الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِإِسْلَامِ الْعَبْدِ فَرَهَنَهُ عَلَى ذَلِكَ فَجَمَعَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَ الْقَيْدَيْنِ فَصَارَتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ إذَا عَلِمَ مُرْتَهِنُهُ بِإِسْلَامِهِ، وَلَمْ يُعَيِّنْ الرَّهْنَ فَلَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِرَهْنِ ثِقَةٍ وَهَذَا صَرِيحُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِصَاحِبِ التَّقْيِيدَيْنِ.
الثَّانِي إذَا انْتَفَى الْأَمْرَانِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مُرْتَهِنُهُ بِإِسْلَامِهِ، وَعَيَّنَ الرَّهْنَ فَيُعَجَّلُ الْحَقُّ عَلَى مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَهُوَ أَيْضًا مُوَافِقٌ لِصَاحِبِ التَّقْيِيدَيْنِ. الثَّالِثُ إذَا انْتَفَى الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُرْتَهِنُ بِإِسْلَامِهِ، وَلَمْ يُعَيِّنْ الرَّهْنَ فَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا تَعْجِيلُ الْحَقِّ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِكَلَامِ ابْنِ مُحْرِزٍ وَمُخَالِفٌ لِبَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ. الرَّابِعُ إذَا انْتَفَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ بِأَنْ يَكُونَ عَلِمَ بِإِسْلَامِهِ، وَعَيَّنَ الرَّهْنَ فَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا تَعْجِيلُ الْحَقِّ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِبَعْضِ الْقَرَوِيِّينَ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ ابْنِ مُحْرِزٍ، وَهَذِهِ الصُّوَرُ الثَّلَاثُ دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِلَّا عَجَّلَ، وَجَعَلَ اللَّخْمِيّ مَحَلَّ الْخِلَافِ إذَا كَانَ الْإِسْلَامُ قَبْلَ الرَّهْنِ قَالَ: وَأَمَّا إنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الرَّهْنِ فَلَا يُعَجَّلُ اتِّفَاقًا وَتَبِعَهُ فِي الشَّامِلِ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا أَرَادَ الْكَافِرُ أَخْذَ الثَّمَنِ وَإِلَّا فَلَوْ عَجَّلَهُ لَكَانَ ذَلِكَ لَهُ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ
ص (كَعِتْقِهِ)
ش: الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْعَبْدِ الْمَرْهُونِ، وَلَيْسَ هُوَ خَاصًّا بِمَسْأَلَةِ الْعَبْدِ الْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ بَلْ مُرَادُهُ أَنَّ الرَّاهِنَ إذَا أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْمَرْهُونَ فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَيْهِ بِتَعْجِيلِ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ مُفَصَّلَةً فِي بَابِ الرَّهْنِ.
ص (وَجَازَ رَدُّهُ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ)
ش: قَالَ فِي الْكَبِيرِ: يَعْنِي فَإِنْ بَاعَ الْكَافِرُ عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ أَوْ بِيعَ عَلَيْهِ فَوُجِدَ بِهِ عَيْبٌ جَازَ لِمَنْ ابْتَاعَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ وَنَحْوُهُ لِلْبِسَاطِيِّ، وَفَرَضَهَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ عَرَفَةَ فِيمَا إذَا اشْتَرَى الْمُسْلِمُ عَبْدًا كَافِرًا مِنْ كَافِرٍ ثُمَّ أَسْلَمَ الْعَبْدُ بَعْدَ الشِّرَاءِ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ وَكَذَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ يَحْيَى مِنْ التِّجَارَةِ لِأَرْضِ الْحَرْبِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَاحِدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ الرَّدِّ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ أَشْهَبُ: وَغَيْرُهُ لَا يَجُوزُ رَدُّهُ. وَيَتَعَيَّنُ الرُّجُوعُ بِالْأَرْشِ.
