الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَجْزَاءِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا فِي حَضَرٍ أَوْ سَفَرٍ مِنْ الشَّاةِ، وَالثَّمَرَةِ، وَالصُّبْرَةِ
ص (وَلَمْ يُجْبَرَ عَلَى الذَّبْحِ فِيهِمَا)
ش: أَيْ فِي مَسْأَلَةِ اسْتِثْنَاءِ الْجِلْدِ وَالسَّاقِطِ، وَفِي مَسْأَلَةِ اسْتِثْنَاءِ الْجُزْءِ أَمَّا مَسْأَلَةُ اسْتِثْنَاءِ الْجِلْدِ، وَالرَّأْسِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي دُعِيَ إلَى الذَّبْحِ أَوْ إلَى الْبَقَاءِ، وَلَهُ أَنْ يَذْبَحَ، وَيَدْفَعَ الْجِلْدَ، وَالرَّأْسَ، وَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِأَخْذِ الْمِثْلِ، وَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ الْمِثْلَ أَوْ الْقِيمَةَ، وَلَا يَذْبَحُ وَإِنْ كَرِهَ الْبَائِعُ قَالَهُ اللَّخْمِيُّ وَعِيَاضٌ، وَغَيْرُهُمَا.
وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ اسْتِثْنَاءِ الْجُزْءِ فَنَقَلَ ابْنُ يُونُسَ عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الذَّبْحِ سَوَاءٌ اشْتَرَاهَا عَلَى الذَّبْحِ أَوْ الْحَيَاةِ قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ: مَنْ امْتَنَعَ مِنْهُمَا مِنْ الذَّبْحِ لَمْ يُجْبَرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ اشْتَرَى ذَلِكَ عَلَى الذَّبْحِ وَتَوَقَّفَ بَعْضُ شُيُوخِنَا هَلْ يُجْبَرُ عَلَى الذَّبْحِ إذَا اشْتَرَى عَلَيْهِ؟ ، وَفِيهِ نَظَرٌ قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَالصَّوَابُ أَنْ لَا يُجْبَرَ عَلَى الذَّبْحِ؛ لِأَنَّهُمَا صَارَا شَرِيكَيْنِ فَمَنْ دَعَا مِنْهُمَا إلَى الْبَيْعِ فَذَلِكَ لَهُ، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَوْ اسْتَثْنَى جُزْءًا جَازَ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الذَّبْحِ، وَفِي جَبْرِ مَنْ أَبَاهُ حِينَئِذٍ قَوْلَانِ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَوْلُهُ حِينَئِذٍ أَيْ حِينَ بَاعَ عَلَى الذَّبْحِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَنَقَلَ ابْنُ الْحَاجِبِ الْجَبْرَ عَلَى الذَّبْحِ بَدَلَ الْوَقْفِ وَقَبُولُهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَا أَعْرِفُهُ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي ذَبْحِهَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ دَعَا إلَى الذَّبْحِ
[فَرْعٌ أُجْرَةُ الذَّبْحِ فِي مَسْأَلَةِ الْجِلْدِ وَالسَّاقِطِ]
(فَرْعٌ) : أُجْرَةُ الذَّبْحِ فِي مَسْأَلَةِ الْجِلْدِ، وَالسَّاقِطِ فِيهَا قَوْلَانِ قِيلَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ الْجِلْدِ، وَاللَّحْمِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ يُونُسَ، وَقِيلَ عَلَى الْمُشْتَرِي قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَجْبُورٍ عَلَى الذَّبْحِ بِخِلَافِ اسْتِثْنَاءِ الْأَرْطَالِ فَإِنَّهُ مَجْبُورٌ عَلَى الذَّبْحِ، وَنَقَلَ الْقَوْلَيْنِ ابْنُ عَرَفَةَ وَالرَّجْرَاجِيُّ وَنَصُّ الرَّجْرَاجِيِّ وَفِي مَسْأَلَةِ الْجِلْدِ، وَالسَّاقِطِ فِي أُجْرَةِ الذَّبْحِ عَلَى مَنْ تَكُونُ مِنْهُمَا؟ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا عَلَيْهِمَا جَمِيعًا، وَالثَّانِي عَلَى الْمُشْتَرِي اهـ. وَنَصُّ ابْنِ عَرَفَةَ قَالَ الصَّقَلِّيُّ: أَرَاهُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ اللَّحْمِ، وَالْجِلْدِ، وَحَكَاهُ ابْنُ مُحْرِزٍ غَيْرَ مَعْزُوٍّ، وَزَادَ وَقِيلَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ الْمُبْتَاعَ غَيْرُ مَجْبُورٍ عَلَى الذَّبْحِ بِخِلَافِ اسْتِثْنَاءِ الْأَرْطَالِ؛ لِأَنَّهُ مَجْبُورٌ عَلَيْهِ الْمَازِرِيُّ إنْ قُلْتُ الْمُسْتَثْنَى مُبْقًى فَعَلَى الْبَائِعِ السَّلَبُ لِيَتَمَكَّنَ الْمُبْتَاعُ مِنْ أَخْذِ الْمَبِيعِ كَبَائِعِ عَمُودٍ عَلَيْهِ بِنَاءٌ أَوْ جَفْنُ سَيْفٍ عَلَيْهِ حِلْيَةٌ وَإِنْ قُلْنَا مُشْتَرَى فَيُخْتَلَفُ عَلَى مَنْ تَكُونُ إزَالَةُ الْجِلْدِ كَبَائِعِ صُوفٍ عَلَى ظُهُورِ الْغَنَمِ أَوْ ثَمَرٍ فِي شَجَرٍ وَأَشَارَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ الْأُجْرَةَ بَيْنَهُمَا بِقَدْرِ قِيمَةِ الْجِلْدِ وَقِيمَةِ الشَّاةِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِي الْأَجْرِ عَلَى عَمَلِ وَاحِدٍ فِي مَالٍ بَيْنَ شُرَكَاءَ عَلَى التَّفَاوُتِ هَلْ الْأُجْرَةُ عَلَيْهِمَا بِالسَّوِيَّةِ أَوْ بِقَدْرِ الْأَمْوَالِ انْتَهَى.
