الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ لَا غَلَّةَ فِيهِ يَوْمَ الْبَيْعِ، وَلَا يَوْمَ الرَّدِّ وَاغْتَلَّ الْمُشْتَرِي فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَأَخَذَ الْغَلَّةَ، فَإِنْ كَانَتْ الْغَلَّةُ فِيهِ يَوْمَ الْبَيْعِ، أَوْ يَوْمَ الرَّدِّ فَلِكُلِّ مَسْأَلَةٍ حُكْمٌ أَشَارَ إلَى الْأُولَى بِقَوْلِهِ: وَثَمَرَةٌ أُبِّرَتْ وَصُوفٌ تَمَّ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ ص (وَلَمْ تَرِدْ بِخِلَافِ وَلَدٍ وَثَمَرَةٍ أُبِّرَتْ وَصُوفٍ تَمَّ)
ش: قَوْلُهُ: لَمْ تَرِدْ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا قَبْلَهُ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ بِخِلَافِ وَلَدٍ إلَخْ الْمَعْنَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ إنَاثِ الْحَيَوَانِ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَعْقِلُ، أَوْ لَا، ثُمَّ رَدَّهَا بِعَيْبٍ فَإِنَّهُ يَرُدُّ مَعَهَا وَلَدَهَا اشْتَرَاهَا حَامِلًا أَوْ حَمَلَتْ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ بِغَلَّةٍ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَإِذَا وَلَدَتْ الْأَمَةُ عِنْدَك، ثُمَّ رَدَدْتَهَا بِعَيْبٍ رَدَدْت وَلَدَهَا مَعَهَا، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَكَ، وَكَذَا مَا وَلَدَتْ الْغَنَمُ وَالْبَقَرُ وَالْإِبِلُ، وَلَا شَيْءَ لَكَ فِي الْوِلَادَةِ إلَّا أَنْ يَنْقُصَهَا ذَلِكَ فَتَرُدُّ مَا نَقَصَهَا.
قَالَ ابْنُ يُونُسَ: يُرِيدُ، وَكَانَ فِي الْوَلَدِ مَا يُجْبَرُ بِهِ النَّقْصُ جَبَرَهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ كَمَا.
قَالَ فِي الْأَمَةِ تَلِدُ، ثُمَّ يَرُدُّهَا بِعَيْبٍ انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ وَثَمَرَةٌ أُبِّرَتْ أَيْ، وَكَذَلِكَ مَنْ اشْتَرَى نَحْلًا مُؤَبَّرَةً وَاشْتَرَطَ الثَّمَرَةَ، ثُمَّ وَجَدَ الثَّمَرَةَ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَإِنَّهُ يَرُدُّ الثَّمَرَةَ؛ لِأَنَّ لَهَا حِصَّةً مِنْ الثَّمَنِ، وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهَا الْمُشْتَرِي لَكَانَتْ لِلْبَائِعِ، وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا تُرَدُّ؛ لِأَنَّهَا غَلَّةٌ وَاتَّفَقَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ عَلَى عَدَمِ اللَّبَنِ، وَإِنْ كَانَ فِي الضَّرْعِ يَوْمَ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ خَفِيفٌ وَقَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ.
قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: إلَّا أَنْ تَكُونَ مُصَرَّاةً يَوْمَ الشِّرَاءِ فَيَرُدُّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ الطَّعَامِ وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: وَإِنْ احْتَلَبَهَا لَمْ يَغْرَمْ بِذَلِكَ إذَا لَمْ تَكُنْ حِينَ الْبَيْعِ مُصَرَّاةً، وَإِنْ كَانَتْ وَقْتَ الرَّدِّ مُصَرَّاةً كَانَ لَهُ أَنْ يَحْلِبَ، ثُمَّ يَرُدَّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ جَمَعَ، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا احْتِلَابُهُ كَالْخَرَّازِ وَالْحَدَّادِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ يَوْمَ الشِّرَاءِ مُصَرَّاةً فَهُوَ مَبِيعٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ انْتَهَى.
وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَيَرُدُّ الثَّمَرَةَ إنْ كَانَتْ قَائِمَةً، وَإِنْ فَاتَتْ يَرُدُّ مَكِيلَتَهَا إنْ عُلِمَتْ، أَوْ الْقِيمَةَ إنْ لَمْ تُعْلَمْ، أَوْ الثَّمَنَ إنْ كَانَ بَاعَهَا قَالَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ وَقَوْلُهُ: وَصُوفٍ تَمَّ أَيْ، وَكَذَلِكَ مَنْ اشْتَرَى غَنَمًا عَلَيْهَا صُوفٌ تَامٌّ، ثُمَّ جَزَّ الصُّوفَ، ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ فَإِنَّهُ يَرُدُّ، فَإِنْ فَاتَ رَدَّ مِثْلَهُ قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ وَزْنَهُ رَدَّ الْغَنَمَ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ كَمُشْتَرِي ثَوْبَيْنِ يَفُوتُ عِنْدَهُ أَحَدُهُمَا، ثُمَّ يَجِدُ بِالْبَاقِي عَيْبًا، وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ إذَا لَمْ يَعْلَمْ وَزْنَهُ رَدَّ قِيمَتَهُ، وَالْأَشْبَهُ مَا قَدَّمْنَا، وَعَلَى هَذَا قِيَاسُ مَنْ قَالَ: إذَا فَاتَ الْأَدْنَى مِنْ الثَّوْبَيْنِ رَدَّ قِيمَتَهُ مَعَهُ إلَّا رُبْعَ الْمَعِيبِ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: إذَا انْقَضَتْ صَفْقَتِي لَمْ يَلْزَمْنِي الْمُعَايَنَةُ فِي الْأَدْنَى انْتَهَى.
مِنْ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ (قُلْت:) الْجَارِي عَلَى الْمَشْهُورِ مَا فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ.
(فَرْعٌ:) .
قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَإِنْ وَجَدَ الْعَيْبَ بَعْدَ أَنْ عَادَ إلَيْهَا الصُّوفُ رَدَّهَا، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِلصُّوفِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ هَذَا كَالْأَوَّلِ، وَهُوَ أَبْيَنُ فِي هَذَا مِنْ حِينِ الْعَيْبِ بِالْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ بِغَلَّةٍ، وَلَيْسَ لَهُ حَبْسُهُ فَكَانَ جَبْرُهُ بِمَالِهِ حَبْسُهُ أَوْلَى انْتَهَى.
[تَنْبِيهَاتٌ اشْتَرَى النَّخْلَ بِالثَّمَرَةِ الْمُؤَبَّرَةِ ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْب]
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: فَإِنْ رُدَّتْ الثَّمَرَةُ مَعَ النَّخْلِ كَانَ لَكَ أَجْرُ سَقْيِكَ وَعِلَاجِكَ.
قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى النَّخْلَ بِالثَّمَرَةِ الْمُؤَبَّرَةِ، ثُمَّ وَجَدَ الْعَيْبَ قَبْلَ طِيبِهَا فَإِنَّهُ يَرُدُّهَا بِثَمَرَتِهَا عِنْدَ الْجَمِيعِ، وَيَرْجِعُ بِالسَّقْيِ وَالْعِلَاجِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى الْعَيْبِ إلَّا بَعْدَ طِيبِ الثَّمَرَةِ فَإِنَّهُ يَرُدُّهَا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَيَرْجِعُ بِالسَّقْيِ وَالْعِلَاجِ، وَقَالَ أَشْهَبُ: إذَا جُذَّتْ الثَّمَرَةُ فَهِيَ غَلَّةٌ (الثَّانِي) : فُهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ ثَمَرَةٌ أُبِّرَتْ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ يَوْمَ الشِّرَاءِ قَدْ طَابَتْ أَنَّهُ يَرُدُّهَا إذَا رَدَّ الْأُصُولَ مِنْ بَابِ أَحْرَى، وَفُهِمَ مِنْهُ أَيْضًا لَوْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ يَوْمَ الشِّرَاءِ لَمْ تُؤَبَّرْ لَمْ تُرَدَّ وَتَكُونُ غَلَّةً لِلْمُشْتَرِي، وَهُوَ كَذَلِكَ إنْ كَانَ قَدْ
جَذَّهَا سَوَاءٌ كَانَتْ الثَّمَرَةُ مَوْجُودَةً يَوْمَ الشِّرَاءِ وَلَكِنَّهَا لَمْ تُؤَبَّرْ، أَوْ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً يَوْمَ الشِّرَاءِ، وَلَكِنَّهَا حَدَثَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي لَمْ يَجُذَّ الثَّمَرَةَ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ طِيبِ الثَّمَرَةِ، أَوْ بَعْدَ طِيبِهَا، فَإِنْ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ طِيبِهَا فَإِنَّهُ يَرُدُّهَا مَعَ أُصُولِهَا سَوَاءٌ أُبِّرَتْ، أَوْ لَمْ تُؤَبَّرْ وَيَرْجِعُ بِالسَّقْيِ وَالْعِلَاجِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ قَدْ طَابَتْ أَيْ أَزْهَتْ فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي سَوَاءٌ يَبِسَتْ، أَوْ لَمْ تَيْبَسْ، أَوْ لَمْ تُجَذَّ (الثَّالِثُ) : لَوْ وَجَدَ الثَّمَرَةَ قَبْلَ طِيبِهَا وَقَبْلَ أَنْ تُؤَبَّرَ قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: فَلَا أَذْكُرُ لِأَصْحَابِنَا فِيهَا نَصًّا، وَاَلَّذِي يُوجِبُهُ النَّظَرُ عِنْدِي عَلَى أُصُولِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ فَوْتٌ؛ لِأَنَّ جَذَّ الثَّمَرَةِ فِي هَذَا الْحَالِ يَعِيبُ الْأَصْلَ وَيُنْقِصُ قِيمَتَهُ، فَيَكُونُ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يَرُدَّهُ وَمَا نَقَصَ، أَوْ يُمْسِكَهُ وَيَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ قَالَ: وَكَذَلِكَ إذَا جَذَّهَا بَعْدَ الْإِبَارِ، وَقَبْلَ الطِّيبِ فَالْحُكْمُ فِيهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ (الرَّابِعُ) .
قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَقَعَ لِابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا لَوْ هَلَكَتْ الثَّمَرَةُ الْمَأْبُورَةُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ لَمْ يَضْمَنْهَا الْمُشْتَرِي فَعَارَضَ هَذَا بَعْضُهُمْ بِمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّهُ يَرُدُّ الثَّمَرَةَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: يَرُدُّهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهَا حِصَّةً مِنْ الثَّمَنِ قَوْلُهُ: إنَّهُ لَا يَضْمَنُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ مُشْتَرَاةٍ، وَاعْتَذَرَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَضْمَنْهَا لِكَوْنِهَا غَيْرَ مَقْبُوضَةٍ لِلْمُشْتَرِي، وَلِهَذَا مُنِعَ بِالطَّعَامِ؛ لِأَنَّ النَّخْلَ الْمُؤَبَّرَ طَعَامٌ لِكَوْنِ الثَّمَرَةِ يَتَأَخَّرُ قَبْضُهَا، وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: إنَّهُ يَضْمَنُ الثَّمَرَةَ إذَا اشْتَرَاهَا بَعْدَ الزَّهْوِ، وَإِنْ كَانَتْ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى قَالَهُ الْمَازِرِيُّ انْتَهَى.
(قُلْت) وَقَعَ لِابْنِ الْقَاسِمِ مَا قَدْ يَتَبَادَرُ مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ الْمُعَارَضَةَ الْمَذْكُورَةَ عَنْ ابْنِ مُحْرِزٍ عَنْ بَعْضِ الْمُذَاكِرِينَ، وَالتَّفْرِقَةَ لِبَعْضِهِمْ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ ابْنِ مُحْرِزٍ أَنَّهُ رَدَّ ذَلِكَ بِأَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ جَذَّ الثَّمَرَةَ لَكَانَ ضَامِنًا، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ مَا اخْتَلَفَ حُكْمُهَا قَبْلَ جَذِّهَا، وَبَعْدَهُ قَالَ أَيْضًا: لَوْ جَذَّهَا الْمُشْتَرِي بَعْدَ طِيبِهَا، ثُمَّ جَاءَ شَفِيعٌ حَطَّ عَنْهُ مِنْ الثَّمَنِ مَا يَنُوبُهَا، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ يُرِيدُ رَدَّهُ بِأَنَّهَا قَبْلَ الْجَذِّ تَابِعَةٌ، فَلَمْ يَكُنْ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَهَذِهِ مُسْتَقِلَّةٌ، فَإِنْ هَلَكَتْ ضَمِنَهَا كَمَالِ الْعَبْدِ يَهْلِكُ قَبْلَ انْتِزَاعِهِ، أَوْ بَعْدَهُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِيهَا، ثُمَّ ذَكَرَ نَصَّ الْمُدَوَّنَةِ انْتَهَى.
(قُلْتُ:) وَكَلَامُ الْمُدَوَّنَةِ بَيِّنٌ صَحِيحٌ فِي الْمُعَارَضَةِ، وَنَصُّهَا: وَإِنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ يَوْمَ الشِّرَاءِ مَأْبُورَةً فَاشْتَرَاهَا، فَإِنْ رَدَدْتَ النَّخْلَةُ بِعَيْبٍ رَدَدْتَ مَعَهَا الثَّمَرَةَ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَكَ، فَإِنْ رَدَدْتَ مَعَهَا كَانَ لَكَ أَجْرُ سَقْيِكَ وَعِلَاجِكَ فِيهَا، وَلَمَّا لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً إلَّا بِالِاشْتِرَاطِ صَحَّ أَنَّ لَهَا مِنْ الثَّمَنِ حِصَّةً، وَلَمْ أُلْزِمْهَا لَكَ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ كَسِلْعَةٍ ثَانِيَةٍ فَيَصِيرُ بَيْعَ ثَمَرَةٍ لَمْ يَبْدُ صَلَاحُهَا، وَهُوَ كَمَالِ الْعَبْدِ إنْ انْتَزَعَهُ رَدَدْتَهُ مَعَهُ حِينَ تَرُدَّهُ بِعَيْبٍ، وَإِنْ هَلَكَ الْمَالُ قَبْلَ انْتِزَاعِكَ لَمْ يَلْزَمْكَ لَهُ نَقْصٌ مِنْ ثَمَنِهِ إنْ رَدَدْتَهُ بِعَيْبِكَ، وَكَذَلِكَ مَا يَأْتِي عَلَى الثَّمَرَةِ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ - قَبْلَ جُذَاذِهَا انْتَهَى.