ص (وَفِي خِيَارِ مُشْتَرٍ مُسْلِمٍ يُمْهَلُ لِانْقِضَائِهِ)
ش: يَعْنِي أَنَّ الْكَافِرَ إذَا بَاعَ عَبْدَهُ الْكَافِرَ لِمُسْلِمٍ فَأَسْلَمَ الْعَبْدُ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُسْلِمِ، فَإِنَّهُ يُمْهَلُ لِانْقِضَائِهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُسْلِمِ بِالتَّأْخِيرِ الْمَازِرِيُّ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ
ص (وَيُسْتَعْجَلُ الْكَافِرُ)
ش: أَيْ، وَإِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْكَافِرِ، فَإِنَّهُ يُسْتَعْجَلُ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ بَائِعًا أَوْ مُبْتَاعًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَالثَّانِي مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ
ص (كَبَيْعِهِ إنْ أَسْلَمَ، وَبَعُدَتْ غَيْبَةُ سَيِّدِهِ)
ش: تَشْبِيهٌ فِي تَعْجِيلِ الْبَيْعِ، وَقَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَجَهْلُ مَوْضِعِهِ كَبُعْدِ غَيْبَتِهِ قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُطْمَعْ بِقُدُومِ السَّيِّدِ، وَأَمَّا إنْ طُمِعَ بِقُدُومِهِ اُنْتُظِرَ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي كِتَابِ الْعُيُوبِ انْتَهَى. وَفُهِمَ مِنْ تَقْيِيدِ الْغَيْبَةِ بِالْبَعِيدَةِ أَنَّهُ لَا يَبِيعُهُ فِي الْقَرِيبَةِ، وَيَنْتَظِرُهُ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ فِي غَيْرِ مَوَاضِعَ أَنَّ الْغَيْبَةَ الْقَرِيبَةَ كَالْيَوْمِ، وَالْيَوْمَيْنِ، وَفِي الشَّهَادَةِ كَالثَّلَاثَةِ، وَفِي الْأَجْوِبَةِ الْبَعِيدَةُ عَشْرَةُ أَيَّامٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَرْعٌ بِيعَ الْعَبْدُ ثُمَّ قَدِمَ السَّيِّدُ فَأَثْبَتَ أَنَّهُ أَسْلَمَ قَبْلَ إسْلَامِ الْعَبْدِ]
(فَرْعٌ) : فَإِنْ بِيعَ الْعَبْدُ ثُمَّ قَدِمَ السَّيِّدُ فَأَثْبَتَ أَنَّهُ أَسْلَمَ قَبْلَ إسْلَامِ الْعَبْدِ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِطَرِيقِ الِاسْتِحْقَاقِ فَإِنْ عَتَقَ كَانَ لَهُ نَقْضُ الْعِتْقِ
قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ.
ص (وَفِي الْبَائِعِ يُمْنَعُ مِنْ الْإِمْضَاءِ) ش يَعْنِي أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا بَاعَ عَبْدَهُ الْكَافِرَ مِنْ كَافِرٍ بِخِيَارٍ، وَكَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ الْمُسْلِمِ، فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ إمْضَاءِ الْبَيْعِ
ص (وَفِي جَوَازِ بَيْعِ مَنْ أَسْلَمَ بِخِيَارٍ تَرَدُّدٌ)
ش: تَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ الْمَازِرِيُّ، وَفِي كَلَامِ اللَّخْمِيّ مَيْلٌ لِلْجَوَازِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ لَهُ اسْتِقْصَاءَ الثَّمَنِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُلْزَمُ أَنْ يَبِيعَهُ بِأَوَّلِ ثَمَنٍ يُعْطَى فِيهِ سَاعَتَهُ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (وَهَلْ مَنْعُ الصَّغِيرِ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى دِينِ مُشْتَرِيهِ أَوْ مُطْلَقًا أَوْ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَبُوهُ تَأْوِيلَانِ)
ش: لَمْ يُبَيِّنْ رحمه الله هُنَا، وَلَا فِيمَا تَقَدَّمَ، وَلَا فِيمَا يَأْتِي الصَّغِيرَ الَّذِي أَرَادَ هَلْ صَغِيرُ الْمَجُوسِ أَوْ صَغِيرُ الْكِتَابِيِّينَ؟ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ هُنَا، وَفِيمَا يَأْتِي صِغَارَ الْكِتَابِيِّينَ؛ لِأَنَّ التَّأْوِيلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا هُمَا التَّأْوِيلَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا عِيَاضٌ، وَهُوَ إنَّمَا ذَكَرَهُمَا فِي صِغَارِ الْكِتَابِيِّينَ، وَأَمَّا الصَّغِيرُ الْمُتَقَدِّمُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ صِغَارَ الْكِتَابِيِّينَ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَيَكُونُ الْكَلَامُ عَلَى أُسْلُوبٍ وَاحِدٍ، وَيَكُونُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ، وَهَلْ مَنْعُ الصَّغِيرِ لِلْعَهْدِ وَيَكُونُ سَكَتَ عَنْ حُكْمِ صَغِيرِ الْمَجُوسِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ يُفْهَمُ مِنْهُ بِالْأَحْرَوِيَّةِ؛ وَلِأَنَّ ظَاهِرَ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْمَجُوسَ يُجْبَرُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ صَغِيرُهُمْ، وَكَبِيرُهُمْ كَمَا سَيَأْتِي وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالصَّغِيرِ الْمُتَقَدِّمِ مَا يَعُمُّ الْكِتَابِيَّ وَالْمَجُوسِيَّ لَكِنْ يُحْتَاجُ إلَى تَخْصِيصِ التَّأْوِيلَيْنِ بِالْكِتَابِيِّ، وَكَأَنَّهُ رحمه الله قَبِلَ تَقْيِيدَ عِيَاضٍ لِلْمَسْأَلَةِ بِكَوْنِ الصَّغِيرِ الْكِتَابِيِّ لَيْسَ مَعَهُ أَبُوهُ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ يُمْنَعُ بَيْعُ الصَّغِيرِ مِنْ الْكِتَابِيِّينَ لِلْكَافِرِ، وَهَلْ الْمَنْعُ إذَا لَمْ يَكُنْ الصَّغِيرُ عَلَى دِينِ مُشْتَرِيهِ.
