الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنَّهُ لَا يُلْزِمُهُ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ، وَذَكَرَ عَنْ الْمَازِرِيِّ أَنَّهُ رَدَّ التَّفْرِقَةَ الْمَذْكُورَةَ بِأَنَّ ذَلِكَ كَعُرْفٍ جَرَى بَيْنَهُمْ، وَنَصُّ ابْنُ حَبِيبٍ إنْ فَارَقَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ فِي بَيْعِ الْمُسَاوَمَةِ دُونَ إيجَابٍ لَمْ يَلْزَمْهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِخِلَافِ بَيْعِ الْمُزَايَدَةِ يَلْزَمُهُ مَا أَعْطَى بَعْدَ الِافْتِرَاقِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي إنَّمَا فَارَقَهُ فِي الْمُزَايَدَةِ عَلَى أَنَّهُ اسْتَوْجَبَ الْبَيْعَ الْمَازِرِيُّ لَا وَجْهَ لِلتَّفْرِقَةِ إلَّا الرُّجُوعَ لِلْعَوَائِدِ، وَلَوْ شَرَطَ الْمُشْتَرِي إنَّمَا يُلْتَزَمُ الشِّرَاءُ فِي الْحَالِ قَبْلَ الْمُفَارَقَةِ، أَوْ شَرَطَ الْبَائِعُ لُزُومَهُ لَهُ أَوْ أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي أَنْ يَعْرِضَهَا عَلَى غَيْرِهِ أَمَدًا مَعْلُومًا أَوْ فِي حُكْمٍ مَعْلُومٍ لَزِمَ الْحُكْمُ بِالشَّرْطِ فِي بَيْعِ الْمُسَاوَمَةِ وَالْمُزَايَدَةِ اتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا افْتَرَقَا لِلْعَادَةِ حَسْبَمَا عَلَّلَ بِهِ ابْنُ حَبِيبٍ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا.
قَالَ الْمَازِرِيُّ وَإِنَّمَا نَبَّهْتُ عَلَى هَذَا؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْقُضَاةِ أَلْزَمَ بَعْضَ أَهْلِ الْأَسْوَاقِ فِي بَيْعِ الْمُزَايَدَةِ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ، وَكَانَتْ عَادَتُهُمْ الِافْتِرَاقَ عَلَى غَيْرِ إيجَابٍ اغْتِرَارًا بِظَاهِرِ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ وَحِكَايَةِ غَيْرِهِ فَنَهَيْتُهُ عَنْ هَذَا لِأَجْلِ مُقْتَضَى عَوَائِدِهِمْ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ قُلْت: وَالْعَادَةُ عِنْدنَا اللُّزُومُ مَا لَمْ يَطُلْ زَمَنُ الْمُبَايَعَةِ حَسْبَمَا تَقَرَّرَ قَدْرُ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ، وَالْأَمْرُ وَاضِحٌ إنْ بَعُدَ وَالسِّلْعَةُ لَيْسَتْ فِي يَدِ الْمُبْتَاعِ، فَإِنْ كَانَتْ بِيَدِهِ وَمَوْقُوفَةً فَفِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ اللُّزُومُ، كَقَوْلِهَا: إنْ بَعُدَ زَمَنُ مُضِيِّ أَيَّامِ الْخِيَارِ وَالسِّلْعَةُ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَالْخِيَارُ لِلْمُبْتَاعِ أَنْ لَا حَقَّ فِيهَا لِلْمُبْتَاعِ إلَّا إنْ عَرَفْنَا فِي بَيْعِ الْمُزَايَدَةِ أَنَّهُ لَا يَتِمُّ الْعَقْدُ، وَلَوْ طَالَ مُكْثُهَا بِيَدِ الْمُبْتَاعِ إلَّا بِنَصِّ إمْضَائِهِ اهـ، وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ فِي الْمَذْهَبِ إذَا وَقَعَ النِّدَاءُ وَأُعْطِيَ عَلَى السِّلْعَةِ فِيهَا ثَمَنًا لَزِمَهُ وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ، فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ انْتَقَلَ اللُّزُومُ لِلثَّانِي، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَلِلْبَائِعِ أَخْذُهُ بِذَلِكَ مَا لَمْ تَطُلْ غَيْبَتُهُ، وَرَأَيْتُ لِلْأَبْيَانِيِّ أَنَّ الشِّرَاءَ لَا يَلْزَمُهُ إذَا زَادَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ اهـ. وَنَحْوُهُ فِي اللُّبَابِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ كَلَامَ الْأَبْيَانِيِّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ: انْتَقَلَ اللُّزُومُ لِلثَّانِي أَيْ مَعَ مُشَارَكَةِ الْأَوَّلِ لَهُ فِي اللُّزُومِ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ جَعَلَ كَلَامَ الْأَبْيَانِيِّ مُخَالِفًا لَهُ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْأَبْيَانِيِّ رَأَيْتُهُ فِي مَسَائِلِ السَّمَاسِرَةِ لَهُ، وَهُوَ كِتَابٌ مُفِيدٌ نَحْوَ كَرَاسٍ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رَاشِدٍ أَنَّ الْمَذْهَبَ مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ عَرَفَةَ غَيْرَ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ.