وَفِي الشَّامِلِ تَقْدِيمُ الْقَوْلِ بِأَنَّ الذَّبْحَ عَلَى الْمُبْتَاعِ يُفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْأُجْرَةَ فِي مَسْأَلَةِ الْأَرْطَالِ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ قِيمَةِ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ اسْتِثْنَاءِ الْجُزْءِ فَلَا إشْكَالَ أَنَّ أُجْرَةَ الذَّبْحِ إذَا رَضِيَا عَلَيْهِمَا جَمِيعًا بِقَدْرِ مَا لِكُلِّ، وَاحِدٍ صَرَّحَ بِذَلِكَ الرَّجْرَاجِيُّ فَقَالَ: وَأُجْرَةُ الذَّبْحِ عَلَيْهِمَا
ص (أَوْ قِيمَتُهَا)
ش: أَنَّثَ الرَّأْسَ، وَهُوَ مُذَكَّرٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحَجِّ
ص (وَهَلْ التَّخْيِيرُ لِلْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي قَوْلَانِ)
ش: قَالَ الرَّجْرَاجِيُّ: وَالْقَوْلَانِ تُؤُوِّلَا عَلَى الْمُدَوَّنَةِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ لِلْمُشْتَرِي أَسْعَدُ بِظَاهِرِهَا، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَصَوَّبَهُ ابْنُ مُحْرِزٍ، وَهُوَ ظَاهِرُهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (ضَمِنَ الْمُشْتَرِي جِلْدًا وَسَاقِطًا)
ش:؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الذَّبْحِ، وَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ غَيْرَهُمَا فَكَأَنَّهُمَا صَارَا مَضْمُونَيْنِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْأَرْطَالِ
ص (وَجُزَافٌ)
ش: لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْمَبِيعِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا خَشِيَ أَنْ يُتَوَهَّمَ مَنْعُ بَيْعِ الْجُزَافِ فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُ الْجَوَازُ بِشُرُوطٍ، وَالْمَعْنَى وَجَازَ بَيْعُ الْجُزَافِ بِشُرُوطِهِ الْآتِيَةِ، وَالْجُزَافُ بِكَسْرِ الْجِيمِ كَمَا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّة، وَحَصَّلَ النَّوَوِيُّ فِيهِ ثَلَاثَ لُغَاتٍ الْكَسْرُ، وَالْفَتْحُ، وَالضَّمُّ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ، وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ الْجُزَافُ: بَيْعُ الشَّيْءِ وَاشْتِرَاؤُهُ بِلَا كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ، وَهُوَ يَرْجِعُ إلَى الْمُسَاهَلَةِ وَهُوَ دَخِيلٌ، وَقَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ: الْجُزَافُ مُثَلَّثُ الْجِيمِ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ، وَهُوَ بَيْعُ الشَّيْءِ بِلَا كَيْلٍ، وَلَا وَزْنٍ، وَلَا عَدَدٍ انْتَهَى.
وَحَدَّ ابْنُ عَرَفَةَ بَيْعَ الْجُزَافِ بِأَنَّهُ بَيْعُ مَا يُمْكِنُ عِلْمُ قَدْرِهِ دُونَ أَنْ يُعْلَمَ، وَالْأَصْلُ مَنْعُهُ وَخَفَّفَ فِيمَا شَقَّ عِلْمُهُ، وَقَلَّ جَهْلُهُ
ص (إنْ رُئِيَ)
ش: مُرَادُهُمْ بِالْمَرْئِيِّ الْحَاضِرُ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَغَيْرِهِ فِي شُرُوطِ الْجُزَافِ أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ مَرْئِيًّا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ غَائِبٍ جُزَافًا، وَنَصُّ كَلَامِهِ فِي التَّوْضِيحِ ذَكَرَ عُلَمَاؤُنَا لِبَيْعِ الْجُزَافِ شُرُوطًا أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ مَرْئِيًّا فَلَا يَجُوزُ بَيْعِ غَائِبٍ جُزَافًا إذْ لَا يُمْكِنُ حَزْرُهُ انْتَهَى.
وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ رُؤْيَتُهُ أَوْ رُؤْيَةُ بَعْضِهِ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يُبَاعُ عَلَى رُؤْيَةٍ أَوْ عَلَى صِفَةٍ، وَالْحَاضِرُ لَا يُكْتَفَى فِيهِ بِالصِّفَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا سَيَأْتِي إلَّا لِعُسْرِ الرُّؤْيَةِ فَيَجُوزُ بَيْعُ الظُّرُوفِ الْمَمْلُوءَةِ بِالسَّمْنِ، وَالْعَسَلِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ إذَا رُئِيَ بَعْضُ ذَلِكَ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: وَيَسْتَوِي فِي صِحَّةِ بَيْعِ الْمُشْتَرَى جُزَافًا كَوْنُهُ مُلْقًى فِي الْأَرْضِ أَوْ فِي ظُرُوفِهِ فَيَجُوزُ شِرَاءُ مَا فِي الظُّرُوفِ جُزَافًا، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ مَبْلَغُهُ إلَّا بِالْحَدْسِ، وَالتَّخْمِينِ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَلَا يَجُوزُ شِرَاءُ مِلْءِ الظَّرْفِ الْفَارِغِ، وَإِنْ عَيَّنَ مَا يَمْلَأُ مِنْهُ أَوْ وَصَفَهُ، وَلَا يَجُوزُ شِرَاءُ مِلْءِ الْغِرَارَةِ الْفَارِغَةِ مِنْ قَمْحٍ أَوْ غَيْرِهِ مُشَاهَدًا كَانَ أَوْ مَوْصُوفًا أَوْ مِلْءِ قَارُورَةٍ مِنْ زَيْتٍ أَوْ غَيْرِهِ مُشَاهَدًا كَانَ أَوْ مَوْصُوفًا بَلْ لَوْ اشْتَرَى مَا فِي الظَّرْفِ فَفَرَّغَهُ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يَشْتَرِيَ مِلْأَهُ دَفْعَةً أُخْرَى، وَإِنَّمَا يَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ مَا فِي الظَّرْفِ بَعْدَ أَنْ يَمْلَأَهَا، وَوَجْهُ هَذَا أَنَّ الْمَقْصُودَ تَعْيِينُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَإِذَا كَانَ الظَّرْفُ مَمْلُوءًا صَارَ الْمَبِيعُ جُزَافًا مَرْئِيًّا فَالْقَصْدُ الْعَقْدُ عَلَى مَرْئِيٍّ مُحْرِزٍ مَبْلَغَهُ، وَإِنْ كَانَ الظَّرْفُ فَارِغًا فَالْمَبِيعُ غَيْرُ مَرْئِيٍّ، وَالْقَصْدُ الْعَقْدُ عَلَى مَكِيلٍ بِمِكْيَالٍ غَيْرِ مَعْلُومِ النِّسْبَةِ مِنْ الْمِكْيَالِ الْمَعْلُومِ انْتَهَى. فَظَاهِرُ هَذَا أَوْ صَرِيحُهُ أَنَّهُمْ إنَّمَا احْتَرَزُوا بِالْمَرْئِيِّ مِنْ الْغَائِبِ، وَلَمْ يَحْتَرِزُوا بِهِ مِنْ غَيْرِ الْمَرْئِيِّ بِالْعَيْنِ، وَلَوْ كَانَ حَاضِرًا فِي ظَرْفِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ فَقَدْ أَجَازُوا بَيْعَ الْجَرَّةِ مِنْ الْخَلِّ مَخْتُومَةً قَالَ الْجُزُولِيُّ: إذَا أُزِيلَ مَا تُسَدُّ بِهِ فَإِنْ كَانَ فِي فَتْحِ الظُّرُوفِ مَشَقَّةٌ وَفَسَادٌ، فَيَجُوزُ بَيْعُهُ دُونَ فَتْحٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ فِي بَيْعِ جِرَارِ الْخَلِّ.
وَإِنَّمَا قَالُوا إذَا كَانَ فِي فَتْحِهَا فَسَادٌ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَا يُبَاعُ إلَّا بِرُؤْيَةٍ أَوْ صِفَةٍ وَالصِّفَةُ لَا يُبَاعُ عَلَيْهَا الشَّيْءُ
الْحَاضِرُ عَلَى الْأَشْهَرِ إلَّا إذَا كَانَ فِي رُؤْيَتِهِ مَشَقَّةٌ فَيُبَاعُ عَلَى الصِّفَةِ عَلَى الْأَشْهَرِ وَالْجُزَافُ لَا يَكُونُ إلَّا حَاضِرًا فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ إلَّا بِرُؤْيَةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الرُّؤْيَةِ مَشَقَّةٌ فَيُبَاعُ عَلَى الصِّفَةِ فَإِذَا جُعِلَ قَوْلُهُمْ شَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ مَرْئِيًّا فِي مُقَابِلِ الْغَائِبِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إشْكَالٌ، وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى تَقْيِيدٍ إلَّا أَنَّ فِيهِ بَعْضَ تَجَوُّزٍ، وَإِذَا جُعِلَ قَوْلُهُمْ مَرْئِيٌّ فِي مُقَابَلَةِ غَيْرِ الْمَرْئِيِّ بِالْبَصَرِ احْتَاجَ إلَى التَّقْيِيدِ بِأَنْ لَا يَكُونَ فِي رُؤْيَتِهِ مَشَقَّةٌ، وَفِي كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ إشَارَةٌ إلَى مَا ذَكَرْتُ مِنْ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْمَرْئِيِّ إنَّمَا هُوَ فِي مُقَابَلَةِ الْغَائِبِ فَإِنَّهُ بَحَثَ فِي اشْتِرَاطِ الرُّؤْيَةِ فِي بَيْعِ الْجُزَافِ مَعَ قَوْلِ مَالِكٍ فِي ثَمَرِ الْحَوَائِطِ الْغَائِبَةِ عَلَى خَمْسَةِ أَيَّامِ تُبَاعُ كَيْلًا أَوْ جُزَافًا، فَلَا يَجُوزُ شَرْطُ النَّقْدِ وَإِنْ بَعُدَتْ جِدًّا لَمْ يَجُزْ شِرَاؤُهَا رَطْبًا فَقَطْ إلَّا أَنْ تَكُونَ تَمْرًا يَابِسًا، وَنَصُّهُ شَرْطُ رُؤْيَةِ الْجُزَافِ مَعَ قَبُولِ غَيْرِ وَاحِدٍ قَوْلَ مَالِكٍ فِيهَا: وَكَذَلِكَ حَوَائِطُ الثَّمَرِ الْغَائِبَةِ يُبَاعُ ثَمَرُهَا كَيْلًا أَوْ جُزَافًا، وَهِيَ عَلَى مَسِيرِ خَمْسَةِ أَيَّامٍ لَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهَا بِشَرْطٍ، وَإِنْ بَعُدَتْ جِدًّا كَإِفْرِيقِيَّةَ مِنْ مِصْرَ لَمْ يَجُزْ شِرَاءُ ثَمَرِهَا فَقَطْ؛ لِأَنَّهَا تُجَذُّ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَيْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ تَمْرًا يَابِسًا مُتَنَافٍ لِاقْتِضَائِهِ جَوَازَ بَيْعِهَا غَائِبَةً جُزَافًا، وَفِي كَوْنِ الصِّفَةِ تَقُومُ مَقَامَ الْعِيَانِ فِي الْجَذِّ نَظَرٌ انْتَهَى. فَقَوْلُهُ شَرْطٌ مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ مُتَنَافٍ خَبَرُهُ، وَمَسْأَلَةُ الْمُدَوَّنَةِ هَذِهِ فِي كِتَابِ الْغَرَرِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَمَسْأَلَةُ جِرَارِ الْخَلِّ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهَا هِيَ الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ مِنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ بْنِ الْفَرَجِ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ، وَنَقَلَهَا ابْنُ عَرَفَةَ، وَنَصُّهَا مِنْ الْبَيَانِ.
مَسْأَلَةٌ قَالَ أَصْبَغُ: قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي قُلَلِ الْخَلِّ أَيَجُوزُ شِرَاؤُهَا بِحَالِهَا مُطَيَّنَةً، وَلَا يُدْرَى مَا فِيهَا، وَلَا مِلْؤُهَا فَقَالَ: إنْ كَانَ مَضَى عَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ فَلَا أُحَرِّمُهُ كَأَنَّهُ لَا يَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا قَالَ أَصْبَغُ: فَلَا بَأْسَ بِهِ قَدْ جُرِيَ عَلَيْهِ، وَعُرِفَ حَزْرُهُ بِقَدْرِ ظُرُوفِهِ وَهُوَ يَدُورُ عَلَى قَدْرٍ وَاحِدٍ فِي الْمِلْءِ وَالْجَرُّ مُتَقَارِبٌ فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ لَمْ يَذُقْ، وَيَعْرِفْ جَوْدَتَهُ مِنْ رَدَاءَتِهِ؛ لِأَنَّ الِاشْتِرَاءَ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى الْخَلِّ الطَّيِّبِ فَإِنْ وَجَدَ خِلَافَهُ بِرَدَاءَةٍ مُغَيَّبَةٍ عَنْهُمَا رَدَّهُ كَمَا لَا يَدْرِي لَعَلَّهُ خَمْرٌ أَوْ بَعْضَهُ وَفَتْحُهُ كُلِّهِ فَسَادٌ فَلَا بَأْسَ بِاشْتِرَائِهِ كَذَلِكَ وَاشْتِرَائِهِ عَلَى عَيْنِ أَوَّلِهِ يَفْتَحُ الْوَاحِدَ مِنْهُ، وَيَذُوقُهُ لِيَشْتَرِيَ عَلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا صَوَّبَهُ.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: إنَّمَا جَازَ شِرَاؤُهَا دُونَ أَنْ يَفْتَحَ، وَتُذَاقَ لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرَ مِنْ أَنَّ فَتْحَهَا لِلْبَيْعِ فَسَادٌ فَجَازَ شِرَاؤُهَا دُونَ أَنْ تُفْتَحَ عَلَى الصِّفَةِ مِنْ خَلٍّ طَيِّبٍ أَوْ وَسَطٍ كَمَا جَازَ شِرَاءُ الثَّوْبِ الرَّفِيعِ الَّذِي يُفْسِدُهُ الْفَتْحُ، وَالنَّشْرُ عَلَى الصِّفَةِ دُونَ أَنْ يُفْتَحَ، وَيُنْشَرَ، وَيُقَلَّبَ، وَكَمَا جَازَ بَيْعُ الْأَحْمَالِ عَلَى صِفَةِ الْبَرْنَامَجِ لِمَا فِي حَلِّ الْأَحْمَالِ لِلسَّوَامِ مِنْ الضَّرَرِ بِأَصْحَابِ الْأَمْتَاعِ، وَقَوْلُهُ لَا يُدْرَى مَا مِلْؤُهَا مَعْنَاهُ، وَلَا يُدْرَى مِقْدَارُ مَا فِيهَا مِنْ الْخَلِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى هَلْ هِيَ مَلْأَى أَوْ نَاقِصَةٌ؟ لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْقُلَّةُ نَاقِصَةً غَيْرَ مَلْأَى فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تُشْتَرَى مُطَيَّنَةً عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ مِنْ نُقْصَانِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْغَرَرِ إذْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجُزَافِ إلَّا بَعْدَ الْإِحَاطَةِ بِرُؤْيَتِهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ مِنْ نُقْصَانِهَا أَنَّهُ لَوْ بَيَّنَ كَمْ نَقْصُهَا نِصْفٌ أَوْ ثُلُثٌ جَازَ، وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، وَلَكِنَّهُ اخْتَصَرَهَا فَأَسْقَطَ مِنْهَا بَعْضَ مَا هُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَسَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَلَوْ ثَانِيًا بَعْدَ تَفْرِيغِهِ حُكْمَ بَيْعِ الزَّيْتِ وَالسَّمْنِ فِي ظُرُوفِهِ عَلَى أَنَّ الظُّرُوفَ دَاخِلَةٌ فِي الْبَيْعِ وَالْوَزْنِ أَوْ عَلَى الْوَزْنِ، وَيُسْقِطُ لِلظُّرُوفِ، وَزْنًا يَتَرَاضَى الْبَائِعُ، وَالْمُشْتَرِي عَلَيْهِ
ص (وَلَمْ يَكْثُرْ جِدًّا)
ش: فَإِنْ قَلَّ جِدًّا فَسَيَأْتِي التَّفْرِيقُ فِيهِ بَيْنَ الْمَعْدُودِ، وَغَيْرِهِ
ص (وَجَهِلَاهُ)
ش: قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ مَنْ عَلِمَ كَيْلَ طَعَامِهِ ثُمَّ كَالَ مِنْهُ قَدْرًا لَمْ يَبِعْ بَاقِيَهُ يَعْنِي جُزَافًا إنْ عَرَفَهُ عَلَى التَّقْدِيرِ وَإِنْ جَهِلَهُ لِكَثْرَةِ مَا كَالَ مِنْهُ جَازَ انْتَهَى
ص (وَحَزْرًا)
ش: قَالَ اللَّخْمِيّ: بَيْعُ الْجُزَافِ يَصِحُّ مِمَّنْ اعْتَادَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَزْرَ لَا يُخْطِئُ مِمَّنْ اعْتَادَ ذَلِكَ إلَّا يَسِيرًا وَإِذَا كَانَ قَوْمٌ لَمْ يَعْتَادُوا ذَلِكَ وَاعْتَادَهُ أَحَدُهُمَا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْغَرَرَ يَعْظُمُ، وَيَدْخُلُ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ اهـ. قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَتَبِعَهُ الْمَازِرِيُّ انْتَهَى فَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ
أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُتَبَايِعَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا غَيْرَ عَالَمٍ بِالْحَزْرِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ
ص (وَاسْتَوَتْ أَرْضُهُ)
ش: قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: إذَا اشْتَرَى الصُّبْرَةَ وَتَحْتَهَا دِكَّةٌ تَمْنَعُهُ تَخْمِينَ الْقَدْرِ فَإِنْ تَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ، وَإِنْ اشْتَرَى فَظَهَرَتْ ثَبَتَ الْخِيَارُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَالْحُفْرَةُ كَذَلِكَ، وَالْخِيَارُ هُنَا لِلْبَائِعِ اهـ.
ص (وَلَمْ يُعَدَّ بِلَا مَشَقَّةٍ)
ش: بِأَنْ يَكُونَ قَلِيلًا كَمَا قَالَهُ فِي الرِّسَالَةِ: وَلَا يَجُوزُ شِرَاءُ الرَّقِيقِ، وَالثِّيَابِ جُزَافًا، وَلَا مَا يُمْكِنُ عَدَدُهُ بِلَا مَشَقَّةٍ جُزَافًا وَأَمَّا الْمَكِيلُ، وَالْمَوْزُونُ فَيَجُوزُ بَيْعُهُمَا جُزَافًا، وَلَوْ أَمْكَنَ كَيْلُهُمَا قَالَ فِي الرِّسَالَةِ: وَلَا بَأْسَ بِشِرَاءِ الْجُزَافِ فِيمَا يُوزَنُ أَوْ يُكَالُ قَالَ ابْنُ نَاجِي: ظَاهِرُهُ، وَإِنْ قَلَّ الطَّعَامُ، وَحَضَرَ الْمِكْيَالُ أَنَّ الْجُزَافَ جَائِزٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ حَارِثٍ اهـ. وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ حَارِثٍ: يَجُوزُ فِي الطَّعَامِ، وَلَوْ قَلَّ، وَحَضَرَ مِكْيَالٌ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: الْمَازِرِيَّ، وَفِي الْمَعْدُودِ اضْطِرَابٌ فِي الْمُوَطَّإِ لَا يَجُوزُ جُزَافٌ فِيمَا يُعَدُّ عَدًّا قَيَّدَهُ حُذَّاقُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِالْمَعْدُودِ الْمَقْصُودِ صِفَةُ آحَادِهِ كَالرَّقِيقِ، وَالْأَنْعَامِ، وَمَا تَسَاوَتْ آحَادُهُ جَازَ جُزَافُ كَثِيرِهِ لِمَشَقَّةِ عَدَدِهِ دُونَ يَسِيرِهِ اهـ. ثُمَّ قَيَّدُوا الْمَنْعَ فِيمَا تُقْصَدُ آحَادُهُ بِأَنْ لَا يَقِلَّ ثَمَنُهُ كَالْبِطِّيخِ، وَالْفَقُّوسِ وَالرُّمَّانِ كَذَا نَقَلَ الْقَبَّابُ عَنْ الْمَازِرِيِّ.