وَأَمَّا إذَا وَافَقَهُ فِي الدِّينِ فَيَجُوزُ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ ذَكَرَهُ عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ، وَلَمْ يَرْتَضِهِ أَوْ الْمَنْعُ مِنْ بَيْعِ الصَّغِيرِ مِنْ الْكِتَابِيِّينَ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى دِينِ مُشْتَرِيهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ هُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ عِيَاضٌ، وَقَوْلُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَبُوهُ يَعْنِي أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ بَيْعِ الصَّغِيرِ الْكِتَابِيِّ مِنْ الْكَافِرِ إنَّمَا هُوَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَبُوهُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ مَعَهُ أَبُوهُ فَلَا يُمْنَعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَهَذَا حُكْمُ صِغَارِ الْكِتَابِيِّينَ، وَأَمَّا صِغَارُ الْمَجُوسِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ آبَاؤُهُمْ، فَإِنَّهُمْ يُجْبَرُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَيُمْنَعُ الْكُفَّارُ مِنْ شِرَائِهِمْ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ آبَاؤُهُمْ فَفِيهِمْ خِلَافٌ كَذَلِكَ اُخْتُلِفَ فِي الْكَبِيرِ مِنْ الْمَجُوسِ هَلْ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ أَمْ لَا، وَلَمْ يُخْتَلَفْ فِي الْكَبِيرِ مِنْ سَبْيِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي رَسْمِ الشَّجَرَةِ مِنْ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ كِتَابِ الْجَنَائِزِ، وَفِي مَعْنَى الْكَبِيرِ مَنْ عَقَلَ دِينَهُ قَالَهُ فِي سَمَاعِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ مِنْ كِتَابِ الْمُحَارِبِينَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ التِّجَارَةِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ أَنَّ الْمَجُوسَ
يُجْبَرُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَيُمْنَعُ النَّصَارَى مِنْ شِرَائِهِمْ مُطْلَقًا صَغِيرِهِمْ وَكَبِيرِهِمْ، وَنَصُّهَا قَالَ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ: فِي الْمَجُوسِ أَنَّهُمْ إذَا مُلِكُوا أُجْبِرُوا عَلَى الْإِسْلَامِ، وَيُمْنَعُ النَّصَارَى مِنْ شِرَائِهِمْ، وَمِنْ شِرَاءِ صِغَارِ الْكِتَابِيِّينَ، وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ كِبَارِ الْكِتَابِيِّينَ.