قَالَ ابْنُ يُونُسَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: وَلَوْ انْتَزَعْتُهُ، ثُمَّ هَلَكَ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ ضَمِنْتُهُ، وَكَذَلِكَ الثَّمَرَةُ إذَا جَذَذْتهَا، ثُمَّ هَلَكَتْ فَإِنَّكَ تَضْمَنُهَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ.
قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَأَمَّا لَوْ اشْتَرَطْتَ الثَّمَرَةَ بَعْدَ الطِّيبِ فَهَذِهِ إنْ هَلَكَتْ قَبْلَ الْجُذَاذِ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ فَرَدَدْتَ النَّخْلَ بِعَيْبٍ فَلْتَرُدَّ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ، وَكَذَلِكَ إنْ جَذَّهَا رُطَبًا فَأَكَلَهَا يُنْظَرُ مَا قِيمَةُ النَّخْلِ مِنْ قِيمَةِ الثَّمَرَةِ، فَإِنْ كَانَتْ مِثْلَهَا رَجَعَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ ثُلُثَهَا رَجَعَ بِثُلُثَيْ الثَّمَنِ، وَأَمَّا إنْ جَذَّهَا تَمْرًا، وَعَرَفَ مَكِيلَتَهَا رَدَّهَا إنْ كَانَتْ قَائِمَةً، فَإِنْ فَاتَتْ رَدَّ مِثْلَهَا مَعَ النَّخْلِ انْتَهَى.
فَعُلِمَ أَنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمَازِرِيِّ هُوَ ابْنُ يُونُسَ (الْخَامِسُ:) مَفْهُومُ قَوْلِهِ: وَصُوفٌ تَمَّ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهَا، وَلَيْسَ عَلَيْهَا صُوفٌ، أَوْ عَلَيْهَا صُوفٌ غَيْرُ تَامٍّ، ثُمَّ حَصَلَ الصُّوفُ عِنْدَهُ أَوْ تَمَّ أَنَّهُ لَا يَرُدُّهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ إذَا جَزَّهُ قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْعَيْبِ قَالَ اللَّخْمِيُّ: يُخْتَلَفُ فِيهِ هَلْ يَكُونُ غَلَّةً بِالتَّمَامِ، أَوْ حَتَّى يَتَعَسَّلَ، أَوْ تُجَزَّ قِيَاسًا عَلَى الثَّمَرَةِ هَلْ
تَكُونُ غَلَّةً بِالطِّيبِ، أَوْ بِالْيُبْسِ، أَوْ بِالْجُذَاذِ فَالتَّمَامُ نَظِيرُ الطِّيبِ، وَالتَّعْسِيلُ كَالْيُبْسِ، وَالْجَزُّ كَالْجُذَاذِ انْتَهَى.
(قُلْت:) قَالُوا: إذَا قَالَ يَخْتَلِفُ فَهُوَ تَخْرِيجٌ مِنْهُ، وَاَلَّذِي فِي الْمُقَدِّمَاتِ أَنَّهُ مَا لَمْ يُجَزَّ، وَهُوَ تَبَعٌ لِلْغَنَمِ قَالَ: وَلَوْ جَزَّهُ الْمُبْتَاعُ بِشَيْءٍ مِنْ نَفَقَتِهِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ النَّخْلِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْغَنَمَ لَا غَلَّةَ مِنْهَا سِوَى الصُّوفِ، وَلَوْ جَزَّهُ الْمُبْتَاعُ بَعْدَ أَنْ اطَّلَعَ عَلَى الْعَيْبِ لَكَانَ جَزُّهُ لَهَا رِضًا بِالْعَيْبِ اهـ. وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ، وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (كَشُفْعَةٍ وَاسْتِحْقَاقٍ وَتَفْلِيسٍ وَفَسَادٍ) ش.
قَالَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ: التَّشْبِيهُ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ: وَلَمْ تُرَدَّ لَا إلَى قَوْلِهِ: بِخِلَافِ وَلَدٍ، وَلَوْ قَدَّمَ هَذِهِ الْمَسَائِلَ عَلَى قَوْلِهِ: بِخِلَافِ وَلَدٍ لَكَانَ أَحْسَنَ انْتَهَى.
وَنَحْوُهُ فِي الْوَسَطِ، وَكَلَامُ ابْنِ غَازِيٍّ رحمه الله يَقْتَضِي أَنَّ التَّشْبِيهَ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ: بِخِلَافِ وَلَدِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِظَاهِرٍ وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ فَإِنَّ الْحُكْمَ الْمَذْكُورَ لَا يَجْرِي فِي الْأَبْوَابِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنَّ الْوَلَدَ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الشُّفْعَةُ، وَأَمَّا فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَالتَّفْلِيسِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ يَأْخُذُهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْأُمَّهَاتِ مَعَهَا، وَكَذَلِكَ فِي التَّفْلِيسِ فَإِنَّ لِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَ الْوَلَدَ مَعَ الْأُمَّهَاتِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي كِتَابِ التَّفْلِيسِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَأَمَّا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَإِنَّ الْوَلَدَ مُفَوِّتٌ، وَيُوجِبُ الرُّجُوعَ بِالْقِيمَةِ قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ التَّدْلِيسِ بِالْعُيُوبِ: وَأَمَّا الْوَلَدُ فَيُفِيتُ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ وَيُوجِبُ الْقِيمَةَ، وَأَمَّا الثَّمَرَةُ فَحُكْمُهَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ كَحُكْمِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، وَأَمَّا فِي الشُّفْعَةِ وَالِاسْتِحْقَاقِ وَالتَّفْلِيسِ فَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ.
قَالَ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا ابْتَاعَ النَّخْلَ، وَالثَّمَرَةُ مَأْبُورَةٌ، أَوْ مُزْهِيَةٌ فَاشْتَرَطَهَا، ثُمَّ اسْتَحَقَّ رَجُلٌ نِصْفَهَا وَاسْتَشْفَعَ فَلَهُ نِصْفُ النَّخْلِ، وَنِصْفُ الثَّمَرَةِ بِاسْتِحْقَاقِهِ، وَعَلَيْهِ لِلْمُبْتَاعِ فِي ذَلِكَ قِيمَةُ مَا سَقَى وَعَالَجَ، وَيَرْجِعُ الْمُبْتَاعُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ، فَإِنْ شَاءَ الْمُسْتَحِقُّ أَخَذَ الشُّفْعَةَ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي فَذَلِكَ لَهُ، وَيَكُونُ لَهُ أَخْذُ الثَّمَرَةِ بِالشُّفْعَةِ مَعَ الْأَصْلِ مَا لَمْ تُجَذَّ، أَوْ تَيْبَسْ، وَيَغْرَمُ قِيمَةَ الْعِلَاجِ أَيْضًا، وَإِنْ قَامَ بَعْدَ الْيُبْسِ، أَوْ الْجُذَاذِ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ فِي الثَّمَرَةِ كَمَا لَوْ بِيعَتْ حِينَئِذٍ، وَيَأْخُذُ الْأَصْلَ بِالشُّفْعَةِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ بِقِيمَةٍ مِنْ قِيمَةِ الثَّمَرَةِ يَوْمَ الصَّفْقَةِ؛ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ وَقَعَ لَهَا حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَأَمَّا مَنْ ابْتَاعَ نَحْلًا لَا ثَمَرَ فِيهَا، أَوْ فِيهَا ثَمَرٌ قَدْ أُبِّرَ، أَوْ لَمْ يُؤَبَّرْ، ثُمَّ فَلَسَ، وَفِي النَّخْلِ ثَمَرَةٌ حَلَّ بَيْعُهَا فَالْبَائِعُ أَحَقُّ بِالْأَصْلِ وَالثَّمَرَةِ مَا لَمْ تُجَذَّ إلَّا أَنْ يُعْطِيَهُ الْغُرَمَاءُ الثَّمَنَ بِخِلَافِ الشَّفِيعِ اهـ. وَقَالَ فِي كِتَابِ التَّفْلِيسِ: وَأَمَّا مَنْ ابْتَاعَ أَمَةً، أَوْ غَنَمًا، ثُمَّ فَلَسَ فَوَجَدَ الْبَائِعُ الْأَمَةَ قَدْ وَلَدَتْ، وَالْغَنَمَ قَدْ تَنَاسَلَتْ فَلَهُ أَخْذُ الْأُمَّهَاتِ وَالْأَوْلَادِ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ غَلَّةٍ، أَوْ صُوفٍ جَزَّهُ، أَوْ لَبَنٍ حَلَبَهُ فَذَلِكَ لِلْمُبْتَاعِ، وَكَذَلِكَ النَّخْلُ تُجْنَى ثَمَرَتُهَا فَهُوَ كَالْغَلَّةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْغَنَمِ صُوفٌ قَدْ تَمَّ يَوْمَ الشِّرَاءِ، أَوْ فِي النَّخْلِ ثَمَرٌ قَدْ أُبِّرَ وَاشْتَرَطَ ذَلِكَ الثَّمَنَ فَلَيْسَ كَالْغَلَّةِ اهـ. وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: إذَا كَانَ فِي النَّخْلِ يَوْمَ الِابْتِيَاعِ ثَمَرَةٌ مَأْبُورَةٌ فَطَرَأَ عَلَى الْمُشْتَرِي مُسْتَحِقٌّ، أَوْ شَفِيعٌ، أَوْ فَلَسٌ وَأَرَادَ الْبَائِعُ أَخْذَ نَخْلِهِ، فَإِنْ طَرَأَ قَبْلَ طِيبِ الثَّمَرَةِ فَإِنَّهُمْ أَحَقُّ عَلَى حَالِهَا بَعْدَ أَنْ يُؤَدُّوا السَّقْيَ وَالْعِلَاجَ، وَإِنْ طَرَأَ بَعْدَ طِيبِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ يُبْسِهَا، أَوْ بَعْدَ يُبْسِهَا، وَلَمْ تُجَذَّ، أَوْ بَعْدَ جَذِّهَا، وَهِيَ قَائِمَةٌ، أَوْ فَائِتَةٌ فَفِي ذَلِكَ فِي الشُّفْعَةِ وَالِاسْتِحْقَاقِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الشَّفِيعَ وَالْمُسْتَحِقَّ يَأْخُذُ الثَّمَرَةَ مَعَ الْأَصْلِ، وَإِنْ جُذَّتْ وَيَرْجِعُ بِالسَّقْيِ وَالْعِلَاجِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَقَالَهُ أَشْهَبُ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا تَكُونُ لِلْمُبْتَاعِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَشْهَبَ فِي كِتَابِ
الْعُيُوبِ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا تُمْضَى بِمَا يَنُوبُهَا مِنْ الثَّمَنِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ، وَإِذَا قُلْنَا: إنَّهَا تُمْضَى بِمَا يَنُوبُهَا مِنْ الثَّمَنِ، أَوْ إنَّهَا غَلَّةٌ لِلْمُبْتَاعِ فَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: الطِّيبُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الْعُيُوبِ وَالثَّانِي الْيُبْسُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَالثَّالِثُ: الْجُذَاذُ، وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ فِي كِتَابِ الْعُيُوبِ، وَأَمَّا التَّفْلِيسُ فَالْمَنْصُوصُ لَهُمْ قَوْلٌ وَاحِدٌ أَنَّهُ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تُجَذَّ، فَإِنْ جُذَّتْ كَانَ أَحَقَّ بِالْأُصُولِ بِمَا يَنُوبُهَا مِنْ الثَّمَنِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الِاخْتِلَافُ بِالْمَعْنَى اهـ. وَانْظُرْ بَقِيَّةَ وُجُوهِ الثَّمَرَةِ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، وَأَمَّا الصُّوفُ التَّامُّ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الشُّفْعَةُ، وَأَمَّا فِي الِاسْتِحْقَاقِ فَيَأْخُذُهُ الْمُسْتَحِقُّ إنْ كَانَ قَائِمًا، أَوْ مِثْلَهُ إنْ كَانَ قَدْ اسْتَهْلَكَهُ الْمُبْتَاعُ، أَوْ الثَّمَنَ إنْ كَانَ بَاعَهُ، وَفِي التَّفْلِيسِ بَائِعُهُ أَحَقُّ بِهِ إنْ كَانَ قَائِمًا، وَإِنْ جَزَّهُ الْمُشْتَرِي الْمُفْلِسُ، وَإِنْ فَاتَ أَخَذَ الْبَائِعُ الْغَنَمَ بِمَا يَنُوبُهَا مِنْ الثَّمَنِ وَحَاصَّ الْغُرَمَاءَ بِمَا يَنُوبُ الصُّوفَ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ الْغَنَمَ وَحَاصَّ الْغُرَمَاءَ بِمَا يَنُوبُ الصُّوفَ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ الْغَنَمَ وَحَاصَّ الْغُرَمَاءَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ قَالَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ أَمَّا الْبَيْعُ الْفَاسِدُ، فَلَمْ أَقِفْ الْآنَ عَلَى رَدٍّ صَرِيحٍ فِيهِ، وَالظَّاهِرُ: أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَلَمْ يَرُدَّ بِغَلَطٍ إنْ سَمَّى بِاسْمِهِ)
ش: أَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ الثَّانِي مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ.
قَالَ سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ بَاعَ مُصَلَّى فَقَالَ الْمُشْتَرِي أَتَدْرِي مَا هَذَا الْمُصَلًّى؟ هِيَ - وَاَللَّهِ خَزٌّ - فَقَالَ الْبَائِعُ: مَا عَلِمْت أَنَّهُ خَزٌّ، وَلَوْ عَلِمْتُهُ مَا بِعْتُهُ بِهَذَا الثَّمَنِ.
