الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأغلبى فتوجه إلى سجلماسة التى امره أميرها بأن يكون رهينة البيت إن لم يكن قد سجنه فعلا، واستطاع أبو عبد اللَّه الشيعى أن يجعل من نفسه سيدا للحاضرة الأغلبية رقادة وأن يطرد زيادة اللَّه فى رجب سنة 296 هـ (مارس 909 م) وأقبل بعد ذلك ليبحث عن عبيد اللَّه ويصحبه فى موكب النصر 29 ربيع الثانى 297 هـ/ 15 يناير 910 م فى رقادة حيث أعلن رسميا أنه المهدى وانه أمير المؤمنين (بالإضافة لكتابات المؤرخين انظر سيرة جعفر الحاجب أحد المؤمنين بمهدية أبى عبيد اللَّه).
الفترة الأفريقية للخلافة الفاطمية:
مارس الخلفاء الفاطميون الأربعة الأول سلطانهم فى شمال افريقيا وهم عبيد اللَّه المهدى والقائم والمنصور والمعز، وهذا الأخير ظلَّ فى شمال أفريقيا حتى سنة 362 هـ/ 973 م حيث غادرها إلى مصر التى كان قائده جوهر قد فتحها.
وقد واجه الفاطميون خلال فترتهم الأفريقية كثيرا من الصعاب، ففى شمال أفريقيا نجح الفاطميون فى إحداث شقاق بين السنّة الذين اعتنق غالبهم مذهب الإمام مالك وبين الخوارج الذين كانوا إما اباضية أو صفرية. وكان فى المغرب مجموعتان بربريتان تصارع كل منهما الأخرى هى زناتة فى الغرب، وصنهاجة (التى تضم كتامة) فى الشرق، وقد كان وجود هاتين المجموعتين المتنافستين عاملًا آخر من عوامل عدم الاستقرار. كما أدى وجود دولتين (أسرتين حاكمتين) من اصول مشرقية فى الوسط والغرب وهما دولة الرُّستميين الخوارج وحاضرتهم تاهرت، ودولة العلويين الأدارسة وحاضرتهم فاس -إلى استحالة محافظة الدولة الفاطمية على استقلالها. وكان أمويو الأندلس يمتلكون أجزاء من المغب أقرب ما تكون إلى شبه جزيرة أيبيريا. وأخيرا، فإننا إذا علمنا أنه منذ البداية كان سادة أفريقيا الجدد يضعون فى اعتبارهم أنها مجرد قاعدة للانطلاق شرقا للقضاء على الخلافة العباسية وأن إتمام هذا العمل كان يفرض عليهم إعداد جيش قوى ثم أسطول، وأنه -بالإضافة لهذا- كان
عليهم أن يتدخلوا فى أمور صقلية -اتضح لنا أن التحديات التى كان على الفاطميين مواجهتها قد أصبحت الآن واضحة ظاهرة.
ورغبة من الخلفاء الفاطميين فى حلّ كل المشاكل التى فرضها الواقع عليهم لم يكن أمامهم سوى الاعتماد على عدد محدود من المؤيدين بصرف النظر عن قبيلة كتامة التى لم تكن سهلة القياد فى بعض الأحيان، بالإضافة إلى مهارتهم السياسية ونشاطهم. ولقد نجح الخلفاء الفاطميون فعلا فى ظل هذه الظروف، وكان هذا أمرًا يدعو للعجب.
ولم يقُم عبيد اللَّه من ناحية بإطالة أمد الصراع مع داعيته أبى عبد اللَّه الشيعى الذى نقم على عبيد اللَّه سواء لشكّه فى أنه المهدى المنتظر أو لأن عبيد اللَّه قد حجّم من سلطته، فقد قام عبيد اللَّه باغتيال عبد اللَّه وأخيه وأدى هذا إلى ثورة كتامة فنصَّبت طفلًا كمهدى جديد، فقمع عبيد اللَّه الثورة بقسوة وأريقت دماء كثيرة، وبعد ذلك ثارت نزاعات داخل الأسرة الفاطمية ذاتها فى عَهْدَى المنصور والمعز أشير إليها فى (سيرة الأستاذ جوهر) وقد ترجم هذا العمل. كانارد (ص 19، 91 وما بعدها، 147، 150، 181) كما كان إلغاء تولية تميم، ابن المعز ولاية العهد منسجما مع هذا (انظر ترجمة كانارد الآنف ذكرها ص 213، 339، 467) وبالإضافة إلى أنه كان من الضرورى مقاومة الآراء المتطرفة التى ظهرت فى المعتقد الفاطمى، وسنتناول هذا فى الفقرات التالية.