وَهَذَا فِي الْمَجُوسِ الْمَسْبِيِّينَ أَمَّا الْمَجُوسُ الَّذِينَ ثَبَتُوا عَلَى مَجُوسِيَّتِهِمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا يُجْبَرُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ قَالَهُ فِي آخِرِ سَمَاعِ أَصْبَغَ مِنْ كِتَابِ التِّجَارَةِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ مِنْ الْبَيَانِ، وَقَبِلَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَقَالَ: إنَّهُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْمَسْبِيِّينَ مِنْهُمْ إنَّمَا أُجْبِرُوا عَلَى الْإِسْلَامِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ لَمْ يَفْقَهُوا دِينَهُمْ، وَلَا عَقَلُوهُ لِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْجَهْلِ فَكَانَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الصِّغَارِ انْتَهَى. وَلَمْ يُحْكَ فِي ذَلِكَ خِلَافًا بَلْ قَالَ فِي سَمَاعِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ مِنْ جَامِعِ الْبُيُوعِ: أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ
ص (وَالصَّغِيرُ عَلَى الْأَرْجَحِ)
ش: إنَّمَا كَرَّرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِيُفِيدَ أَنَّ الرَّاجِحَ مِنْ التَّأْوِيلَيْنِ الْمَنْعُ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى دِينِ مُشْتَرِيهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَكِنْ لَوْ قَالَ عَلَى الْأَصَحِّ لَكَانَ مُشِيرًا لِتَرْجِيحِ الْقَاضِي عِيَاضٍ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي ابْنِ يُونُسَ فِي ذَلِكَ تَرْجِيحٌ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ: أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ لِابْنِ يُونُسَ فِي مَظِنَّتِهِ فِي كِتَابِ التِّجَارَةِ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ
ص (وَشَرْطُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ طَهَارَةٌ)
ش: لَمَّا فَرَغَ رحمه الله مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الرُّكْنِ الثَّانِي مِنْ أَرْكَانِ الْبَيْعِ أَتْبَعَهُ بِالْكَلَامِ عَلَى الرُّكْنِ الثَّالِثِ الَّذِي هُوَ آخِرُ الْأَرْكَانِ، وَهُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ، وَهُوَ الثَّمَنُ، وَالْمَثْمُونُ، وَعَبَّرَ عَنْهُمَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ كَمَا فَعَلَ فِي الْعَاقِدِ فَأَرْكَانُ الْبَيْعِ فِي الْحَقِيقَةِ خَمْسَةٌ الدَّالُ عَلَى الرِّضَا، وَالْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي، وَالثَّمَنُ، وَالْمَثْمُونُ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الثَّانِي، وَالثَّالِثُ - حُكْمُهُمَا - وَاحِدًا مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ عَبَّرَ عَنْهُمَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَكَذَلِكَ الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ، فَصَارَ ثَلَاثَةً بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، وَقَالَ الشَّارِحُ: فِي الْكَبِيرِ الْمُرَادُ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ الْمَثْمُونُ، وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَجَعَلَ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَاقِدِ الْبَائِعُ، وَالْمُشْتَرِي احْتِمَالًا، وَهُوَ الْمُتَعَيِّنُ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ رُكْنًا سَادِسًا فَقَالَ السَّادِسُ: نَفْسُ الْعَقْدِ، وَيَعْنِي بِهِ الْهَيْئَةَ الْحَاصِلَةَ مِنْ مُقَارَنَةِ الْإِيجَابِ لِلْقَبُولِ، وَصُدُورَهُمَا مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ خَمْسَةَ شُرُوطٍ، وَاحْتَرَزَ بِكُلِّ شَرْطٍ عَمَّا يُقَابِلُهُ الْأَوَّلُ الطَّهَارَةُ وَاحْتَرَزَ بِهِ مِنْ النَّجَسِ، وَلَا يُرِيدُ الْعُمُومَ فِي كُلِّ نَجِسٍ بَلْ مَا نَجَاسَتُهُ ذَاتِيَّةٌ كَالْعَذِرَةِ، وَالزِّبْلِ أَوْ كَالذَّاتِيَّةِ، وَهُوَ مَا لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ كَالزَّيْتِ الْمُتَنَجِّسِ، وَشِبْهِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ نَجَاسَتُهُ عَرَضِيَّةٌ فَلَا اخْتِلَافَ فِي عَدَمِ اعْتِبَارِهَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَنْعِ بَيْعِ النَّجِسِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ نَهْيُهُ تَعَالَى عَنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ مَا كَانَ كَذَلِكَ لَا تَحْصُلُ بِهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُسْلِمِ أَوْ تَحْصُلُ بِهِ مَنْفَعَةٌ يَسِيرَةٌ، فَكَأَنَّهُ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ أَصْلًا فَأَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ الْمُنَاقِضِ لِلتِّجَارَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ أَتَى بَعْدَهُ بِأَدَاةِ الِاسْتِثْنَاءِ فَقَالَ {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] ، وَهِيَ مُوجِبَةٌ؛ لَأَنْ يَكُونُ مَا بَعْدَهَا مُنَاقِضًا لِمَا قَبْلَهَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِلِ وَكَذَلِكَ هُنَا عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَدَلِيلُهُ مِنْ السُّنَّةِ نَهْيُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: صلى الله عليه وسلم «إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ، وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ فَقِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ أَرَأَيْت شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهَا تُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ فَقَالَ لَا هُوَ حَرَامٌ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ إنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ الشُّحُومَ أَجْمَلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ» هَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظٍ آخَرَ، وَمَعْنَى أَجْمَلُوهُ أَذَابُوهُ وَقَوْلُهُ حَرَّمَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: صَحَّتْ الرِّوَايَةُ بِإِسْنَادِهِ إلَى ضَمِيرِ الْوَاحِدِ تَأَدُّبًا مِنْهُ عليه الصلاة والسلام أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اسْمِ اللَّهِ فِي ضَمِيرِ الِاثْنَيْنِ كَمَا «رَدَّ عَلَى الْخَطِيبِ قَوْلَهُ مَنْ يَعْصِهِمَا فَقَالَ لَهُ بِئْسَ خَطِيبُ الْقَوْمِ قُلْ، وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ» اُنْظُرْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
ص (لَا كَزِبْلٍ
وَزَيْتٍ تَنَجَّسَ)
ش: يَعْنِي إذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مِنْ شُرُوطِهِ الطَّهَارَةُ فَيَجُوزُ بَيْعُ كُلِّ طَاهِرٍ حَاوٍ لِلشُّرُوطِ الْآتِيَةِ لَا غَيْرَ الطَّاهِرِ مِمَّا نَجَاسَتُهُ ذَاتِيَّةٌ كَزِبْلِ الدَّوَابِّ أَوْ كَالذَّاتِيَّةِ لِكَوْنِهِ لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ كَالزَّيْتِ الْمُتَنَجِّسِ، وَذَكَرَ هَذَيْنِ لِكَوْنِهِمَا مُخْتَلَفًا فِيهِمَا فَيُعْلَمَ أَنَّ الْمَشْهُورَ فِيهِمَا الْمَنْعُ، وَلْيُنَبَّهْ عَلَى أَنَّ الْمَمْنُوعَ إنَّمَا هُوَ بَيْعُ النَّجِسِ الذَّاتِيِّ أَوْ الَّذِي كَالذَّاتِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَذْهَبَ عَلَى أَنَّ الْأَعْيَانَ النَّجِسَةَ لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا إلَّا أَنَّ فِي بَعْضِهَا خِلَافًا يَتَبَيَّنُ بِذِكْرِ آحَادِ الصُّوَرِ قَالَهُ فِي الْجَوَاهِرِ وَقَالَ اللَّخْمِيّ: بَيْعُ النَّجَاسَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ: مُحَرَّمٌ، وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ بِالْجَوَازِ، وَالْكَرَاهَةِ، وَالتَّحْرِيمِ وَاسْتِعْمَالُهَا عَلَى وَجْهَيْنِ: جَائِزٌ وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ كَذَلِكَ، وَأَكْلُ مَا اُسْتُعْمِلَ فِيهِ عَلَى، وَجْهَيْنِ: جَائِزٌ وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ فَبَيْعُ كُلِّ نَجَاسَةٍ لَا تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَى اسْتِعْمَالِهَا، وَلَا تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى حَرَامٌ كَالْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ لَحْمِهَا، وَشَحْمِهَا، وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ، وَاخْتُلِفَ فِيمَا تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَى اسْتِعْمَالِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ، وَذَكَرَ الْخِلَافَ، وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ النَّجَاسَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا، وَمُخْتَلَفٌ فِيهَا، وَكُلُّ وَاحِدٍ عَلَى قِسْمَيْنِ مَا تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَيْهِ، وَمَا لَا تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَيْهِ فَالْمُجْمَعُ عَلَيْهِ الَّذِي لَا تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَيْهِ لَا خِلَافَ فِي مَنْعِ بَيْعِهِ، وَالِانْتِفَاعِ بِهِ، وَاَلَّذِي تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَيْهِ مَجْمَعًا عَلَيْهِ كَانَ أَوْ مُخْتَلَفًا فِيهِ فَهَلْ يَجُوزُ بَيْعُهُ أَمْ لَا؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ انْتَهَى. وَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ ذِكْرُ الْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرَهَا، وَالصُّوَرِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا هِيَ كُلُّ مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ فَلِأَجْلِ مُرَاعَاةِ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ إذْ قَدْ عُلِمَ أَنَّهُ إنَّمَا مُنِعَ بَيْعُ النَّجِسِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ أَصْلًا أَوْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ مَنَعَ الشَّارِعُ مِنْهَا فَصَارَ وُجُودُهَا كَالْعَدَمِ؛ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ شَرْعًا كَالْمَعْدُومِ حِسًّا فَمِنْ تِلْكَ الصُّوَرِ الزِّبْلُ.