قَالَ مَالِكٌ: هُوَ لِلْمُشْتَرِي، وَلَا شَيْءَ لِلْبَائِعِ لَوْ شَاءَ اسْتَبْرَأَهُ قَبْلَ بَيْعِهِ، وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ مَرْوِيًّا، ثُمَّ قَالَ: لَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُ مَرْوِيٌّ إنَّمَا ظَنَنْتُهُ كَذَا وَكَذَا، أَرَأَيْتَ لَوْ قَالَ: مُبْتَاعُهُ مَا اشْتَرَيْته إلَّا ظَنًّا أَنَّهُ خَزٌّ، وَلَيْسَ بِخَزٍّ فَهَذَا مِثْلُهُ، وَكَذَا مَنْ بَاعَ حَجَرًا بِثَمَنٍ يَسِيرٍ، ثُمَّ هُوَ يَاقُوتَةٌ، أَوْ زَبَرْجَدَةٌ تَبْلُغُ مَالًا كَثِيرًا لَوْ شَاءَ اسْتَبْرَأَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ بِخِلَافِ مَنْ قَالَ: أَخْرِجْ لِي ثَوْبًا مَرْوِيًّا بِدِينَارٍ فَأَخْرَجَ لَهُ ثَوْبًا أَعْطَاهُ إيَّاهُ، ثُمَّ وَجَدَهُ مِنْ أَثْمَانِ أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ هَذَا يَحْلِفُ وَيَأْخُذُ ثَوْبَهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ: خِلَافُ هَذَا أَنَّ مَنْ اشْتَرَى يَاقُوتَةً، وَهُوَ يَظُنُّهَا حَجَرًا، وَلَا يَعْرِفُهَا الْبَائِعُ، وَلَا الْمُبْتَاعُ فَيَجِدُهَا عَلَى ذَلِكَ، أَوْ يَشْتَرِي الْقُرْطَ يَظُنُّهُ ذَهَبًا فَيَجِدُهُ نُحَاسًا أَنَّ الْبَيْعَ يُرَدُّ فِي الْوَجْهَيْنِ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ إنَّمَا هُوَ إذَا لَمْ يُسَمِّ أَحَدُهُمَا الشَّيْءَ بِغَيْرِ اسْمِهِ، وَإِنَّمَا سَمَّاهُ بِاسْمٍ يَصْلُحُ لَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، ثُمَّ قَوْلُ الْبَائِعِ: أَبِيعُكَ هَذَا الْحَجَرَ، أَوْ قَوْلُ الْمُشْتَرِي: بِعْ مِنِّي هَذَا الْحَجَرَ فَيَشْتَرِيهِ، وَهُوَ يَظُنُّهُ يَاقُوتَةً فَيَجِدُهُ غَيْرَ يَاقُوتَةٍ، أَوْ يَبِيعُ الْبَائِعُ يَظُنُّ أَنَّهَا يَاقُوتَةٌ فَإِذَا هُوَ غَيْرُ يَاقُوتَةٍ فَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ.
وَإِنْ عَلِمَ الْبَائِعُ أَنَّهَا غَيْرُ يَاقُوتَةٍ وَالْبَائِعَ الْبَيْعُ، وَإِنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي أَنَّهَا يَاقُوتَةٌ عَلَى رِوَايَةِ أَشْهَبَ، وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ فِي الْوَجْهَيْنِ عَلَى مَا فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ، وَأَمَّا إذَا سَمَّى أَحَدُهُمَا الشَّيْءَ بِغَيْرِ اسْمِهِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ: أَبِيعُكَ هَذِهِ الْيَاقُوتَةَ فَيَجِدُهَا غَيْرَ يَاقُوتَةٍ، أَوْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي: بِعْ مِنِّي هَذِهِ الزُّجَاجَةَ، ثُمَّ يَعْلَمَ الْبَائِعُ أَنَّهَا يَاقُوتَةٌ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الشِّرَاءَ لَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ وَالْبَيْعَ لَا يَلْزَمُ الْبَائِعَ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْمُصَلَّى وَشِبْهِ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْقُرْطُ يَظُنُّهُ الْمُشْتَرِي ذَهَبًا، أَوْ يَشْتَرِطُ أَنَّهُ ذَهَبٌ فَيَجِدُهُ نُحَاسًا فَلَا خِلَافَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إذَا كَانَ قَدْ صُنِعَ عَلَى صِفَةِ أَقْرَاطِ الذَّهَبِ، أَوْ كَانَ مَغْسُولًا بِالذَّهَبِ.
وَقَدْ اُخْتُلِفَ إذَا أَبْهَمَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ فِي التَّسْمِيَةِ، وَلَمْ يُصَرِّحْ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ الرَّدَّ كَالتَّصْرِيحِ، وَحَكَى شُرَيْحٌ الْقَاضِي أَنَّهُ اخْتَصَمَ إلَيْهِ رَجُلٌ مَرَّ بِرَجُلٍ مَعَهُ ثَوْبٌ مَصْبُوغٌ الصَّبْغَ الْهَرَوِيَّ، فَقَالَ: بِكَمْ هَذَا الْهَرَوِيُّ فَقَالَ بِكَذَا فَاشْتَرَاهُ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِهَرَوِيٍّ، وَإِنَّمَا صُبِغَ صَبْغَ الْهَرَوِيِّ فَأَجَازَ بَيْعَهُ.
قَالَ: وَلَوْ اسْتَطَاعَ أَنْ يُزَيِّنَ ثَوْبَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذِهِ الزِّينَةِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: لِأَنَّهُ إنَّمَا بَاعَهُ هَرَوِيَّ الصَّبْغِ حَتَّى يَقُولَ: هَرَوِيٌّ هَرَاةَ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَرُدُّهُ، وَذَلِكَ عِنْدِي اخْتِلَافٌ مِنْ قَوْلِهِ: وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: إنَّهُ إذَا بَاعَ الْحَجَرَ فِي سُوقِ الْجَوْهَرِ فَوَجَدَهُ حَجَرًا كَانَ لِلْمُبْتَاعِ الْقِيَامُ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ أَنَّهُ جَوْهَرٌ، وَإِنْ بَاعَهُ
فِي غَيْرِ الْمِيرَاثِ، أَوْ فِي غَيْرِ سُوقِ الْجَوْهَرِ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيَامٌ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ وَشِبْهِهِ، وَهَذَا عِنْدِي يَجْرِيَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ فِي الْأَلْغَازِ وَوَجْهُ تَفْرِقَةِ مَالِكٍ بَيْنَ الَّذِي يَبِيعُ الْيَاقُوتَةَ جَاهِلًا وَبَيْنَ مَنْ قَصَدَ إخْرَاجَ ثَوْبٍ بِدِينَارٍ فَأَخْرَجَ ثَوْبًا بِأَرْبَعَةٍ أَنَّ الْأَوَّلَ جَهِلَ وَقَصَّرَ إذَا لَمْ يَسْأَلْ مَنْ يَعْلَمُ مَا هُوَ، وَالثَّانِيَ غَلِطَ، وَالْغَلَطُ لَا يُمْكِنُ التَّوَقِّي مِنْهُ، فَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ.
وَيَأْخُذَ ثَوْبَهُ إذَا أَتَى بِدَلِيلٍ عَلَى صِدْقِهِ مِنْ رَسْمٍ، أَوْ شَهَادَةٍ وَقَوَّمَ عَلَى حُضُورِ مَا صَارَ بِهِ إلَيْهِ فِي مُقَاسَمَةٍ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَالرُّجُوعُ بِالْغَلَطِ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَفِي بَيْعِ الْمُكَايَسَةِ يُخْتَلَفُ فِيهِ، وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ عَلَى ذَلِكَ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بَيَانُ أَنَّ الْبَيْعَ مُرَابَحَةٌ، أَوْ مُكَايَسَةٌ اهـ.
بِاخْتِصَارٍ يَسِيرٍ، وَاَلَّذِي فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ.
قَالَ مَالِكٌ فِي الْبَزَّازِ يَبِيعُ فَيَأْمُرُ بَعْضَ قَوْمِهِ بِدَفْعِهِ، ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ انْصِرَافِ الْمُبْتَاعِ: إنَّ الثَّوْبَ الَّذِي دَفَعَهُ إلَيْك لَيْسَ بِاَلَّذِي بِعْتُك، أَوْ كَانَ هُوَ دَفَعَهُ قَالَ: إنْ كَانَ أَمَرَ بِدَفْعِهِ حَلَفَ وَرُدَّ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ دَفَعَهُ فَأَرَى قَوْلَهُ بَاطِلًا مَا لَمْ يَأْتِ مَعَ قَوْلِهِ أَمْرٌ مَعْرُوفٌ مِنْ رَسْمٍ أَكْثَرَ مِمَّا بَاعَ بِهِ، أَوْ شَهَادَةِ قَوْمٍ قَاسَمُوهُ عَرَفُوهُ مَا قَامَ بِهِ عَلَيْهِ، فَإِنْ جَاءَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَلَفَ وَرُدَّ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: أَمَّا الَّذِي أَمَرَ بَعْضَ قَوْمِهِ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ لَيْسَ الثَّوْبَ الَّذِي بَاعَهُ، فَإِنْ حَلَفَ رَدَّ الثَّوْبَ، وَدَفَعَ الثَّوْبَ الَّذِي زَعَمَ أَنَّهُ بَاعَهُ، وَإِنْ نَكَلَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ إذَا كَانَ الْمُبْتَاعُ لَمْ يُكَذِّبْهُ، وَلَا يُصَدِّقُهُ، وَأَمَّا إنْ كَذَّبَهُ الْمُبْتَاعُ، وَقَالَ: بَلْ هَذَا الَّذِي بِعْتَنِي فَإِنَّهُمَا يَحْلِفَانِ، فَإِنْ نَكِلَا، أَوْ حَلَفَا لَمْ يَقَعْ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ وَاحِدٌ مِنْ الثَّوْبَيْنِ، وَإِنْ نَكِلَ أَحَدُهُمَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْحَالِفِ إنْ كَانَ الْبَائِعُ أَلْزَمَ الْمُبْتَاعَ الثَّوْبَ الَّذِي عَيَّنَهُ الْبَائِعُ، وَرَدَّ الْآخَرَ، وَإِنْ كَانَ الْمُبْتَاعُ أَخَذَ الثَّوْبَ الْمَدْفُوعَ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ الْآخَرُ، وَكَذَا لَوْ أَمَرَ التَّاجِرُ بَعْضَ قَوْمِهِ أَنْ يُرِيَ رَجُلًا ثَوْبًا فَأَرَاهُ إيَّاهُ، ثُمَّ بَاعَهُ عَلَى تِلْكَ الرُّؤْيَةِ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ غَيْرُ الثَّوْبِ الَّذِي أَمَرَهُ أَنْ يُرِيَهُ إيَّاهُ، الْقَوْلُ قَوْلُ التَّاجِرِ مَعَ يَمِينِهِ يَحْلِفُ، وَيَأْخُذُ ثَوْبَهُ، فَإِنْ نَكِلَ لَزِمَهُ الْبَيْعُ فِيهِ، وَأَمَّا إذَا بَاعَهُ الثَّوْبَ، وَدَفَعَهُ هُوَ إلَيْهِ، وَادَّعَى أَنَّهُ غَلِطَ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ شُبْهَةٌ مِنْ رَسْمٍ، وَلَا شَيْءٍ لَمْ يُصَدَّقْ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ شُبْهَةٌ فَكَمَا لَوْ دَفَعَهُ وَكِيلُهُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا
وَأَمَّا إذَا بَاعَ الثَّوْبَ، وَادَّعَى أَنَّ شِرَاءَهُ أَكْثَرُ مِمَّا بَاعَهُ بِهِ، وَأَنَّهُ غَلِطَ فِيهِ، وَاخْتَلَطَ لَهُ بِغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ مُرَابَحَةً صُدِّقَ، وَإِنْ كَانَتْ لَهُ شُبْهَةٌ مِنْ رَقْمٍ، أَوْ شَهَادَةِ قَوْمٍ عَلَى مَا وَقَّعَ بِهِ عَلَيْهِ فِي مُقَاسَمَةٍ، أَوْ شِبْهِ ذَلِكَ، وَاخْتُلِفَ إنْ ادَّعَى الْغَلَطَ فِي بَيْعِ الْمُسَاوَمَةِ، وَزَعَمَ أَنَّهُ اخْتَلَطَ لَهُ بِغَيْرِهِ، وَهُوَ ذُو أَثْوَابٍ كَثِيرَةٍ فَقِيلَ: إنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُرَابَحَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَمَا فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَمَا فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الْعُيُوبِ مُحْتَمَلٌ، وَقِيلَ: الْبَيْعُ لَازِمٌ، وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيمَا ذُكِرَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ حَبِيبٍ، وَكَذَلِكَ اُخْتُلِفَ فِي الْجَهْلِ بِصِفَةِ الْمَبِيعِ مِثْلُ أَنْ يَبِيعَ الْحَجَرَ بِالثَّمَنِ الْيَسِيرِ، وَهُوَ يَاقُوتَةٌ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ فِي سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ، وَأَمَّا الْجَهْلُ بِقِيمَةِ الْمَبِيعِ فَلَا يُعْذَرُ وَاحِدٌ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي ذَلِكَ؛ إذْ لَا غَبْنَ فِي بَيْعِ الْمُكَايَسَةِ هَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَقَدْ حَكَى بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ عَنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجِبُ الرَّدُّ بِالْغَبْنِ إذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثٍ وَأَقَامَ بَعْضُ الشُّيُوخِ ذَلِكَ مِنْ مَسْأَلَةِ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الرُّهُونِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهَا مَسْأَلَةٌ لَهَا مَعْنًى مِنْ أَجْلِهِ وَجَبَ الرَّدُّ مِنْ الْغَبْنِ انْتَهَى.
وَقَالَ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى مَسْأَلَةِ سَمَاعِ أَبِي زَيْدٍ: وَلَا اخْتِلَافَ أَنَّ لَهُ الْقِيَامَ بِالْغَلَطِ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ، وَقَوْلُهُ: بَيْعُ الْمُسَاوَمَةِ لَا قِيَامَ فِيهِ بِالْغَلَطِ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ انْتَهَى.
وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ نَوَازِلِ سَحْنُونٍ فِي كِتَابِ الْعُيُوبِ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ، وَلَعَلَّهُ يُشِيرُ إلَى مَا فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ فِيمَنْ اشْتَرَى أَرْضًا فَوَجَدَ فِيهَا بِئْرًا عَاذِبَةً، فَقَالَ الْبَائِعُ: بِعْتُك شَيْئًا لَا أَعْرِفُهُ أَنَّهَا لِلْمُشْتَرِي، وَلَعَلَّ مَسْأَلَةَ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا هِيَ
دَعْوَى أَحَدِ الْوَرَثَةِ الْغَلَطَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَإِنِّي لَمْ أَرَ فِيهِ مَا يُنَاسَبُ هَذَا إلَّا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، وَهِيَ فِي الْأُمِّ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ ذَكَرَهَا الْبَرَاذِعِيُّ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ، وَهَذَا يُوَجَّهُ بِأَنَّهُ أَشَارَ إلَى الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ فَتَأَمَّلْهُ، وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ رحمه الله كَلَامَ ابْنِ بَشِيرٍ جَمِيعَهُ، وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ فِي كِتَابِ الْعُيُوبِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَلَا بِغَبْنٍ، وَلَوْ خَالَفَ الْعَادَةَ)
ش:.
