلِ، وَلِذَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: فَيُنْفِقُ عَلَيْهَا فِي بَقِيَّةِ حَمْلِهَا، انْتَهَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (غَيْرُ سَرَفٍ)
ش: نَحْوُهُ فِي ابْنِ الْحَاجِبِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ يَعْنِي إذَا وَجَبَ لَهَا الرُّجُوعُ بِمَا أَنْفَقَتْهُ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى نَفْسِهَا وَوَلَدِهَا وَوَجَبَ لِلْأَجْنَبِيِّ الرُّجُوعُ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ؛ فَإِنَّمَا رَجَعَ عَلَيْهِ بِالْمُعْتَادِ فِي حَقِّ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ، فَأَمَّا مَا كَانَ سَرَفًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ، فَلَا يَرْجِعُ بِهِ الْمُنْفِقُ؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ قَصْدِ الْمُنْفَقِ بِهِ الْعَطِيَّةُ إلَّا أَنْ تَكُونَ التَّوْسِعَةَ فِي زَمَنِهَا كَالْأَعْيَادِ فَيَرْجِعُ بِذَلِكَ.
ص (وَعَلَى الصَّغِيرِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ عَلِمَهُ الْمُنْفِقُ وَحَلَفَ لَهُ أَنَّهُ أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ) ش وَأَنْ لَا يَكُونَ لِلْيَتِيمِ تَحْتَ يَدِهِ مَالٌ نَاضٌّ؛ فَإِنْ كَانَ لَهُ وَتَرَكَهُ وَأَنْفَقَ مِنْ عِنْدِهِ، فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ، قَالَ فِي كِتَابِ الرُّهُونِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يُسَلِّفَ الْأَيْتَامَ وَيَرْجِعَ عَلَيْهِمْ إنْ كَانَ لَهُمْ يَوْمَ السَّلَفِ عَرَضٌ أَوْ عَقَارٌ ثُمَّ يَبِيعُ وَيَسْتَوْفِي، انْتَهَى. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ ذَكَرَ هُنَا الْعَقَارَ وَالْعَرْضَ وَفِي تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ وَلِلْيَتِيمِ مَالٌ ظَاهِرُهُ كَانَ عَيْنًا أَمْ لَا، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِي الْيَتِيمِ إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُمْ أَمْوَالُ عُرُوضٍ فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ: فِي الْمَالِ حَيْثُ ذَكَرَهُ عَلَى الْعُرُوضِ كَمَا قَالَ هُنَا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ نَاضٌّ، فَلَا فَائِدَةَ فِي السَّلَفِ، وَانْظُرْ عَلَى هَذَا لَوْ سَلَّفَهُ وَلَهُ نَاضٌّ هَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ أَمْ لَا.؟ ، قَالَ فِي وَثَائِقِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَوْ كَانَ لَهُ بِيَدِهِ نَاضٌّ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِمَا أَسَلَفَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ، انْتَهَى. وَعَلَى هَذَا اقْتَصَرَ الْوَانُّوغِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ، قَالَ فِي الْمَحَلِّ: وَلَوْ أَسْلَفَهُ وَلِلْيَتِيمِ نَاضٌّ فِي بَلَدِهِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْيَتِيمَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى سَلَفِهِ، وَهُوَ فِي نَفَقَتِهِ عَلَى الْيَتِيمِ حِينَئِذٍ مُتَطَوِّعٌ اهـ. ثُمَّ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْيَتِيمِ مَالٌ وَقَالَ: الْوَصِيُّ أَنَا أُسَلِّفُهُ؛ فَإِنْ أَفَادَ رَجَعَتْ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِ مِنْ يَوْمِئِذٍ عَلَى وَجْهِ الْحِسْبَةِ، فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ، وَإِنْ أَفَادَ الْيَتِيمُ مَالًا اهـ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ، وَقَالَ أَشْهَبُ ذَلِكَ لَهُ اهـ.
(تَنْبِيهٌ) قَوْلُهُ: عَلَى وَجْهِ الْحِسْبَةِ فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ وَإِنْ أَفَادَ الْيَتِيمُ عَلِمَهُ الْمُنْفِقُ أَمْ لَا، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ الَّذِي عَلِمَ الْمُنْفِقُ وَكَبُرَ الصَّبِيُّ فَأَفَادَ مَالًا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، نَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ.
[فَرْعٌ أَنْفَقَ عَلَى وَلَدِ رَجُلٍ غَائِبٍ مُوسِرٍ وَخَافَ ضَيْعَتَهُ]
(فُرُوعٌ الْأَوَّلُ) مَنْ أَنْفَقَ عَلَى وَلَدِ رَجُلٍ غَائِبٍ مُوسِرٍ وَخَافَ ضَيْعَتَهُ؛ فَإِنَّهُ يَتْبَعُ الْأَبَ بِمَا أَنْفَقَهُ بِالْمَعْرُوفِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَنِبْهُ فِي النَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ لَمَّا كَانَ نَفَقَتُهُمْ وَاجِبَةً عَلَى الْأَبِ، كَمَنْ قَضَى عَنْ رَجُلٍ دَيْنًا عَلَى أَنْ يَتْبَعَهُ بِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَتْبَعَهُ بِهَا اهـ مِنْ بَابِ زَكَاةِ الْفِطْرِ مِنْ الطِّرَازِ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَسَمِعَ سَحْنُونٌ ابْنَ الْقَاسِمِ مَنْ غَابَ أَوْ فُقِدَ فَأَنْفَقَ رَجُلٌ عَلَى وَلَدِهِ فَقَدِمَ أَوْ مَاتَ فِي غَيْبَتِهِ وَعَلِمَ أَنَّهُ كَانَ عَدِيمًا لَمْ يَتْبَعْهُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ، وَلَا وَلَدَهُ ابْنُ رُشْدٍ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ إذَا لَمْ يَكُنْ لِأَبِيهِ وَلَا لَهُ مَالٌ فَهُوَ كَالْيَتِيمِ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ احْتِسَابًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْمُرَ ذِمَّةً بِدَيْنٍ إلَّا بِرِضَاهُ، إذْ لَيْسَ مِمَّنْ يُجَوِّزُ عَلَى نَفْسِهِ رِضَاهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ أَوْ لِلْيَتِيمِ مَالٌ فَلِلْمُنْفِقِ عَلَيْهِ
الرُّجُوعُ عَلَيْهِمَا فِي أَمْوَالِهِمَا إنْ كَانَتْ لَهُ بِالنَّفَقَةِ بَيِّنَةٌ، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ أَنَّهُ إنَّمَا أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ بَعْدَ يَمِينِهِ أَنَّهُ إنَّمَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا لِيَرْجِعَ فِي أَمْوَالِهِمَا لَا عَلَى وَجْهِ الْحِسْبَةِ وَيُسْرِ أَبِي الْوَلَدِ كَمَالِهِ، وَهَذَا إذَا أَنْفَقَ وَهُوَ يَعْلَمُ مَالَ الْيَتِيمِ أَوْ يُسْرَ الْأَبِ، وَلَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهِمَا ظَانًّا أَنَّهُ لَا مَالَ لِلْيَتِيمِ وَلَا لِلِابْنِ وَلَا لِأَبِيهِ ثُمَّ عَلِمَ ذَلِكَ، فَلَا رُجُوعَ لَهُ، وَقِيلَ: لَهُ الرُّجُوعُ وَالْقَوْلَانِ قَائِمَانِ مِنْهَا.