وَدَخَلَ تَحْتَ الْكَافِ فِي قَوْلِهِ كَزِبْلٍ صُوَرٌ أُخَرُ نَجَاسَتُهَا ذَاتِيَّةٌ فِيهَا مَنْفَعَةٌ مِنْهَا الْعَذِرَةُ، وَمِنْهَا عِظَامُ الْمَيْتَةِ وَمِنْهَا جُلُودُ الْمَيْتَةِ، وَمِنْ الصُّوَرِ أَيْضًا الزَّيْتُ الْمُتَنَجِّسُ، وَكَافُ التَّشْبِيهِ مُقَدَّرَةٌ فِيهِ لِيَدْخُلَ فِيهِ كُلُّ مُتَنَجِّسٍ لَا يَقْبَلُ التَّطْهِيرَ كَالسَّمْنِ الْمُتَنَجِّسِ، وَالْعَسَلِ الْمُتَنَجِّسِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ أَمَّا الْعَذِرَةُ وَهِيَ رَجِيعُ بَنِي آدَمَ فَنَسَبَ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَابْنُ شَاسٍ لِلْمُدَوَّنَةِ الْمَنْعَ مِنْ بَيْعِهَا، وَاَلَّذِي فِي التَّهْذِيبِ الْكَرَاهَةُ قَالَ فِي الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ: كَرِهَ مَالِكٌ بَيْعَ الْعَذِرَةِ لِيُزَبَّلَ بِهَا الزَّرْعُ أَوْ غَيْرُهُ قِيلَ لِابْنِ الْقَاسِمِ فَمَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي زِبْلِ الدَّوَابِّ فَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ فِيهِ شَيْئًا إلَّا أَنَّهُ عِنْدَهُ نَجِسٌ، وَإِنَّمَا كَرِهَ الْعَذِرَةَ؛ لِأَنَّهَا نَجَسٌ، وَكَذَلِكَ الزِّبْلُ أَيْضًا وَأَنَا لَا أَرَى بِبَيْعِهِ بَأْسًا قَالَ أَشْهَبُ: وَالْمُبْتَاعُ فِي زِبْلِ الدَّوَابِّ أَعْذَرُ مِنْ الْبَائِعِ قَالَ: الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي الْأُمَّهَاتِ قَالَ وَأَمَّا الرَّجِيعُ فَلَا خَيْرَ فِيهِ، وَوَقَعَ لَهُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ الْمُشْتَرِي أَعْذَرُ مِنْ الْبَائِعِ فِي الرَّجِيعِ أَيْضًا وَيَعْنِي أَعْذَرَ: أَكْثَرَ اضْطِرَارًا، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا أَعْذَرَ اللَّهُ وَاحِدًا مِنْهُمَا، وَقَالَ قَبْلَهُ الشَّيْخُ، وَكَرَاهَةُ بَيْعِ الْعَذِرَةِ عَلَى بَابِهَا انْتَهَى.
وَكَذَلِكَ ظَاهِرُ اللَّخْمِيّ أَنَّ الْكَرَاهَةَ عَلَى بَابِهَا وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّوْضِيحِ: بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ الْمُتَقَدِّمِ فَانْظُرْ كَيْفَ عَبَّرَ بِالْكَرَاهَةِ فِي مَوْضِعَيْنِ نَعَمْ عَبَّرَ أَبُو عِمْرَانَ وَعِيَاضٌ عَنْ مَالِكٍ بِلَا يَجُوزُ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْمُصَنِّفِ، وَلَعَلَّ الَّذِي حَمَلَهُمْ عَلَى ذَلِكَ التَّعْلِيلُ بِالنَّجَاسَةِ انْتَهَى.
وَكَذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ نَسَبَ الْمَنْعَ لِلْمُدَوَّنَةِ وَيَأْتِي لَفْظُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فَهِمَهُ ابْنُ بَشِيرٍ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ، وَالْمَنْعُ مَذْهَبُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَنَقَلَ اللَّخْمِيّ كَلَامَهُ بِلَفْظِ مَا عَذَرَ اللَّهُ وَاحِدًا مِنْهُمَا، وَأَمْرُهُمَا فِي الْإِثْمِ سَوَاءٌ انْتَهَى.
