الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرزدق
هو أبو تمام بن غالب من أشهر شعراء العرب فى الهجاء والمديح. توفى فى البصرة حوالى 110 م / 7201 م أو 112 هـ/ 730 م.
[والفرزدق لغة تعنى قِطَع العجين].
ولد فى اليمامة (شرق الجزيرة العربية) فى تاريخ لم يعرف على وجه التحديد (والراجح أنه بعد عام 20 هـ/ 640 م وهو ينحدر من فرع قبيلة مجاشع من جماعة دارم من غيم. ويقال أن غالبا شارك فى الصراع الذى نشب بين على ومعاوية، مما يفسر ما شاع عن شاعرنا من تَشَيّعه لعلى وإن كان هذا لا يظهر بوضوح فى أعماله ولم تكن موهبة الشعر شائعة فى أفراد عائلته إلا أنه وهب منذ الصغر ذاكرة قوية وسرعان ما شاعت شهرته فى القبيلة لما كان ينظمه من شعر المديح والهجاء اللاذع على طريقة البدو. والمعروف أنه هرب من العراق ولجأ إلى المدينة فرارا من تهديد زياد حاكم البصرة بالقضاء عليه (فى عام 49 هـ/ 669 م) وكان محل ترحيب حار فى المدينة وظل بها حتى عام 56 هـ (675 - 676 م) عاد إلى العراق بعد موت زياد مباشرة لكى يكون فى معية ابنه عبيد اللَّه بن زياد وفى عام 67 هـ/ 686 أصبح من المؤكد أنه متعلق بالمروانيين يدل على ذلك مدائحه أمية التى كانت فى السلطة فقد احتفى بالأمير بشر الذى كان قد أتى للعراق وبأخيه عبد العزيز الذى مدحه عام 85 هـ/ 704 م فى إحدى مرثياته. كان نضاله منافسيه يشغل حيزا هاما فى حياته. إذ سقط فى دوامة الصراعات بين عشائر اليمينّية والقيسية، فعانى الكثير من حكام العراق حين كان أحدهم ينتمى لإحدى هذه العشائر وألقى به فى السجن لهذا السبب. وقد تسببت مواقفه السياسية -وبصفة خاصة تعلقه بقبيلة قيسية أو بقبيلة يمنية فى إثارة الكثير من العداوات أو عمقت من حدتها. وبوسع المرء أن يدرك أن ثمة عنصرا من عناصر المنافسة القبلية يقف وراء هذا العداء وهذا هو سبب العداء الذى كان يكنه الفرزدق لجرير، وهو تميمى ولكن من فرع آخر. ولا شك أن التنافس بين هذين الفرعين
كان مصدرا لإثراء الأدب بالنوادر والحكايات (انظر من كتاب الأغانى الجزء الثانى 32 - 37) كما أن هذه المنافسة ألهمت الفرزدق -وغريمه نظم قصائد تحمل بصمة كل منهما وهذا الهجاء أو النقد الساخر بين الفرعين لا ينبغى أن ينسينا أن ثمة علاقات أخرى -من نوع آخر- كانت قائمة بينهما وبين الأحوص فى المدينة، والنحوى القارئ "أبى عمر بن العلاء" أو "الحسن البصرى".