(قُلْت:) الْأَوَّلُ ظَاهِرُ قَوْلِهَا فِي تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ، وَلَا يَتْبَعُ الْيَتِيمَ بِشَيْءٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ فَيُسَلِّفُهُ حَتَّى يَبِيعَ عُرُوضَهُ؛ فَإِنْ قَضَى ذَلِكَ عَمَّا أَسَلَفَهُ لَمْ يَتْبَعْ بِالتَّالِفِ وَكَذَا اللَّقِيطُ.
(الثَّانِي) ظَاهِرُ قَوْلِهَا فِي النِّكَاحِ الثَّانِي مَنْ أَنْفَقَ عَلَى صَغِيرٍ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ حِينَ أَنْفَقَ عَلَيْهِ فَيَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ فِيمَا لَهُ ذَلِكَ، وَنَحْوُهُ فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ مِنْهَا وَالْأَوْلَى تَقْيِيدُ مُطْلَقِهَا بِمُقَيِّدِهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ قَوْلًا وَاحِدًا اهـ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ، وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ: وَمَنْ الْتَقَطَ لَقِيطًا فَأَنْفَقَ عَلَيْهِ فَأَتَى رَجُلٌ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ابْنُهُ فَلَهُ أَنْ يَتْبَعَهُ بِمَا أَنْفَقَ إنْ كَانَ الْأَبُ مُوسِرًا حِينَ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، هَذَا إنْ تَعَمَّدَ الْأَبُ طَرْحَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ طَرَحَهُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي صَبِيٍّ صَغِيرٍ ضَلَّ عَنْ وَالِدِهِ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِ رَجُلٌ: فَلَا يَتْبَعُ أَبَاهُ بِشَيْءٍ، فَكَذَلِكَ اللَّقِيطُ.
(الثَّالِثُ) قَالَ فِي مَسَائِلِ الْوَصَايَا مِنْ نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ فِي وَصِيٍّ عَلَى يَتِيمَةٍ أَشْهَدَ عِنْدَ مَوْتِهِ أَنَّ لَهَا عَلَيْهِ عِشْرِينَ مِثْقَالًا، وَلَا يَدَّعِي هُوَ أَنَّ لَهُ عَلَيْهَا شَيْئًا فَتَمُوتُ فَتَطْلُبُ الْيَتِيمَةُ الذَّهَبَ فَيَدَّعِي وَرَثَتُهُ أَنَّ لَهُ عَلَيْهَا حَضَانَةً وَيُثْبِتُونَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي حَضَانَتِهِ مُدَّةَ نَظَرِهِ، فَهَلْ لَهُمْ أَنْ يُحَاسِبُوهَا أَمْ لَا.؟ فَأَجَابَ أَشْهَادُ الْوَصِيِّ لَهَا عِنْدَ مَوْتِهِ بِالْعِشْرِينَ مِثْقَالًا يُوجِبُهَا لَهَا وَيُبْطِلُ دَعْوَى الْوَرَثَةِ عَلَيْهَا، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مَا أَثْبَتُوهُ، وَلَا يُحَاسِبُوهَا بِشَيْءٍ اهـ.
(الرَّابِعُ) قَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ إذَا كَانَ لِلْأَوْلَادِ مَالٌ، فَلَا يَلْزَمُ الْأَبَ نَفَقَتُهُمْ سَوَاءٌ كَانَ مَالُهُمْ عَيْنًا أَوْ عَرْضًا؛ فَإِنْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ وَأَبْقَى مَالَهُمْ عَلَى حَالِهِ حَتَّى مَاتَ فَأَرَادَ الْوَرَثَةُ مُحَاسَبَتَهُمْ بِالنَّفَقَةِ؛ فَإِنْ قَالَ الْأَبُ: حَاسِبُوا وَالِدَيَّ فَعَلَى مَا قَالَ أَيُّ نَوْعٍ كَانَ الْمَالُ، وَإِنْ قَالَ: لَا تُحَاسِبُوهُ فَكَذَلِكَ، وَلَا يُشْبِهُ الْوَصِيَّةَ؛ لِأَنَّ الْآبَاءَ يُنْفِقُونَ عَلَى أَوْلَادِهِمْ، وَلَوْ كَانَ لَهُمْ أَمْوَالٌ، وَإِنْ سَكَتَ الْأَبُ؛ فَإِنْ لَمْ يَكْتُبْ لَمْ يُحَاسَبْ الْوَلَدُ، وَإِنْ كَتَبَ وَكَانَ الْمَالُ عَيْنًا، فَلَا يُحَاسَبُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَاءَ أَنْفَقَ مِنْهُ، وَيُحْتَمَلُ كَتْبُهُ عَلَى الِارْتِيَاءِ وَالنَّظَرِ، وَإِنْ كَانَ عَرْضًا حُوسِبَ بِذَلِكَ، قَالَ ذَلِكَ كُلَّهُ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ؛ فَإِنْ مَاتَ الِابْنُ فِي حَيَاةِ الْأَبِ وَوَرِثَ مَعَهُ غَيْرُهُ فَادَّعَى أَنَّهُ أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ، فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْأَبُ مُقِلًّا مَأْمُونًا صَدَقَ بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا حَلَفَ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُشْهِدْ عِنْدَ الْإِنْفَاقِ، وَإِنْ أَشْهَدَ فَلَا يَمِينَ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ عَيْنًا أَوْ عَرَضًا اهـ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هِيَ أَوَّلُ مَسْأَلَةٍ مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَنَصُّهَا قَالَ سَحْنُونٌ: أَخْبَرَنِي ابْنُ الْقَاسِمِ قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ فَالرَّجُلُ يُنْفِقُ عَلَى أَوْلَادِهِ وَلَهُمْ مَالٌ قَدْ وَرِثُوهُ مِنْ أُمِّهِمْ فَكَتَبَ عَلَيْهِمْ مَا أَنْفَقَ فَلَمَّا هَلَكَ أَرَادَ سَائِرُهُمْ مِنْ الْوَرَثَةِ أَنْ يُحَاسِبُوهُ وَيَحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِالْكَتْبِ، قَالَ: إنْ كَانَ مَالُهُمْ عِنْدَهُ مَوْضُوعًا فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ غُرْمُ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِمْ إذَا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ عِنْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ يُنْفِقُ عَلَى وَلَدِهِ، وَإِنْ كَانَ لَهُمْ مَالٌ، وَمِنْ أَمْرِ النَّاسِ أَنْ يُنْفِقَ الرَّجُلُ عَلَى وَلَدِهِ وَلَهُمْ الْمَالُ، وَإِنْ كَانَ لَهُمْ فِي عَرْضٍ أَوْ حَيَوَانٍ رَأَيْتُ أَنْ يُحَاسِبُوهُمْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ كَتَبَهُ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَالَ الْمَوْضُوعَ فِي يَدِهِ لَمْ يَكُنْ يَمْنَعْهُ مِنْهُ شَيْءٌ، فَلَعَلَّهُ إنَّمَا كَتَبَهُ يُرِيدُ أَنْ يَلْزَمَهُمْ أَوْ يَتْرُكَهُ فَتَرَكَهُ، وَأَمَّا الَّذِي كَانَ فِي الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ؛ فَإِنَّمَا يَرَى أَنَّهُ يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ بَيْعُهُ وَكِتَابُهُ عَلَيْهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ عَنْهُ.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ تَتَفَرَّعُ إلَى وُجُوهٍ وَقَعَتْ مُفَرَّقَةً فِي مَوَاضِعَ مِنْ هَذَا السَّمَاعِ، وَفِي رَسْمِ بَاعَ شَاةً مِنْ سَمَاعِ عِيسَى، وَفِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا مَا يُعَارِضُ بَعْضُهَا بَعْضًا فِي الظَّاهِرِ، فَكَانَ الشُّيُوخُ يَحْمِلُونَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ اخْتِلَافٌ مِنْ الْقَوْلِ، وَقَوْلُهُ: إنَّهُ لَا اخْتِلَافَ فِي شَيْءٍ مِمَّا وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ فِي