كَذَا نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُصَنِّفُ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مَا أَعْذَرَ اللَّهُ بِالْأَلِفِ مِنْ بَابِ أَكْرَمَ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ أَيْ مَا قَبِلَ اللَّهُ الْعُذْرَ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَنَقَلَ اللَّخْمِيّ أَيْضًا كَلَامَ أَشْهَبَ بِلَفْظِ، وَقَالَ أَشْهَبُ: فِي الزِّبْلِ، وَالْمُشْتَرِي فِيهِ أَعْذَرُ مِنْ الْبَائِعِ، وَأَمَّا الْعَذِرَةُ فَلَا خَيْرَ فِيهَا، وَقَالَ: فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ فِي الْعَذِرَةِ بَيْعُهَا لِلِاضْطِرَارِ وَالْعُذْرِ جَائِزٌ، وَالْمُشْتَرِي أَعْذَرُهُمَا انْتَهَى فَقَوْلُ أَشْهَبَ هَذَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الِاضْطِرَارِ، وَغَيْرِهِ، وَهَذَا عَلَى أَنَّ فَاعِلَ
قَالَ فِي كَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَشْهَبُ، وَكَذَا فَهِمَ الْمُصَنِّفُ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَنَسَبَاهُ لَهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ أَنَّهُ لِمُحَمَّدٍ، وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: بِجَوَازِ بَيْعِ الْعَذِرَةِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ بَشِيرٍ وَالْمُصَنِّفِ أَنَّهُ قَوْلُهُ هُوَ، وَنَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ ابْنِ مُحْرِزٍ أَنَّهُ رَوَاهُ، وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ فَتَحَصَّلَ فِي بَيْعِ الْعَذِرَةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: الْمَنْعُ لِمَالِكٍ عَلَى مَا فَهِمَهُ الْأَكْثَرُ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ وَلِابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَالْكَرَاهَةُ عَلَى مَا فَهِمَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْمُدَوَّنَةِ حَيْثُ قَالَ: فِي قَوْلِهَا وَكُرِهَ بَيْعُ الْعَذِرَةِ لِيُزَبَّلَ بِهَا الزَّرْعُ أَوْ غَيْرُهُ إلَخْ، وَكَرَاهَةُ بَيْعِ الْعَذِرَةِ عَلَى بَابِهَا انْتَهَى.
وَظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ أَنَّ الْكَرَاهَةَ عَلَى بَابِهَا، وَالْجَوَازُ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الِاضْطِرَارِ فَيَجُوزُ، وَعَدَمِهِ فَيُمْنَعُ لِأَشْهَبَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ، وَخَرَّجَ اللَّخْمِيُّ لِابْنِ الْقَاسِمِ الْجَوَازَ مِنْ إجَازَةِ الزِّبْلِ وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ بَشِيرٍ بِأَنَّهُ غَيْرُ الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّهُ تَخْرِيجٌ فِي الْأُصُولِ مِنْ الْفُرُوعِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا شِبْهُ الزِّبْلَ فِي الْمَنْعِ، وَيُمْكِنُهُ لَوْ سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الْعَذِرَةِ أَنْ يَقُولَ لَا أُجِيزُهُ؛ لِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَالزِّبْلُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَأَشَارَ إلَى هَذَا صَاحِبُ التَّنْبِيهَاتِ قَالَ: وَمَسَاقُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ حِينَ سَاوَى بَيْنَهُمَا فِي النَّجَاسَةِ ثُمَّ أَبَاحَ بَيْعَ الزِّبْلِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْعَذِرَةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا الِاخْتِلَافُ فِي نَجَاسَتِهِ انْتَهَى.
وَنَقَلَ فِي التَّوْضِيحِ هَذَا الْفَرْقَ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ قَالَ: ابْنُ عَرَفَةَ، وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ رَدُّهُ بِأَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ فَارِقًا مَا صَحَّ تَخْرِيجُ ابْنِ الْقَاسِمِ الْمَنْعَ فِي الزِّبْلِ لِمَالِكٍ مِنْ مَنْعِهِ بَيْعَ الْعَذِرَةِ انْتَهَى بِالْمَعْنَى، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَالضَّمِيرُ فِي رَدِّهِ عَائِدٌ إلَى التَّعَقُّبِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ لِابْنِ بَشِيرٍ لِتَقَدُّمِ الْمَازِرِيِّ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: رَدَّ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: تَعَقَّبَ ابْنُ بَشِيرٍ بِقَوْلِهِ هُوَ بِنَاءٌ عَلَى مُرَاعَاةِ الْخِلَافِ، وَتَرْكُ مُرَاعَاتِهِ لَا يُوجِبُ تَخْطِئَةَ الْأَئِمَّةِ انْتَهَى.