[مَسْأَلَةً بَاعَ رَقِيقًا بَيَّنَ أَنَّهُ صَحِيحٌ يَصِيحُ عَلَيْهِمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ]
ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ مَسْأَلَةً وَقَعَتْ فِي آخِرِ رَسْمٍ مِنْ سَمَاعِ أَشْهَبَ مِنْ كِتَابِ الْعُيُوبِ وَلَكِنَّهُ ذَكَرَهَا بِاخْتِصَارٍ مُجْحِفٍ، فَأَذْكُرُهَا بِاخْتِصَارِهِ مَعَ زِيَادَةِ مَا أَخَلَّ بِهِ مِنْهَا، وَنَصُّهُ: وَسَمِعَ الْقَرِينَانِ مَنْ بَاعَ رَقِيقًا بَيَّنَ أَنَّهُ صَحِيحٌ يَصِيحُ عَلَيْهِمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِلزِّيَادَةِ إنْ أُمْضِيَ الْبَيْعُ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ بِيَوْمَيْنِ وَشَبَهِهِمَا لَزِمَ الْمُبْتَاعَ وَبَعْدَ عِشْرِينَ لَيْلَةٍ لَا يَلْزَمُهُ ابْنُ رُشْدٍ، هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ صَحِيحَةٌ لِقَوْلِهَا فِي الْبَيْعِ عَلَى خِيَارِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا يَلْزَمُ بِمَغِيبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ الْخِيَارِ وَإِنَّ لَهُ الرَّدَّ بَعْدَ مُضِيِّ أَيَّامِ الْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَبَاعَدْ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ يَصِيحُ عَلَيْهِمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِلزِّيَادَةِ، فَكُلُّ مَنْ أَعْطَاهُ شَيْئًا لَزِمَهُ الشِّرَاءُ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ تَنْقَضِ أَيَّامُ الصِّيَاحِ فَلِصَاحِبِ الْعَبِيدِ أَنْ يُلْزِمَ الْمُشْتَرِي الشِّرَاءَ، وَإِنْ انْقَضَتْ أَيَّامُ الصِّيَاحِ مَا لَمْ يَتَبَاعَدْ ذَلِكَ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ السِّلْعَةَ بَعْدَ مُضِيِّ أَيَّامِ الْخِيَارِ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَلْزَمَهُ الشِّرَاءُ بَعْدَ انْقِضَاءِ أَيَّامِ الصِّيَاحِ، وَلَوْ كَانَ الَّذِي يُصَاحُ عَلَيْهِ فِي بَيْعِ الْمُزَايَدَةِ مِمَّا الْعُرْفُ فِيهِ أَنْ يُمْضِيَ أَوْ يَرُدَّ فِي الْمَجْلِسِ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ أَنْ يَصِيحَ عَلَيْهِ أَيَّامًا لَمْ يَلْزَمْهُ الشِّرَاءُ بَعْدَ أَنْ يَنْقَلِبَ بِالسِّلْعَةِ عَنْ الْمَجْلِسِ، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَحْضُرُ الْمُزَايَدَةَ فَيَزِيدُ ثُمَّ يُصَاحُ عَلَيْهِ فَيَنْقَلِبُ بِهَا أَهْلُهَا ثُمَّ يَأْتُونَهُ مِنْ الْغَدِ فَيَقُولُونَ لَهُ خُذْهَا بِمَا زَادَتْ فَهَلْ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ.؟ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَمَّا مُزَايَدَةُ أَهْلِ الْمِيرَاثِ أَوْ مَتَاعُ النَّاسِ فَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ إذَا انْقَلَبُوا بِالسِّلْعَةِ أَوْ تَرَكُوهَا فِي الْمَجْلِسِ أَوْ بَاعُوا بَعْدَهَا أُخْرَى.
وَإِنَّمَا يَلْزَمُ هَذَا فِي بَيْعِ السُّلْطَانِ الَّذِي يُبَاعُ عَلَى أَنْ يُسْتَشَارَ السُّلْطَانُ، فَيَلْزَمُهُ إمْضَاؤُهُ إذَا أَمْضَاهُ السُّلْطَانُ، وُجِدَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لِابْنِ الْقَاسِمِ بِخَطِّ أَبِي عُمَرَ الْإِشْبِيلِيِّ وَهِيَ صَحِيحَةٌ عَلَى أُصُولِهِمْ اهـ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: يَلْزَمُهُ إذَا أَمْضَاهُ السُّلْطَانُ يُرِيدُ مَا لَمْ يَتَبَاعَدْ ذَلِكَ عَلَى مَا مَضَى