الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ أَشَارَ بِالْقَوْلَيْنِ إلَّا أَنَّ الْبَاجِيَّ تَأَوَّلَ الْقَوْلَ الثَّانِيَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رَدَّهُ لِلْأَوَّلِ، فَقَالَ: وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي لَهُ الرُّجُوعُ فِي سَبَبِ التَّمْلِيكِ، وَهُوَ بِأَنْ يَمْنَعَ أُمَّهَا مِنْ الْخُرُوجِ بِهَا، وَلَوْ أَخْرَجَتْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ فِي التَّمْلِيكِ انْتَهَى.
وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الشَّيْخِ عَلَى الْوَكِيلِ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي هُوَ قَسِيمُ الْمُمَلِّكِ، وَالْمُخَيِّرِ، وَقَدْ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ أَنَّ فِي عَزْلِ الْوَكِيلِ عَنْ الطَّلَاقِ قَوْلَيْنِ، وَذَكَرَ ذَلِكَ عَنْ اللَّخْمِيِّ وَعَبْدِ الْحَقِّ، وَغَيْرِهِمَا، وَعَلَى هَذَا، فَيَكُونُ مَعْنَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَلِلزَّوْجِ تَفْوِيضُ الطَّلَاقِ لِغَيْرِ الزَّوْجَةِ بِأَنْوَاعِ التَّفْوِيضِ الثَّلَاثَةِ السَّابِقَةِ، فَإِنْ فَوَّضَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّوْكِيلِ، فَفِي عَزْلِهِ لِلْوَكِيلِ قَوْلَانِ، وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ فَوَّضَهُ لِلْغَيْرِ تَمْلِيكًا، وَتَخْيِيرًا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَزْلُهُ حِينَئِذٍ، وَهَذَا الْحَمْلُ حَسَنٌ غَيْرَ أَنَّ فِيهِ مُخَالَفَةً لِمَا جَزَمَ بِهِ أَوَّلَ الْفَصْلِ مِنْ أَنَّهُ إذَا فَوَّضَهُ لِلزَّوْجَةِ تَوْكِيلًا، فَلَهُ عَزْلُهَا، وَإِذَا كَانَ لَهُ عَزْلُهَا فَغَيْرُهَا أَحْرَى، وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَعْنًى ثَالِثٍ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ، وَلَهُ التَّفْوِيضُ لِغَيْرِهَا أَيْ عَلَى سَبِيلِ التَّمْلِيكِ، وَيَكُونُ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ، وَهَلْ لَهُ عَزْلُ وَكِيلِهِ عَائِدًا عَلَى التَّمْلِيكِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إذَا، وَكَّلَ رَجُلًا عَلَى أَنْ يُمَلِّكَ زَوْجَتَهُ أَمْرَهَا أَوْ يُخَيِّرَهَا، فَهَلْ لَهُ عَزْلُهُ أَوْ لَا؟ قَوْلَانِ، وَيُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى مَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ، وَنَصُّهُ، وَاخْتُلِفَ إذَا وَكَّلَهُ أَنْ يُمَلِّكَ زَوْجَتَهُ أَمْرَهَا هَلْ لِلْمُوَكِّلِ أَنْ يَعْزِلَهُ فَرَأَى اللَّخْمِيُّ وَعَبْدُ الْحَقِّ، وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ قَالُوا بِخِلَافِ أَنْ يُوَكِّلَهُ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ زَوْجَتَهُ فَإِنَّ فِيهِ قَوْلَيْنِ، وَرَأَى غَيْرُهُمْ أَنَّهُ يُخْتَلَفُ فِي عَزْلِهِ كَالطَّلَاقِ، وَاسْتَشْكَلَ الْمَازِرِيُّ الطَّرِيقَةَ الْأُولَى بِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لِلْوَكِيلِ فِي هَذِهِ الْوَكَالَةِ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ عَزْلُهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا جَعَلَ لَهُ تَمْلِيكَ زَوْجَتِهِ صَارَ كَالْمُلْتَزِمِ لِذَلِكَ الْتِزَامًا لَا يَصِحُّ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ انْتَهَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ الرَّجْعَةِ]
ص (فَصْلٌ يَرْتَجِعُ مَنْ يَنْكِحُ)
ش: هَذَا شُرُوعٌ مِنْهُ رحمه الله فِي الْكَلَامِ عَلَى الرَّجْعَةِ، وَالرَّجْعَةُ بِفَتْحِ الرَّاءِ، وَكَسْرِهَا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ، وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ، وَأَنْكَرَ غَيْرُهُ الْكَسْرَ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الرَّجْعَةُ رَفْعُ الزَّوْجِ أَوْ الْحَاكِمِ حُرْمَةَ الْمُتْعَةِ بِالزَّوْجَةِ لِطَلَاقِهَا فَتَخْرُجُ الْمُرَاجَعَةُ انْتَهَى.