(تَنْبِيهٌ) ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَعْدُودِ، وَغَيْرِهِ أَنَّ آلَةَ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ قَدْ يَتَعَذَّرَانِ بِخِلَافِ الْعَدِّ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَذَّرُ
ص (وَلَمْ تُقْصَدْ أَفْرَادُهُ)
ش: هَذَا كَالْمُسْتَثْنَى مِنْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ الَّذِي قَبْلَهُ أَعْنِي قَوْلَهُ، وَلَمْ يُعَدَّ بِلَا مَشَقَّةٍ أَيْ فَإِنْ كَانَ لَا يُعَدُّ إلَّا بِمَشَقَّةٍ جَازَ بَيْعُهُ جُزَافًا إلَّا أَنْ تُقْصَدَ أَفْرَادُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ عَدِّهِ ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الْمُسْتَثْنَى مَا قَلَّ ثَمَنُهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَإِنْ قُصِدَتْ آحَادُهُ كَمَا تَقَدَّمَ إذَا كَانَ فِي عَدِّهِ مَشَقَّةٌ فَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَقِلَّ ثَمَنُهُ رَاجِعٌ لِمَا يَلِيهِ فَقَطْ أَعْنِي قَوْلَهُ وَلَمْ تُقْصَدْ أَفْرَادُهُ.
ص (وَلَوْ ثَانِيًا بَعْدَ تَفْرِيغِهِ)
ش: كَذَا فِي النُّسَخِ الَّتِي رَأَيْتُهَا بِلَوْ، وَلَعَلَّ الْخِلَافَ الَّذِي أَشَارَ بِهَا إلَيْهِ هُوَ قَوْلُ ابْنِ يُونُسَ بَعْدَ مَسْأَلَةِ التِّينِ، وَكَذَلِكَ عِنْدِي هَذِهِ الْقَارُورَةُ الْمَمْلُوءَةُ بِدِرْهَمٍ، وَمِلْؤُهَا ثَانِيَةً بِدِرْهَمٍ، هُوَ خَفِيفٌ؛ لِأَنَّهُ كَالْمَرْئِيِّ الْمُقَدَّرِ، وَلَوْ قَالَهُ قَائِلٌ فِي الْغِرَارَةِ مَا بَعُدَ انْتَهَى. وَقَوْلُ الْمَازِرِيِّ، وَقَدْ يَهْجِسُ فِي النَّفْسِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا أَجَازُوهُ، وَمَا مَنَعُوهُ إذْ لَا يَخْتَلِفُ حَزْرُ الْحَازِرِ لِزَيْتٍ فِي قَارُورَةٍ أَوْ لِقَدْرِ مِلْئِهَا زَيْتًا (فَرْعٌ) : قَالَ الْبُرْزُلِيُّ: فِي مَسَائِلِ الْبُيُوعِ: سُئِلَ عِزُّ الدِّينِ عَمَّنْ يَبِيعُ سِلْعَةً بِظُرُوفِهَا فَتُوزَنُ السِّلْعَةُ مَعَ الظُّرُوفِ ثُمَّ يُسْقِطُ لِلظُّرُوفِ وَزْنًا يَتَرَاضَى الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ يَعْرِفُ أَنَّ وَزْنَ الظَّرْفِ دُونَ ذَلِكَ الْقَدْرِ، وَكَانَ الْبَائِعُ يُسَامِحُ الْمُشْتَرِي بِالزَّائِدِ فَهَلْ يَصِحُّ هَذَا الْبَيْعُ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ شِرَاءَ مَا فِي الظَّرْفِ إذَا رَآهُ الْمُتَعَاقِدَانِ أَوْ رَأَيَا أُنْمُوذَجَهُ، وَكَانَ الظَّرْفُ مُتَنَاسِبَ الْأَجْزَاءِ فِي الرِّقَّةِ وَالثَّخَانَةِ جَائِزٌ، وَإِذَا لَمْ يُشْتَرَطْ الْمُسَامَحَةُ بِمَا بَيْنَ الْوَزْنَيْنِ بَلْ يَقَعُ ذَلِكَ بِحُكْمِ الْبُيُوعِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَاجْتِنَابُهُ أَوْلَى.
