الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْيَمِينِ بَيِّنَةٌ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ طَلَّقَ عَلَيْهِ بِالشُّهُودِ الَّذِينَ أَشْهَدَهُمْ عَلَى أَصْلِ الْحَقِّ؛ لِأَنَّهُ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ عَلَى أَصْلِ الْيَمِينِ وَأَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ عَلَى أَصْلِ الْيَمِينِ بَيِّنَةٌ إلَّا أَنَّ الزَّوْجَ أَقَرَّ بِالْيَمِينِ لَمَّا رُوجِعَ فِيهَا وَطُلِبَ بِهَا فَيَتَخَرَّجُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ إقْرَارَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْيَمِينِ كَقِيَامِ الْبَيِّنَةِ بِهَا عَلَيْهِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ يَحْلِفُ لَقَدْ قَضَاهُ حَقَّهُ قَبْلَ الْأَجَلِ وَيَبْرَأُ مِنْ الْحِنْثِ وَلَا يَبْرَأُ مِنْ الْمَالِ إذَا لَمْ يُقِرَّ صَاحِبُهُ بِقَبْضِهِ وَلَا شُهِدَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ وَسَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى أَصْلِ الدَّيْنِ بَيِّنَةٌ أَوْ لَمْ تَكُنْ وَذَهَبَ بَعْضُ الشُّيُوخِ وَهُوَ ابْنُ دَحُونٍ إلَى أَنَّ قِيَامَ الْبَيِّنَةِ عَلَى أَصْلِ الْحَقِّ كَقِيَامِهَا عَلَى أَصْلِ الْيَمِينِ عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ طَلَّقَ عَلَيْهِ بِالشُّهُودِ الَّذِينَ أَشْهَدَهُمْ عَلَى أَصْلِ الْحَقِّ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى أَصْلِ الْحَقِّ لَا تَأْثِيرَ لَهَا بِوُجُوبِ الطَّلَاقِ فَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ هُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَلَوْ أَنْكَرَ الْيَمِينَ وَلَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بِهَا بَيِّنَةٌ لَمْ تَلْحَقْهُ فِي ذَلِكَ يَمِينٌ وَلَوْ أَنْكَرَ الْيَمِينَ وَأَقَرَّ أَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْ الْحَقَّ قَبْلَ الْأَجَلِ فَلَمَّا قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِالْيَمِينِ أَقَامَ هُوَ بَيِّنَةٌ عَلَى دَفْعِ الْحَقِّ قَبْلَ الْأَجَلِ قُبِلَتْ مِنْهُ بَيِّنَتُهُ عَلَى اخْتِلَافٍ فِي هَذَا الْأَصْلِ قَائِمٍ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
[مَسْأَلَةٌ مَنْ نَزَلَتْ بِهِ يَمِينٌ فِي امْرَأَتِهِ]
(مَسْأَلَةٌ) قَالَ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ طَلَاقِ السُّنَّةِ فِي رَسْمِ النِّكَاحِ: وَسُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَمَّنْ نَزَلَتْ بِهِ يَمِينٌ فِي امْرَأَتِهِ فَأَفْتَى بِأَنْ قَدْ بَانَتْ، فَقَالَ لَهَا وَلِلنَّاسِ قَدْ بَانَتْ مِنِّي ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: لَا يَنْفَعُهُ وَأَرَاهَا قَدْ بَانَتْ إذَا قَالَ ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا قَوْلُ أَشْهَبَ أَيْضًا وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ: إنْ قَالَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ يُخْبَرُ بِمَا قِيلَ لَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ يُرِيدُ الطَّلَاقَ طَلُقَتْ عَلَيْهِ وَاَلَّذِي أَقُولُ بِهِ فِي هَذَا إنْ كَانَ الَّذِي أَفْتَى بِهِ خَطَأً مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ لَا وَجْهَ لَهُ فِي الِاجْتِهَادِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ قَوْلُ قَائِلٍ وَلَهُ وَجْهٌ فِي الِاجْتِهَادِ وَمُفْتِيهِ بِهِ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فَالطَّلَاقُ لَهُ لَازِمٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُرَدَّ الِاخْتِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْمَسْأَلَةِ إلَى هَذَا وَهَذَا كُلُّهُ إذَا أَتَى مُسْتَفْتِيًا