يُرِيدُ بِالْمُرَاجَعَةِ مَا إذَا تَزَوَّجَ مَنْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا؛ لِأَنَّهُ، وَإِنْ صَحَّ أَنْ يُقَالَ ارْتَجَعَ زَوْجَتَهُ، وَرَاجَعَهَا فِي الْمُطَلَّقَةِ طَلَاقًا رَجْعِيًّا إلَّا أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْفُقَهَاءِ، وَالْمُوَثِّقِينَ يَسْتَعْمِلُونَ فِي رَجْعَةِ الْمُطَلَّقَةِ غَيْرِ الْبَائِنِ لَفْظَ ارْتَجَعَ دُونَ رَاجَعَ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ بِيَدِ الزَّوْجِ، وَحْدَهُ، وَإِنْ كَانَتْ بَائِنًا اسْتَعْمَلُوا رَاجَعَ لِكَوْنِ الْحَالِ مُتَوَقِّفًا عَلَى رِضَا الزَّوْجَيْنِ، فَهِيَ مُفَاعَلَةٌ، وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشْعَارٌ بِذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: يَرْتَجِعُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُنَاسَبَةِ قَالَ الشَّارِحُ فِي الْكَبِيرِ: إلَّا أَنَّ «قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم فِي قَضِيَّةِ ابْنِ عُمَرَ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا» يُخَالِفُ ذَلِكَ انْتَهَى، وَنَحْوُهُ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَلَا اعْتِرَاضَ بِالْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ، وَرَدَ بِحَسَبِ اللُّغَةِ، وَهَذَا اصْطِلَاحُ الْفُقَهَاءِ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَعَلَى رَأْيِ رَفْعِ إيجَابِ الطَّلَاقِ حُرْمَةَ الْمُتْعَةِ بِالزَّوْجَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا انْتَهَى.
وَيُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى الْخِلَافِ فِي الرَّجْعِيَّةِ هَلْ هِيَ مُحَرَّمَةٌ فِي زَمَنِ الْعِدَّةِ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ أَوْ مُبَاحَةٌ كَمَا فِي الْقَوْلِ الشَّاذِّ فَالْحَدُّ الْأَوَّلُ جَارٍ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَالثَّانِي جَارٍ عَلَى الشَّاذِّ ثُمَّ قَالَ، وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ رَدُّ الْمُعْتَدَّةِ عَنْ طَلَاقٍ قَاصِرٌ عَنْ الْغَايَةِ ابْتِدَاءً غَيْرَ خُلْعٍ بَعْدَ دُخُولٍ، وَوَطْءٍ جَائِزٌ قَبُولُهُ، وَيَبْطُلُ طَرْدُهُ بِتَزْوِيجِ مَنْ صَحَّ رَجْعَتُهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا إلَّا أَنَّ الْإِثْمَ الْمُشْتَقَّ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ لَا بِهِ انْتَهَى.
يَعْنِي أَنَّ حَدَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ لِدُخُولِ مَنْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا يَصِحُّ فِيهِ الرَّجْعَةُ، ثُمَّ لَمْ يُرَاجِعْهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، فَتَزَوَّجَهَا؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ رَدُّ الْمُعْتَدَّةِ فَإِنَّ الْمُعْتَدَّةَ مُشْتَقٌّ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ، وَيُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى مَا ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ مَحْكُومًا بِهِ حَقِيقَةً فِي حَالِ التَّلَبُّسِ بِالتَّعَلُّقِ فَقَطْ أَوْ يَكُونَ مَحْكُومًا عَلَيْهِ فَيَكُونَ حَقِيقَةً فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ، وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ ابْنُ السُّبْكِيّ، وَغَيْرُهُ، وَقَالُوا التَّلَبُّسُ
بِالْمَعْنَى فَقَطْ فَانْدَفَعَ السُّؤَالُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُطْلَقُ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا أَنَّهَا مُعْتَدَّةٌ إلَّا مَجَازًا فَتَأَمَّلْهُ، وَقَوْلُهُ مَنْ يَنْكِحُ هُوَ نَحْوُ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ
، وَشَرْطُ الْمُرْتَجِعِ أَهْلِيَّةُ النِّكَاحِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: يُرِيدُ أَنَّ الْمُرْتَجِعَ، وَالنَّاكِحَ يَسْتَوِيَانِ فِي الشُّرُوطِ دُونَ انْتِفَاءِ الْمَوَانِعِ، فَكُلُّ مَا يُشْتَرَطُ فِي الزَّوْجِ يُشْتَرَطُ فِي الْمُرْتَجِعِ، وَذَلِكَ هُوَ الْعَقْلُ انْتَهَى.