لقد كان على الفاطميين أن يواجهوا فى الشمال الأفريقى معارضة دينية وسياسية دينية من كل من السّنة والخوارج. ولقد شرح المعارضة السنية المالكية شرحا جيدا الباحث ج. مارسيه فى كتابه: La Berberie musulmane et L'orient au Moyen Age Paris، 1946 فى الفصل الذى جعل له عنوانا (أسباب الفراق Les Causes du divovce) فرغم أنه اعتمد على مصادر سنّية إلّا أنه قدّم صورة واضحة لحجج هذه المعارضة التى كان الفاطميون يخمدونها أحيانا بالرشاوى، ويقدم لنا محمد بن شنب فى مبحثه Classes des Savants de L'Ifrikiya قصصا شائقة لمناظرات
دينية بين الفقهاء وأخى الداعية. وعلى أية حال فإن هذه المعارضة لم تسَّبب إزعاجا جادا للسلطات إلّا عندما تحالفت القيروان -رغم أن أهلها يتمسكون تمسكًا شديدًا بالسنّة- تحالفا مؤقتا مع أبى يزيد الخارجى. حقيقة إن المعارضة من جانب الخوارج قد اتخذت شكلًا خطيرا بثورة أبى اليزيد هذا الذى استولى على عدّة مدن مهمة وفرض حصارا على المهدية لمدة عام ولم تلحقه الهزيمة حتى سنة 336 هـ/ 947 م. وقد استنفدت هذه الثورة التى بدأت سنة 332 هـ/ 943 - 944 م جهود الخليفة الفاطمى القائم فلجأ إلى سوس تخلصًا من متاعب الحرب، ولم تنته هذه الثورة إلّا فى زمن الخليفة المنصور. وكان أبو يزيد الخارجى يلقى الدَّعْم من الحاكم الأموى فى قرطبة مما مكنه من وضع الفاطميين على شفا الهاوية.
وكانت قبيلة زناتة فى الغرب مصدرا آخر للمتاعب فقد كان أبو عبد اللَّه الشيعى قد طرد الرستميين الخوارج من تاهرت لكن الثورة اشتعلت واستطاع مصالة بن حبوس أن يستعيدها فى 299 هـ/ 911 م، كما استولى مصالة بن حبوس على فاس سنة 308 هـ/ 920 م ثم سجلماسة سنة 309 هـ/ 921 م. وبعد موت مصالة أخضع خليفته موسى بن أبى العافية بلاد المغرب واستولى على فاس من الأدارسة لكن الأمر انتهى باستسلامه للأمير الأموى فى سنة 320 هـ/ 932 م. وعلى النحو نفسه تصرَّف الخليفة الفاطمى القائم الذى كان بالفعل يدير المعارك فى المغرب أثناء حياة والده، وأسَّس مدينة مصالة الحصينة (المحمدية) فى الزاب -إذ وجد نفسه مضطرًا بعد توليه الحكم لإرسال حملة لإعادة فتح فاس وكل المناطق الغربية فى بلاد المغرب والاستيلاء عليها من ابن أبى العافية، وكذلك تاهرت. وأعاد الخليفة القائم تنظيم الأدارسة فى المناطق التى كانوا يحكمونها لكنهم -أى الأدارسة- قد أصبحوا الآن تحت حكم الفاطميين. وقد استطاع الخليفة المعتز بحكمته وتصرفه الحذر الحصيف ومهارة قائده جوهر أن يخضع كل المغرب ويفرض السلام
حتى المحيط الأطلنطى نتيجة معركة عظيمة قادها جوهر.
كما واجه المعتز هجوما بحريا شنته قوات عبد الرحمن الثالث الأموى سنة 344 هـ/ 955 م.
وكان الخليفة عبيد اللَّه المهدى قد أسس مدينة المهديّة على ساحل أفريقيّة (تونس) الشرقى لتكون نافذة يُطل منها بلاد المشرق، وفى سنة 308 هـ/ 930 م جعل منها عاصمة لخلافته. وبعد سنوات قليلة من توليه السلطة حاول أن يقوّى مركزه فى مصر لكن الحملتين اللتين أرسلهمما بقيادة ابنه القائم سنة 301 - 302 هـ/ 913 - 915 م و 307 - 309 هـ/ 919 - 921 م باءتا بالفشل رغم ما حققتاه من نجاح مبدئى فقد وصل فى الحملة الأولى إلى بوّابات الفسطاط وفى الثانية إلى الفيوم وقد تحطم الأسطول الفاطمى فى الحملة الثانية، وعلى أية حال فإن برقة ظلت بعد الحملة الثانية فى أيدى الفاطميين، وقد حاول الخليفة القائم بعد توليه الاستيلاء على مصر سنة 323 هـ/ 925 م لكن الفاطميين فشلوا للمرَّة الثالثة.