قَالَ فِي التَّوْضِيحِ الْغَبْنُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَسُكُونِ الْبَاءِ عِبَارَةٌ عَنْ بَيْعِ السِّلْعَةِ بِأَكْثَرَ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنَّ
النَّاسَ لَا يَتَغَابَنُونَ بِمِثْلِهِ، أَوْ اشْتَرَاهَا كَذَلِكَ، وَأَمَّا مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فَلَا يُوجِبُ رَدًّا بِاتِّفَاقٍ انْتَهَى.
، وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الرُّهُونِ لَوْ بَاعَ رَجُلٌ جَارِيَةً قِيمَتُهَا مِائَةٌ وَخَمْسُونَ دِينَارًا بِأَلْفِ دِينَارٍ وَارْتَهَنَ رَهْنًا، وَكَانَ مُشْتَرِيهَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِ السَّفَهِ جَازَ ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: فِي قَوْلِهِ هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا قِيَامَ فِي بَيْعِ الْمُكَايَسَةِ بِالْغَبْنِ، وَلَا أَعْرِفُ فِي الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ نَصَّ خِلَافٍ، وَكَانَ مِنْ الشُّيُوخِ مَنْ يَحْمِلُ مَسْأَلَةَ سَمَاعِ أَشْهَبَ الْوَاقِعَةَ فِي أَوَّلِ رَسْمٍ مِنْهُ مِنْ كِتَابِ الرُّهُونِ عَلَى الْخِلَافِ وَيَتَأَوَّلُ مِنْهَا وُجُوبَ الْقِيَامِ بِالْغَبْنِ فِي بَيْعِ الْمُكَايَسَةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَرَى لَهُ الرَّدَّ بِالْغَبْنِ لَا مِنْ أَجْلِ اضْطِرَارِهِ إلَى الْبَيْعِ مَخَافَةَ الْحِنْثِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الرِّوَايَةِ، وَقَدْ حَكَى بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ عَنْ الْمَذْهَبِ، وَعَزَاهُ لِابْنِ الْقَصَّارِ أَنَّهُ يَجِبُ الرَّدُّ بِالْغَبْنِ إذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ دَعُوا النَّاسَ يَرْتَزِقُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ» ، وَفِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «غَبْنُ الْمُسْتَرْسِلِ ظُلْمٌ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا غَبْنَ فِي غَيْرِ الْمُسْتَرْسِلِ، وَمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ظُلْمٌ فَهُوَ حَقٌّ لَا يَجِبُ الْقِيَامُ بِهِ، وَقَدْ اسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بَعْضُ النَّاسِ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْأَمَةِ الزَّانِيَةِ «بِيعُوهَا، وَلَوْ بِضَفِيرٍ» «وَبِقَوْلِهِ لِعُمَرَ لَا تَشْتَرِهِ، وَلَوْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ» ، وَهَذَا لَا دَلِيلَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَلَى التَّقْلِيلِ مِثْلُ قَوْلِهِ فِي الْعَقِيقَةِ:«وَلَوْ بِعُصْفُورٍ» ، وَقَوْلِهِ «مَنْ بَنَى مَسْجِدًا، وَلَوْ بِقَدْرِ مَفْحَصِ قَطَاةٍ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ كَثِيرٌ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْمَشْهُورِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ جَابِرٍ فِي الْجَمَلِ الَّذِي بَاعَهُ مِنْهُ، وَقَدْ سَاوَمَهُ «أَوَلَا تَبِيعُهُ بِدِرْهَمٍ فَقَالَ لَا» ثُمَّ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَلَى أَنَّهُ بَاعَهُ بِخَمْسِ أَوْرَاقٍ عَلَى أَنَّ لَهُ ظَهْرَهُ إلَى الْمَدِينَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ:«لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ» وَحَدِيثَ الْأَمَةِ الزَّانِيَةِ وَحَدِيثَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، ثُمَّ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ.
قَالَ ابْنُ دَحُونٍ: هَذِهِ مَسْأَلَةٌ ضَعِيفَةٌ كَيْفَ يُفْسَخُ الْبَيْعُ لِلْغَبْنِ وَذَلِكَ جَائِزٌ
بَيْنَ كُلِّ مُتَبَايِعَيْنِ إلَّا مَا خَصَّتْهُ السُّنَّةُ بِالرَّدِّ، وَلَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ غَيْرِ مُوَلًّى عَلَيْهِ مَا يُسَاوِي مِائَةَ دِرْهَمٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ لَزِمَ ذَلِكَ، وَلَمْ يُفْسَخْ وَلِمَ يُخْتَلَفْ فِي ذَلِكَ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي كِتَابِ الْمُرَابَحَةِ: لَا قِيَامَ لِلْمُبْتَاعِ فِي بَيْعِ الْمُسَاوَمَةِ بِغَبْنٍ، وَلَا بِغَلَطٍ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الْأَقْوَالِ، وَقِيلَ: إنَّهُ يَرْجِعُ بِالْغَلَطِ، وَأَمَّا فِي الْغَبْنِ، وَهُوَ الْجَهْلُ بِقِيمَةِ الْمُبْتَاعِ فَلَا رُجُوعَ بِهِ فِي الْمُسَاوَمَةِ، وَهَذَا ظَاهِرُ مَا فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الرُّهُونِ، وَلَا أَعْرِفُ فِي الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا كَانَ مِنْ الشُّيُوخِ مَنْ يَحْمِلُ مَسْأَلَةَ أَشْهَبَ مِنْ الرُّهُونِ عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهَا مَسْأَلَةٌ لَهَا مَعْنًى أُوجِبَ مِنْ أَجْلِهَا الرَّدُّ بِالْغَبْنِ فَلَيْسَتْ بِخِلَافٍ لِلْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَدْ حَكَى بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ عَنْ الْمَذْهَبِ، وَأَرَاهُ ابْنَ الْقَصَّارِ أَنَّهُ يَجِبُ الرَّدُّ بِالْغَبْنِ إذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ فَتَأَمَّلْهُ وَقِفْ عَلَيْهِ انْتَهَى.
ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا بَيْعُ الِاسْتِئْمَانِ وَالِاسْتِرْسَالِ فَهُوَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ: اشْتَرِ مِنِّي سِلْعَتِي كَمَا تَشْتَرِي مِنْ النَّاسِ فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ الْقِيمَةَ فَيَشْتَرِي مِنْهُ بِمَا يُعْطِيهِ مِنْ الثَّمَنِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنَّ الِاسْتِرْسَالَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْبَيْعِ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: بِعْنِي كَمَا تَبِيعُ النَّاسَ، وَأَمَّا فِي الشِّرَاءِ فَلَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ إذَا كَانَ الِاسْتِرْسَالُ.
وَالِاسْتِنَامَةُ وَاجِبًا بِالْإِجْمَاعِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «غَبْنُ الْمُسْتَرْسِلِ ظُلْمٌ» وَالِاسْتِنَامَةُ بِالنُّونِ قَبْلَ الْأَلِفِ وَبِالْمِيمِ بَعْدَهَا كَمَا ضَبَطَهُ ابْنُ غَازِيٍّ فِي أَوَّلِ فَصْلِ الْمُرَابَحَةِ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْقِيَامِ بِالْغَبْنِ طُرُقًا: الْأُولَى: طَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ لَكِنْ ذَكَرَ كَلَامَهُ فِي الْبَيَانِ، وَلَمْ يَذْكُرْ كَلَامَهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ، ثُمَّ ذَكَرَ الطَّرِيقَ الثَّانِيَةَ عَنْ أَبِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، وَنَصَّهُ: أَبُو عَمْرٍو فِي بَيْعِ الْمُسْلِمِ الْمُسْتَنْصِحِ يُوجِبُ لِلْمَغْبُونِ الْخِيَارَ فِيهِ، وَفِي بَيْعِ غَيْرِهِ الْمَالِكِ أَمْرَ نَفْسِهِ لَا أَعْلَمُ فِي لُزُومِهِ خِلَافًا، وَلَوْ كَانَ بِأَضْعَفِ الْقِيمَةِ وَسَمِعَهُ عِيسَى بْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الرُّهُونِ اهـ. وَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَا عَزَاهُ لِكِتَابِ الرُّهُونِ فِي سَمَاعِ عِيسَى إنَّمَا فِيهِ مَا تَقَدَّمَ عَنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ، ثُمَّ ذَكَرَ الطَّرِيقَةَ الثَّالِثَةَ عَنْ الْبَاجِيِّ، وَنَصَّهُ الْبَاجِيُّ عَنْ الْقَاضِي فِي لُزُومِ الْبَيْعِ بِمَا لَا يُتَغَابَنُ بِمِثْلِهِ عَادَةً، وَأَحَدُهُمَا لَا يَعْلَمُ سِعْرَ ذَلِكَ إذَا زَادَ الْغَبْنُ عَلَى الثُّلُثِ، أَوْ خَرَجَ عَنْ الْعَادَةِ وَالْمُتَعَارَفِ فِيهِ قَوْلَانِ لِأَصْحَابِنَا فَالْأَوَّلُ: قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَحَصَلَ فِي التَّوْضِيحِ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ: طَرِيقَةُ ابْنِ رُشْدٍ، وَنَقَلَهَا بِاخْتِصَارٍ، وَنَصَّهُ، وَلِصَاحِبِ الْمُقَدِّمَاتِ طَرِيقَةٌ ثَالِثَةٌ إنْ وَقَعَ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِرْسَالِ وَالِاسْتِنَامَةِ فَالْقِيَامُ بِالْغَبْنِ وَاجِبٌ، وَإِنْ وَقَعَ عَلَى وَجْهِ الْمُكَايَسَةِ فَلَا قِيَامَ بِالْغَبْنِ اتِّفَاقًا.
وَالطَّرِيقُ الثَّانِيَةُ: طَرِيقُ الْمَازِرِيِّ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَخْبَرَ الْبَائِعَ أَنَّهُ غَيْرُ عَارِفٍ بِقِيمَتِهِ، فَقَالَ الْبَائِعُ: قِيمَتُهَا كَذَا فَلَهُ الرَّدُّ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالْبَيْعِ وَبِثَمَنِهِ فَلَا رَدَّ لَهُ، وَلَا خِلَافَ فِي هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ، وَفِيمَا عَدَاهُمَا قَوْلَانِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَمَشْهُورُ الْمَذْهَبِ: عَدَمُ الْقِيَامِ بِالْغَبْنِ لِغَيْرِ الْعَارِفِ، وَفِي الْعَارِفِ قَوْلَانِ اهـ.
(قُلْت) مَا عَزَاهُ رحمه الله لِلْمَعُونَةِ عَكْسُ مَا فِيهَا وَنَصُّهَا فِي آخِرِ بَيْعِ الْخِيَارِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي بَيْعِ السِّلْعَةِ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ مِثْلُ أَنْ يَبِيعَ مَا يُسَاوِي أَلْفًا بِمِائَةٍ وَيَشْتَرِيَ مَا يُسَاوِي مِائَةً بِأَلْفٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمَغْبُونِ مِنْهُمَا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الِاخْتِيَارُ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الرَّشَادِ وَالْبَصَرِ بِتِلْكَ السِّلْعَةِ، وَإِنْ كَانَا، أَوْ أَحَدُهُمَا بِخِلَافِ ذَلِكَ فَلِلْمَغْبُونِ الْخِيَارُ ا. هـ. وَنَحْوُهُ فِي التَّلْقِينِ قَالَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْبُيُوعِ: الْخِيَارُ يَثْبُتُ بِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ فِيهِ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ فِيهِ مُغَابَنَةٌ خَارِجَةٌ عَنْ حَدِّهَا لِتَغَابُنِ النَّاسِ بِمِثْلِهِ فَقِيلَ إنَّ الْبَيْعَ لَازِمٌ، وَلَا خِيَارَ وَقِيلَ لِلْمَغْبُونِ مِنْهُمَا الْخِيَارُ إذَا دَخَلَ عَلَى بَيْعِ النَّاسِ الْمُعْتَادِ اهـ. وَقَالَ فِي الِاشْتِرَاءِ فَإِذَا تَبَايَعَا بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ فِي الْعَادَةِ، وَكَانَ أَحَدُهُمَا مِمَّنْ لَا يَخْبُرُ سِعْرَ ذَلِكَ الْمَبِيعِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ لَا خِيَارَ لَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ لَهُ الْخِيَارُ إذَا رَدَّ الْغَبْنَ عَلَى الثُّلُثِ، أَوْ خَرَجَ عَنْ الْعَادَةِ وَالْمُتَعَارَفِ اهـ.
وَكَانَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله تَبِعَ صَاحِبَ الْجَوَاهِرِ فِي عَزْوِ
هَذِهِ الطَّرِيقَةِ لِلْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى أَنْ يُثْبِتَ الْخِيَارَ لِلْمَغْبُونِ مِنْهُمَا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا خِيَارَ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الرَّشَادِ وَالْبَصَرِ بِتِلْكَ السِّلْعَةِ، وَإِنْ كَانَا، أَوْ الْمَغْبُونُ مِنْهُمَا بِخِلَافِ ذَلِكَ فَلِلْمَغْبُونِ الْخِيَارُ اهـ. وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ وَابْنُ الْحَاجِبِ، وَكَانَ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ تَصَحَّفَ فِي نُسْخَتِهِ مِنْ الْمَعُونَةِ قَوْلُهُ نَفْي فَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ، وَكَلَامُهُ فِي التَّلْقِينِ وَالْإِشْرَافِ يُبَيِّنُ كَلَامَهُ فِي الْمَعُونَةِ وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ أَيْضًا تَوْجِيهُهُ لِلْقَوْلَيْنِ فَإِنَّهُ إنَّمَا بَدَأَ بِتَوْجِيهِ الْقَوْلِ بِنَفْيِ الْخِيَارِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَيْضًا مَا نَقَلَهُ الْبَاجِيُّ عَنْ الْقَاضِي كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرْنَا فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) مَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ الْمَازِرِيِّ فِيهِ إجْمَالٌ يُبَيِّنُهُ كَلَامُ صَاحِبِ الْجَوَاهِرِ فِي حِكَايَتِهِ طَرِيقَةَ الْمَازِرِيِّ، وَنَصَّهُ بَعْدَ أَنْ حَكَى كَلَامَ الْقَاضِي الْمُتَقَدِّمَ.
قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لَيْسَ الْخِلَافُ عَلَى الْإِطْلَاقِ إنَّمَا هُوَ مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَكُونَ الْمَغْبُونُ لَمْ يَسْتَسْلِمْ إلَى بَائِعِهِ، وَيَكُونَ أَيْضًا مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِقِيمَةِ مَا اشْتَرَاهُ، وَإِنَّمَا وَقَعَ فِي الْغَبْنِ غَلَطًا يَعْتَقِدُ أَنَّهُ غَيْرُ غَالِطٌ فَأَمَّا إذَا عَلِمَ الْقِيمَةَ فَزَادَ عَلَيْهَا فَهُوَ كَالْوَاهِبِ، أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لِغَرَضٍ لَهُ فَلَا مَقَالَ لَهُ وَكَذَلِكَ إنْ اسْتَسْلَمَ لِبَائِعِهِ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ غَيْرُ عَالِمٍ بِالْقِيمَةِ، فَذَكَرَ لَهُ الْبَائِعُ مَا غَرَّهُ بِهِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: أَعْطَيْتُ فِيهَا كَذَلِكَ، وَيُسَمِّيَ لَهُ بَائِعَهَا مِنْهُ قَالَ فَهَذَا مَمْنُوعٌ بِاتِّفَاقٍ اهـ (الثَّانِي) : إذَا عَلِمَ ذَلِكَ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَهَلْ إلَّا أَنْ يَسْتَسْلِمَ وَيُخْبِرَهُ بِجَهْلِهِ، أَوْ يَسْتَأْمِنَهُ تَرَدُّدٌ يَقْتَضِي أَنَّ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَ طُرُقٍ: الْأُولَى: لَا قِيَامَ لِلْغَبْنِ، وَلَوْ اسْتَسْلَمَ، وَأَخْبَرَهُ بِجَهْلِهِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا قِيَامَ بِالْغَبْنِ إلَّا إذَا اسْتَسْلَمَ وَأَخْبَرَهُ بِجَهْلِهِ وَالثَّالِثَةُ: لَا قِيَامَ بِالْغَبْنِ إلَّا إذَا اسْتَأْمَنَهُ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْأُولَى إلَّا إذَا حُمِلَتْ طَرِيقَةُ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْ الْمَعُونَةِ وَالتَّلْقِينِ عَلَى إطْلَاقِهَا، وَجُعِلَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: فِيهَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ قُلْت قَدْ.
قَالَ فِي اللَّبَّانِ وَأَسْبَابُ الْخِيَارِ خَمْسَةٌ الْأَوَّلُ: الْغَبْنُ قَالَ فِي الْإِكْمَالِ الْمُغَابَنَةُ بَيْنَ النَّاسِ مَاضِيَةٌ إنْ كَثُرَتْ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَقِيلَ: لِلْمَغْبُونِ الْخِيَارُ، ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ صَاحِبِ الْمُقَدِّمَاتِ فَكَلَامُ صَاحِبِ الْإِكْمَالِ يَقْتَضِي نَفْيَ الْخِلَافِ مُطْلَقًا قُلْتُ: قَالَ الْقَاضِي فِي الْإِكْمَالِ قَبْلَ الْكَلَامِ الَّذِي حَكَاهُ صَاحِبُ اللُّبَابِ غَبْنُ الْمُسْتَرْسِلِ، وَهُوَ الْمُسْتَسْلِمُ لِبَيْعِهِ مَمْنُوعٌ، وَلَهُ الْقِيَامُ إذَا وَقَعَ اهـ. وَنَقَلَهُ الْأَبِيُّ عَنْهُ، وَقَدْ اعْتَمَدَ فِي الشَّامِلِ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ، وَنَصُّهُ: وَهَلْ لِلْمَغْبُونِ فِي بَيْعٍ وَشِرَاءٍ مَقَالٌ مُطْلَقًا، أَوْ لِغَيْرِ الْعَارِفِ، وَإِنْ وَقَعَ عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ وَالِاسْتِرْسَالِ كَبِعْنِي، أَوْ اشْتَرِ مِنِّي مِثْلَ النَّاسِ لَا عَلَى وَجْهِ الْمُكَايَسَةِ، وَإِنْ أَخْبَرَهُ بِجَهْلِهِ بِالْقِيمَةِ، فَقَالَ لَهُ: هِيَ كَذَا إلَّا إنْ كَانَ عَارِفًا بِهَا، وَإِلَّا فَقَوْلَانِ: خِلَافٌ وَشُهِرَ عَدَمُ الْقِيَامِ مُطْلَقًا اهـ. فَقَوْلُهُ: وَشُهِرَ عَدَمُ الْقِيَامِ مُطْلَقًا يَقْتَضِي ذَلِكَ طَرِيقَةً رَابِعَةً فَإِنَّهُ بَدَأَ أَوَّلًا بِطَرِيقَةِ عَبْدِ الْوَهَّابِ عَلَى مَا نُقِلَ فِي الْجَوَاهِرِ وَالتَّوْضِيحِ، ثُمَّ بِطَرِيقَةِ ابْنِ رُشْدٍ، ثُمَّ بِطَرِيقَةِ الْمَازِرِيِّ، وَلَا يَحْتَاجُ لِإِثْبَاتِ الطَّرِيقَةِ الرَّابِعَةِ بِقَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إثْرَ حِكَايَتِهِ الطَّرِيقَةَ الثَّانِيَةَ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمَازِرِيِّ وَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا قِيَامَ بِالْغَبْنِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَذَهَبَ الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ إلَى الْقَوْلِ الثَّانِي اهـ. فَإِنَّهُ أَرَادَ الْمَشْهُورَ مِنْ الْقَوْلَيْنِ الْمَحْكِيَّيْنِ فِي هَذِهِ الطَّرِيقَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ.
قَالَ قَبْلَ هَذَا الْكَلَامِ: وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ أَقْرَبُ إلَى التَّحْقِيقِ اهـ. وَكَمَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ التَّوْضِيحِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مُرَادَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ تِلْكَ طَرِيقَةٌ مُخَالِفَةٌ لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَكَذَلِكَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ، وَلَوْ فُهِمَ أَنَّهَا طَرِيقَةٌ مُخَالِفَةٌ لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ لَنَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ كَمَا نَبَّهَ عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ رُشْدٍ فَتَأَمَّلْهُ مُنْصِفًا وَحِكَايَةُ الْمُصَنِّفِ لِلطَّرِيقَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ يَقْتَضِي أَنَّ الثَّانِيَةَ مُنَافِيَةٌ لِلثَّانِيَةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُمَا مُتَّفِقَتَانِ فِي هَذَا الْوَجْهِ الَّذِي يَثْبُتُ فِيهِ الْقِيَامُ بِالْغَبْنِ كَمَا
يَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ وَالْمَازِرِيِّ الْمُتَقَدِّمِ نَعَمْ يَتَخَالَفَانِ فِي الْوَجْهِ الْآخَرِ فَإِنَّ طَرِيقَةَ الْمَازِرِيِّ تَحْكِي الْخِلَافَ فِي الْقِيَامِ بِالْغَبْنِ، وَطَرِيقَةَ ابْنِ رُشْدٍ تَحْكِي الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ ابْنَ رُشْدٍ لَمْ يَنْفِ الْخِلَافَ مُطْلَقًا بَلْ ذَكَرَ ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ الْبَغْدَادِيِّينَ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَعْتَدَّ بِضَعْفِهِ عِنْدَهُ فَلَا مُنَافَاةَ فِي الْحَقِيقَةِ (الثَّالِثُ:) إذَا عُلِمَ هَذَا فَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَسْكَرٍ فِي الْعُمْدَةِ وَالْإِرْشَادِ مِنْ تَشْهِيرِ الْقَوْلِ بِالْقِيَامِ بِالْغَبْنِ مُطْلَقًا خِلَافُ الْمَعْرُوفِ فِي الْمَذْهَبِ، وَنَصُّ الْعُمْدَةِ: وَمَنْ بَاعَ، أَوْ ابْتَاعَ فَغُبِنَ غَبْنًا فَاحِشًا ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشُّيُوخِ: إنْ كَانَ بَصِيرًا بِقِيمَةِ الْمَبِيعِ فَلَا خِيَارَ لَهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ اسْتَسْلَمَ لِبَائِعِهِ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ وَإِلَّا فَلَا، وَمِثْلُهُ مَا حَكَاهُ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الطُّرْطُوشِيِّ، وَنَصُّهُ: قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ مَذْهَبُ مَالِكٍ: الْخِيَارُ فِيمَا خَرَجَ عَنْ الْمُعْتَادِ فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْقِيَامَ بِالْغَبْنِ فِي بَيْعِ الِاسْتِئْمَانِ وَالِاسْتِرْسَالِ هُوَ الْمَذْهَبُ، وَأَنَّهُ لَا قِيَامَ بِهِ فِي غَيْرِهِ إمَّا اتِّفَاقًا، أَوْ عَلَى الْمَشْهُورِ، فَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَا بِغَبْنٍ، وَلَوْ خَالَفَ الْعَادَةَ إلَّا الْمُسْتَرْسِلَ لَكَانَ مُقْتَصِرًا عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الرَّابِعُ:) قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ بَعْدَ أَنْ حَكَى مَا تَقَدَّمَ: وَالْغَبْنُ قِيلَ الثُّلُثُ وَقِيلَ مَا خَرَجَ عَنْ الْمُعْتَادِ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ حَيْثُ يَكُونُ لِلْمَغْبُونِ الرُّجُوعُ بِالْغَبْنِ إمَّا فِي مَحَلِّ الْوِفَاقِ، أَوْ فِي مَحَلِّ الْخِلَافِ فَقِيلَ قَدْرُ الْغَبْنِ فِي حَقِّ الْبَائِعِ أَنْ يَبِيعَ بِمَا يَنْقُصُ عَنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ الثُّلُثَ فَأَكْثَرَ، وَفِي حَقِّ الْمُشْتَرِي أَنْ تَزِيدَ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ قَدْرَ الثُّلُثِ فَأَكْثَرَ، وَقِيلَ لَا يُحَدُّ بِالثُّلُثِ، وَلَا بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَجْزَاءِ سِوَى مَا دَلَّتْ الْعَادَةُ عَلَى أَنَّهُ غَبْنٌ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ يَعْنِي ابْنَ الْحَاجِبِ أَنَّ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْغَبْنِ الْمُتَّفَقِ عَلَى اعْتِبَارِهِ فِي الْمُخْتَلَفِ فِي اعْتِبَارِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ أَنَّ الْغَبْنَ الْمُتَّفَقَ عَلَى اعْتِبَارِهِ لَا يُوصَلُ فِيهِ إلَى الثُّلُثِ، وَلَا إلَى مَا قَارَبَهُ إذَا خَرَجَ عَنْ الثَّمَنِ الْمُعْتَادِ فِي ذَلِكَ الْمَبِيعِ صَحَّ الْقِيَامُ بِهِ انْتَهَى.
وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَزَادَ فَقَالَ: وَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: إذَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، فَيَكُونُ قَوْلًا ثَالِثًا انْتَهَى.
، وَحَكَى ابْنُ عَرَفَةَ الثَّلَاثَةَ الْأَقْوَالِ وَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالتَّوْضِيحِ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مَا خَرَجَ عَنْ الْمُعْتَادِ وَصَدَّرَ بِهِ فِي الشَّامِلِ، وَعَطَفَ الْقَوْلَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ بِقِيلَ فَقَالَ: وَالْغَبْنُ مَا خَرَجَ عَنْ الْعَادَةِ، وَقِيلَ: الثُّلُثُ، وَقِيلَ: مَا زَادَ عَلَيْهِ انْتَهَى.
وَعَلَى أَنَّ مَا يَتَغَابَنُ بِهِ النَّاسُ لَا قِيَامَ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ التَّوْضِيحِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْجَوَاهِرِ فَقَالَ: إذَا قُلْنَا بِإِثْبَاتِ الْخِيَارِ بِالْغَبْنِ الْمُتَفَاحِشِ، فَقَدْ اخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي تَقْدِيرِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ حَدَّهُ بِالثُّلُثِ فَأَكْثَرَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا حَدَّ لَهُ، وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْعَوَائِدُ بَيْنَ التُّجَّارِ فَمَا عُلِمَ أَنَّهُ مِنْ التَّغَابُنِ الَّذِي يَكْثُرُ وُقُوعُهُ بَيْنَهُمْ وَيَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَلَا مَقَالَ فِيهِ لِلْمَغْبُونِ بِاتِّفَاقٍ، وَمَا خَرَجَ عَنْ الْمُعْتَادِ فَالْمَغْبُونُ فِيهِ بِالْخِيَارِ (الْخَامِسُ:) مِمَّا اُتُّفِقَ فِيهِ عَلَى الْقِيَامِ بِالْغَبْنِ مَا بَاعَهُ الْإِنْسَانُ عَنْ غَيْرِهِ فِي بَيْعٍ، أَوْ شِرَاءٍ مِنْ وَكِيلٍ، أَوْ وَصِيٍّ إذَا بَاعَ مَا لَا يَتَغَابَنُ بِهِ النَّاسُ أَنَّهُ مَرْدُودٌ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الْأَبْهَرِيُّ وَأَصْحَابُهُ يَذْهَبُونَ إلَى أَنَّ مَا لَا يُتَغَابَنُ بِمِثْلِهِ هُوَ الثُّلُثُ فَأَكْثَرُ مِنْ قِيمَةِ الْمَبِيعِ، وَمَا كَانَ دُونَ ذَلِكَ لَمْ يُرَدَّ فِيهِ الْبَيْعُ إذَا لَمْ يُقْصَدْ إلَيْهِ وَيُمْضَى فِيهِ اجْتِهَادُ الْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ وَأَشْبَاهِهِمَا، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَظَاهِرُ قَوْلِ أَبِي عِمْرَانَ قَدْرُ الْغَبْنِ فِي بَيْعِ الْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ كَقَدْرِهِ فِي بَيْعِ مَنْ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ، وَكَانَ بَعْضُ مَنْ لَقِينَاهُ يُنْكِرُ ذَلِكَ، وَيَقُولُ غَبْنُ الْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ مَا نَقَصَ عَنْ الْقِيمَةِ نَقْصًا بَيِّنًا، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الثُّلُثَ، وَهُوَ صَوَابٌ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الرِّوَايَةِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا كَقَوْلِهَا إذَا بَاعَ الْوَكِيلُ، أَوْ ابْتَاعَ بِمَا لَا يُشْبِهُ مِنْ الثَّمَنِ لَمْ يَلْزَمْكَ.