وكان كتَّاب سيرته يميلون إلى المبالغة فى وصف ما تنطوى عليه شخصيته من غرائب. والتأكيد على جبنه، وفجوره وإسرافه فى شرب الخمر ومجونه ولكن المهم لنا هو الكشف فى شخصية الفرزدق عن صفات وثيقة الصلة بشعره فى المديح والهجاء والتى تجعل منه نموذجا لجيل ممزق بين الثقافة البدوية والأخلاقيات الجديدة. فى هذا الإطار يمكن تفسير بعض اللمحات التى تتسم بها شخصيته كاعترافه بالخطأ ثم عودته إلى الخطأ فى النهاية، كل ذلك نجد صداه فى شعره. وقد وصلنا الجزء الأكبر من شعره نظرا لخصوصية يتمتع بها بنو تميم من ناحية ونظرا لحظوة الفرزدق التى كان يتمتع بها داخل دوائر المثقفين فى البصرة. فقد لقى شعره فى الكوفة قبولًا حسنا بعد أن انتقل إليها شفاها بطريقة لا نعرفها على وجه الدقة ولاشك أنه منذ ذلك الوقت أصبح الفرزدق يشكل مع جرير والأخطل ثلاثيا يتناوله المثقفون بالمناقشة والدراسة لعدة أجيال -ولم يكن الفرزدق يتردد فى أثناء حياته فى انتحال أشعار معاصريه (انظر ابن سلام، والأغانى). وهناك ما يبرر الشك فى صحة بعض القصائد المنسوبة إليه التى ظهرت فى تحقيقات السكرى فى القرن الثالث الهجرى/ التاسع الميلادى ويضم الديوان حوالى 7.630 بيتا وهو أكبر ديوان عرف فى نطاق الشعر العربى بأكمله -ويضم قطعا شعرية أو قصائد كاملة تتراوح القصيدة منها ما بين 20 و 30 بيتا- ونادرا ما تزيد على ذلك والشعر الغالب فى الديوان هو ما عرف بالقصيدة التى اتخذت على يد
الفرزدق بناء ثلاثى الأجزاء إذ تبدأ بمقدمة نسيب قصيرة ولكن -وهذا امر ملحوظ- كان من المعتاد حذف هذه المقدمة وكثيرا ما اقتصرت القصيدة على المديح فحسب وكان النقاد القدامى يرون أن النسيب يفرض نفسه كمقدمة للقصيدة ويصعب جدًا أن نعثر على قصائد رثاء عند هذا الشاعر، ولكننا نجد نموذجا لهذا النوع قصيدة نظمها عن بشر. وتختلف درجات تمثيل ضروب الشعر عند الفرزدق ففى مقدمة هذه الضروب يأتى المديح فى صورته المعهودة كأن يشير إلى عظمة الخليفة وقيمته الدينية بوصفه الخليفة الإمام.
ومن الطبيعى أن يتكرر ظهور قصائد الفخر -الفخر بشخصه أو بقبيلة على السواء- وقد عالج الفرزدق الحكمة الساخرة أو الملحة الذكية شأنه فى ذلك شأن معاصريه. وذلك على شكل مقطوعات قصيرة أو كجزء من قصيدة -وحين يجعلها جزءًا من قصيدة يصبح عنصر التباين قائما بين عناصر المديح التى تثنى على أمجاد "دارم" وتبين مخازى كُلَيب قبيلة جرير. وشعر الهجاء الساخر عند الفرزدق يتسم بالعنف والفحش بصورة نادرة على عكس الهجاء عند معاصريه (مثال ذلك القصيدة التى يهجو فيها الطَّرمَّاح). أما الحكمة فى صورتها التقليدية فلا تمثل جزءا يذكر -فهى مبتذلة لأبعد حد. كما أن الأخلاق الإسلامية لم تنجح فى التغلغل فى أعماق روح الشاعر أو إثرائها وهى التى انطبعت تماما بالثقافة البدوية. ومع ذلك يبدو أحيانا أن للشاعر القدرة على عزف نغمة مؤثرة حين ينعى -مثلا- موت طفل -وجدير بالملاحظة أن الفرزدق رغم ما عرف عنه من مجون لم يعرج على الخمريات أيا كان الغرض الذى يقرض فيه، بل أن نَزْعة الأبيقورية -أى نزعته للذة- لم تجد نفسها بحاجة إلى التغنى بقصص حبه.
وتتميز الأعمال المنسوبة إلى الفرزدق بلغة وأسلوب متجانسين للغاية -ونادرا ما نجد تأثيرا نتج عن استخدام لفظ نادر. وكان الشائع لديه ولدى معاصريه استخدام البحور الخمسة المتداولة فى العراق أما الرجز فكان نادرا، وفى هذا الإطار يستحق