الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المصادر:
(1)
J. Schacht: Introduction to Islamic Law (Forthcaring)، Chap. 23 (With bibiography)
(2)
Juynboll: Handbuch، Leiden 1910، 247 - 550
(3)
F. Peltierand G.H. Bouquest: Les successions agnatiques mitigees، Paris، 1935
حسن حبشى [هيئة التحرير]
الفرائضيون
تأسست هذه الطائفة فى البنغال الشرقية فى عام 1804 م تقريبًا، على يد "حاجى شريعة اللَّه" الذى ولد من أبوين غير معروفين، أقاما فى قرية "بهادريور" Bahdurpur فى إقليم "فريدبور" -وعندما بلغ الثامنة عشرة من عمره ذهب فى رحلة الحج إلى مكة، ولكنه -بدلا من أن يعود كما هى العادة- بقى تلميذا ومريدا للشيخ طاهر السنبل المكى، زعيم طائفة الشافعية هناك فى تلك الأيام وفى عام 1802 م وبعد غياب عشرين عاما، عاد إلى الهند، محاورا ماهرا ودارسا جيدا للعربية. . وفى طريقه إلى بلدته وقع فى أيدى عصابة من اللصوص سلبوه كل شئ حتى تذكاراته وكتبه وما ادخره فى أثناء إقامته بالجزيرة العربية. وعندما وجد أن الحياة لا تطاق بدون كتب أو تذكارات، انضم إلى العصابة، وشاركهم الكثير من ضلالهم وانحرافهم. . ولكن بساطة شخصيته وصدق معتقداته الدينية، كان لهما تأثير السحر على أفراد العصابة الأشرار، الذين أصبحوا فى النهاية أخلص أتباعه المتحمسين، وهذه هى القصة التى تروى اليوم عن الخطوة الأولى التى اتخذها هذا الرجل المتميز غير العادى نحو الاهتداء واستمر شريعة اللَّه لعدة سنوات، وفى هدوء، ينشر تعاليمه ذات الصياغة الجديدة، فى قرى الأقاليم التى يتكون منها موطنه الأصلى، قد واجه الكثير من المعارضة والمقاومة والايذاء ولكنه -باجتذابه زمرة من التابعين المخلصين- اكتسب تدريجيا سمعة وشهرة الرجل "الطاهر" التقى -وكان أخطر ما دعا إليه هو عدم التقيد بصلوات الجمعة
والعيدين، على أساس أن الهند كانت فى ظل الحكم البريطانى، دار الحرب (*).
وكذلك أمر بأن تحل فى المستقبل كلمة أستاذ وكلمة تلميذ -وهما لا يتضمنان الخضوع التام- محل الولى والمريد، اللذين كانا لعصور طويلة يطلقان على المعلم الدينى وتلميذه. وأكثر من ذلك منع أو حرم الاحتفالات التى كانت مألوفة وشائعة عند دخول "التلميذ" الجماعة الدينية، ولكنه طلب التوبة من كل من سيصبح تلميذا له والندم عما ارتكب من أخطاء فى الماضى، والعزم على أن يحيا حياة فاضلة وأكثر تقوى وورعا فى المستقبل -ومن الغريب أن أيًّا من هذه الآراء لم تثر الكثير من المعارضة، ولكن عندما أعلن أن السماح للقابلة بأن تقطع الحبل السرى للوليد يعتبر خطيئة مميتة، أخذت عن الهندوس، واصراره على أن واجب الأب أن يقوم بهذه المهمة، أثار معارضة قوية أدت إلى أن ينشق عنه الكثيرون ممن تشيّعوا له. . ثم أن سادة الأرض أصابهم الذعر بسبب انتشار هذا المذهب الجديد الذى ربط بين الفلاحين المؤمنين بمحمد [صلى الله عليه وسلم] وجعلهم رجلا واحدا. . وسرعان ما تفجرت