الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي مَسْأَلَةِ الصِّيَاحِ، فَتَحَصَّلَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَالْمَازِرِيِّ وَابْنِ عَرَفَةَ فِي بَيْعِ الْمُزَايَدَةِ أَنَّ كُلَّ مَنْ زَادَ فِي السِّلْعَةِ فَلِرَبِّهَا أَنْ يُلْزِمَهُ إيَّاهَا بِمَا زَادَ إلَّا أَنْ يَسْتَرِدَّ الْبَائِعُ سِلْعَتَهُ وَيَبِيعَ بَعْدَهَا أُخْرَى أَوْ يُمْسِكَهَا حَتَّى يَنْقَطِعَ مَجْلِسُ الْمُنَادَاةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعُرْفُ اللُّزُومَ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ، أَوْ يَشْتَرِطُ ذَلِكَ الْبَائِعُ فَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِي الْبَيْعُ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ فِي مَسْأَلَةِ الْعُرْفِ بِمِقْدَارِ مَا جَرَى بِهِ الْعُرْفُ وَفِي مَسْأَلَةِ الشَّرْطِ فِي الْأَيَّامِ الْمَشْرُوطَةِ وَبَعْدَهَا بِقُرْبِ ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ، فَإِنْ شَرَطَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْبَيْعُ إلَّا مَا دَامَ فِي الْمَجْلِسِ فَلَهُ شَرْطُهُ وَلَوْ كَانَ الْعُرْفُ بِخِلَافِهِ، وَتَحَصَّلَ أَيْضًا أَنَّ بَيْعَ الْمُزَايَدَةِ يَلْزَمُ كُلَّ مَنْ زَادَ فِي السِّلْعَةِ وَلَوْ زَادَ غَيْرُهُ عَلَيْهِ خِلَافًا لِلْأَبْيَانِيِّ، وَقَدْ جَرَى الْعُرْفُ فِي مَكَّةَ وَكَثِيرٍ مِنْ الْبِلَادِ عَلَى مَا قَالَهُ الْأَبْيَانِيُّ، وَظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ لِرَبِّهَا أَنْ يُلْزِمَ كُلَّ مَنْ زَادَ وَلَوْ كَانَ الْعُرْفُ بِخِلَافِهِ وَجَرَتْ الْعَادَةُ أَيْضًا بِمَكَّةَ أَنَّ مَنْ رَجَعَ بَعْدَ الزِّيَادَةِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مَا دَامَ فِي الْمَجْلِسِ، وَهَذَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
[فَرْعٌ أَوْقَفَ الْمُنَادِي السِّلْعَةَ بِثَمَنٍ عَلَى التَّاجِرِ وَشَاوَرَ صَاحِبَهَا فَأَمَرَهُ بِالْبَيْعِ ثُمَّ زَادَ غَيْرُهُ عَلَيْهِ]
(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ فِي الْمَذْهَبِ: وَلَوْ أَوْقَفَ الْمُنَادِي السِّلْعَةَ بِثَمَنٍ عَلَى التَّاجِرِ وَشَاوَرَ صَاحِبَهَا فَأَمَرَهُ بِالْبَيْعِ ثُمَّ زَادَ غَيْرُهُ عَلَيْهِ فَهِيَ لِلْأَوَّلِ قَالَهُ الْأَبْيَانِيُّ اهـ.
قُلْت مَا ذَكَرَهُ عَنْ الْأَبْيَانِيِّ هُوَ فِي مَسَائِلِ السَّمَاسِرَةِ لَهُ وَزَادَ فِيهَا فَقَالَ: وَسَوَاءٌ تَرَكَ السِّمْسَارُ الثَّوْبَ عِنْدَ التَّاجِرِ أَوْ كَانَ فِي يَدِهِ وَجَاءَ بِهِ إلَى رَبِّهِ فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ: بِعْهُ ثُمَّ زَادَ فِيهِ تَاجِرٌ آخَرُ أَنَّهُ لِلْأَوَّلِ قَالَ: وَأَمَّا لَوْ قَالَ لَهُ رَبُّ الثَّوْبِ لَمَّا شَاوَرَهُ اعْمَلْ فِيهِ بِرَأْيِكَ فَرَجَعَ السِّمْسَارُ وَنَوَى أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ التَّاجِرِ فَزَادَ فِيهِ تَاجِرٌ آخَرُ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ فِيهِ بِرَأْيِهِ وَيَقْبَلُ الزِّيَادَةَ إنْ شَاءَ وَلَا يَلْزَمُ الْبَيْعُ بِالنِّيَّةِ اهـ.
