الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كان أول من أحصى الرجال الذين كانوا على ملة من الملل قبل بعث النبى [صلى الله عليه وسلم] واعتمد فى ذلك على مصادر ترجع إلى القرن الثانى للميلاد فذكر منهم الشنى وورقة بن نوفل وزيد بن عمرو بن نفيل وأمية بن أبى الصلت وأسعد أبو كرب وقس بن ساعدة وصرمة بن أبى أنس وخالد بن سنان، ولكنه لم يستعمل لفظ "الفترة" على حين أننا نجد المسعودى فى القرن التالى لابن قتيبة يصف الشخصيات التى ذكرها ابن قتيبة بأنهم "أهل الفترة"(المسعودى مروج 1/ 124 - 148) ويضيف إليهم غيرهم فيمن يقول إنهم "آمنوا بإله وأحد وبالبعث"، بل إنه ليؤكد أن اثنين منهم وهما حنظلة بن صفوان وخالد بن سنان يدخلان فى عداد الرسل عند فريق من أهل الإسلام وفى عصور متأخرة استخدم مصطلح الفترة -بالإضافة إلى ما سبق ليشير إلى الحقبة أو الحقب التى ينقطع فيها استمرار نظام حكم معين، أو يختل فيها تسلسل ولاية العهد. . وهكذا، وقد استخدمت الكلمة بمدلولها السياسى هذا فى أسبانيا لتدل على ما بعد سقوط الخلافة، كما استخدمت فى الدولة العثمانية لتدل على ما بعد موت بايزيد الأول.
ت د. حسن حبشى [شارل بيلات Ch. Pellat]
فتوى
وهى الرأى فى نقطة قانونية. . ومصطلح القانون ينطبق -فى الإسلام- على كل الأمور المدنية والدينية. وإعطاء الفتوى هى "الفتيا أو الافتاء" ويستخدم المصطلح ذاته ليدل على مهنة "الناصح" أو الاستشارى والشخص الذى يعطى الفتوى أو ينشغل بهذه المهنة، هو المفتى. . أما الذى يطلب الفتوى فهو المستفتى.
وعندما انتشر الإسلام ظهرت الحاجة إلى المشورة (الشرعية)، فالأعداد المتزايدة ممن دخلوا فى الدين الجديد، الذى يشرع -بصفته الشمولية للجوانب الدنيوية كما يشرع للجوانب الروحية فى الحياة اليومية، وكذلك بقاء قوانين وعادات البلاد التى فتحها المسلمون، والتى كان من الضرورى أن تتناغم- بطريقة أو بأخرى مع المفاهيم
الجديدة وتتوحد فى مجموعة القوانين الإسلامية الوليدة، كل هذا كان يتطلب الرجوع المستمد إلى آراء ومشورة المختصين فى هذه الأمور.
وقد لعب المفتون -مثل الحكماء فى القانون الرومانى- دورا عظيما فى تدعيم بنية وهيكلية القانون الإسلامى -وتعتبر مجموعة الردود التى يقدمها المُفْتُون ذوو السمعة الحسنة من بين أهم مصادر الشريعة.
وهناك شروط تتطلبها المبادئ التقليدية لممارسة هذه المهنة أو تقديم الفتوى وهى: الإسلام -العدالة- المعرفة الشرعية (القانونية) أو الاجتهاد أو القدرة على الوصول بالتفكير إلى حل لأية مشكلة، ولذلك يقول الكتاب إنه فى تلك الأوقات التى لم يكن فيها من لديه القدرة على ذلك مثل هؤلاء الذين يرددون آراء أسلافهم، لم تكن الآراء تشكل فتاوى بالمعنى الصحيح، بل مجرد آراء أو ترديد للآراء.
ويمكن أن يكون المفتى -على عكس القاضى- امرأة أو عبدا أو شخصا أعمى أو أصم (إلا فى حالة المفتى الذى يكون موظفا عاما).
وهذه الشروط التى سبقت الاشارة إليها مطلوبة أيضا سواء كانت الحالة لفتوى فردية منفصلة أو كانت ممارستها من صلاحيات المهنة.
ويمكن تقديم الفتاوى للأفراد، وللمستشارين أو القضاة فى ممارستهم للمهنة، أو لأية سلطة أخرى، والحق أن القانون يحث الحكام على أن يسعوا إلى الشورة -ولكن حدث فى تلك البلاد (مثل اسبانيا الإسلامية) التى تطورت فيها مفاهيم الشورى أن أصبح هناك مفتون دائمون فى بلاط الحكام بهدف تقديم النصيحة والمشورة وكان يطلق على الواحد منهم اسم "مشاور"
وقد كانت "الفتيا" من جهة المبدأ، مهنة مستقلة؛ ولكنها أصبحت مرتبطة بالسلطة العامة بعديد من الوسائل. . فقد أشرفت الدولة على ممارسة المهنة ومثل هذا الاشراف أو الرقابة كان من بين وظائف الحاكم الذى كان يستطيع فى حالات الضرورة أن يحرم المفتى من
زمرة المؤمنين ويمنعه من الافتاء. ومنذ القرن الأول الهجرى -السابع الميلادى- أخذت الدولة على عاتقها تعيين القضاة المؤهلين لأن يعملوا فى مجال الفتوى وبعد ذلك وجدت الوظائف الرسمية "للفتيا"، ومن ثم أصبحت وظيفة عامة مثل المستشارية الشرعية (القضاء الشرعى) وتدخل فى نطاق المهام الدينية وهكذا شكل هؤلاء "المُفْتُون" -فى الدولة المملوكية- جزءا من مجلس المظالم الذى يرأسه السلطان وحكام الأقاليم وفى بعض العصور وأيضا فى بعض المناطق -كما فى الامبراطورية العثمانية- ارتبطت وظيفة المفتى بوظيفة القاضى وكان من يتولى هذا المنصب ممنوعا من مجرد تقديم الفتاوى فيما يتعلق بأى إجراء قانونى يعرض فى محكمته.
والوظيفة العامة للمفتى لا تتحيز للأهواء الشخصية اللمهنة ومع ذلك ومع دخول القوانين والتشريعات المأخوذة من النظم الأوربية فى كل فروع القانون تقريبًا، هبطت المهنة إلى درجة الإهمال -بل- وفى أمور مثل الأحوال الشخصية والوقف، والتى ما زالت تحكمها مبادئ القانون الإسلامى (الشريعة الإسلامية) بشكل عام، أصبحت ممارسة الفتوى فى طريقها إلى الزوال.
وقد بقيت كوظيفة عامة فقط، أو بالأحرى كشئ يبقى للتاريخ، يأخذ طابع الشخصية الإسلامية للدولة وعلاوة على ذلك فإن الدول الإسلامية التى تأخذ بالهياكل السياسية الحديثة لم تعد تلجأ إلى من يتولون هذا المنصب من أجل إقرار شرعية نشاطاتهم التشريعية. أما فى الدول التى يشكل فيها مجموعة المسلمين جزءا من سكان البلاد -مثل لبنان- فقد خضعت لتحول ملحوظ: فقد أصبح مفتى الجمهورية الزعيم الدينى لمجتمع المسلمين وممثله -بهذه الصفة- لدى السلطات وهو رئيس كل المسئولين فى طائفة المسلمين وخدمة الوقف، وينتخبه مدى الحياة جماعة تتألف من أعضاء متخصصين ذوى كفاءة فى المجتمع المسلم (المرسوم التشريعى رقم 18 فى 13 يناير 1955 م) ومع ذلك يبقى الفنيون، بالمعنى التقليدى، تحت رئاسة "مفتى الجمهورية".