هَذِهِ الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ مَالَ الِابْنِ لَا يَخْلُو مِنْ أَرْبَعَةِ أَحْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ عَيْنًا قَائِمًا فِي يَدِ الْأَبِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ عَرْضًا قَائِمًا بِيَدِهِ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ قَدْ اسْتَهْلَكَهُ وَحَصَلَ فِي ذِمَّتِهِ. وَالرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ لَمْ يَصِلْ بَعْدُ إلَى يَدِهِ، فَأَمَّا إنْ كَانَ عَيْنًا قَائِمًا فِي يَدِهِ وَأُلْفِيَ عَلَى حَالِهِ فِي تَرِكَتِهِ، فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ كَتَبَ النَّفَقَةَ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَكْتُبْ؛ فَإِنْ كَانَ كَتَبَهَا عَلَيْهِ لَمْ تُؤْخَذْ مِنْ مَالِهِ إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِمَالِهِ، وَهُوَ دَلِيلُ قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ: إذَا لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عِنْدَ مَوْتِهِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَكْتُبْهَا عَلَيْهِ لَمْ تُؤْخَذْ مِنْ مَالِهِ، وَإِنْ أَوْصَى بِذَلِكَ، قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ مِنْ كِتَابِ الْوَصَايَا. وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَالُ عَرْضًا بِعَيْنِهِ أُلْفِيَ فِي تَرِكَتِهِ، فَلَا يَخْلُو أَيْضًا مِنْ أَنْ يَكُونَ كَتَبَ النَّفَقَةَ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَكْتُبْهَا؛ فَإِنْ كَانَ كَتَبَهَا حُوسِبَ بِهَا الِابْنُ، وَإِنْ أَوْصَى الْأَبُ أَنْ لَا يُحَاسَبَ بِهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَتَبَهَا عَلَيْهِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِهَا فَوَصِيَّتُهُ أَنْ لَا يُحَاسَبَ بِهَا وَصِيَّةً لِوَارِثٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ فِي الْوَاضِحَةِ: إنَّ الْمَالَ إذَا كَانَ عَرْضًا لَمْ تَجُزْ وَصِيَّةُ الْأَبِ أَنْ لَا يُحَاسَبَ بِهَا، وَمِثْلُهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَكْتُبْهَا عَلَيْهِ حُوسِبَ بِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَوْصَى الْأَبُ أَنْ لَا يُحَاسَبَ بِهَا فَتَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رَسْمِ بَاعَ شَاةً مِنْ سَمَاعِ عِيسَى، وَأَمَّا الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ الْأَبُ قَدْ اسْتَهْلَكَ الْمَالَ وَحَصَلَ فِي ذِمَّتِهِ؛ فَإِنَّ الِابْنَ يُحَاسَبُ بِذَلِكَ كَتَبَهَا الْأَبُ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَكْتُبْهَا، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي رَسْمِ الشَّجَرَةِ بَعْدَ هَذَا إلَّا أَنْ يَكُونَ كَتَبَ لِابْنِهِ بِذَلِكَ ذِكْرَ حَقٍّ أَشْهَدَ لَهُ بِهِ، فَلَا يُحَاسَبُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ، قَالَ ذَلِكَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ زِيَادِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْهُ، وَهُوَ تَفْسِيرٌ لِمَا فِي الْكِتَابِ، وَأَمَّا الْحَالَةُ الرَّابِعَةُ.
وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ قَبَضَ الْمَالَ، وَلَا كَانَ بِيَدِهِ بَعْدُ فَسَوَاءٌ كَانَ عَيْنًا أَوْ عَرْضًا هُوَ بِمَنْزِلَةِ إذَا كَانَ عَرْضًا بِيَدِهِ، وَقَدْ مَضَى الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ وَمَا فِي رَسْمِ سِلْعَةٍ سَمَّاهَا وَرَسْمٍ كَتَبَ عَلَيْهِ ذِكْرَ حَقٍّ، يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَكَلَّمَ فِيهَا عَلَى أَنَّ الْمَالَ لَمْ يَصِلْ إلَى يَدِهِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ قَدْ أَخَذَهُ وَاسْتَهْلَكَهُ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ عَلَى حُكْمِ الْوَجْهَيْنِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَوْتِ الْأَبِ وَمَوْتِ الِابْنِ فِيمَا يَجِبُ مِنْ مُحَاسَبَتِهِ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ أَبُوهُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ اهـ، وَانْظُرْ النَّوَادِرَ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا الْخَامِسِ، قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ إنْ كَانَ الْمُنْفِقُ وَصِيًّا مِنْ أَبٍ أَوْ قَاضٍ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيمَا أَنْفَقَ فِي مَالِ الصَّبِيِّ دُونَ يَمِينٍ، وَلَا إثْبَاتَ؛ لِأَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِالْإِنْفَاقِ، وَقِيلَ: عَلَيْهِ الْيَمِينُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ وَصِيٍّ، فَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ حَضَانَتِهِ لَهُ وَكَفَالَتِهِ وَيَمِينِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُشْهِدَ أَنَّ إنْفَاقَهُ إنَّمَا هُوَ لَيَرْجِعَ بِهِ، وَرُوِيَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُشْهِدَ اهـ.
