الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلاسفة
المفرد: فيلسوف، كلمة يونانية الأصل، وهى تعنى فى المقام الأول -وبحكم أصلها- مفكرى اليونان، وقد قدم لنا الشهرستانى قائمة بأسمائهم: سبعة حكماء هم نبع الفلسفة وبداية الحكمة ثم ذكر عدة شخصيات مثل: طاليس وأنكساجوراس، أنكسمانس، امبدوفليس، فيثاغورس، سقراط، أفلاطون، بلوتارخ، اكسانوفان، زينون الأكبر، وديمقريطس، وهم فلاسفة الأكاديمية، وهرقليطس وأبيقور وهوميروس (الشاعر الذى كانت حكمته تلهم اليونان إذ كان الشعر سابقًا على الفلسفة عند هذا الشعب) غير أنه نسب إليهم مذاهب إما أنها غير صحيحة وإما أنها لا تتفق مع الزمن الذى عاشوا فيه. ثم ذكر فلاسفة الإسلام فى قائمة طويلة نختار منها: الكندى، وحنين بن إسحق، وأبا الفرج المفسر، وثابت بن قرة، النيسابورى، وابن مسكويه، والفارابى. . إلخ ولكنه يذكر ابن سينا بوصفه الممثل الحقيقى لهم ومن "علامات القوم"، واقتصر عرضه للفلسفة على فلسفة هذا الفيلسوف، ويقول: ومن هنا كانت الفلسفة الإسلامية تالية للفلسفة اليونانية "فهم قد تابعوا أرسطو فى كل أفكاره. . إلا بالنسبة لبعض التغيرات الثانوية حيث استعاروا وجهة نظر أفلاطون والفلاسفة الأوائل"، وهذا حكم يحتاج إلى مراجعة شاملة.
(أ) احتفظت كلمة "فلاسفة" بمعناها المناظر لها فى اليونانية فهى مرادفة للحكماء أو العلماء. وهذا ما تعنيه عند الجاحظ (مقدمة كتاب الحيوان) الذى قارن بين فلاسفة علماء البشر وحذاق رجال الرأى، وذلك فى فقرة تناول فيها العقل الإنسانى والمهارة الإنسانية وهما من آيات الطبيعة التى تكشف عن حكمة اللَّه، وقارن بينها وبين الغريزة عند الحيوان وهى التعبير المباشر عن هذه الحكمة.
(ب) إذا كانت الحكمة كفكرة عامة (وهى متحققة فى كل من القرآن وتراث الفلسفة اليونانية) ظلت مرتبطة بلفظ فلسفة، فإن هناك ما يبرر وصف علماء الكلام المسلمين الذين أعلوا من مكانة
العقل البشرى "والرأى" بالفلاسفة. والواقع أنه بوسعنا أن نتبين فى فكر المعتزلة منذ نشأته تأثيرا يونانيا من حيث عرض المشكلات ومنهج التفكير. وهو تأثير انتقل إليهم بطريق غير مباشر عبر الفلاسفة المسيحيين السريان (يوحنا الدمشقى وتيودور أبوقرة). وفى فترة لاحقة حين عرف منطق أرسطو (المعلم الأول فى نظر العرب) وانتقل إليهم بطريق مباشر إذ استخدمه المتكلمون لا بوصفه أداة للتحليل والبناء بل كوسيلة للعرض ودحض الحجج. وأصبح المنطق بهذا الشكل شائع الاستخدام فى الإسلام رغم معارضة التقليديين المحافظين. ومن أمثلة استخدام المنطق بطريقة جدلية خالصة ما جاء فى كتاب الفصل فى الملل والأهواء والنحل لابن حزم الظاهرى (الخامس الهجرى/ الحادى عشر الميلادى) لدحض بعض الأفكار المستوحاة من الفلسفة مثل قدم العالم. بل إن تاثير اليونان أكثر وضوحا فى تفكير الأشعرية مثل ما نجده عند الباقلانى والجوينى وبصفة خاصة الغزالى رغم وقوفه ضد الفلاسفة. ونظرية الباقلانى عن الجواهر البسيطة (الذرات) والأعراض ومذاهب المعتزلة فيما يتعلق بالماهية والوجود أو علم اللَّه بالمخلوقات قبل خلقها وبعده -كل ذلك مستمد من فلسفة خالصة. بل إن الفلاسفة -بالمعنى الضيق لهذه الكلمة- كانوا على صلة بمدارس علم الكلام وكانوا فى بعض الأحيان يرجعون إليهم لتدعيم آرائهم الخاصة.