(السَّادِسُ:) إذَا قُلْنَا بِالْقِيَامِ بِالْغَبْنِ فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْوَصِيِّ وَالْوَكِيلِ وَغَيْرِهِ، فَهَلْ لِلْقَائِمِ نَقْضُ الْبَيْعِ، أَوْ الْمُطَالَبَةُ بِتَكْمِيلِ الثَّمَنِ، وَكَيْفَ لَوْ تَصَرَّفَ الْمُبْتَاعُ فِي ذَلِكَ بِبَيْعٍ سُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ يَتِيمٍ بَاعَ عَلَيْهِ وَصِيُّهُ حِصَّتَهُ مِنْ عَقَارٍ بِمُوجِبِ بَيْعِهِ لِشَرِيكِهِ فَكَمُلَ لِلشَّرِيكِ جَمِيعُ الْعَقَارِ، ثُمَّ بَاعَ الشَّرِيكُ نِصْفَ جَمِيعِ الْعَقَارِ، ثُمَّ رَشَدَ الْيَتِيمُ فَأَثْبَتَ أَنَّ عَقَارَهُ
يَوْمَ بَيْعِهِ يُسَاوِي أَمْثَالَ ثَمَنِهِ فَأَرَادَ نَقْضَ بَيْعِهِ بِذَلِكَ فِي جَمِيعِ مَا بِيعَ عَلَيْهِ وَالشُّفْعَةَ مِمَّنْ بَاعَ مِنْهُ شَرِيكُهُ فَأَفْتَى بِأَنَّ لَهُ نَقْضَ الْبَيْعِ فِيمَا هُوَ قَائِمٌ بِيَدِ الْمُبْتَاعِ مِنْ الْوَصِيِّ، وَهُوَ نِصْفُ حِصَّتِهِ لَا فِيمَا بَاعَهُ الْمُبْتَاعُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُمْضَى وَلَهُ فِيهِ فَضْلُ قِيمَتِهِ عَلَى ثَمَنِهِ يَوْمَ بَيْعِهِ لِفَوْتِهِ بِالْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ جَائِزٌ فِيهِ غَبْنٌ عَلَى مَنْ بِيعَ عَلَيْهِ يُرَدُّ مَا دَامَ قَائِمًا عَلَى اخْتِلَافٍ فِيهِ، فَقَدْ قِيلَ لِلْمُبْتَاعِ أَنْ يُوفِيَ تَمَامَ الْقِيمَةِ، وَلَا يَرُدَّ الْبَيْعَ، وَإِنْ لَمْ يَفُتْ، وَقِيلَ يُمْضَى لَهُ بِقَدْرِ الثَّمَنِ مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْبَيْعِ وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ قَائِمَةٌ مِنْ الْعُتْبِيَّةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٍ فِي سَمَاعِهِ مِنْ أَبِي زَيْدٍ وَلَهَا فِي الْمُدَوَّنَةِ نَظَائِرُ، وَالنِّصْفُ الْمَرْدُودُ عَلَى الْيَتِيمِ حِصَّتُهُ إنَّمَا تَرْجِعُ إلَيْهِ بِمِلْكٍ مُسْتَأْنَفٍ لَا عَلَى الْمِلْكِ الْأَوَّلِ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ عَلَى الْمُبْتَاعِ الثَّانِي لَا فِي بَقِيَّةِ حِصَّتِهِ.
وَلَا فِيمَا ابْتَاعَهُ مِنْ شُرَكَاءِ الْيَتِيمِ، وَلَا لَهُ عَلَى الْيَتِيمِ شُفْعَةٌ فِي الْحِصَّةِ الْمَرْدُودَةِ؛ إذْ لَيْسَ بِبَيْعٍ مَحْضٍ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْمَحْضَ مَا تَوَاطَأَ عَلَيْهِ الْمُتَبَايِعَانِ، وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ الْحِصَّةُ هُنَا مَغْلُوبٌ عَلَى إخْرَاجِهَا مِنْ يَدِهِ، فَهُوَ بَيْعٌ فِي حَقِّ الْيَتِيمِ لِأَخْذِهِ لَهُ بِاخْتِيَارِهِ، وَنَقْضُ بَيْعٍ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ مَغْلُوبٌ عَلَى ذَلِكَ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّ بَيْعَ الْغَبْنِ يُفِيتُهُ الْبَيْعُ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَاتَ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ فَأَحْرَى بَيْعُ الْغَبْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ إلَّا بِاخْتِيَارِ أَحَدِهِمَا، وَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ يَنْتَقِضُ جَبْرًا، وَهَذِهِ مِثْلُ مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ فِيمَنْ أَخْطَأَ فَبَاعَ سِلْعَةً مُرَابَحَةً بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِهَا فَقَامَ عَلَى الْمُبْتَاعِ، قَالَ فِيهَا: لَهُ الرُّجُوعُ فِي سِلْعَتِهِ إنْ لَمْ تَفُتْ وَيُفِيتُهَا مَا يُفِيتُ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ، وَلَا فَرْقَ فِي الْغَبْنِ عَنْ الْأَيْتَامِ فِيمَا بَاعَهُ الْوَصِيُّ وَبَيْنَ الْغَبْنِ عَلَى أَحَدٍ فِيمَا بَاعَهُ لِنَفْسِهِ فِيمَا يُوجِبُهُ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الرُّجُوعِ بِالْغَبْنِ انْتَهَى مُخْتَصَرًا بِاخْتِصَارِ ابْنِ عَرَفَةَ وَإِنْ خَالَفَ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ وَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الرَّاجِحَ مِنْ الْأَقْوَالِ أَنَّ لِلْقَائِمِ بِالْغَبْنِ نَقْضَ الْبَيْعِ فِي قِيَامِ السِّلْعَةِ، وَأَمَّا فِي فَوَاتِهَا فَلَا نَقْضَ وَأَنَّ الْقِيَامَ بِالْغَبْنِ يَفُوتُ بِالْبَيْعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(السَّابِعُ:) فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلرَّجُلِ الَّذِي يَخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ إنْ بَايَعْتَ فَقُلْ: لَا خِلَابَةَ فَكَانَ إذَا بَايَعَ يَقُولُ: لَا خِيَابَةَ بِالْيَاءِ مَوْضِعَ اللَّامِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي التَّنْبِيهِ الَّذِي بَعْدَهُ زَادَ بَعْضُ رُوَاةِ الْحَدِيثِ فِي غَيْرِ الصَّحِيحِ وَأَنْتَ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ ابْتَعْتُهَا عَلَى خِيَارٍ ثَلَاثَ لَيَالٍ، وَقَدْ تَجَاذَبَ الْحَدِيثَ مَنْ قَالَ بِالْقِيَامِ بِالْغَبْنِ وَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ فَقَالَ الْبَغْدَادِيُّونَ: قَدْ جُعِلَ الْخِيَارُ لِلْمَغْبُونِ، وَقَالَ غَيْرُهُمْ: لَمْ يُجْعَلْ لَهُ الْخِيَارُ إلَّا بِشَرْطٍ، وَلَا حُجَّةَ لِعَدَمِ الْقِيَامِ بِالْغَبْنِ (الثَّامِنُ:) .
قَالَ الْأَبِيُّ: وَانْظُرْ لَوْ قُلْت هَذِهِ الْكَلِمَةَ الْيَوْمَ فِي الْعَقْدِ، ثُمَّ ظَهَرَ الْعَيْبُ فَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: يُوجِبُ الْقِيَامَ بِالْغَبْنِ، وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: لَا يُوجِبُ قَوْلُهَا قِيَامًا بِالْغَبْنِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقِيلَ: لِأَنَّهَا خَاصَّةٌ بِالرَّجُلِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ وَيُصَدِّرَ الشَّرْطَ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ حَضًّا عَلَى النَّصِيحَةِ فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ لَهُ قُلْ لَا خِلَابَةَ وَاشْتَرِطْ الْخِيَارَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَقِيلَ: أَمَرَهُ بِذَلِكَ لِيَعْلَمَ مَنْ يَبِيعُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا بَصِيرَةَ لَهُ فَيَنْظُرُ لَهُ كَمَا يَنْظُرُ لِنَفْسِهِ انْتَهَى.
وَالْخِلَابَةُ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْخَدِيعَةُ، وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: فَكَانَ إذَا بَايَعَ قَالَ لَا خِيَابَةَ بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَلْثَغَ يُخْرِجُ اللَّامَ مِنْ مَخْرَجِ الْيَاءِ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِالنُّونِ، وَهُوَ تَصْحِيفٌ، وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ لَا خِذَابَةَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ: وَهَذَا الرَّجُلُ اسْمُهُ حِبَّانُ بِالْحَاءِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالِدُ يَحْيَى وَوَاسِعُ بْنُ حِبَّانَ كَانَ قَدْ بَلَغَ مِائَةً وَثَلَاثِينَ سَنَةً شُجَّ فِي بَعْضِ الْمَغَازِي مَعَهُ صلى الله عليه وسلم فَأَصَابَتْهُ مَأْمُومَةٌ تَغَيَّرَ مِنْهَا لِسَانُهُ وَعَقْلُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
ص (وَرَدَ فِي عُهْدَةِ الثَّلَاثِ بِكُلِّ حَادِثٍ إلَّا أَنْ يَبِيعَ بِبَرَاءَةٍ)
ش: قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ: وَمَا بِيعَ مِنْ الرَّقِيقِ بِغَيْرِ بَرَاءَةٍ فَمَاتَ فِي الثَّلَاثَةِ، أَوْ أَصَابَهُ مَرَضٌ، أَوْ عَيْبٌ، أَوْ مَا يُعْلَمُ أَنَّهُ دَاءٌ فَهُوَ مِنْ الْبَائِعِ وَلِلْمُبْتَاعِ رَدُّهُ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ، أَوْ غَرِقَ، أَوْ سَقَطَ مِنْ حَائِطٍ، أَوْ خَنَقَ نَفْسَهُ كَانَ مِنْ الْبَائِعِ فِي الثَّلَاثِ، وَلَوْ جُرِحَ، أَوْ قُطِعَ لَهُ عُضْوٌ كَانَ مَا نَقَصَهُ لِلْبَائِعِ، ثُمَّ يُخَيَّرُ
الْمُبْتَاعُ فِي قَبُولِهِ مَعِيبًا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، أَوْ رَدِّهِ.
قَالَ ابْنُ يُونُسَ، وَأَمَّا إنْ بَاعَهُ بِالْبَرَاءَةِ فَمَاتَ فِي الثَّلَاثِ، أَوْ أَصَابَهُ عَيْبٌ فَهُوَ مِنْ الْمُبْتَاعِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْبَائِعِ، وَمِنْ الْعُتْبِيَّةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مَا حَدَثَ فِي الْعَبْدِ فِي الثَّلَاثِ مِنْ زِنًا، أَوْ سَرِقَةٍ، أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ ابْنُ الْمَوَّازِ، أَوْ إبَاقٍ فَلِلْمُبْتَاعِ رَدُّهُ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إنْ أَصَابَهُ حُمَّى، أَوْ عَمْشٌ، أَوْ بَيَاضٌ بِعَيْنِهِ، وَمَا ذَهَبَ قَبْلَ الثَّلَاثِ فَلَا رَدَّ لَهُ بِهِ.
قَالَ: أَمَّا الْحُمَّى فَلَا يُعْلَمُ ذَهَابُهَا، وَلْيَتَأَنَّ بِهَا، فَإِنْ عَاوَدَتْهُ بِالْقُرْبِ رَدَّهُ، وَإِنْ بَعْدَ الثَّلَاثِ لَا أَزْيَدَ، وَذَلِكَ فِيهَا انْتَهَى.
وَنَصَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَبْلَ الْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى أَنَّهُ إذَا أَصَابَتْ الْعَبْدَ حُمَّى فِي الثَّلَاثِ، أَوْ بَيَاضٌ فِي الثَّلَاثِ أَنَّهُ لَا يُرَدُّ بَعْدَ ذَلِكَ (فَرْعٌ:) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَا يُرَدُّ الْعَبْدُ بِذَهَابِ مَالِهِ فِي الثَّلَاثِ.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّهُ لَا حَظَّ لَهُ فِي مَالِهِ، وَلَوْ تَلِفَ فِي الْعُهْدَةِ وَبَقِيَ مَالُهُ انْتَقَضَ بَيْعُهُ، وَلَيْسَ لِمُبْتَاعِهِ حَبْسُ مَالِهِ بِثَمَنِهِ انْتَهَى، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ هَذَا الْفَرْعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَانْظُرْهُ.
ص (وَدَخَلَتْ فِي الِاسْتِبْرَاءِ)
ش: يَعْنِي أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ عُهْدَةٌ لِثَلَاثٍ، وَالِاسْتِبْرَاءُ الْمُرَادُ بِهِ الْمُوَاضَعَةُ فَإِنَّ عُهْدَةَ الثَّلَاثِ تَدْخُلُ فِي الِاسْتِبْرَاءِ.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: هَذَا إذَا أَقَامَتْ فِي الِاسْتِبْرَاءِ ثَلَاثَ لَيَالٍ، أَوْ أَزْيَدَ، وَأَمَّا إنْ كَانَ لِلِاسْتِبْرَاءِ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثٍ فَلَا بُدَّ مِنْ تَمَامِ عُهْدَةِ الثَّلَاثِ، وَلَا تَدْخُلُ عُهْدَةُ الثَّلَاثِ فِي الْمُوَاضَعَةِ فِي السَّنَةِ إنَّمَا تَكُونُ عُهْدَةُ السَّنَةِ بَعْدَ مُضِيِّ الثَّلَاثِ، وَالِاسْتِبْرَاءُ قَالَهُ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ وَحَصَّلَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ اغْتَسَلَ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْعِتْقِ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَيَبْدَأُ بِالِاسْتِبْرَاءِ، ثُمَّ بِالثَّلَاثِ، ثُمَّ بِالسَّنَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْمَشَايِخِ وَالثَّانِي أَنَّهُنَّ يَتَدَاخَلْنَ، فَيَكُونُ ابْتِدَاءُ الِاسْتِبْرَاءِ، وَعُهْدَةُ الثَّلَاثِ، وَعُهْدَةُ السَّنَةِ فِي يَوْمِ عَقْدِ الْبَيْعِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْوَاضِحَةِ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَالثَّالِثُ: الِاسْتِبْرَاءُ وَعُهْدَةُ الثَّلَاثِ يَتَدَاخَلَانِ، فَيَكُونَانِ مِنْ يَوْمِ الْبَيْعِ، وَعُهْدَةُ السَّنَةِ بَعْدَ تَمَامِهَا، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي رَسْمِ الْأَقْضِيَةِ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ، وَدَلِيلُ قَوْلِهِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ قَالَ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ عُهْدَةِ الثَّلَاثِ وَعُهْدَةِ السَّنَةِ أَنَّ عُهْدَةَ الثَّلَاثِ وَالِاسْتِبْرَاءَ يَتَّفِقَانِ فِي الضَّمَانِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ بِخِلَافِ عُهْدَةِ السَّنَةِ.