قُلْت وَهَذَا إذَا لَمْ تُحَصَّلْ الزِّيَادَةُ إلَّا بَعْدَ مُشَاوَرَةِ رَبِّهِ أَمْرِهِ السِّمْسَارَ بِالْبَيْعِ، وَأَمَّا لَوْ زَادَهُ فِيهِ شَخْصٌ قَبْلَ مُشَاوَرَةِ رَبِّ السِّلْعَةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي التَّنْبِيهِ السَّابِعِ عَنْ مَالِكٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُخْبِرُ رَبَّ السِّلْعَةِ بِالزِّيَادَةِ وَلَمْ يَرَ ذَلِكَ مِنْ السَّوْمِ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ مَعَ الرُّكُونِ وَصَاحِبُ السِّلْعَةِ هُنَا غَائِبٌ لَا يُعْلَمُ إنْ كَانَ يَمِيلُ إلَى الْبَيْعِ بِذَلِكَ الثَّمَنِ أَمْ لَا، وَقَدْ كَرِهَ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ الزِّيَادَةَ وَقَالَ: بِئْسَمَا صَنَعَ إلَّا أَنَّهُ أَجَازَ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُخْبِرَ بِالزِّيَادَةِ صَاحِبَ السِّلْعَةِ وَهَذَا حُكْمُ بَيْعِ الْمُزَايَدَةِ.
، وَأَمَّا بَيْعُ الْمُرَابَحَةِ وَهُوَ أَنْ يَذْكُرَ لَهُ ثَمَنَ السِّلْعَةِ وَمَا صَرَفَهُ عَلَيْهَا وَيَقُولَ لَهُ الْمُشْتَرِي أُرْبِحُكَ فِي كُلِّ عَشْرَةٍ كَذَا كَذَا، فَإِذَا رَضِيَ رَبُّ السِّلْعَةِ بِذَلِكَ فَقَدْ لَزِمَ الْمُشْتَرِي الشِّرَاءُ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي فَوْرٍ بِحَيْثُ يُعَدُّ كَلَامُ أَحَدِهِمَا جَوَابًا لِلْآخِرِ، وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُمَا إعْرَاضٌ عَمَّا كَانَا فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي التَّنْبِيهِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقُولَ: لَا أَرْضَى؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الثَّمَنِ وَالْمُرَاوَضَةَ عَلَى الرِّبْحِ دَلِيلٌ عَلَى إرَادَتِهِ الشِّرَاءَ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: لَا أَرْضَى وَيُعَدُّ ذَلِكَ نَدَمًا، وَأَمَّا بَيْعُ الِاسْتِئْمَانِ وَالِاسْتِرْسَالِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ بِعْنِي كَمَا تَبِيعُ النَّاسَ فَإِذَا أَعْطَاهُ الْبَائِعُ مِثْلَ مَا يَبِيعُ النَّاسَ فَقَدْ لَزِمَهُ الْبَيْعُ وَلَيْسَ لَهُ رُجُوعٌ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ وَبَيْعِ الِاسْتِئْمَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[تَنْبِيه حُكْمَ تَرَاخِي الْقَبُولِ عَنْ الْإِيجَابِ]
(التَّاسِعُ) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ تَرَاخِي الْقَبُولِ عَنْ الْإِيجَابِ وَقَدْ انْجَرَّ الْكَلَامُ فِي التَّنْبِيهِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا إلَى ذِكْرِهِ قَالَ الْبِسَاطِيُّ فِي شَرْحِ هَذَا الْمَحِلِّ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ.
(فَرْعَانِ الْأَوَّلُ) إذَا تَأَخَّرَ الْقَبُولُ عَنْ الْإِيجَابِ فَهَلْ يَنْعَقِدُ بِهِ الْبَيْعُ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْمُخْتَارُ جَوَازُ تَأْخِيرِهِ.