قُلْت: وَمِثْلُهُ الْيَوْمَ يَقَعُ فِي بِلَادِنَا فِي بَيْعِ الزَّيْتِ، وَقَطْعِ الْجَرَّةِ بِوَزْنٍ مَعْلُومٍ بِحَسَبِ كِبَرِهَا، وَصِغَرِهَا أَوْ بَيْعِ الْوَدَكِ، وَقَطْعِ ظَرْفِهِ أَوْ بَيْعِ التِّينِ وَقَطْعِ ظَرْفِهِ بِوَزْنٍ مَعْلُومٍ أَوْ بَيْعِ الطَّفَلِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَفْتَقِرُ لِلظَّرْفِ وَقَطْعِ وَزْنِهِ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ، أَوْ بَيْعِ الزُّبْدِ فِي الْبِلَادِ الْمَشْرِقِيَّةِ وَطَرْحِ وَزْنِ الْقِرَبِ، وَبَعْضِ
مَا يَعْرِضُ لَهُ مِنْ التَّجْفِيفِ فَيَجْعَلُونَ لِذَلِكَ، وَزْنًا مَعْلُومًا، وَكَذَا إذَا بَاعُوا اللَّكَّ قَبْلَ التَّصْفِيَةِ، وَنَحْوَهُ مِنْ الْعِطْرِيَّاتِ، وَيَطْرَحُونَ لِمَا فِيهِ مِنْ الدَّغَلِ، وَزْنًا مَعْلُومًا لِكُلِّ رَطْلٍ أَوْ قِنْطَارٍ فَإِنَّ هَذَا وَشِبْهَهُ جَائِزٌ إذَا شَهِدَتْ الْعَادَةُ أَنَّهُ لَا يَخْتَلُّ إلَّا يَسِيرًا فِي، وَزْنِهِ بِأَنَّهُ مِنْ الْغَرَرِ الْيَسِيرِ الْمُضَافِ إلَى الْبُيُوعِ فَإِنَّهُ مُغْتَفَرٌ اللَّخْمِيّ، وَأَجَازَ مَالِكٌ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ بَيْعَ الزَّيْتِ وَالسَّمْنِ فِي الزِّقَاقِ عَلَى أَنَّ الزِّقَاقِ دَاخِلَةٌ فِي الْبَيْعِ، وَالْوَزْنِ قَالَ: لِأَنَّ النَّاسَ قَدْ عَرَفُوا وَزْنَهَا، وَقَالَ فِي الْقِلَالِ لَوْ أَعْلَمُ أَنَّهَا فِي التَّقَارُبِ مِثْلُ الزِّقَاقِ مَا رَأَيْتُ بَأْسًا قَالَ الشَّيْخُ: أَمْرُ الْقِلَالِ وَاحِدٌ، وَالزِّقَاقُ تَخْتَلِفُ فَزِقُّ الْفَحْلِ أَكْثَفُ، وَأَوْزَنُ، وَالْخَصِيُّ دُونَهُ، وَهُوَ أَكْثَفُ مِنْ زِقِّ الْأُنْثَى قُلْت: وَمِنْهُمْ مَنْ عَكَسَ، وَالصَّوَابُ فِي هَذَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ عِزُّ الدِّينِ أَنْ يُنْظَرَ إلَى غِلَظِ الزِّقِّ، وَرِقَّتِهِ فَيُرْجَعُ الْحُكْمُ فِيهِ إلَى خِلَافٍ فِي شَهَادَةٍ ا. هـ. وَقَالَ أَيْضًا فِي آخِرِ مَسَائِلِ الْبُيُوعِ: سُئِلَ عِزُّ الدِّينِ عَمَّنْ يَشْتَرِي الزَّيْتَ فِي ظُرُوفِهِ، وَيَزِنُ الظَّرْفَ مَعَ الزَّيْتِ، وَيُسْقِطُ لِلظَّرْفِ وَزْنًا يَتَّفِقُ عَلَيْهِ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي، وَقَدْ يَكُونُ فِي الْغَالِبِ أَقَلُّ مِنْ وَزْنِ الظَّرْفِ أَوْ أَوْزَنَ، وَالْبَائِعُ يُسَامِحُ الْمُشْتَرِي فِيمَا يَزِيدُ عَلَى تَحْقِيقِ، وَزْنِهِ هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَإِذَا اشْتَرَى الظَّرْفَ بِمَا فِيهِ قَائِمًا جُزَافًا، وَلَا يَعْلَمُ وَزْنَ الظَّرْفِ، وَلَا مَا فِيهِ فَهَلْ يَصِحُّ أَوْ لَا؟ الْجَوَابُ إذَا كَانَ الظَّرْفُ مُتَنَاسِبًا، وَرَأَى الزَّيْتَ مِنْ أَعْلَاهُ، وَرَأَى أُنْمُوذَجَهُ، وَعَقَدَ الْبَيْعَ بِالثَّمَنِ الَّذِي اتَّفَقَا عَلَيْهِ بَعْدَ إسْقَاطِ مَا يُقَابِلُ الظَّرْفَ صَحَّ الْبَيْعُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ، وَزْنَ الظَّرْفِ.