(فَرْعٌ:) وَعُهْدَةُ الثَّلَاثِ وَالسَّنَةِ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ بَعْدَ انْبِرَامِهِ قَالَهُ فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ.
(فَرْعٌ:) وَلَا يُحْسَبُ الْيَوْمُ الَّذِي عُقِدَ فِيهِ الْبَيْعُ عَلَى الْمَشْهُورِ نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَابْنُ عَرَفَةَ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُمْ.
ص (وَالنَّفَقَةُ وَالْأَرْشُ كَالْمَوْهُوبِ لَهُ إلَّا الْمُسْتَثْنَى مَالُهُ)
ش: هَذَا هُوَ الْمَوْجُودُ فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ غَازِيٍّ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ خَبَرُ النَّفَقَةِ حُذِفَ لِلْعِلْمِ بِهِ وَالِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ لِمَا وُهِبَ لَهُ فَقَطْ كَمَا.
قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ وَقَوْلُ الْبِسَاطِيِّ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لِلْجَمِيعِ، وَلَا يَبْعُدُ مِنْ الرِّوَايَاتِ خِلَافُهُ فَالصَّوَابُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ غَازِيٍّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَاكْتَفَى الْمُصَنِّفُ بِالنَّفَقَةِ عَنْ الْكِسْوَةِ لِدُخُولِهَا فِيهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي النَّفَقَاتِ، وَقَوْلُهُ: وَالْأَرْشُ يَعْنِي إذَا جَنَى عَلَى الْعَبْدِ فِي أَيَّامِ الْعُهْدَةِ فَأَرْشُ الْجِنَايَةِ لِلْبَائِعِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي لَفْظِ الْمُدَوَّنَةِ وَأَنَّ لِلْمُشْتَرِي حِينَئِذٍ الْخِيَارَ فِي قَبُولِهِ مَعِيبًا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، أَوْ رَدِّهِ.
قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَرَأَى ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ أَنَّ الْبَيْعَ يُفْسَخُ هُنَا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْأَرْشِ مَوْقُوفٌ عَلَى الْبُرْءِ لَا يُعْلَمُ أَمْرُهُ فَلَا يَتَأَتَّى لِلْمُشْتَرِي انْتِفَاعٌ بِالْعَبْدِ مِنْ أَجْلِ وَقْفِهِ لِلْجِنَايَةِ قَالَ: إلَّا أَنْ يُسْقِطَ الْبَائِعُ عَنْ الْجَانِي الْقِيَامَ بِالْجِنَايَةِ، فَيَجُوزُ الْبَيْعُ حِينَئِذٍ لِزَوَالِ الْوَقْفِ؛ إذْ أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ مُهْلِكَةً فَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَرِيضٍ بِخِلَافِ مَوْتِهِ وَرَدَّ ابْنُ عَرَفَةَ كَلَامَ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ إنَّمَا يَأْخُذُهُ بِالْعَقْدِ السَّابِقِ، وَقَدْ كَانَ بَتًّا، وَالْخِيَارُ طَارِئٌ فَهُوَ كَخِيَارِ الْعَيْبِ فَتَأَمَّلْهُ، وَحَكَى فِي الشَّامِلِ كَلَامَ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ بِقِيلَ: وَقَوْلُهُ: كَالْمَوْهُوبِ أَيْ مَا وُهِبَ لِلْعَبْدِ فِي عُهْدَةِ الثَّلَاثِ وَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ يُرِيدُ، أَوْ نَمَا مَالُهُ بِرِبْحٍ فَإِنَّهُ لِبَائِعِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي اسْتَثْنَى مَالَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ لِلْمُشْتَرِي هَكَذَا قَالَ فِي سَمَاعِ عِيسَى: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الْقِيَاسُ لِلْبَائِعِ يَعْنِي، وَلَوْ
اشْتَرَطَ الْمُشْتَرِي قَالَ: وَمَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ اسْتِحْسَانٌ اهـ وَاَلَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ ذَلِكَ لِلْبَائِعِ لَكِنْ قَيَّدَهُ الشُّيُوخُ بِمَا فِي سَمَاعِ عِيسَى (فَرْعٌ:) لَمْ يَتَكَلَّمْ الْمُصَنِّفُ عَلَى غَلَّةِ الْعَبْدِ فِي أَيَّامِ الْعُهْدَةِ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: إنَّ الْغَلَّةَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْمَشْهُورِ.
قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ كَلَامِ الْجَوَاهِرِ، وَفِي نَقْلِهِمَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِي الثَّلَاثِ، أَوْ أَوْصَى بِهِ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ الْمُشْتَرِي مَالَهُ فَهُوَ لِلْبَائِعِ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّ الْقَاضِي أَبَا مُحَمَّدٍ أَشَارَ إلَى ارْتِفَاعِ الْخِلَافِ فِي الْغَلَّةِ، وَأَنَّهَا لِلْمُشْتَرِي قَالَ: وَلَوْ كَانَ الْمَنْصُوصُ مِنْ هُنَا أَنَّ ذَلِكَ لِلْبَائِعِ اهـ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي الْغَلَّةِ: لَا أَعْرِفُ فِيهَا نَصًّا وَيَجْرِي عَلَى نَمَاءِ مَالِهِ بِالْعَطِيَّةِ لِلْبَائِعِ وَلِابْنِ شَاسٍ الْغَلَّةُ لِمُبْتَاعِهِ وَرَأَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهَا لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ اهـ. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ: وَفِي الْغَلَّةِ خِلَافٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَفِي عُهْدَةِ السَّنَةِ بِجُذَامٍ وَبَرَصٍ وَجُنُونٍ)
ش: قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَوْ جُنَّ فِي رَأْسِ شَهْرٍ وَاحِدٍ مِنْ السَّنَةِ، ثُمَّ لَمْ يُعَاوِدْهُ لَرُدَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ ذَهَابُهُ، وَلَوْ جُنَّ عِنْدَهُ فِي السَّنَةِ، ثُمَّ انْقَطَعَ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ حَتَّى يُبَيِّنَ إذْ لَا يُؤْمَنُ عَوْدَتُهُ، وَلَوْ أَصَابَهُ فِي السَّنَةِ جُذَامٌ، أَوْ بَرَصٌ، ثُمَّ بَرِئَ قَبْلَ عِلْمِ الْمُبْتَاعِ بِهِ لَمْ يُرَدَّ إلَّا أَنْ يَخَافَ عَوْدَتَهُ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ، فَيَكُونُ كَالْجُنُونِ، وَلَيْسَ لَهُ رَدُّهُ مِنْ الْجَرَبِ وَالْحُمْرَةِ، وَإِنْ انْسَلَخَ وَوَرِمَ، وَلَا مِنْ الْبَهَقِ فِي السَّنَةِ، وَلَوْ أَصَابَهُ صَمَمٌ، أَوْ خَرَسٌ لَمْ يُرَدَّ إذَا كَانَ مَعَهُ عَقْلُهُ (فَرْعٌ:) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَلَوْ ظَهَرَ فِي السَّنَةِ مَا شَكَّ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ فِي كَوْنِهِ جُذَامًا كَخِفَّةِ الْحَاجِبَيْنِ، وَرَفَعَ الْمُبْتَاعُ أَمْرَهُ لِلْقَاضِي فَفِي الرَّدِّ بِهِ قَوْلَانِ لِسَمَاعِ يَحْيَى مِنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ ابْنِ رُشْدٍ عَنْ مُحَمَّدٍ وَابْنِ حَبِيبٍ، وَنَقَلَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَأَشْهَبُ وَأَصْبَغُ وَمُحَمَّدٌ مَعَ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ كِنَانَةَ وَصَوَّبَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَالْبَاجِيُّ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ وَأَشْهَبَ وَلِابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ يُرِيدُ بِمَا يَقْضِي بَعْدَ السَّنَةِ إذَا شَكَّ فِيهِ قَبْلَ انْقِضَائِهَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إذَا مَسَّهُ فِي السَّنَةِ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ إلَّا بَعْدَهَا رَدَّ بِهِ، وَفِي سَمَاعِ يَحْيَى فِي الْبَرَصِ كَالْجُذَامِ اهـ. وَالْمَسْأَلَةُ فِي رَسْمِ الْكَيِّسِ وَالْأَقْضِيَةِ مِنْ سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ كِتَابِ الرَّدِّ بِالْعُيُوبِ، وَانْظُرْ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ عَلَيْهَا، وَكَلَامَ الْبَاجِيِّ فِي الْمُنْتَقَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَإِنْ اشْتَرَطَا، أَوْ اُعْتِيدَ)
ش: يُرِيدُ، أَوْ أَمَرَ بِهِمَا الْحَاكِمُ، وَحَمَلَ النَّاسَ عَلَيْهِمَا، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ اكْتَفَى عَنْ ذَلِكَ بِمَا اُعْتِيدَا.
(تَنْبِيهٌ:) لَا بُدَّ فِي اشْتِرَاطِهَا مِنْ التَّصْرِيحِ بِهِمَا، وَلَا يَكْفِي قَوْلُهُ: اشْتَرَى عَلَى عُهْدَةِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ إنَّمَا هُوَ ضَمَانٌ فِي الْعَيْبِ وَالِاسْتِحْقَاقِ وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ: وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَإِذَا كَتَبَ الشِّرَاءَ فِي غَيْرِ بَلَدِ الْعُهْدَةِ، وَلَهُ عُهْدَةُ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ إذَا لَمْ يُجْبَرْ فِيهِمْ اهـ. وَنَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ أَيْضًا
ص (وَلِلْمُشْتَرِي إسْقَاطُهُمَا)
ش: اُنْظُرْ إذَا شَرَطَ الْبَائِعُ إسْقَاطَهُمَا حَكَى فِي التَّوْضِيحِ هُنَا عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ ذَلِكَ لَهُ، وَحَكَى بَعْدَ هَذَا فِي الْكَلَامِ عَلَى ثِيَابِ مُهِمَّةِ الْعَبْدِ لَا يُوفَى لَهُ بِالشَّرْطِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الْمُخْتَصَرِ هُنَا فَقَالَ: وَهَلْ يُوفَى بِعَدَمِهَا، وَقَدْ بَسَطْتُ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ فِي تَحْرِيرِ الْكَلَامِ عَلَى مَسَائِلِ الِالْتِزَامِ.
ص (لَا فِي مُنْكَحٍ بِهِ
أَوْ مُخَالَعٍ إلَى آخِرِهِ)
ش: ذَكَرَ فِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ مِنْ كِتَابِ الْعُيُوبِ غَالِبَ هَذِهِ النَّظَائِرِ أَمَّا الْمُنْكَحُ بِهِ فَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا عُهْدَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ طَرِيقَهُ الْمُكَارَمَةُ وَيَجُوزُ فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ وَالْمَجْهُولِ مَا لَا يَجُوزُ فِي الْبُيُوعِ، وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ نِحْلَةً، وَالنِّحْلَةُ مَا لَمْ يُتَعَوَّضْ عَلَيْهِ وَقَالَ أَشْهَبُ: فِيهِ الْعُهْدَةِ قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ.
قَالَ مَالِكٌ: أَشْبَهُ شَيْءٍ بِالْبُيُوعِ النِّكَاحُ، وَأَمَّا الْمُخَالَعُ بِهِ، فَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ رُشْدٍ فِيهِ خِلَافًا بَلْ قَالَ: وَأَمَّا الْمُخَالَعُ بِهِ فَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ عُهْدَةٌ؛ لِأَنَّ طَرِيقَهُ الْمُنَاجَزَةُ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَمَّا كَانَتْ تَمْلِكُ نَفْسَهَا بِالْخُلْعِ مِلْكًا تَامًّا نَاجِزًا لَا يَتَعَقَّبُهُ رَدٌّ، وَلَا فَسْخٌ وَجَبَ أَنْ يَمْلِكَ الزَّوْجُ الْعِوَضَ مِلْكًا نَاجِزًا قَالَ: وَأَمَّا الْمُصَالَحُ بِهِ مِنْ دَمِ عَمْدٍ، وَمِثْلُهُ الْمَأْخُوذُ مِنْ دَيْنٍ فَإِنَّمَا لَمْ تَكُنْ فِيهِ عُهْدَةٌ لِوُجُوبِ الْمُنَاجَزَةِ فِي ذَلِكَ أَمَّا الْعَبْدُ الْمُسْلَمُ فِيهِ فَيُذْكَرُ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ يَرَى الْعُهْدَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُشْتَرًى بِعَيْنِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ بِصِفَةٍ فَأَشْبَهَ الْعَرَضَ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا كَانَ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ، وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا عُهْدَةَ فِيهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ يَقْتَضِي الْمُنَاجَزَةَ قَالَ: وَهَذَا قَائِمٌ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ: وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمُقْرَضُ فَقَالَ: لَا اخْتِلَافَ أَنَّهُ لَا عُهْدَةَ فِيهِ؛ إذْ لَيْسَ بِبَيْعٍ، وَالْعُهْدَةُ إنَّمَا هِيَ فِيمَا اُشْتُرِيَ مِنْ الرَّقِيقِ قَالَ: وَأَمَّا الْعَبْدُ الْمُشْتَرَى عَلَى صِفَةٍ قَائِمَةٍ لَمْ تَكُنْ فِيهِ عُهْدَةٌ؛ لِأَنَّ وَجْهَ الْبَيْعِ يَقْتَضِي إسْقَاطَهَا لِاقْتِضَائِهِ التَّنَاجُزَ إذَا كَانَ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ الْغَائِبَ عَلَى مَا أُدْرِكَتْ الصَّفْقَةُ حَيًّا مَجْمُوعًا فَهُوَ مِنْ الْمُبْتَاعِ.