وَأَمَّا إنْ حَضَرَتْهُ الْبَيِّنَةُ بِقَوْلِهِ قَدْ بَانَتْ مِنْهُ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَفْتَى بِهِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ وَيُؤْخَذُ بِمَا ظَهَرَ مِنْ إقْرَارِهِ إلَّا أَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ أَفْتَى بِذَلِكَ فَيُصَدَّقُ فِي أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ لِذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ، انْتَهَى. وَاعْلَمْ أَنَّهُ إذَا قَالَ اللَّفْظَ الْمَذْكُورَ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ يُرِيدُ بِهِ الطَّلَاقَ فَلَا إشْكَالَ فِي لُزُومِ الطَّلَاقِ كَمَا قَالَ سَحْنُونٌ وَأَمَّا إنْ أَرَادَ الْإِخْبَارَ عَمَّا أَفْتَى بِهِ فَكَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إنْ كَانَ مَا أَفْتَى بِهِ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ لَا وَجْهَ لَهُ فِي الِاجْتِهَادِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ قَوْلُ قَائِلٍ وَلَهُ وَجْهٌ فِي الِاجْتِهَادِ وَمُفْتِيهِ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فَالطَّلَاقُ لَهُ لَازِمٌ وَبَقِيَ قِسْمٌ وَهُوَ مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ وَمُفْتِيهِ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ مُفْتِيهِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَالتَّرْجِيحِ وَأَفْتَاهُ بِالْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ جَهْلًا فَهَذَا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَهُوَ مَفْهُومُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَلَا تُمَكِّنُهُ زَوْجَتُهُ إنْ سَمِعَتْ إقْرَارَهُ وَبَانَتْ)
ش: اعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ شَرَطَ فِي مَنْعِهَا نَفْسَهَا مِنْهُ شَرْطَيْنِ
الْأَوَّلُ أَنْ تَسْمَعَ إقْرَارَهُ الثَّانِيَ أَنْ تَبِينَ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَحَدٌ مِنْ شُرُوحِهِ الَّتِي وَقَفْتُ عَلَيْهَا مَعْنَى الشَّرْطِ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُ وَبَانَتْ وَكَذَلِكَ شَارِحَا ابْنِ الْحَاجِبِ أَعْنِي الْمُصَنِّفَ وَابْنَ عَبْدَ السَّلَامِ مَعَ أَنَّ عِبَارَةَ ابْنِ الْحَاجِبِ أَوْضَحُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُؤَلِّفِ وَنَصُّهُ وَلَا يَسَعُ زَوْجَتَهُ إنْ عَلِمَتْ إقْرَارَهُ الْمُقَامُ مَعَهُ إلَّا كَرْهًا إنْ بَانَتْ كَمَنْ عَلِمَتْ أَنَّهَا طَلُقَتْ ثَلَاثًا وَلَا بَيِّنَةَ لَهَا، انْتَهَى. وَلَمْ يُنَبِّهَا عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِ إنْ بَانَتْ ثُمَّ إنِّي وَقَفْتُ عَلَى شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ فَذَكَرَ بَعْضَ شَيْءٍ وَنَصُّهُ: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ كَانَ عَلِمَ هُوَ أَنَّهُ كَاذِبٌ فِي إقْرَارِهِ بَعْدَ يَمِينِهِ حَلَّ لَهُ الْمُقَامُ عَلَيْهَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ وَلَمْ يَسَعْ امْرَأَتَهُ الْمُقَامُ مَعَهُ إنْ سَمِعَتْ إقْرَارَهُ وَكَانَ الطَّلَاقُ بِالثَّلَاثِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ إنْ بَانَتْ وَتَرْفَعُهُ لِلْحَاكِمِ إلَّا أَنْ لَا تَجِدَ بَيِّنَةً وَلَا سُلْطَانًا، انْتَهَى. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ أَعْنِي قَوْلَهُ وَكَانَ الطَّلَاقُ بِالثَّلَاثِ لَمْ أَرَهُ فِي التَّهْذِيبِ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَقَلَهُ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلَا مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ مِنْ شُرَّاحِهَا بَعْدَ النَّظَرِ فِي ابْنِ يُونُسَ وَأَبِي الْحَسَنِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ وَابْنِ نَاجِي وَالرَّجْرَاجِيِّ وَالتَّنْبِيهَاتِ وَالنُّكَتِ وَحَاشِيَةِ الْمَشَذَّالِيِّ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الْأَنْكِحَةِ مَسْأَلَةً وَسُئِلَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَمَّنْ شَهِدَ عَلَى زَوْجِهَا شَاهِدَانِ بِالطَّلَاقِ وَهِيَ تَعْلَمُ زُورَهُمَا هَلْ يُبَاحُ لَهَا التَّزْوِيجُ أَمْ لَا فَأَجَابَ هَذَا لَا يُعْرَفُ أَبَدًا إلَّا عَلَى وَجْهِ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي يَوْمِ الْخَمِيسِ وَتَعْلَمُ هِيَ أَنَّهَا لَمْ تُفَارِقْهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَيَنْبَغِي إنْ كَانَ ذَلِكَ أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ. الْبُرْزُلِيُّ. وَعَكْسُهُ تَعْلَمُ تَحْقِيقًا أَنْ يَشْهَدَا عَلَيْهِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا وَهُوَ يَعْلَمُ بُطْلَانَ شَهَادَتِهِمْ وَقَدْ وَقَعَتْ وَأَفْتَى فِيهَا شَيْخُنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ الشَّبِيبِيُّ وَقَدْ كَانَتْ مُنِعَتْ مِنْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَسَوَّرَ عَلَيْهَا وَيَطَأَهَا إذَا خَفِيَ لَهُ ذَلِكَ وَصَدَّقَتْهُ وَهِيَ عِنْدِي تَجْرِي عَلَى مَسْأَلَةِ مَنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ وَحْدَهُ وَهُوَ فِي الْحَاضِرَةِ هَلْ يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ إذَا خَفِيَ لَهُ وَعَلَى مَسْأَلَةِ مَنْ جُحِدَ لَهُ مَالٌ فَظَفِرَ بِمَالٍ لِلْجَاحِدِ هَلْ يُبَاحُ لَهُ أَمْ لَا أَمَّا إذَا كَانَ غَيْرُ وَدِيعَةٍ عِنْدَهُ وَلَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ فَجَائِزٌ وَإِنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِثْلُ الْفَقِيرِ يَقْدِرُ عَلَى أَمْوَالِ مُسْتَغْرِقِ الذِّمَّةِ بِالتَّسَتُّرِ وَالسَّرِقَةِ فَكَانَ شَيْخُنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَذْكُورُ يُبِيحُ لِلْفُقَرَاءِ أَخْذَ أَمْوَالِ الظَّلَمَةِ كَيْفَمَا تَأَتَّى وَكَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ يَمْنَعُ ذَلِكَ ابْتِدَاءً خَشْيَةَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ فَيُدْرِكَهُ الضَّرَرُ هَذَا الَّذِي شَافَهْتُهُ مِنْهُ ثُمَّ بَلَغَنِي أَنَّهُ رَجَعَ إلَى جَوَازِ ذَلِكَ وَهُوَ كَمَسْأَلَةِ الْمُضْطَرِّ لَأَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ إنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْقَطْعَ أُبِيحَتْ لَهُ الْمَيْتَةُ وَإِلَّا جَازَ لَهُ أَخْذُهُ وَأَمَّا إنْ كَانَ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ فَهَلْ يَنْفَعُهُ الْجَحْدُ أَمْ لَا فِيهِ سِتَّةُ أَقْوَالٍ حَكَاهَا ابْنُ رُشْدٍ فِي الشَّرْحِ وَذَكَرَ ابْنُ يُونُسَ أَكْثَرَهَا حَيْثُ تَكَلَّمَ عَلَيْهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ مِنْ آخِرِ الْوَدِيعَةِ، انْتَهَى. وَالْمَشْهُورُ الْمَنْعُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْمُخَرَّجِ عَلَيْهَا وَالْإِجْرَاءُ عَلَيْهَا ظَاهِرٌ فَيَلْزَمُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَا يُفْطِرُ فِي هِلَالِ شَوَّالٍ ظَاهِرًا وَلَا خُفْيَةً وَإِنْ أَمِنَ الظُّهُورَ عَلَى الْأَصَحِّ، قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ لَمْ أَرَهُ مَنْصُوصًا وَخَرَّجَهُ اللَّخْمِيّ مِنْ مَسْأَلَةِ الزَّوْجَيْنِ يَشْهَدُ عَلَيْهِمَا شَاهِدَانِ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ وَالزَّوْجَانِ يَعْلَمَانِ أَنَّهُمَا شَهِدَا بِزُورٍ فَقَدْ قِيلَ لَا بَأْسَ أَنْ يُصِيبَهَا خُفْيَةً فَالْأَكْلُ مِثْلُهُ مِنْ بَابِ أَوْلَى لِأَنَّ التَّخَفِّي فِي الْأَكْلِ أَكْثَرُ مِنْ الْجِمَاعِ، انْتَهَى.
ص (وَأَمَرَ بِالْفِرَاقِ فِي إنْ كُنْتِ تُحِبِّينِي أَوْ تُبْغِضِينِي)
ش: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ: هُوَ رُبَاعِيٌّ مِنْ قَوْلِهِمْ أُبْغِضُ فِي اللَّهِ وَأُحِبُّ فِي اللَّهِ، انْتَهَى. وَنَحْوُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَا قَالَهُ بَعْدَ هَذِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَإِنْ قَالَ لَهَا: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَالَتْ: دَخَلْت فَكَذَّبَهَا ثُمَّ قَالَتْ: كُنْتُ كَاذِبَةً أَوْ لَمْ تَقُلْ فَإِنَّهُ يُؤْمَرْ بِفِرَاقِهَا وَلَا يُقْضَى بِهِ عَلَيْهِ وَلَوْ صَدَّقَهَا أَوَّلًا لَزِمَهُ الْفِرَاقُ بِالْقَضَاءِ وَإِنْ رَجَعَتْ عَنْ إقْرَارِهَا وَإِنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كَتَمْتِينِي أَوْ كَذَّبْتِينِي لِشَيْءٍ سَأَلَهَا عَنْهُ فَتُخْبِرُهُ فَلَا يَدْرِي أَكَتَمَتْهُ أَمْ كَذَبَتْهُ فَلْيُفَارِقْهَا بِلَا قَضَاءٍ، انْتَهَى. وَقَرِيبٌ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَا قَالَهُ فِي نَوَازِلِ أَصْبَغَ مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ، قَالَ أَصْبَغُ فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ إنْ كَنْتِ حَائِضًا، قَالَتْ: أَنَا حَائِضٌ، قَالَ:
أَرَى أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَهَا وَأَنَّ الطَّلَاقَ وَقَعَ عَلَيْهَا وَلَوْ قَالَتْ: لَسْتُ حَائِضًا أَرَى أَنْ لَا يُصَدِّقَهَا وَلَا يَقْبَلَ مِنْهَا وَلَا يَنْتَفِعَ بِذَلِكَ وَلْيُخَلِّ سَبِيلَهَا لِأَنَّ ذَلِكَ شَكٌّ لَا يَدْرِي مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْهَا أَصَادِقَةٌ هِيَ أَمْ كَاذِبَةٌ فَلَا يُقِيمُ عَلَى الشَّكِّ إلَّا أَنْ يَنْكَشِفَ لَهُ ذَلِكَ بِأَسْبَابٍ يُقْبَلُ عَلَيْهَا وَيَقَعُ عَلَى يَقِينِهَا بِهِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: قَوْلُهُ وَلَا يُقِيمُ عَلَى الشَّكِّ يُرِيدُ وَيُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ هَذَا مَذْهَبُ أَصْبَغَ فِيمَا كَانَ مِنْ هَذَا الْفَرْعِ مِمَّا يَحْلِفُ الْحَالِفُ فِيهِ عَلَى غَيْرِهِ فِيمَا قَدْ مَضَى فَيَكُونُ الشَّكُّ فِيهِ قَائِمًا إذْ لَا يَعْلَمُ حَقِيقَتَهُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ وَلَا يَدْرِي هَلْ صَدَقَتْهُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ امْرَأَتِي طَالِقٌ إنْ كُنْتِ تَبْغُضِينِي أَوْ إنْ لَمْ تَصْدُقِينِي فَتَقُولُ أَنَا أُحِبُّكَ وَتُخْبِرُهُ وَتَزْعُمُ أَنَّهَا قَدْ صَدَقَتْهُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَابْنُ الْقَاسِمِ يَرَى مِثْلَ هَذَا أَنَّهُ يُؤْمَرُ وَلَا يُجْبَرُ وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي رَسْمِ الْقُطْعَانِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ كُنْتُ أُحِبُّ طَلَاقَكِ وَهُوَ يُحِبُّهُ بِقَلْبِهِ فَهِيَ طَالِقٌ، انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَبِالْأَيْمَانِ الْمَشْكُوكِ فِيهَا)