وَهُوَ كَذَلِكَ فِي ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَقَبِلَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَرَدَّهُ ابْنُ عَرَفَةَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ لَا يَصْلُحُ وَحْدَهُ دُونَ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ الْمُتَقَدِّمِ رَدًّا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ أَجَازَ بَيْعَ الزِّبْلِ مَعَ كَوْنِهِ نَجِسًا، وَأَلْغَى كَوْنَ النَّجَاسَةِ مَانِعَةً مِنْ جَوَازِ الْبَيْعِ وَلَمْ يُرَاعِ دَلِيلَ الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهِ فَيَلْزَمُهُ حِينَئِذٍ إبَاحَةُ الْعَذِرَةِ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ مُسَاوِيَةٌ لِلزِّبْلِ وَهَذَا لَا يَتِمُّ أَعْنِي لَمْ يُرَاعِ دَلِيلَ الْقَوْلِ بِطَهَارَةِ الزِّبْلِ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الْقَوْلِ بِطَهَارَتِهِ مَعْنًى مُنَاسِبٌ لِلْحُكْمِ بَلْ نَجَاسَتُهُ لَا تَمْنَعُ بَيْعَهُ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ ابْنُ الْقَاسِمِ اعْتَبَرَهُ فَارِقًا فَلَا يَصِحُّ حِينَئِذٍ أَنْ يَلْزَمَ إبَاحَةُ الْعَذِرَةِ، وَلَا جَوَابَ عَنْ كَوْنِ مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ فَارِقٌ غَيْرُ فَارِقٍ عِنْدَهُ، وَأَنَّهُ لَمْ يَعْزُهُ سِوَى أَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ مَا ذَكَرَ فَارِقًا لَمَا صَحَّ لَهُ إلْزَامُ مَالِكٍ مَنْعَ بَيْعِ الزِّبْلِ مِنْ مَنْعِهِ بَيْعَ الْعَذِرَةِ، وَهُوَ كَلَامُ الْمَازِرِيِّ الْمُتَقَدِّمُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَنَصُّ كَلَامِ ابْنِ عَرَفَةَ الْمَوْعُودُ بِهِ فِي نَقْلِ الْخِلَافِ فِي الْعَذِرَةِ، وَفِي الْعَذِرَةِ ثَلَاثَةٌ فِيهَا مَنْعُهَا ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ أَثَّمَ الْعَاقِدَيْنِ سَوَاءٌ ابْنُ مُحْرِزٍ وَرَوَى ابْنُ الْمَاجِشُونِ جَوَازَهُ وَخَرَّجَهُ اللَّخْمِيّ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي إجَازَتِهِ بَيْعِ الزِّبْلِ، وَنُقِلَ عَنْ مُحَمَّدٍ جَوَازُهَا لِلِاضْطِرَارِ وَالْمُشْتَرِي أَعْذَرُ انْتَهَى.
وَأَمَّا الزِّبْلُ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: قِيَاسٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى الْعَذِرَةِ فِي الْمَنْعِ عِنْدَ مَالِكٍ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ بِجَوَازِهِ، وَقَوْلُ أَشْهَبَ الْمُتَقَدِّمُ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ الْمُشْتَرِي أَعْذَرُ مِنْ الْبَائِعِ هَكَذَا نَقَلَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَنَصُّهُ فِي الزِّبْلِ الثَّلَاثَةُ تَخْرِيجُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَوْلُهُ وَقَوْلُ أَشْهَبَ فِيهَا الْمُشْتَرِي أَعْذَرُ مِنْ الْبَائِعِ انْتَهَى. وَعَلَى مَا فَهِمَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ اللَّخْمِيِّ مِنْ أَنَّ الْكَرَاهَةَ عَلَى بَابِهَا تَكُونُ الْأَقْوَالُ فِيهِ أَيْضًا أَرْبَعَةٌ، وَمَشَى الْمُؤَلِّفُ عَلَى قِيَاسِ ابْنِ الْقَاسِمِ الزِّبْلَ عَلَى الْعَذِرَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَذِرَةَ مَمْنُوعَةٌ بِالْأَحْرَوِيَّةِ، وَجَمَعَ ابْنُ بَشِيرٍ بَيْنَ الْعَذِرَةِ، وَالزِّبْلِ وَحَكَى فِيهِمَا ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ الْمَنْعُ، وَالْجَوَازُ وَجَعَلَهُمَا شَاذَّيْنِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعَذِرَةِ فَيُمْنَعُ، وَالزِّبْلِ فَيَجُوزُ عَلَى مَا ارْتَضَاهُ مِنْ رَدِّ تَخْرِيجِ اللَّخْمِيِّ، وَلَمْ يُصَرِّحْ فِيهِ بِمَشْهُورِيَّةٍ، وَلَا تَرْجِيحٍ، وَهَذِهِ هِيَ الْأَقْوَالُ الَّتِي تَقَدَّمَ فِي كَلَامِهِ الْإِشَارَةُ إلَيْهَا وَكَذَلِكَ اللَّخْمِيُّ جَمَعَ بَيْنَ الْعَذِرَةِ، وَالزِّبْلِ، وَحَكَى فِيهَا ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ الْجَوَازُ