ولم يقدم قرامطة البحرين للفاطميين أية مساعدة فى كل حملاتهم العسكرية للك وهذا يناقض رأى دى خويه (انظر فى هذا الموضوع: بحث مادلونج عن الفاطميين وقرامطة البحرين وما بعدها، حيث ينكر وجود تعاون فاطمى قرمطى مؤكدا ذلك بالخطاب الذى أرسله عبيد اللَّه إلى أبى طاهر بعد استيلاء القرامطة على الحجر الأسود (انظر أيضا فى حوليات التاريخ الإسلامى تحت سنة 317 هـ، فليس هناك دليل على تحالف فاطمى قرمطى).
ولم تكن السلطة الفاطمية الجديدة التى حلت محل الأغالبة بقادرة على تجاهل صقلية أو النظر إليها بعدم اكتراث. لكن واليَيْن فاطميّين متعاقبين اضطرا لترك صقلية لرفض أهل الجزيرة لهما، وقام الصقليون باختيار ابن قُرْهب الذى أعلن ولاءه للخليف العباسى وأرسل -مرتين- أساطيله لمهاجمة أفريقية (تونس) فلاقى فى المرة الثانية هزيمة ساحقة، وأخيرا تخلّص الصقليون من ابن قرهب بتسليمه لعبيد اللَّه الذى أمر بقتله سنة
304 هـ/ 914 م، وبعد ذلك -فقط- استطاع الوالى الذى أرسله الفاطميون للجزيرة أن يُحكم قبضته عليها، لكن صقلية عانت من الاضطرابات فى زمن لاحق، ففى سنة 336 هـ/ 948 م أرسل المنصور الحسن بن على بن الكلبى واليا على صقلية فاحتكرت أسرته بعده هذا المنصب وشيئا فشيئا بدأت الأمور فى الجزيرة تتجه نحو الحكم الذاتى وكان من الطبيعى أن يخوض الخلفاء الفاطميون حروبا ضد البيزنطيين الذين كانوا مستقرين فى صقلية وأن يتبادلوا السفارات معهم. فلقد أرسل الفاطميون من أفريقية أكثر من مرة أساطيلهم لمحاربة البيزنطيين فى إيطاليا وصقلية، وفى خلافة عبيد اللَّه فى تاريخ لم تؤكده المصادر (بين سنتى 914 و 918 م) عقد الإمبراطور البيزنطى معاهدة مع حاكم صقلية تعهد بمقتضاها أن يدفع جزية سنوية مقدارها 22.000 قطعة ذهب وبعد ذلك بعدة أعوام قرر الخليفة تخفيض المبلغ إلى 11.000 كرد جميل للامبراطور رومانوس ليكابينوس لإطلاقه سراح المبعوثين الفاطميين إلى بلاط ملك البرتغال وكانت سفينتهم قد أسرت وهم فى الطريق لأداء مهمتهم وبصحبتهم مبعوثون بلغاريون كان ملك البلغار قد أرسلهم إلى أفريقية ليقترحوا على الفاطميين عقد تحالف بينهما (بين الفاطميين والبلغار) ضد البيزنطيين. وبسبب كشف المخطط بعد وقوع المبعوثين فى الأسر فشل التحالف البلغارى الفاطمى المقترح ضد البيزنطيين. وفى حوالى هذا الوقت تقريبًا أرسل الفاطميون حملة ضد جنوة وكورسيكا وسَرْدينيا. وأثناء حكم الخليفة القائم حاول الإمبراطور البيزنطى دعم ثوار جيرجنتى Girgenti وتلقى المنصور وهو فى أوج نضاله ضد أبى يزيد فى سنة 335 هـ/ 946 م مبعوثين بيزنطيين أتوا لتقدير الموقف بأنفسهم. وفى عهد المُعز وأثناء النزاع مع الأمويين، طلب الخليفة الأموى المساعدة من الإمبراطور البيزنطى ضد الخليفة الفاطمى واستجاب الإمبراطور لطلبه إلّا أنه اقترح على المعز سحب مساعدته للأمويين إذا رغب فى عقد هدنة طويلة معه -أى الإمبراطور البيزنطى، إلا أن