فَعَدَمُ اشْتِرَاطِهِ الْبُلُوغَ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ يَعْنِي أَنَّ الْمُرْتَجِعَ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلنِّكَاحِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا بَالِغًا انْتَهَى، وَنَحْوُهُ لِلشَّارِحِ؛ لِأَنَّ الْبُلُوغَ لَا حَاجَةَ لِاشْتِرَاطِهِ إذْ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ طَلَاقَ غَيْرِ الْبَالِغِ لَا يَلْزَمُ، وَلَيْسَ لِوَلِيِّهِ أَنْ يُطَلِّقَ عَنْهُ إلَّا بِخُلْعٍ، وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الْعَقْلِ، فَظَاهِرٌ كَمَا إذَا طَلَّقَ، وَهُوَ عَاقِلٌ، ثُمَّ حَصَلَ لَهُ الْجُنُونُ، فَارْتَجَعَ فَلَا تَصِحُّ رَجْعَتُهُ.
ص (وَإِنْ بِكَإِحْرَامٍ، وَمَرَضٍ، وَعَدَمِ إذْنِ سَيِّدٍ)
ش: اعْلَمْ أَنَّ الَّذِينَ يُمْنَعُونَ مِنْ النِّكَاحِ، وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ الرَّجْعَةِ خَمْسَةٌ الْمُحْرِمُ، وَالْعَبْدُ، وَالْمُوَلَّى عَلَيْهِ، وَالْمَرِيضُ، وَالْمِدْيَانُ إذَا قَامَ عَلَيْهِ غُرَمَاؤُهُ قَالَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ، وَغَيْرُهُ فِي شَرْحِهِ، وَقَالَ فِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ سِتَّةٌ يُرَدُّ نِكَاحُهُمْ: الْمُحْرِمُ، وَالْعَبْدُ، وَالْمُفْلِسُ، وَالسَّفِيهُ، وَالْمَرِيضُ، وَالْمُرْتَدُّ إلَّا أَنْ يُجِيزَ السَّيِّدُ لِلْعَبْدِ، وَالْمِدْيَانِ، وَوَلِيِّ السَّفِيهِ، فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ تَجُوزُ بِالْإِجَازَةِ، وَالثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ لَا تَجُوزُ بِالْإِجَازَةِ، وَيُفْسَخُ، وَإِنْ دَخَلُوا، وَلَهُمْ أَنْ يُرَاجِعُوا إذَا طَلَّقُوا طَلَاقًا رَجْعِيًّا انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ، وَالْمِدْيَانِ لَعَلَّهُ سَقَطَ مِنْهُ غُرَمَاءُ الْمِدْيَانِ أَوْ أَطْلَقَ الْمِدْيَانَ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ، وَقَوْلُهُ فَلَهُمْ أَنْ يُرَاجِعُوا أَمَّا الْخَمْسَةُ الْأُوَلُ، فَذَلِكَ ظَاهِرٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ذَلِكَ لَهُمْ فِي كَلَامِ ابْنِ فَرْحُونٍ، وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَلَا؛ لِأَنَّ بِرِدَّتِهِ تَبِينُ مِنْهُ زَوْجَتُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ، وَعَدَمُ إذْنِ سَيِّدٍ يُرِيدُ، وَلَيْسَ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الِارْتِجَاعِ قَالَهُ فِي رَسْمِ شَكٍّ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لِأَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ لَا يُزِيلُ الْعِصْمَةَ، وَإِنَّمَا يُوجِبُ فِيهَا ثَامًّا يَمْنَعُ مِنْ الْوَطْءِ انْتَهَى.
وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ: لَا تَحْتَاجُ الْمُرْتَجَعَةُ إلَى وَلِيٍّ، وَلَا صَدَاقٍ، وَلَا رِضًا مِنْ الْمُرْتَجِعَةِ انْتَهَى، وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْأَيْمَانِ، وَسُئِلَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ عَمَّنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ بِشُرُوطِهِ فِي الْعِدَّةِ، وَدَخَلَ بِهَا فَأَجَابَ تَزْوِيجُهَا رَجْعَةٌ، وَلَا صَدَاقَ لَهَا إلَّا الْأَوَّلُ، وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالثَّانِي قُلْت تَجْرِي عَلَى مَسْأَلَةِ مَنْ عَرَضَ صَدَقَتَهُ ظَنًّا أَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ فَإِذَا فَاتَ الصَّدَاقُ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى هَذَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.
ص (طَالِقًا غَيْرَ بَائِنٍ)
ش: اُحْتُرِزَ بِغَيْرِ الْبَائِنِ مِنْ الْمُطَلَّقَةِ طَلَاقًا بَائِنًا، فَإِنَّهُ لَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا، وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي عِدَّتِهَا مِنْهُ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ إذَا لَمْ يَبْلُغْ الثَّلَاثَ قَالَ فِي كِتَابِ إرْخَاءِ السُّتُورِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَالْخُلْعُ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ سَمَّاهَا أَوْ لَمْ يُسَمِّ طَلَاقًا، وَتَعْتَدُّ عِدَّةَ الْمُطَلَّقَةِ، وَلَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا فِي عِدَّتِهِ إنْ تَرَاضَيَا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مَاؤُهُ بِوَطْءٍ صَحِيحٍ إلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَ لَهُ فِيهَا طَلَاقٌ يَكُونُ بِهِ هَذَا ثَلَاثًا لِلْحُرِّ أَوْ اثْنَتَيْنِ لِلْعَبْدِ فَلَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ انْتَهَى.
وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ أَنَّ لَهُ الرَّجْعَةَ، وَلَوْ كَانَتْ حَامِلًا إلَّا أَنْ تُثْقَلَ بِالْحَمْلِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ، وَلَا لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ كَالْمَرِيضَةِ انْتَهَى، وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ فَصْلٌ فَإِنْ رَاجَعَ هَذَا الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ الْمُخْتَلِعَةَ مِنْهُ أَوْ الْمُفْتَدِيَةَ فَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ مِنْ رِضَاهَا، وَوَلِيٌّ يَعْقِدُ عَلَيْهَا وَصَدَاقٌ يُبْذَلُ لَهَا كَالنِّكَاحِ الْمُبْتَدَإِ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهَا قَدْ مَلَكَتْ بِالطَّلَاقِ أَمْرَ نَفْسِهَا، فَصَارَ هُوَ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ غَيْرِهِ إلَّا أَنَّهُ يَنْفَرِدُ بِتَزْوِيجِهَا فِي الْعِدَّةِ دُونَ مَنْ سِوَاهُ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ مِنْهُ، وَالْمَاءَ مَاؤُهُ فَلَا حَرَجَ فِي ذَلِكَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ مَرِيضَةً أَوْ حَامِلًا مُثْقَلًا قَدْ بَلَغَتْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْمَرِيضَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا حَتَّى يَزُولَ ذَلِكَ الْمَانِعُ مِنْهَا انْتَهَى.
فَخَرَجَ بِقَوْلِهِ غَيْرُ بَائِنٍ الْمُخْتَلِعَةُ، وَالْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الْبِنَاءِ، وَالطَّلَاقُ الْمَحْكُومُ بِهِ، وَالثَّلَاثُ.