فَإِنْ اشْتَرَطَ الصَّفْقَةَ لَمْ تَكُنْ فِيهِ عُهْدَةٌ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الصَّفْقَةِ بَيْعٌ مُؤَخَّرٌ قَاطِعٌ لِلضَّمَانِ وَالْعُهْدَةِ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ ذَلِكَ فَمَرَّةً حَمَلَ مَالِكٌ الْبَيْعَ عَلَى ذَلِكَ وَمَرَّةً جَعَلَ السِّلْعَةَ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ حَتَّى يَقْبِضَهَا الْمُبْتَاعُ، فَيَكُونُ قَبْضُهُ لَهَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ قَبْضًا نَاجِزًا لَا عُهْدَةَ فِيهِ اهـ. وَمَعْنَى كَلَامِهِ: أَنَّ الْبَائِعَ إنْ شَرَطَ عَلَى الْمُبْتَاعِ أَنَّ ضَمَانَ الْمَبِيعِ مِنْهُ أَدْرَكَتْهُ الصَّفْقَةُ فَذَلِكَ مُقْتَضٍ لِإِسْقَاطِ الضَّمَانِ وَالْعُهْدَةِ إذَا أَدْرَكَتْهُ الصَّفْقَةُ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ إذَا وَصَلَ لِلْمُشْتَرِي قَبْضُهُ كَانَ ذَلِكَ مُسْقِطًا لِلضَّمَانِ وَالْعُهْدَةِ قَالَ: وَأَمَّا الْمُقَاطَعُ بِهِ فَإِنَّمَا لَمْ تَكُنْ فِيهِ عُهْدَةٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ عَبْدًا بِعَيْنِهِ فَكَأَنَّهُ انْتَزَعَهُ مِنْهُ وَأَعْتَقَهُ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَأَشْبَهَ الْمُسْلَمَ فِيهِ الثَّابِتَ فِي الذِّمَّةِ فَسَقَطَتْ الْعُهْدَةُ قَالَ: وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ أَنَّهُ لَا عُهْدَةَ فِي الْعَبْدِ الْمَوْهُوبِ عَلَى ذَلِكَ، وَالْوَجْهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ بَيْعٌ عَلَى الْمُكَارَمَةِ لَا عَلَى الْمُكَايَسَةِ، وَهُوَ يُشْبِهُ الْعَبْدَ الْمُنْكَحَ بِهِ فَيَدْخُلُ فِيهِ مِنْ
الِاخْتِلَافِ مَا دَخَلَ فِي الْعَبْدِ الْمُنْكَحِ بِهِ قَالَ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْعُهْدَةِ فِي الْعَبْدِ الْمُسْتَقَالِ مِنْهُ فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَأَصْبَغُ فِيهِ الْعُهْدَةُ وَقَالَ سَحْنُونٌ: لَا عُهْدَةَ فِيهِ.
وَهَذَا عِنْدِي إذَا لَمْ يَنْتَقِدْ، وَأَمَّا إنْ كَانَ انْتَقَدَ فَالْعُهْدَةُ فِي ذَلِكَ قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ كَالْعَبْدِ الْمَأْخُوذِ مِنْ دَيْنٍ.
ص (وَاسْتَمَرَّ بِمِعْيَارِهِ، وَلَوْ تَوَلَّاهُ الْمُشْتَرِي)
ش: قَالَ الْبُرْزُلِيُّ وَسُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ الْمِكْيَالِ إذَا امْتَلَأَ هَلْ ضَمَانُهُ مِنْ الْبَائِعِ، أَوْ مِنْ الْمُبْتَاعِ وَكَيْفَ لَوْ صَبَّهُ فِي الْقِمْعِ، ثُمَّ أُرِيقَ كُلُّهُ، أَوْ فَضَلَ بَعْضُهُ فِي إنَاءِ الْمُشْتَرِي هَلْ فِيهِ الْقَوْلَانِ فَأَجَابَ: ضَمَانُهُ مِنْ الْبَائِعِ مَا لَمْ يَحْصُلْ فِي إنَاءِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ التَّوْفِيَةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ إرَاقَتِهِ مِنْ الْمِكْيَالِ، أَوْ الْقِمْعِ فَقَالَ: السَّائِلُ الْقِمْعُ مِنْ مَنَافِعِ الْمُشْتَرِي تَطَوَّعَ لَهُ الْبَائِعُ بِهِ، وَلَوْ كَانَ الْإِنَاءُ وَاسِعًا لَمْ يَحْتَجْ إلَى قِمْعٍ فَقَالَ: وَإِنْ كَانَ فَإِنَّ الْبَائِعَ لَمَّا الْتَزَمَ صَبَّ الْقِمْعِ لَهُ لَزِمَهُ مَا حَدَثَ بَعْدَهُ فَقَالَ السَّائِلُ لَوْ قَالَ لَهُ الْبَائِعُ فِي الْإِنَاءِ الضَّيِّقِ لَا أَصُبُّ حَتَّى تَأْتِيَ بِإِنَاءٍ وَاسِعٍ، أَوْ قِمْعٍ قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُهُ وَتَعَقَّبَ غَيْرُ السَّائِلِ هَذَا الْحُكْمَ الْأَخِيرَ.
وَقَالَ: الصَّوَابُ إلْزَامُ الْقِمْعِ لَهُ بِعُرْفِ النَّاسِ وَعَادَتِهِمْ كَمَا يَلْزَمُهُ إحْضَارُ الْمِكْيَالِ فِيمَا يُكَالُ إذَا كَانَ عُرْفُ النَّاسِ؛ لِأَنَّ الْمُبْتَاعَ تَرَتَّبَ لَهُ فِي ذِمَّةِ الْبَائِعِ الْكَيْلُ كَمَا يَفْعَلُ النَّاسُ، وَأُلْزِمَ الْمُتَعَقِّبُ هَذَا الْقَوْلَ.
قَالَ السَّائِلُ وَالْأَوَّلُ أَحَبُّ إلَيَّ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْكَيْلَ يَلْزَمُ الْمَكِيلَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأَوْفُوا الْكَيْلَ} [الأعراف: 85] وَالْقِمْعَ تَفَضُّلٌ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ يُلْزِمَ نَفْسَهُ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ فَتَاوَى ابْنِ رُشْدٍ لِابْنِ عَبْدِ الرَّفِيعِ التُّونُسِيِّ مَسْأَلَةٌ: لَا يَضْمَنُ الْمُشْتَرِي الزَّيْتَ حَتَّى يَصِيرَ فِي إنَائِهِ، وَلَوْ صَبَّهُ الْبَائِعُ فِي الْقِمْعِ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّوْفِيَةِ، وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ إذَا قَالَ الْبَائِعُ: لَا أَصُبُّ إلَّا فِي إنَاءٍ وَاسِعٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى قِمْعٍ هَلْ يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ، أَوْ لَا؟ انْتَهَى.
(فَرْعٌ:) قَالَ سَنَدٌ فِي بَابِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ فِي مَسْأَلَةِ وُصُولِ الْمَاءِ لِفَرْجِ الْمَرْأَةِ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ مَسْأَلَةٌ مَنْ بَاعَ زَيْتًا وَأَفْرَغَهُ الْمُبْتَاعُ عَلَى زَيْتٍ عِنْدَهُ، ثُمَّ وَجَدَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي إنَاءِ الْمُبْتَاعِ فَأْرَةً، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْ أَيِّ الزَّيْتَيْنِ هِيَ فَإِنَّا نَحْكُمُ بِهِ مِنْ زَيْتِ الْمُبْتَاعِ؛ لِأَنَّهُ فِي وِعَائِهِ انْتَهَى.
ص (وَقَبْضُ الْعَقَارِ بِالتَّخْلِيَةِ وَغَيْرُهُ بِالْعُرْفِ)
ش: أَيْ وَقَبْضُ غَيْرِ الْعَقَارِ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ بِالْعُرْفِ، وَأَمَّا مَا فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ، فَقَدْ بَيَّنَ الْقَبْضَ فِيهِ بِمَاذَا يَكُونُ (تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ:) إنَّمَا نَبَّهَ عَلَى الْقَبْضِ فِي الْعَقَارِ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ حَقُّ
تَوْفِيَةٍ، وَإِنْ كَانَ الضَّمَانُ فِيهِ بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ عَقِبَهُ: وَضَمِنَ بِالْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ قُدِّمَ فِي آخِرِ فَصْلِ الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا فِي الْكَلَامِ عَلَى الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَنَّ الضَّمَانَ فِيهِ لَا يَنْتَقِلُ إلَّا بِالْقَبْضِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ هُنَالِكَ الْقَبْضَ بِمَا هُوَ فِيهِ فَبَيَّنَهُ هُنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّانِي:) التَّمْكِينُ مِنْ الْقَبْضِ هُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُوَثِّقِينَ: أُنْزِلُهُ فِيهِ مَنْزِلَتَهُ.
قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُتَيْطِيَّةِ: وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ إنْزَالُ الْمُبْتَاعِ فِي الْبَيْعِ فَيَقُولُ: وَأُنْزِلُهُ فِيهِ مَنْزِلَتَهُ، فَإِنْ تَأَخَّرَ إنْزَالُهُ عَنْ وَقْتِ الْبَيْعِ أَنْزَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَمَعْنَاهُ: مَكَّنَهُ مِنْ قَبْضِهِ وَحَوْزِهِ إيَّاهُ انْتَهَى.
ص (وَإِلَّا الْمُوَاضَعَةَ فَبِخُرُوجِهَا مِنْ الْحَيْضَةِ)
ش: تَبِعَ رحمه الله فِي هَذَا الْكَلَامِ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَقِيلَ: لَا يَنْتَقِلُ إلَّا بِالْقَبْضِ كَالشَّيْءِ الْغَائِبِ وَالْمُوَاضَعَةِ فَمَا نَصَّهُ لَيْسَ ذِكْرُ الْمُوَاضَعَةِ هُنَا بِالْبَيِّنِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ فِيهَا يَنْتَهِي إلَى خُرُوجِ الْأَمَةِ مِنْ الْحَيْضَةِ لَا إلَى قَبْضِ الْمُشْتَرِي انْتَهَى.
زَادَ فِي التَّوْضِيحِ فَقَالَ: بَلْ الَّذِي نَقَلَ الْبَاجِيُّ أَنَّ الضَّمَانَ يَنْتَهِي لِرُؤْيَةِ الدَّمِ.
قَالَ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَجَازَ لِلْمُشْتَرِي الِاسْتِمْتَاعَ بِرُؤْيَةِ الدَّمِ انْتَهَى.
وَجَعَلَ الشَّارِحُ كَلَامَ الْبَاجِيِّ خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَجَعَلَ الْمُعْتَمَدَ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَنَصَّهُ فِي الْوَسَطِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إلَّا الْمُوَاضَعَةَ أَيْ فَلَا يُزَالُ ضَمَانُ الْبَائِعِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ الْحَيْضَةِ فَحِينَئِذٍ يَضْمَنُهَا الْمُبْتَاعُ وَقَالَ الْبَاجِيُّ: يَنْتَهِي الضَّمَانُ فِي حَقِّ بَائِعِهَا إلَى رُؤْيَةِ الدَّمِ، ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ كَلَامِهِ وَنَحْوُهُ فِي الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ (قُلْت) وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ وَالشَّارِحِ فِي شُرُوحِهِ أَنَّ الْبَاجِيَّ إنَّمَا أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَنَّ الْمَشْهُورَ خِلَافُهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الِاسْتِبْرَاءِ بِأَنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ بِرُؤْيَةِ الدَّمِ، وَنَصُّهَا: وَأَكْرَهُ تَرْكَ الْمُوَاضَعَةِ وَائْتِمَانَ الْمُبْتَاعِ عَلَى الِاسْتِبْرَاءِ، فَإِنْ فَعَلَا أَجْزَأَهُ إنْ قَبَضَهَا عَلَى الْأَمَانَةِ وَهِيَ مِنْ الْبَائِعِ حَتَّى تَدْخُلَ فِي أَوَّلِ دَمِهَا انْتَهَى.
وَنَقَلَ الْبَاجِيُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَنَصُّهُ: إذَا ثَبَتَ أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ وَالْمُوَاضَعَةَ يَقَعُ بِانْقِضَاءِ الْمُوَاضَعَةِ وَذَلِكَ بِظُهُورِ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ بِأَوَّلِ الدَّمِ قَدْ خَرَجَتْ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَسَقَطَتْ سَائِرُ أَحْكَامِ الْمُوَاضَعَةِ، وَتَقَرَّرَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهَا، وَهَلْ يَحِلُّ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا، أَوْ لَا؟ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: ذَلِكَ لَهُ بِأَوَّلِ مَا تَدْخُلُ فِي الدَّمِ، وَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ: إنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا رَأَتْهُ مِنْ الدَّمِ حَيْضَةٌ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: قَالَ بَعْضُ فُقَهَائِنَا الْقَرَوِيِّينَ: وَبِأَوَّلِ دُخُولِهَا فِي الدَّمِ صَارَتْ إلَى ضَمَانِ الْمُشْتَرِي عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَحَلَّ لَهُ أَنْ يُقَبِّلَ، وَيَتَلَذَّذَ وَخَالَفَ ابْنُ وَهْبٍ وَقَالَ حَتَّى تَسْتَمِرَّ الْحَيْضَةُ لِإِمْكَانِ انْقِطَاعِ الدَّمِ فَلَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي إلَّا بَعْدَ اسْتِحْقَاقِ الدَّمِ وَاسْتِمْرَارِهِ انْتَهَى.
فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَحْكِ قَوْلًا بِاسْتِمْرَارِ الضَّمَانِ إلَى خُرُوجِهَا مِنْ الْحَيْضَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ:) وَتَكُونُ النَّفَقَةُ عَلَى الْبَائِعِ فِي مُدَّةِ الْمُوَاضَعَةِ كَمَا قَالَهُ فِي الرِّسَالَةِ وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: الْمُوَاضَعَةُ أَنَّ ضَمَانَهَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُوَاضَعَةً عَلَى الْمُشْتَرِي، وَلَوْ كَانَتْ فِي أَيَّامِ الِاسْتِبْرَاءِ، وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَهُ الْجُزُولِيُّ فِي الْكَبِيرِ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي بَابِ الْعِدَّةِ: وَاسْتِبْرَاءُ الْأَمَةِ فِي انْتِقَالِ الْمِلْكِ حَيْضَةٌ، وَنَصَّهُ: فِي أَثْنَاءِ تَعْلِيلِ مَسْأَلَةِ وَفِي اسْتِبْرَاءٍ ضَمَانُهَا مِنْ الْمُشْتَرِي