النزاعات والمعارك، وتم طرد شريعة اللَّه من "نافابارى" Navabari فى إقليم "دكا"، حيث كان قد استقر؛ ومن ثم اضطر إلى العودة إلى مكان مولده -وهناك استأنف نشاطه الدينى كممثل (خادم) للعقيدة، واستطاع فى فترة قصيرة أن يستحوذ على مشاعر وتأييد أغلبية كبيرة من غير المتعلمين، وكذلك الطبقات الأكثر إثارة فى السكان المسلمين وأصبح نفوذه بلا حدود، ولم يتردد أحد فى تنفيذ أوامره - وكان يتصرف بتعقل وحذر، ونادرا ما كان يخلع على نفسه شخصية غير شخصية المصلح الدينى ولكن هذه الحركة التى أسسها هذا الرجل، لم تجتذب إلا القليل من الاهتمام فى أثناء حياته، ونادرًا ما التقينا باسمه فى حوليات (سجلات تاريخ) تلك الأيام. . ومع ذلك فعندما ننظر إلى حياته نجد الكثير الذى
(*) كان هذا بمثابة دعوة منه للجهاد لتحرير الهند من الانجليز. [التحرير]
يستحق التساؤل- فانحداره من أسرة غامضة بين مستنقعات البنغال الشرقية، ثم يكون أول واعظ يدمن الخرافات والمعتقدات الفاسدة التى تطورت بسبب الاتصالات والعلاقات الطويلة مع الهندوس الذين يؤمنون بتعدد الآلهة، شئ جدير بالاهتمام والملاحظة، ولكن أن يثير ويوقظ الفلاحين البنغال غير المبالين الكسولين ويدفعهم إلى الحماس الدينى فهذا شئ أكثر استحقاقا للاهتمام والملاحظة فلكى يحدث هذا التأثير لابد أن يكون هناك واعظ مخلص ودود. . ولم يحدث أن اجتذب أحد تعاطف الناس وتحمسهم بهذا القدر القوى مثلما فعل شريعة اللَّه.
وقد حاول أن يجعل كل المزارعين والفلاحين ينضمون إلى طائفته، وعندما يرفضون كان يأمر بضربهم، وحرمانهم أو طردهم من "مجتمع" المخلصين، بل يدمر محصولاتهم أيضا وقد حاول أصحاب الأرض منع مستأجريهم من الانضمام إلى الطائفة، ويقال إنهم كثيرا ما كانوا يعاقبون العصاة ويعذبونهم. وقد كانت حياته الطاهرة النموذجية موضع إعجاب من الفلاحين الذين يعيشون حوله، والذين كانوا يجلونه وقد كان يقدم إليهم النصح فى أوقات الشدة والعسر، والمواساة فى حالات الحزن والألم.
وقد وصف بأنه رجل متوسط الطول وسيم وحسن المظهر ذو لحية طويلة جميلة.
أما ابنه "محمد محسن" -المعروف باسم "دودو ميان" Dudhu Miyan، فهو يختلف عنه تماما- وبالرغم من أن الابن كان ذا قدرات عادية إلا أن نفوذه فاقت نفوذ أبيه واسمه مألوف يتردد فى جميع أنحاء اقاليم "فريدبور" و"يوبنا" Pubna، و"باكرجانج" Bakirgamj و"دكا" و"نوكالى" Noakhali، ثم أن أعداد تابعيه فى الوقت الحاضر تشهد على دقة وشمولية المنهج الذى حقق به هو وأبوه رسالتهما.
وقد ولد "دودو ميان" فى عام 1819 م، وقد زار مكة وهو لا يزال
شابا حيث هبطت عليه -حسبما ذكر فى أقواله وجعل أتباعه يعتقدون- الكشوف التى تنبئ بعظمته فى المستقبل -وعند عودته كرس نفسه لنشر تعاليم أبيه وتعاليم أخرى جديدة أضافها هو. فمثلا فرض على أتباعه أن يأكلوا الجندب الشائع (وهو جراد صغير) الذى كانوا يكرهونه، وكان مبرره أن الجراد يُتخذ طعاما فى الجزيرة العربية.