ش: قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: قَوْلُهُ وَبِالْأَيْمَانِ مَعْطُوفٌ عَلَى بِالْفِرَاقِ بِحَذْفِ مُضَافٍ أَيْ وَأُمِرَ بِالْفِرَاقِ فِي كَذَا أَوْ فِي كَذَا أَوْ بِإِنْفَاذِ الْأَيْمَانِ الْمَشْكُوكِ فِيهَا، انْتَهَى. وَهَذَا أَحْسَنُ مِمَّا حَمَلَهُ عَلَيْهِ الشَّارِحَانِ لِأَنَّ مَسْأَلَتَهُمَا يُجْبَرُ فِيهَا عَلَى الْفِرَاقِ؛ لِأَنَّهُمَا جَعَلَاهُ أَشَارَ إلَى قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَكُلُّ يَمِينٍ فِي الطَّلَاقِ لَا يَعْلَمُ صَاحِبُهَا أَنَّهُ فِيهَا بَارٌّ فَهُوَ حَانِثٌ، قَالَ ابْنُ نَاجِي، قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: يَعْنِي يَشُكُّ احْتِرَازًا مِنْ الْوَهْمِ فَإِنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ ثُمَّ قَالَ، وَقَالَ خَلِيلٌ: لَا يُؤْمَرُ بِشَيْءٍ إذَا ظَنَّ الْبِرَّ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ أَوْ يَكُونُ أَخَفَّ فَقَالَ بِالْجَبْرِ مَعَ الشَّكِّ يُؤْمَرُ هَاهُنَا مِنْ غَيْرِ جَبْرٍ وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْجَبْرِ لَا يُؤْمَرُ هُنَا بِشَيْءٍ، انْتَهَى. اُنْظُرْ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ وَجَعَلَ ابْنُ غَازِيٍّ أَنَّهُ أَشَارَ إلَى قَوْلِهِ وَمَنْ لَمْ يَدْرِ بِمَا حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ مَشْيٍ أَوْ صَدَقَةٍ فَلْيُطَلِّقْ نِسَاءَهُ وَيَعْتِقْ رَقِيقَهُ وَيَتَصَدَّقْ بِثُلُثِ مَالِهِ وَيَمْشِ إلَى مَكَّةَ يُؤْمَرُ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ، قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: لَمْ يَذْكُرْ كَمْ يُطَلِّقُ زَوْجَتَهُ وَلَا كَمْ يَمْشِي إلَى مَكَّةَ وَإِنْ كَانَ الشَّكُّ لَا يَتَنَاوَلُ عَدَدًا قَائِمًا يَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَالْمَشْيُ مَرَّةً وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ إنَّمَا حَلَفَ بِهَذِهِ الْأَجْنَاسِ، انْتَهَى. ابْنُ نَاجِي فَهِمَ شَيْخُنَا أَبُو مَهْدِيٍّ قَوْلَهَا يُؤْمَرُ عَلَى اللُّزُومِ وُجُوبًا وَإِنَّمَا أَرَادَ نَفْيَ الْجَبْرِ فَقَطْ وَفَهِمَ شَيْخُنَا حَفِظَهُ اللَّهُ قَوْلَهَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَالصَّوَابُ هُوَ الْأَوَّلُ لِقَرِينَةِ قَوْلِهَا مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ ثُمَّ قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: إنَّمَا قَالَ: وَيَتَصَدَّقُ بِثُلُثِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ شَكَّ هَلْ حَلَفَ بِصَدَقَةِ جَمِيعِ مَالِهِ وَلَوْ شَكَّ هَلْ حَلَفَ بِصَدَقَةٍ أَمْ لَا فَلْيُخْرِجْ أَقَلَّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ مُدًّا أَوْ دِرْهَمًا، انْتَهَى. وَعَلَى مَا حَمَلَهُ ابْنُ غَازِيٍّ تَكُونُ عِبَارَةُ الْمُؤَلِّفِ أَحْسَنُ مِنْ عِبَارَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ لِمُوَافَقَتِهِ لِلْمُدَوَّنَةِ فِي أَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْأَيْمَانِ مَا شَكَّ فِي حَلِفِهِ بِهِ لَا مَا اعْتَادَ الْحَالِفُ بِهِ مِنْ الْأَيْمَانِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَلَا يُؤْمَرُ إنْ شَكَّ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا)
ش: تَصَوُّرُهُ وَاضِحٌ سُئِلْتُ عَمَّنْ جَزَمَ أَنَّهُ