(جـ) يصعب تعريف الفلاسفة بالمعنى الضيق لهذه الكلمة تعريفا جامعا مانعا وإنما هم بوجه عام أشياع الأفلاطونية الجديدة وهى فلسفة تلفيقية تجمع بين آراء أفلاطون وأرسطو والرواقيين وفيتاغورس وآخرين غيرهم. بل إن هذه الأفلاطونية الجديدة كانت من المرونة بحيث ضمت تعاليم المدرسة السكندرية. على أننا نستطيع أن نجد وسط هذه التأثيرات المتعددة تأثير منطق أرسطو، ومن هذه الزاوية نجد أن الفلسفة الإسلامية هى نتاج ترجمة الكتابات اليونانية وأن بعض المترجمين كانوا أنفسهم أول
الفلاسفة. وهناك مستشرقون يتفقون مع رينان على اعتبار الفلاسفة بمثابة فرقة من الفرق الإسلامية، وهذا رأى جمهور المسلمين عامة. ولكن رغم وجود مجموعة من الأفكار ذات العناصر المشتركة والمتشابهة لدى هؤلاء الفلاسفة إلا أنه ينبغى ألا ننكر وجود اتجاهات أخرى تنطوى على خلاف وتنم عن أصالة مفكريها.
ومما لاشك فيه أن المصادر الأولى للفلسفة الإسلامية يونانية فى جوهرها، ولكن يلاحظ أيضا تأثير الفكر العلمى وبصفة خاصة تأثير جالينوس العالم والفيلسوف، كما يلاحظ تأثير نوع من الصوفية العقلية مستمدة من أفلوطين، ومزيج من الأفكار اللاوهوتية والكسمولوجية ذات الصبغة الغنوصية وبصفة خاصة تلك المستمدة من مدرسة الإسكندرية، فقد تسربت الثنائية الفارسية إما بطريق مباشر أو غير مباشر من الفرق الشيعية ولاسيما الفرقة الإسماعيلية. ومن العسير نظريا أن نعزل الفلسفة الإسلامية من الصوفية ذات التعاليم الخاصة كما هو الحال لدى السهروردى الذى تحدث عن النور على نحو ما تحدث أرسطو عن الجوهر. لقد كان فكر الفلاسفة المسلمين معقدا للغاية. وخير مثال لذلك ابن سينا وهو تلميذ لجالنيوس ومن أتباع أرسطو فى المنطق ومن أشياع الأفلاطونية الجديدة ومن شارحى التصوف الذى مهد لظهور شخص مثل السهروردى بتصوفه. ولكن هذا الوصف يصدق تماما على الفلسفة الإسلامية فى طورها الأول متمثلة فى فلسفة الكندى والفارابى وابن سينا. فقد كان هؤلاء يؤمنون بالتوفيق بين الحكيمين أفلاطون وأرسطو وأن العقل هو الأداة التى توصلنا إلى الحق، ولكن الغزالى تحت تأثير الجوينى لايرى أن العقل هو الحكم الأعلى، ومن هنا كان الاختلاف بين الفلاسفة والمتكلمين، وبذلك أصبح الغزالى بمثابة البداية لمرحلة أخرى من الفكر تتميز بمعرفة أفضل بمؤلفات أرسطو، ويمثل هذه المرحلة فى الغرب ابن باجة، وابن رشد بصفة أخص الذى نبذ الأفلاطونية الجديدة. أما فى الشرق فقد رجع فخر الدين، ونصير الدين الطوسى إلى
مذهب ابن سينا فى مواضع عدة. ولكن فخر الدين طعم أفكاره بعناصر من علم الكلام، بينما طّعم الطوسى أفكاره بالصوفية. بقى أن نشير إلى تيار آخر سار جنبا إلى جنب مع التيار الرئيسى المتمثل فى (ابن سينا، الغزالى، ثم ابن رشد فى الغرب والرازى فى الشرق) وهو تيار فيثاغورى جديد يتمثل فى إخوان الصفا الذين تميزوا بطابع صوفى واضح. ويرون أن كلا من الفلاسفة والمتكلمين لم يرصدوا إيقاع الكون إلا رصدا جزئيا، فليس من الحكمة أن تنقسم الموجودات إلى ثنائيات مثل (المادة والصورة، والجوهر والعرض. . إلخ) أو إلى ثلاثيات مثل (الأبعاد الثلاثة أى أحوال الوجود الثلاثة: الضرورى والممكن والممتنع). . إلخ، بل رأى الحكماء الفيثاغوريون أن العدد هو الذى يتضمن كل شئ ويفسره. وفيما يلى أهم ما يميز الفلاسفة المسلمين:
(أ) إنهم يستخدمون "اصطلاحات" أى كلمات ذات معنى فنى وهى إما عربية أو معربة عن اليونانية. أما علماء الكلام -حين يعبرون عن الحقيقة- فإنهم يستخدمون كلمات مستمدة من القرآن والشريعة، إلا أن هؤلاء المتكلمين قد أدخلوا فى تعبيراتهم قدرًا كبيرًا من "الاصطلاحات" الفلسفية ولذلك كانت الظاهرة الرئيسية المميزة للفلاسفة المسلمين هى استخدامهم لهذه المصطلحات بصورة أكثر منهجية وأكثر استقلالية.