أما أهم ما استحدثه "دودو ميان" فى حياته فهو تنظيم الطائفة. وقد قسم منطقة البنغال الشرقية إلى دوائر، وعيّن على كل دائرة خليفة أو نائبا، يتمتع بسلطة جمع التبرعات لتعزيز أهداف "الرابطة المركزية -وكان هؤلاء النواب يطلعون "دودو ميان" على كل ما يحدث فى دائرة اختصاصهم- وعندما يحاول أحد أصحاب الأرض أن يفرض حقوقه القانونية على أى عضو من الطائفة، كانت تتوفر الأموال لمقاضاته فى المحكمة، أو يبعثون بالرجال معهم الهراوات لسلب ممتلكات أصحاب الأرض، والحق أن الطائفة -فى أثناء حياة أبيه- لم تعترض أبدا على القانون الخاص بالأرض أو تصطدم به. ولكن الاجراءات التى اتخذها الابن جمعت بين أصحاب الأرض ومزارعى القنب ضده.
ومع ذلك فقد فشل القهر والاكراه، ولم يفعل أصحاب الأرض إلا القليل للحيلولة دون المزيد من انتشار الاضطرابات المماثلة، وقد كان أكبر عدد من الذين اهتدوا على يد "دودو ميان" من بين المزارعين وعمال القرى -وقد دافع عن المساواة بين البشر، وقال إن سعادة الفقراء والطبقات الدنيا ورفاهيتهم موضوع جدير بالاهتمام مثل سعادة الأغنياء والطبقات العليا ورفاهيتهم. . وقال إنه عندما يقع "أخ" فى محنة فان من واجب جيرانه أن يساعدوه؛ وأضاف مؤكدا أن استخدام أية وسائل لهذا الهدف لا ينطوى على جريمة أو ظلم. ومع ذلك فإن أعداءهم يزعمون أن الشهود كانوا يتقاضون أموالا من خزينة الرابطة.
وأصبح "دودو ميان" والحجاج -كما كان يطلق عليه أتباعه- مصدر
خوف للهندوس، وأصحاب الأرض من الأوروبيين. ولم يكن من السهل الحصول على دلائل تدين أى شخص أو تجرمه. ومع ذلك فقد كانت أعظم وقفات "دودو" الصارمة هى معارضة أن يجمع أصحاب الأرض ضرائب غير قانونية -كما أن إجبار أى مزارع مسلم على أن يسهم فى تزيين صورة "دورجا"(معبود الهندوس) أو فى دعم أى من طقوس صاحب الأرض الهندوسى الذى يعمل عنده، تعتبر أعمالا من الاضطهاد لا تطاق أو تحتمل.
وقد كان فى ذلك على حق بكل تأكيد، فالمبرر الوحيد لاستمرارها هو قدَمُها وتكيفها مع مشاعر الناس. ولكنه خطا خطوة أكبر عندما أعلن أن الأرض أرض اللَّه، وأنه ليس من حق أحد أن يحتلها بالإرث، أو يفرض ضرائب عليها. . ولذلك اقتنع الفلاحون بأن يستوطنوا أراضى الخاصة التى تملكها الحكومة، ومن ثم يتجنبون دفع أية ضرائب، باستثناء عائد الأرض الذى تفرضه الدولة -ومع ذلك فقد أثار نجاحه السريع حفيظة أصحاب الأرض المعاصرين، ورفعت ضده قضايا كثيرة ملفقة.
ففى عام 1838 اتهم بالتحريض على نهب عدد من المنازل؛ وفى عام 1841 أحيل إلى المحاكمة بتهمة القتل ولكن تمت براءته، وفى عام 1844 حوكم من أجل انتهاك القانون وتكوين جمعية غير قانونية، وفى عام 1846 اتهم بالخطف والسلب -وقد كانت اضطرابات عام 1838 شيئا خطيرا، وقد ذهبت كتيبة من السباهيين (جنود هنود فى الجيش الانجليزى) من دكا لقمع أية اضطرابات.
وقد كان من المستحيل مع ذلك أن تحفز الشهود على أن يقدموا الدلائل. ولذلك كانت تصدر فى كل مرة الأمر بتبرئته. . وفى "نهادربور" حيث كان يقيم، كان الطعام يقدم إلى كل غريب مسلم، على حين كان جواسيسه يترددون على البنغال الشرقية، وكان يسوى الخلافات، يقيم ويعاقب أى هندوسى أو مسلم أو مسيحى يجرؤ -دون أن يحيل الأمر اليه أولا- على أن يقيم دعوى -بالنسبة لاستعادة الدَّين مثلا- فى محكمة "الانصاف" المجاورة -وكان مبعوثوه يحملون أوامره إلى