(الثَّانِي) إجَازَةُ مَنْ لَهُ الْإِجَازَةُ فِي الْبَيْعِ كَالْوَلِيِّ يُجِيزُ بَيْعَ السَّفِيهِ وَالْوَصِيِّ وَيُجِيزُ بَيْعَ الصَّبِيِّ، وَلَيْسَتْ مِنْ أَرْكَانِ الْبَيْعِ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْفَوْزُ فِي الْقَبُولِ كَمَا زَعَمَهُ بَعْضُهُمْ انْتَهَى، وَيُشِيرُ بِالْفَرْعَيْنِ لِمَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ رَاشِدٍ الْقَفْصِيُّ أَنَّ ابْنَ الْعَرَبِيِّ أَشَارَ إلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَأَنَّ الْمُخْتَارَ جَوَازُ تَأْخِيرِ مَا تَأَخَّرَ، وَنَصُّ كَلَامِهِ: قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ فَرْعٌ. إذَا تَرَاخَى الْقَبُولُ عَنْ الْإِيجَابِ فَهَلْ يَفْسُدُ الْبَيْعُ أَمْ لَا أَشَارَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي قَبَسِهِ إلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: وَالْمُخْتَارُ جَوَازُ تَأْخِيرِهِ مَا تَأَخَّرَ، وَفِي
شَرْحِ الْجَلَّابِ الْمَنْسُوبِ بِإِفْرِيقِيَّةَ للشارمساحي مَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ الْقُرْبِ قَالَ فِيهِ: وَإِذَا نَادَى السِّمْسَارُ عَلَى السِّلْعَةِ فَأَعْطَى فِيهَا تَاجِرٌ ثَمَنًا لَمْ يَرْضَ بِهِ الْبَائِعُ ثُمَّ لَمْ يَزِدْ أَحَدٌ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهَا تَلْزَمُهُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ إلَّا أَنْ تَطُولَ غِيبَتُهُ، وَفِي الْمُقَدِّمَاتِ الَّذِي يَأْتِي عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ مَنْ أَوْجَبَ الْبَيْعَ لِصَاحِبِهِ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ إنْ أَجَابَهُ صَاحِبُهُ بِالْقَبُولِ فِي الْمَجْلِسِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُجِبْهُ فِي الْمَجْلِسِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قَالَ يَعْنِي ابْنَ رَاشِدٍ، وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ إذَا بَاعَ مِنْ مَالِهِ أَنَّ لِوَصِيِّهِ الْإِجَازَةَ وَإِنْ طَالَ الْأَمَدُ، وَلَمْ يَحْصُلْ غَيْرُ الْإِيجَابِ مِنْ الْمَحْجُورِ مَعَ قَبُولِ الْمُبْتَاعِ، وَإِيجَابُ الْمَحْجُورِ كَالْعَدَمِ، وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْفُضُولِيِّ يَقِفُ الْقَبُولُ عَلَى رِضَا رَبِّهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَإِنْ طَالَ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: حَصَلَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَنَظَرَ الْوَصِيُّ وَالْحَاكِمُ أَمْرًا جَرَتْ إلَيْهِ الْأَحْكَامُ اهـ كَلَامُ ابْنِ رَاشِدٍ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ.
(قُلْت:) أَمَّا مَسْأَلَةُ الْمَحْجُورِ وَالْفُضُولِيِّ فَلَا دَلِيلَ فِيهِمَا لِأَنَّهُ قَدْ حَصَلَ فِيهِمَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ كَمَا قَالَ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا كَلَامُ الشَّارْمَسَاحِيِّ فَهُوَ إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي بَيْعِ الْمُزَايَدَةِ وَحُكْمُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي التَّنْبِيهِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا عَنْ ابْنِ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْقِطْعَانِ أَنَّ كُلَّ مَنْ زَادَ فِي السِّلْعَةِ كَانَ لِرَبِّهَا أَنْ يُلْزِمَهُ إيَّاهَا، وَإِنْ زَادَ غَيْرُهُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَسْتَرِدَّ سِلْعَتَهُ فَيَبِيعُ بَعْدَهَا أُخْرَى أَوْ يُمْسِكُهَا حَتَّى يَنْقَضِيَ مَجْلِسُ الْمُنَادَاةِ، وَتَقَدَّمَ مَا للإبياني فِي ذَلِكَ وَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْبَحْثِ، وَأَمَّا بَيْعُ الْمُسَاوَمَةِ فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهِ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ فِي كَلَامِهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي نَقْلِ التَّوْضِيحِ إلَّا أَنَّ فِيهِ سَقْطًا، وَلَفْظُ الْمُقَدِّمَاتِ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْخِيَارِ مِنْهَا لَمَّا ذَكَرَ حَدِيثَ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ فَائِدَةُ الْحَدِيثِ عِنْدَ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ التَّفْرِقَةَ بِالْأَقْوَالِ أَنَّ مَنْ أَوْجَبَ الْبَيْعَ مِنْ الْمُتَسَاوِمَيْنِ لِصَاحِبِهِ لَا يَلْزَمُهُ، وَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ فِي الْمَجْلِسِ مَا لَمْ يُجِبْهُ صَاحِبُهُ بِالْقَبُولِ فِيهِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَاَلَّذِي يَأْتِي عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ مَنْ أَوْجَبَ الْبَيْعَ لِصَاحِبِهِ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ لَزِمَهُ إنْ أَجَابَهُ صَاحِبُهُ فِي الْمَجْلِسِ بِالْقَبُولِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ قَبْلَ ذَلِكَ اهـ، وَلَهُ نَحْوُهُ فِي الْبَيَانِ فِي أَوَاخِرِ الرَّسْمِ الْأَوَّلِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْعُيُوبِ، وَنَصُّهُ: إذَا قَالَ الْبَائِعُ قَدْ بِعْتُك بِكَذَا وَقَالَ الْمُشْتَرِي: قَدْ اشْتَرَيْتُ مِنْك بِكَذَا وَكَذَا فَلَا اخْتِلَافَ فِي أَنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا أَجَابَهُ صَاحِبُهُ بِالْإِمْضَاءِ وَالْقَبُولِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ مِنْ الْمَجْلِسِ اهـ، وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ هَذَا فِي آخِرِ الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ: يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا.
قُلْت وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ ذَلِكَ بِأَنْ لَا يَحْصُلَ بَيْنَهُمَا فَاصِلٌ يَقْتَضِي الْإِعْرَاضَ عَمَّا كَانَا فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَيْعِ الْمُزَايَدَةِ أَنَّهُ إذَا أَمْسَكَ الْبَائِعُ السِّلْعَةَ الَّتِي نَادَى عَلَيْهَا وَبَاعَ بَعْدَهَا أُخْرَى لَمْ يَلْزَمْ الْمُشْتَرِي الْبَيْعُ، وَقَدْ يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ إذَا أَجَابَهُ فَإِنَّمَا يَكُونُ جَوَابًا فِي الْعُرْفِ إذَا لَمْ يَحْصُلْ بَيْنَهُمَا فَاصِلٌ يَقْتَضِي الْإِعْرَاضَ عَمَّا كَانَا فِيهِ، وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ فِي الْقَبَسِ كَمَا رَأَيْتُهُ فِيهِ، وَنَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ، وَنَصُّهُ: وَمُوجِبُهُ لُزُومُهُ أَوَّلَ عَاقِدِهِ قُرْبَ قَبُولِهِ الْآخَرَ ابْنُ رُشْدٍ:
لَوْ قَالَ: أَبِيعَكَ سِلْعَتِي بِعَشْرَةٍ إنْ شِئْت فَلَمْ يَقُلْ أَخَذْتُهَا حَتَّى انْقَضَى الْمَجْلِسُ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ اتِّفَاقًا، وَفِي الْقَبَسِ الْإِيجَابُ عَلَى الْفَوْرِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَقِيلَ: يَجُوزُ الْيَسِيرُ مِنْ الزَّمَانِ، وَقِيلَ: الْكَثِيرُ، وَمُقْتَضَى الدَّلِيلِ جَوَازُ تَأْخِيرِهِ لِمَا لَا يُبْطِلُ كَوْنَهُ جَوَابًا وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ اهـ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ رَاشِدٍ الْقَفْصِيُّ عَنْهُ وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي التَّوْضِيحِ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فِي كَلَامِهِ وَهُوَ مُشْكِلٌ، فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَنْعَقِدُ وَلَوْ حَصَلَ الْقَبُولُ بَعْدَ التَّفَرُّقِ مِنْ الْمَجْلِسِ وَالطُّول، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ اتِّفَاقًا، وَاَلَّذِي تَحَصَّلَ عِنْدِي مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إذَا أَجَابَهُ فِي الْمَجْلِسِ بِمَا يَقْتَضِي الْإِمْضَاءَ وَالْقَبُولَ مِنْ غَيْرِ فَاصِلٍ لَزِمَهُ الْبَيْعُ اتِّفَاقًا وَإِنْ تَرَاخَى الْقَبُولُ عَنْ الْإِيجَابِ حَتَّى