قُلْت: سَأَلْت عَنْهُ شَيْخَنَا الْإِمَامَ وَقُلْتُ إنَّ الْعَادَةَ الْجَارِيَةَ فِي بَيْعِ الْعَسَلِ، وَالزَّيْتِ، وَالتَّمْرِ أَنْ يَقْطَعُوهُ بِوَزْنٍ مَعْلُومٍ فَأَجَابَ إنْ كَانَا عَالِمَيْنِ جَازَ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ أَنَّهَا مِثْلُ الْقَطْعِ أَوْ أَقَلُّ فَيَجُوزُ، وَتَكُونُ تِلْكَ الزِّيَادَةُ لِلْبَائِعِ، وَأَمَّا بَيْعُهُ بِظُرُوفِهِ عَلَى الْوَزْنِ فَذَكَرَ اللَّخْمِيُّ فِيهِ خِلَافًا سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ فَخَّارٍ أَوْ زِقٍّ، وَكَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ يَقُولُ: هَذِهِ الْمَسَائِلُ هِيَ كَبَيْعِ الْجُزَافِ لِأَنَّ الْبَاقِيَ بَعْدَ الْقَطْعِ لَا يَتَحَقَّقُ وَزْنُهُ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ عِزِّ الدِّينِ فِي كَلَامِهِ مِنْ مَعْرِفَةِ جَرْمِ الظَّرْفِ اهـ. وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الْعِتْقِ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ كِتَابِ الْمُرَابَحَةِ: وَلَوْ اشْتَرَى السَّمْنَ وَالزَّيْتَ، وَظُرُوفُهُ مَعَهُ فِي الْوَزْنِ جَازَ ذَلِكَ فِي الزِّقَاقِ، وَلَمْ يَجُزْ فِي الْجِرَارِ؛ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ فِي الرِّقَّةِ وَالثَّخَانَةِ اخْتِلَافًا مُتَبَايِنًا قَالَهُ فِي رَسْمِ بَاعَ غُلَامًا مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ، وَمَا ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ عَنْ كِتَابِ مُحَمَّدٍ نَحْوُهُ فِي رَسْمِ بَاعَ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ كِتَابِ الْغَرَرِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ وَابْنُ يُونُسَ، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ: وَبَيْعُ السَّمْنِ فِي ظُرُوفِهِ عَلَى الْوَزْنِ جَائِزٌ، وَإِنْ بَقَّى تَعْبِيرَ الظُّرُوفِ، وَيَجُوزُ لِمُشْتَرِيهِ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّ ضَمَانَهُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا بَقِيَ اخْتِبَارُ الظَّرْفِ فَقَطْ، وَهُوَ كَالْمَقْبُوضِ، وَلَوْ بَاعَهُ عَلَى أَنَّ الظُّرُوفَ دَاخِلَةٌ فِي الْبَيْعِ عَلَى الْوَزْنِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الْقِنْطَارُ مِنْهُ بِظُرُوفِهِ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ جَازَ ذَلِكَ لِمَعْرِفَةِ النَّاسِ بِتَقْدِيرِ الظُّرُوفِ وَيُكْرَهُ هَذَا فِي الْفَخَّارِ فِي الرِّقَّةِ وَالثَّخَانَةِ، وَتَقَارُبِ أَمْرِ الظُّرُوفِ ا. هـ. قُلْت وَمِثْلُهُ الْيَوْمَ بِمَكَّةَ بَيْعُ مَاءِ الْوَرْدِ فِي الصَّفَّارِي عَلَى أَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي الْوَزْنِ وَالْبَيْعُ كُلُّ مَنْ بِظَرْفِهِ بِكَذَا، وَكَذَا فَإِنْ كَانَ التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا كَثِيرًا لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَ مُتَقَارِبًا جَازَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (إلَّا فِي كَسَلَّةِ تِينٍ)
ش: وَفَرَّقَ بَيْنَ السَّلَّةِ فِي التِّينِ وَالْعِنَبِ، وَنَحْوِهِ، وَبَيْنَ الْغِرَارَةِ مِنْ الْقَمْحِ، وَنَحْوِهِ بِأَنَّ الْقَمْحَ لَهُ مَكَايِيلُ مَعْرُوفَةٌ كَالْإِرْدَبِّ وَالْقَفِيزِ.
وَأَمَّا التِّينُ، وَالْعِنَبُ فَلَا مِكْيَالَ لَهُ، وَلَكِنْ كَثْرَةُ تَقْدِيرِ النَّاسِ لَهُ بِالسِّلَالِ يَجْرِي مَجْرَى الْمِكْيَالِ فَصَارَتْ كَالْمِكْيَالِ لِذَلِكَ وَعَلَى هَذَا فَشِرَاءُ قِرْبَةِ مَاءٍ أَوْ رَاوِيَةٍ أَوْ جَرَّةٍ مِمَّا جَرَى الْعُرْفُ بِبَيْعِ الْمَاءِ بِهِ أَحْرَى لِكَوْنِهِ لَا كَيْلَ لَهُ إلَّا ذَلِكَ، وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ إنْ خَرَجَتْ مِنْ سَمَاعِ عِيسَى مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ فَإِنْ بِيعَ حِمْلُ الْمَاءِ، وَنَحْوُهُ مِنْ بَابِ بَيْعِ الْجُزَافِ، وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ فِي ذَلِكَ، وَحُكْمُ مَا إذَا انْشَقَّ الْحِمْلُ بَعْدَ شِرَائِهِ فِي فَصْلِ الْخِيَارِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَاسْتَمَرَّ بِمِعْيَارِهِ، وَانْظُرْ هَلْ