ص (لَا إنْ عَلِمَتْ فَقْرَهُ أَوْ أَنَّهُ مِنْ السُّؤَالِ)
ش: وَهِيَ مَحْمُولَةٌ فِي غَيْرِ السَّائِلِ عَلَى عَدَمِ الْعِلْمِ، وَفِي السَّائِلِ عَلَى الْعِلْمِ لِظُهُورِ حَالِهِ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ عَنْ سَمَاعِ الْقَرِينَيْنِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ.
ص (إلَّا أَنْ يَتْرُكَهُ)
ش: يَعْنِي إذَا تَزَوَّجَتْهُ وَهُوَ مِنْ السُّؤَالِ ثُمَّ تَرَكَ السُّؤَالَ فَعَجَزَ عَنْ النَّفَقَةِ فَلَهَا طَلَبُهُ.
ص (وَإِلَّا تَلُومُ بِالِاجْتِهَادِ)
ش: أَيْ، وَإِنْ أَثْبَتَ عُسْرَهُ تَلَوَّمَ لَهُ الْقَاضِي بِاجْتِهَادِهِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَلَا يَمِينَ عَلَى الرَّجُلِ إنْ صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ عَلَى عُسْرِهِ إذْ لَا يَحْتَاجُ إلَى إقَامَةِ بَيِّنَةٍ، وَأَمَّا إنْ لَمْ تُصَدِّقْهُ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْإِعْسَارِ وَالْيَمِينِ ثُمَّ يَتَلَوَّمُ لَهُ الْقَاضِي عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ الْمَعْمُولِ بِهِ، وَقِيلَ: يُطَلِّقُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَلَوُّمٍ وَعَلَى الْمَشْهُورِ. اُخْتُلِفَ فِي مِقْدَارِ التَّلَوُّمِ فَلِمَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهُ الْيَوْمُ وَنَحْوُهُ مِمَّا لَا يُضِرُّ بِهَا الْجُوعُ، وَلِمَالِكٍ فِي الْوَاضِحَةِ الثَّلَاثَةُ الْأَيَّامِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِالرَّجَاءِ وَعَدَمِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، قَالَ فِيهَا: وَيَخْتَلِفُ التَّلَوُّمُ فِيمَنْ يُرْجَى لَهُ، وَفِيمَنْ لَا يُرْجَى لَهُ اهـ مُخْتَصَرًا.
وَقَوْلُ الشَّارِحِ قَوْلُهُ: وَإِلًّا تَلَوَّمَ، أَيْ وَإِنْ أَبَى الزَّوْجُ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ الطَّلَاقِ تَلَوَّمَ لَهُ الْحَاكِمُ: لَا يَصْلُحُ لِتَفْسِيرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَثْبُتْ عُسْرُهُ وَامْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ وَالطَّلَاقِ فَتَارَةً يُقِرُّ بِالْمَلَأِ وَتَارَةً يَدَّعِي الْعُسْرَ؛ فَإِنْ ادَّعَى الْعُسْرَ تُلُوِّمَ لَهُ، وَإِنْ أَقَرَّ بِالْمَلَأِ فَحَكَى ابْنُ عَرَفَةَ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ: أَحَدَهُمَا أَنَّهُ يُعَجِّلُ عَلَيْهِ الطَّلَاقَ، وَالثَّانِي أَنَّهُ يُسْجَنُ حَتَّى يُنْفِقَ، وَعَلَيْهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ أُخِذَتْ النَّفَقَةُ مِنْهُ كَرْهًا، وَنَصَّهُ الْمُتَيْطِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُوَثِّقِينَ: إنْ ادَّعَى الْعَدَمَ وَصَدَّقَتْهُ نُظِرَ فِي تَأْجِيلِهِ، وَإِنْ أَكْذَبَتْهُ فَبَعْدَ إثْبَاتِ عَدَمِهِ وَحَلِفِهِ.
(قُلْت) مَا فَائِدَةُ إثْبَاتِ عَدَمِهِ إذَا ادَّعَاهُ وَأَكْذَبَتْهُ هَلْ هِيَ تَأْجِيلُهُ حَاكِمَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِمِلْئِهِ وَامْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ لَجَعَلَ لَهَا الطَّلَاقَ، أَوْ هِيَ عَدَمُ سَجْنِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَوْ عُلِمَ مِلْؤُهُ وَامْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ سُجِنَ حَتَّى يُنْفِقَ وَعَلَيْهِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ أُخِذَتْ مِنْهُ النَّفَقَةُ كَرْهًا.؟ وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُوَثَّقِينَ اهـ.
ص (وَإِنْ غَائِبًا)
ش: يَعْنِي أَنَّ حُكْمَ الْغَائِبِ فِي الطَّلَاقِ بِعَدَمِ النَّفَقَةِ كَحُكْمِ الْحَاضِرِ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَقَالَ الْقَابِسِيُّ لَا يُطَلِّقُ عَلَى غَائِبٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَوْفِ حُجَّتَهُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَلَا بُدَّ أَنْ تَثْبُتَ الزَّوْجِيَّةُ وَأَنَّهُ قَدْ دَخَلَ بِهَا أَوْ دَعَا إلَى الدُّخُولِ، وَالْغَيْبَةُ بِحَيْثُ لَا يُعْلَمُ مَوْضِعُهُ أَوْ عُلِمَ وَلَمْ يُمْكِنْ الْإِعْذَارُ إلَيْهِ فِيهِ، وَأَمَّا إنْ عُلِمَ وَأَمْكَنَ الْإِعْذَارُ إلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ يُعْذِرُ إلَيْهِ، وَلَا بُدَّ أَنْ تَشْهَدَ لَهَا الْبَيِّنَةُ بِأَنَّهَا لَا تَعْلَمُ أَنَّ الزَّوْجَ تَرَكَ لَهَا نَفَقَةً، وَلَا كِسْوَةً، وَلَا شَيْئًا يُعْدَى فِيهِ بِشَيْءٍ مِنْ مُؤْنَتِهَا، وَلَا أَنَّهُ بَعَثَ إلَيْهَا بِشَيْءٍ وَصَلَ إلَيْهَا فِي عِلْمِهِمْ إلَى هَذَا الْحِينِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَضْرِبُ لَهَا أَجَلًا عَلَى حَسَبِ مَا يَرَاهُ كَمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ يُحَلِّفُهَا عَلَى مَا شَهِدَتْ لَهَا الْبَيِّنَةُ، وَحِينَئِذٍ إنْ دَعَتْ إلَى الطَّلَاقِ طَلَّقَهَا هُوَ أَوْ أَبَاحَ لَهَا التَّطْلِيقَ كَمَا تَقَدَّمَ اهـ. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُتَيْطِيِّ وَنَصُّهُ: وَعَلَى الْأَوَّلِ يَعْنِي الْقَوْلَ الْأَوَّلَ، قَالَ الْمُتَيْطِيُّ تَثْبُتُ غَيْبَتُهُ بِبَيِّنَةٍ تُعَرِّفُ غَيْبَتَهُ وَاتِّصَالَ زَوْجِيَّتِهِمَا وَغَيْبَتَهُ بَعْدَ بِنَائِهِ أَوْ قَبْلَهُ بِمَوْضِعِ كَذَا أَوْ بِحَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ مُنْذُ كَذَا، وَلَا يَعْلَمُونَ تَرَكَ لَهَا نَفَقَةً، وَلَا كِسْوَةً، وَلَا شَيْئًا تَعُولُ بِهِ نَفْسَهَا، وَلَا تُعْدَى فِيهِ بِشَيْءٍ مِنْ مُؤْنَتِهَا، وَلَا أَنَّهُ آبَ إلَيْهَا، وَلَا بَعَثَ بِشَيْءٍ وَرَدَّ عَلَيْهَا فِي عِلْمِهِمْ إلَى حِينِ التَّارِيخِ، ثُمَّ يُؤَجِّلُهُ الْقَاضِي فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ أَوْ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا.
فَإِذَا انْقَضَى، وَلَا قَدِمَ، وَلَا بَعَثَ بِشَيْءٍ، وَلَا ظَهَرَ لَهُ مَالٌ وَدَعَتْ إلَى النَّظَرِ لَهَا أَمَرَ بِتَحْلِيفِهَا بِمَحْضَرِ عَدْلَيْنِ، كَمَا تَجِبُ فِي صِفَةِ الْحَلِفِ أَنَّهُ مَا رَجَعَ إلَيْهَا زَوْجُهَا الْمَذْكُورُ مِنْ مَغِيبِهِ الثَّابِتِ عِنْدَ الْحَاكِمِ إلَى حِينِ حَلِفِهَا، وَلَا تَرَكَ لَهَا نَفَقَةً، وَلَا كِسْوَةً، وَلَا وَضَعَتْ ذَلِكَ عَنْهُ، وَلَا وَصَلَ إلَيْهَا شَيْءٌ مِنْهُ إلَى الْآنِ، فَإِذَا ثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي حَلِفُهَا طَلَّقَهَا عَلَيْهِ.
(قُلْتُ) وَلِابْنِ سَهْلٍ فِي بِكْرٍ قَامَ أَبُوهَا بِتَوْكِيلِهَا إيَّاهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ بِذَلِكَ أَفْتَى ابْنُ عَاتٍ أَنَّهَا تَحْلِفُ، فَإِذَا حَلَفَتْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا، وَأَفْتَى ابْنُ الْقَطَّانِ لَا يَمِينَ عَلَيْهَا، وَلَا عَلَى أَبِيهَا وَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا، وَأَفْتَى ابْنُ رَشِيقٍ فَقِيهُ الْمِرْيَةِ بِحَلِفِهَا وَزَادَ فِيهِ إنَّ زَوْجِيَّتَهُمَا لَا تَنْقَطِعُ، ابْنُ سَهْلٍ زِيَادَةُ هَذَا فِي يَمِينِهَا لَا أَعْلَمُهُ لِغَيْرِهِ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَطَّانِ لَا يَمِينَ عَلَيْهَا وَلَا عَلَى أَبِيهَا لَا وَجْهَ لَهُ، وَقَدْ تَقَرَّرَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ أَنَّ السَّفِيهَ يَحْلِفُ فِي حَقِّهِ ابْنُ الْحَاجِبِ، حُكْمُ الْغَائِبِ وَلَا مَالَ لَهُ حَاضِرٌ حُكْمُ الْعَاجِزِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَعْنِي أَنَّ الْغَائِبَ الْبَعِيدَ الْغَيْبَةِ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ أَوْ لَهُ، وَلَا يُمْكِنُهَا الْوُصُولُ إلَيْهِ إلَّا بِمَشَقَّةٍ حُكْمُهُ حُكْمُ الْحَاضِرِ الْعَاجِزِ.
(قُلْت) قَوْلُهُ: إلَّا بَعْدَ مَشَقَّةٍ خِلَافُ ظَاهِرِ أَقْوَالِهِمْ أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ لَهَا بِطَلَاقِهَا إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ بِحَالٍ دُونَ اسْتِثْنَاءٍ، وَمَا تَقَدَّمَ لِابْنِ سَهْلٍ فِي فَتَاوِيهِمْ مِنْ قَوْلِهِمْ: طَلَّقَتْ نَفْسَهَا خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ لِلْمُتَيْطِيِّ مِنْ قَوْلِهِ: طَلَّقَهَا الْقَاضِي عَلَيْهِ اهـ.
(تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ هَذَا أَنَّهُ يُطَلَّقُ عَلَى الْغَائِبِ بِعَدَمِ النَّفَقَةِ، وَلَوْ كَانَتْ غَيْبَةً قَبْلَ الْبِنَاءِ، وَقَدْ جَلَبَ الْبُرْزُلِيُّ مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلَ فِي أَوَائِلِ مَسَائِلِ الطَّلَاقِ فَانْظُرْهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِل النَّفَقَاتِ فِي بَابِ الْمَفْقُودِ مَا يُقَوِّي ذَلِكَ، فَلَا يَتَمَسَّكُ بِمَا يُعْطِيهِ ظَاهِرُ كَلَامِ التَّوْضِيحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ
التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ تَقُمْ لِلزَّوْجَةِ بَيِّنَةٌ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَا يَحْكُمُ لَهَا الْقَاضِي، وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ خِلَافَ ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ مَسَائِلِ النِّكَاحِ مَا نَصُّهُ: وَسُئِلَ اللَّخْمِيّ عَمَّنْ شَهِدَ لَهَا نَحْوُ الْعِشْرِينَ أَوْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ أَنَّ زَوْجَهَا فُلَانٌ، وَقَدْ غَابَ لِنَاحِيَةِ سِجِلْمَاسَةَ وَيَخَافُ ضَيَاعَهَا وَلَيْسَ لِزَوْجِهَا مَالٌ، وَلَا يُوجَدُ مَنْ يَشْهَدُ بِنِكَاحِهِمَا إلَّا مَنْ تَقَدَّمَ وَلَمْ يُوجَدْ فِيهِمْ عَدْلٌ، وَهِيَ تُحِبُّ الْفِرَاقَ، فَهَلْ يَثْبُتُ بِهِ الزَّوْجِيَّةُ وَيَجِبُ الْفِرَاقُ.؟ وَهَلْ يَكُونُ الْحُكْمُ وَاحِدًا.؟ وَلَوْ كَانَتْ مَدِينَةٌ فِيهَا مِنْ الْعُدُولِ كَثِيرٌ أَوْ الْوَاحِدُ خَاصَّةً أَوْ لَا يَكُونُ شَيْءٌ، وَفِي شَهَادَةِ مَنْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَ لَهَا وَلِيٌّ، وَفِي انْتِقَالِ أَمْلَاكِ الرِّبَاعِ وَبَيْعِهَا عَلَى مَنْ يَجِبُ بَيْعُهَا عَلَيْهِ بِمَا تَقَدَّمَ.؟ فَأَجَابَ لِلْمَرْأَةِ الْقِيَامُ بِالطَّلَاقِ بِمَنْ ذَكَرَتْهُ، وَلَوْ عَدِمَتْ الْبَيِّنَةَ وَمَنْ يَشْهَدُ لَهَا بِالزَّوْجِيَّةِ وَأَقَرَّتْ أَنَّ فُلَانًا زَوْجُهَا لَكَشَفَ الْقَاضِي عَنْهُ بِقَوْلِهَا وَسُئِلَ عَنْ هَذَا الِاسْمِ فِي الْبَلَدِ وَمَا قَرُبَ مِنْهُ؛ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ حَكَمَ لَهَا بِالطَّلَاقِ بَعْدَ تَحْلِيفِهَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا مِنْهُ نَفَقَةٌ، وَيَحْكُمُ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ مَتَى جَاءَ وَأَقَرَّ بِالزَّوْجِيَّةِ، وَإِنْ أَنْكَرَ الزَّوْجِيَّةَ لَمْ يَضُرَّهُ مَا وَقَعَ وَيَكْتُبُ فِي الْحُكْمِ: رَفَعَتْ إلَيَّ فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ وَأَقَرَّتْ بِالزَّوْجِيَّةِ لِفُلَانٍ فَكَشَفْت عَنْهُ فَلَمْ أَجِدْهُ وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا يَعْرِفُهُ فَحَلَّفْتُهَا وَحَكَمْت بِالطَّلَاقِ إنْ ثَبَتَ أَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ زَوْجٌ لَهَا، وَالْمُدُنُ وَالْقُرَى فِي هَذَا سَوَاءٌ، وَشَهَادَةُ مَنْ ذَكَرَتْ بِأَنَّهُ لَا وَلِيَّ لَهَا مَاضِيَةٌ وَلِلْقَاضِي تَزْوِيجُهَا، وَالْأَمْرُ فِيهِ خَفِيفٌ لِأَنَّ الْقَاضِيَ وَلِيُّهَا، وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ غَيْرُهُ إذَا زَوَّجَ الثَّيِّبِ مَضَى، وَالْبِكْرُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ تُزَوَّجُ وَمِثْلُهُ لَا يَخْفَى، وَأَمَّا شَهَادَةُ هَؤُلَاءِ فِي الرِّبَاعِ، فَلَا أَتَقَلَّدُ فِيهَا شَيْئًا، وَقَدْ سُئِلْتُ عَنْهَا غَيْرَ مَرَّةٍ فَلَمْ أُجِبْ بِشَيْءٍ وَالضَّرُورَةُ لَهَا حُكْمٌ، وَقَوْلُ غَيْرِ الْعُدُولِ كَلَا شَيْءٍ، وَسُئِلَ السُّيُورِيُّ عَنْ الْمَرْأَةِ تَأْتِي وَتَذْكُرُ أَنَّ لَهَا زَوْجًا أَوْ لِابْنَتِهَا، وَقَدْ غَابَ وَلَمْ يَخْلُفْ شَيْئًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ يَعُدُّونَ فِيهِ بِالنَّفَقَةِ.
وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ قَوْلِهَا، وَتُكَلَّفُ بِالْبَيِّنَةِ فَتَعْجَزُ عَنْ إثْبَاتِهِ، وَرُبَّمَا ذَكَرَتْ غَرِيبًا أَيْ أَنَّ الزَّوْجَ غَرِيبٌ، وَرُبَّمَا أَتَتْ بِبَيِّنَةِ غَيْرِ ثِقَاتٍ مِنْ سُوقَةٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَا تَقْدِرُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ؛ فَإِنْ أَفْتَيْتُ بِإِعْمَالِ هَؤُلَاءِ فَهَلْ أُسَمِّيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ أَوْ أَقُولُ ثَبَتَ عِنْدِي مَا أَوْجَبَ الْفِرَاقَ أَوْ قَبُولَ قَوْلِهَا، وَرُبَّمَا لَمْ يُوجَدْ عَلَى تَوْكِيلِ الْأُمِّ بَيِّنَةٌ إلَّا بِقَوْلِهَا، فَأَجَابَ إنْ كَانَ الزَّوْجُ مَعْرُوفًا وَلَمْ تَعْرِفْ غَيْبَتَهُ كَلَّفَ الْقَاضِي رَجُلَيْنِ يَكْشِفَانِ عَنْهُ وَسُئِلَ جِيرَانُهُ وَمَنْ يُخَالِطُهُ أَوْ أَقَارِبُهُ عَنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي غَابَ إلَيْهِ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَوْ لَمْ يُعْلَمْ حَيْثُ تَوَجَّهَ حَلَفَتْ الزَّوْجَةُ أَنَّهُ لَمْ يَخْلُفْ شَيْئًا، وَإِنْ أَقَرَّتْ بِشَيْءٍ حَلَفَتْ أَنَّهُ لَمْ يَخْلُفْ سِوَى مَا اعْتَرَفَتْ بِهِ وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهَا شَيْءٌ مِنْ قِبَلِهِ وَطَلَّقَ عَلَيْهِ.
وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مَعْرُوفٍ سُئِلَتْ الْمَرْأَةُ عَنْ صَنْعَتِهِ وَمَنْ يَعْرِفُهُ فَيُسْأَلُونَ نَحْوَ الْأَوَّلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ صَنْعَةٌ، وَلَا مَنْ يُخَالِطُهُ كَشَفَ الْعَدْلَانِ عَنْ ذَلِكَ الِاسْمِ وَعَنْ تِلْكَ الصِّفَةِ هَلْ هِيَ بِالْبَلَدِ، فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ طَلَّقَ عَلَيْهِ بَعْدَ يَمِينِ الْمَرْأَةِ كَمَا مَرَّ، وَيَذْكُرُ الْقَاضِي فِيمَا يَشْهَدُ بِهِ أَنَّهُ رَفَعَتْ إلَيْهِ تِلْكَ الْمَرْأَةُ، وَيَذْكُرُ أَمْرَهَا، وَذَكَرَتْ أَنَّ لَهَا زَوْجًا اسْمُهُ وَصِفَتُهُ كَذَا، وَذَكَرَتْ أَنَّهُ غَائِبٌ عَنْ الْبَلَدِ وَأَنَّهُ خَلَفَهَا عَلَى عَدَمِ النَّفَقَةِ وَطَلَّقَ عَلَيْهِ؛ فَإِنْ أَتَى الرَّجُلُ وَاعْتَرَفَ بِالزَّوْجِيَّةِ وَقَعَ الطَّلَاقُ مَوْقِعَهُ، وَإِنْ أَنْكَرَ لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ، وَسُئِلَ الْمَازِرِيُّ عَنْ امْرَأَةٍ طَارِئَةٍ مِنْ الْمَغْرِبِ تَذْكُرُ أَنَّ زَوْجَهَا تَخَلَّفَ فِي الطَّرِيقِ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى بِجَّايَةَ وَأَرَادَتْ أَنْ تَطْلُقَ عَلَيْهِ وَتَأْتِي بِشُهُودِ صَحِبَتْهَا لَا يُعْرَفُونَ فَأَجَابَ لَا يَصِحُّ الْحُكْمُ عَلَى زَوْجِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ بِالْفِرَاقِ الْآنَ لِاعْتِرَافِهَا بِالزَّوْجِيَّةِ وَبَقَاءِ الْعِصْمَةِ وَادَّعَتْ غَيْبَتَهُ فَصَارَتْ مُقِرَّةً بِالْعِصْمَةِ مُدَّعِيَةً مَا يُوجِبُ زَوَالَهَا.
وَعَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُخْرَى لَا تُؤْخَذُ بِأَكْثَرَ مِمَّا أَقَرَّتْ، وَقَدْ زَعَمَتْ وَجْهًا يُوجِبُ الْفِرَاقَ فَوْرًا؛ لِأَنَّهَا ذَكَرَتْ أَنَّهُ فَارَقَهَا قَبْلَ وُصُولِهِ بِجَّايَةَ، وَمِنْ الْمُمْكِنِ أَنْ يَكُونَ زَوْجُهَا أَخَذَ طَرِيقًا آخَرَ قَادِمًا لِهَذَا الْبَلَدِ طَالِبًا لِزَوْجَتِهِ، وَقَدْ عَاقَهُ عَائِقٌ عَنْ الْوُصُولِ فَالْوَاجِبُ تَسْمِيَتُهُ وَالْبَحْثُ عَنْ اسْمِهِ الَّذِي تَذْكُرُ فِي الْمَوَاضِعِ الْقَرِيبَةِ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِالْقُرْبِ لِيُعْذَرَ إلَيْهِ وَأَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ يُنْفِقُ عَلَيْهَا مِنْهُ
فَيَنْظُرُ حِينَئِذٍ بِالْفِرَاقِ مِنْهُ بِالْوَاجِبِ، وَالشُّهُودُ غَيْرُ الْمَقْبُولِينَ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِمْ.
وَالْقَوْلُ عَلَى إقْرَارِهَا، وَفِيهِ مَا ذَكَرْنَا عَنْ الْمَذْهَبَيْنِ.
(قُلْت) الْأَصْلُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ هُوَ تَبْعِيضُ الدَّعْوَى وَإِجْمَالُهَا فَابْنُ الْقَاسِمِ يُبَعِّضُ الدَّعْوَى فَيُصَيِّرُهُ مُقِرًّا مُدَّعِيًا وَأَشْهَبُ لَا يُؤَاخِذُهُ وَلَا بِجُمْلَةِ كَلَامِهِ، وَسُئِلَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ الْمَرْأَةِ تَقْدُمُ الْمَدِينَةَ مَعَ الْحَاجِّ وَتَقُولُ خِفْت الْعَنَتَ وَأَرَدْتُ التَّزْوِيجَ، وَلَا يُعْلَمُ هَلْ لَهَا زَوْجٌ أَمْ لَا إلَّا مِنْ قَوْلِهَا، وَهِيَ مِنْ ذَوَاتِ الْقَدْرِ وَالْأَوْلِيَاءِ هَلْ يُزَوِّجُهَا السُّلْطَانُ أَمْ لَا.؟ فَأَجَابَ تُزَوَّجُ، وَلَا تُطْلَبُ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهَا لَا زَوْجَ لَهَا إذَا كَانَتْ غَرِيبَةً بَعِيدَةَ الْوَطَنِ، وَأُحِبُّ السُّؤَالَ لِأَهْلِ مَعْرِفَتِهَا وَبَلَدِهَا مِمَّنْ مَعَهَا فِي الرُّفْقَةِ سُؤَالًا مِنْ غَيْرِ تَكْلِيفِ شَهَادَةٍ، فَإِنْ اسْتَرَابَ تَرَكَ تَزْوِيجَهَا وَإِلَّا زَوَّجَهَا وَلَيْسَتْ كَمَنْ مَكَانُهَا قَرِيبٌ، قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ كَلَامُ ابْنِ حَبِيبٍ أَصْلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ لِمَا يُتَّقَى مِنْ زَوْجٍ يَكُونُ لَهَا، فَإِذَا ظَهَرَ خِلَافُ قَوْلِهَا لَمْ يُزَوِّجْهَا، وَبَيَانُ ذَلِكَ: الرَّجُلُ يَأْتِي بِامْرَأَةٍ وَمَعَهُ صَدَاقٌ فَيَقُولُ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِي هَذَا الصَّدَاقِ أَنَّهُ حَقٌّ قِبَلِي لِزَوْجَتِي هَذِهِ، وَقَدْ ضَاعَ صَدَاقُهَا، فَقَالَ مَالِكٌ إنْ أَتَى بِشَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ عَلَى أَصْلِ الزَّوْجِيَّةِ بَيْنَهُمَا فَلْيُشْهِدْ الشُّهُودَ الَّذِينَ أَشْهَدَهُمْ عَلَى نَفْسِهِ.
وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِمْ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ كَيْ لَا يَكُونَ نِكَاحٌ بِغَيْرِ وَلِيٍّ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْغُرَبَاءِ، قَالَهُ مَالِكٌ فِي الدِّيَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَانْظُرْ هَلْ يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ كِتَابِ الْقَذْفِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، وَذَكَرَ مَسْأَلَةَ ابْنِ حَبِيبٍ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ عَنْ الْوَاضِحَةِ، وَقَالَ فِيهَا: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْمَرْأَةِ تَقُومُ مَعَ الْحَاجِّ مِنْ الْمَغْرِبِ إلَى آخِرِهِ، وَقَالَ فِي آخِرِهِ لَيْسَتْ هَذِهِ كَالْحَضَرِيَّةِ، وَلَا الَّتِي مَكَانُهَا قَرِيبٌ، انْتَهَى. وَمِنْ الْبُرْزُلِيِّ قَالَ الْغَرْنَاطِيُّ فِي وَثَائِقِهِ فِي تَجْدِيدِ الصَّدَاقِ: يَذْكُرُ إشْهَادَ الزَّوْجِ عَلَى نَفْسِهِ إنْ زَوْجَتَهُ ذَكَرَتْ لَهُ تَلَفَ صَدَاقِهَا وَسَأَلَتْهُ تَجْدِيدَهُ وَأَجَابَتْهُ إلَى ذَلِكَ، وَإِقْرَارُهُ بِمَا بَقِيَ عَلَيْهِ فِيهِ وَتَضْمَنُهُ مَعْرِفَةُ الزَّوْجِيَّةِ وَاتِّصَالُهَا إلَى حِينِ الْإِشْهَادِ فِي غَيْرِ الْغَرِيبِينَ، وَيَذْكُرُ إشْهَادَ الْمَرْأَةِ عَلَى نَفْسِهَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا فِي التَّالِفِ غَيْرُ مَا ذُكِرَ.
وَسُئِلَ أَبُو عِمْرَانَ عَنْ الْمَرْأَةِ تَقْدُمُ بَلَدًا، وَلَا يُدْرَى مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ قَدِمَتْ، وَلَا مَنْ هِيَ، وَتَطْلُبُ التَّزْوِيجَ فَهَلْ يُزَوِّجُهَا السُّلْطَانُ بِغَيْرِ إثْبَاتٍ مُوجِبٍ.؟ وَكَذَا لَوْ زَعَمَتْ أَنَّهُ كَانَ لَهَا زَوْجٌ مَاتَ عَنْهَا أَوْ طَلَّقَهَا.؟ فَأَجَابَ إنْ كَانَ الْبَلَدُ قَرِيبًا كَتَبَ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا يَتَعَذَّرُ وُصُولُ الْجَوَابِ أَوْ يَكُونُ بَعْدَ أَزْمِنَةٍ طَوِيلَةٍ خَلَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا تُرِيدُهُ إنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ كَذِبُهَا، وَسُئِلَ الصَّائِغُ عَنْ طَارِئَةٍ عَلَى بَلَدٍ تَأْتِي لِقَاضِيهِ فَتَذْكُرُ أَنَّ لَهَا زَوْجًا غَابَ عَنْهَا فِي بَلَدِهَا غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً وَأَخْرَجَتْ صَدَاقَهَا مَجْهُولَ الشُّهُودِ وَاسْمَ زَوْجٍ مَجْهُولٍ، وَلَا يَعْرِفُ صِدْقَهَا مِنْ كَذِبِهَا، وَقَدْ شَكَتْ الضَّيْعَةَ وَأَنَّهَا إنْ بَقِيَتْ خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا وَحَالُهَا الْفَقْرُ فَهَلْ تَطْلُقُ عَلَيْهِ بِمَا تَقَدَّمَ.؟ جَوَابُهَا لِلْمَازِرِيِّ كَذَا فِي هَذَا الْأَصْلِ الَّذِي اخْتَصَرْت مِنْهُ قَالَ: يَنْظُرُ فِي حَالِهَا وَيَتَثَبَّتُ فِيهِ وَيَتَلَوَّمُ حَتَّى يُؤْنِسَ مَعْرِفَةَ صِدْقِهَا أَوْ كَذِبِهَا مِنْ حَالِ الزَّوْجِ وَمَكَانِهِ وَلَا مَالَ لَهُ، أَوْ يَثْبُتُ كَوْنُهَا طَارِئَةً مِنْ مَكَان بَعِيدٍ يَتَعَذَّرُ كَشْفُ حَالِ زَوْجِهَا فَتَحْلِفُ الْيَمِينَ الْوَاجِبَةَ فِي هَذَا، وَعَلَى صِدْقِهَا مِمَّا ذَكَرَتْ وَيُوقِعُ الطَّلَاقَ بِشَرْطِ أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا ذُكِرَ لِي، انْتَهَى بِلَفْظِهِ. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ فِي الْفَصْلِ التَّاسِعِ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الرُّكْنِ السَّادِسِ فِي الْحُكْمِ الْمُعَلَّقِ عَلَى شَرْطِ صِدْقِ الْمُدَّعِي مَا نَصُّهُ: مَسْأَلَةٌ فِي الْحَاوِي فِي الْفَتَاوَى لِابْنِ عَبْدِ النُّورِ، قَالَ: سُئِلَ الْمَازِرِيُّ عَنْ امْرَأَةٍ مَجْهُولَةٍ طَارِئَةٍ عَلَى بَلَدٍ قَامَتْ عَلَى قَاضِيهِ فَذَكَرَتْ أَنَّ زَوْجَهَا غَابَ عَنْهَا فِي بَلَدِهَا غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً، وَلَا يَعْلَمُ صِدْقَهَا مِنْ كَذِبِهَا، وَشَكَتْ الضَّيْعَةَ فَمَا تَرَى فِي أَمْرِهَا هَلْ تَطْلُقُ وَتُزَوَّجُ أَمْ لَا.؟
فَأَجَابَ تَثَبَّتَ فِي أَمْرِهَا حَتَّى يُؤَيِّسَ مِنْ الْعُثُورِ عَلَى صِدْقِهَا مِنْ كَذِبِهَا أَوْ تُثْبِتَ كَوْنَهَا طَارِئَةً مِنْ بَلَدٍ بَعِيدٍ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْكَشْفُ عَنْ حَالِ الزَّوْجِ فَتُسْتَحْلَفُ حِينَئِذٍ الْيَمِينَ الْوَاجِبَةَ فِي مِثْلِ هَذَا وَأَنَّهَا صَادِقَةٌ فِيمَا ذَكَرَتْ، وَيُوقِعُ الطَّلَاقَ عَلَيْهَا وَيَكْتُبُ لَهَا الْحَاكِمُ أَنَّهُ أَوْقَعَ