ص " فِي عِدَّةٍ صَحِيحٌ "
ش: قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ فِي كِتَابِ إرْخَاءِ السُّتُورِ مِنْ التَّنْبِيهِ: وَقَدْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ صَحِيحًا فَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا نَظَرْتُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُفْسَخُ بَعْدَ الدُّخُولِ لَمْ تَكُنْ فِيهِ رَجْعَةٌ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُفْسَخُ ثَبَتَتْ الرَّجْعَةُ انْتَهَى، وَهَذَا دَاخِلٌ فِي كَلَامِ
الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ لَا تَكُونُ إلَّا بَعْدَ الدُّخُولِ، وَهُوَ بَعْدَ الدُّخُولِ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ فَاسِدٌ، وَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِي إرْخَاءِ السُّتُورِ: الرَّجْعَةُ تَصِحُّ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ، وَالْإِصَابَةِ الصَّحِيحَةِ إذَا كَانَ الطَّلَاقُ بِالطَّوْعِ مِنْ الزَّوْجِ لَيْسَ بِحُكْمٍ أَوْجَبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ فَاسِدًا مِمَّا الْحُكْمُ أَنَّهُ يَفُوتُ بِالدُّخُولِ فَطَلَّقَ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُفْسَخُ بَعْدَ الدُّخُولِ فَطَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ أَوْ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ، وَقَبْلَ أَنْ يَفْسَخَ لَمْ تَكُنْ فِيهِ رَجْعَةٌ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ فِي اللُّبَابِ الرَّجْعَةُ رَدُّ الْمُعْتَدَّةِ عَنْ طَلَاقٍ قَاصِرٍ عَنْ الْغَايَةِ ابْتِدَاءً غَيْرُ الْخُلْعِ أَوْقَعَهُ الزَّوْجُ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، وَوَطْءٍ جَائِزٍ أَوْ أَوْقَعَهُ الْحَاكِمُ لِسَبَبٍ، ثُمَّ زَالَ ذَلِكَ السَّبَبُ فِي الْعِدَّةِ، وَأَقَرَّتْ الزَّوْجَةُ بِبَقَائِهَا فَلَا رَجْعَةَ لَهُ عَلَى الْمَبْتُوتَةِ، وَلَا عَلَى الْمُخْتَلِعَةِ، وَلَا عَلَى الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَلَا عَلَى الْمَنْكُوحَةِ نِكَاحًا فَاسِدًا، وَلَا عَلَى الَّتِي طَلَّقَهَا بَعْدَ أَنْ وَطِئَهَا وَطْئًا فَاسِدًا كَالَّتِي وَطِئَهَا، وَهِيَ حَائِضٌ، وَلَهُ رَجْعَةُ مَنْ طَلَّقَهَا عَلَيْهِ الْحَاكِمُ بِالْإِيلَاءِ أَوْ لِوُجُودِ الْعَيْبِ أَوْ بِعَدَمِ النَّفَقَةِ إذَا أَصَابَ فِي الْعِدَّةِ أَوْ زَالَ الْعَيْبُ أَوْ أَيْسَرَ فِيهَا انْتَهَى.
وَقَوْلُهُ ابْتِدَاءً يَعْنِي أَنَّ كَوْنَهُ قَاصِرًا عَنْ الْغَايَةِ إنَّمَا يُفِيدُ إذَا كَانَ الطَّلَاقُ ابْتِدَاءً، وَأَمَّا إذَا كَانَ قَدْ أَوْقَعَ قَبْلَهُ مِنْ الطَّلَاقِ مَا كَمَّلَ بِالْأَخِيرِ ثَلَاثًا، فَإِنَّهَا تَبِينُ، وَقَوْلُهُ، وَعَلَى الَّتِي طَلَّقَهَا بَعْدَ أَنْ وَطِئَهَا وَطْئًا فَاسِدًا يُرِيدُ، وَلَمْ يَطَأْهَا وَطْئًا صَحِيحًا لَا قَبْلَهُ، وَلَا بَعْدَهُ، وَأَمَّا لَوْ وَطِئَهَا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ وَطْئًا صَحِيحًا، فَلَهُ الرَّجْعَةُ، وَقَوْلُهُ وَلِوُجُودِ الْعَيْبِ هُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ التُّونُسِيِّ إنَّ طَلَاقَ الْعَيْبِ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ الْمَعْلُومِ فِي الْمَذْهَبِ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ فِي عُيُوبِ الزَّوْجَيْنِ: وَطَلَاقُ الْعَيْبِ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَلَوْ كَانَ بَعْدَ الْبِنَاءِ حَيْثُ تَصَوَّرَ، وَسَمِعَ يَحْيَى ابْنَ الْقَاسِمِ إنْ طَلَّقَتْ امْرَأَةُ الْمَجْنُونِ نَفْسَهَا فَهِيَ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا مَعْلُومُ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ كُلَّ طَلَاقٍ يَحْكُمُ بِهِ الْإِمَامُ، فَهُوَ بَائِنٌ إلَّا الْمَوْلَى، وَالْمُعْسِرُ بِالنَّفَقَةِ، وَقَالَ التُّونُسِيِّ: تَطْلِيقُ الْإِمَامِ عَلَى الْمَجْنُونِ وَالْمَجْذُومِ، وَالْمَبْرُوصِ رَجْعِيٌّ، وَالْإِرْثُ بَيْنَهُمَا قَائِمٌ فِي الْعِدَّةِ، وَمَنْ صَحَّ مِنْ دَائِهِ فَلَهُ الرَّجْعَةُ، وَقَوْلُهُ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الْمَعْلُومِ فِي الْمَذْهَبِ هُوَ نَحْوُ سَمَاعِ عِيسَى فِي الْأَمَةِ تَخْتَارُ نَفْسَهَا فَيَمُوتُ فِي عِدَّتِهَا تَرْجِعُ لِعِدَّةِ الْوَفَاةِ ابْنُ عَرَفَةَ فِي قَوْلِهِ مَبْرُوصٌ نَظَرٌ صَوَابُهُ الْأَبْرَصُ أَوْ الْمُبْرِصُ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: بَرِصَ الرَّجُلُ فَهُوَ أَبْرَصُ، وَأَبْرَصَهُ اللَّهُ انْتَهَى، وَنَحْوُهُ فِي الْمُقَدِّمَاتِ فِي كِتَابِ طَلَاقِ السُّنَّةِ، وَوَافَقَ التُّونُسِيُّ عَلَى قَوْلِهِ اللَّخْمِيُّ، وَنَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَنَصُّهُ، وَلِمَنْ طَلَّقَ عَلَيْهِ لِعُسْرِ النَّفَقَةِ أَوْ عَيْبِ الرَّجْعَةِ إنْ أَيْسَرَ فِي الْعِدَّةِ أَوْ ذَهَبَ عَيْبُهُ، وَإِلَّا فَلَا إنْ لَمْ تَرْضَ، وَيَخْتَلِفُ إنْ رَضِيَتْ فِيهِمَا أَوْ فِي الْإِيلَاءِ بِعَدَمِ إصَابَتِهِ، فَفِي صِحَّةِ رَجْعَتِهِ قَوْلَا ابْنِ الْقَاسِمِ مَعَ الْأَخَوَيْنِ فِي الْإِيلَاءِ وَسَحْنُونٌ فِيهِ، وَفِي الْمُعْسِرِ انْتَهَى، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا جَمِيعِهِ مُسْتَوْفِيًا عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ طَلَاقِ السُّنَّةِ لَا لِعَيْبٍ، وَمَا لِلْوَلِيِّ فَسْخُهُ فَرَاجِعْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (حَلَّ وَطْؤُهُ) ش خَرَجَ بِهِ الْوَطْءُ الْمُحَرَّمُ كَالْوَطْءِ فِي الْحَيْضِ، وَالصَّوْمِ خِلَافًا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَكَالْوَطْءِ فِي الدُّبْرِ، وَوَافَقَ عَلَيْهِ ابْنُ الْمَاجِشُونِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَغَيْرِهِ (تَنْبِيهٌ) : قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَإِنْ أَصَابَهَا فِي صَوْمِ تَطَوُّعٍ أَوْ فِي اعْتِكَافٍ غَيْرِ مَنْذُورٍ أَوْ مَنْذُورٍ فِي الذِّمَّةِ كَانَتْ لَهُ الرَّجْعَةُ لَيْسَ ذَلِكَ الصَّوْمُ، وَالِاعْتِكَافُ قَدْ بَطَلَ بِأَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ، وَلَا يَجِبُ إمْسَاكُ بَقِيَّتِهِ، فَكَانَ تَمَادِيهِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا فِي صَوْمٍ، وَلَا اعْتِكَافٍ انْتَهَى، وَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ اللَّخْمِيِّ، وَذَهَبَ الْبَاجِيُّ إلَى أَنَّ الْخِلَافَ مُطْلَقٌ انْتَهَى.
ص (أَوْ نِيَّةٌ عَلَى الْأَظْهَرِ وَصَحَّحَ خِلَافَهُ)
ش: قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَإِذَا لَمْ