(ب) المنطق عندهم كما هو عند أرسطو عبارة عن آلة (أورجاتون) فهو ينطلق بنامن نقطة معلومة ليصل بنا إلى نقطة لم تكن معلومة وذلك عبر خطوات محددة، وأساسه دراسة المفاهيم والمقولات والحكم والقياس والاستقراء. ولم يقبل علماء الكلام هذه الطريقة التى تجمع بين التحليل والتركيب للوصول إلى الحقيقة، إلا أن الغزالى أقر بأن هذه الطريقة لها قيمتها وإن لم تكن قيمة مطلقة. ومن جهة أخرى أخذ الفلاسفة المسلمون فى اعتبارهم وهم يدرسون المفاهيم والأحكام المنطقية المبادئ التى وضعها النحويون العرب. ويتصل بالمنطق
تقسيم العلوم الذى استلهموه من اليونان ولكنه أصبح يختلف باختلاف المؤلفين "إخوان الصفا" الفارابى "إحصاء العلوم"، ابن سينا أقسام العلوم العقلية" وهو ينقسم إلى ثلاثة أقسام: علوم نظرية، وعملية وإبداعية.
(جـ) كان الفلاسفة المسلمون باحثين فى العلوم الطبيعية، ولهم فى ذلك دراسات تنم عن أصالة، فقد أدمجوا الفلك والفيزياء والكيمياء والطب فى دراستهم للميتافيزيقا التى كانت مصدرا لمفاهيمهم الأساسية، والروح التجريبية واضحة فى كتاباتهم وهو أمر غير منقطع الصلة بما يوليه المسلمون من قيمة للحواس.
(د) فى مجال الميتافيزيقا تظهر أوجه الاختلاف فيما بينهم بصورة أكثر وضوحا، ولكنهم يتفقون جميعا على أن الميتافيزيقا هى علم الوجود، وقوامه التمييز بين الضرورى والممكن والأزلى والحادث، ويفسرون العالم بأنه صدر عن العلة الأولى أو واجب الوجود الذى لا علة لوجوده، وهو عاقل محض ومعقول محض، يتعقل ذاته فيصدر العالم. وترى الأفلاطونية الجديدة -كما يرى الفيثاغوريون العرب- أن الواحد لا ينبثق عنه إلا واحد هو العقل الأول- وابن رشد لا يقبل هذه المسلمة، فالعقل الأول يعقل ذاته أى الوجود الضرورى فينبثق العقل الثانى. فمبدأ الفيض هو المبدأ العام للفلسفة الإسلامية وإن كان يختلف تفسيره من فيلسوف لآخر.
(هـ) فى الإلهيات، هنا يتفق الفلاسفة المسلمون مع المتكلمين فى موضوع صفات اللَّه -فهم يتجنبون التعدد فى الذات الإلهية شأنهم فى ذلك شأن المعتزلة. ولكنهم يرون أن الذات الإلهية مصدر الموجودات والماهيات معا، فاللَّه يتعقل ذاته بوصفه علة كل موجود وكل الأنواع وكل الممكنات التى تتحول إلى وجود، أى كل الممكنات التى تصبح ضرورية بفعل العلة التى أوجدتها. والنظام الكونى موجود وقائم بفضل العناية الإلهية.
(و) فى علمى النفس والأخلاق: الأخلاق علم عملى، فالطبائع الأخلاقية والفضائل والطبائع موجودة وبوسع
المرء أن يعلم قيمتها بالعقل لكى يقيم نظاما للحياة أساسه الخبرة. وهذه القيم ذات علاقة بالروح الإنسانية وهناك نظريات متنوعة عن طبيعة الروح وهى تعكس اللايقين الذى نجده عند أفلاطون وأرسطو، ولكن العقائد الغنوصية تمتزج بها، فالروح لها طريق محدد تسلكه فى الكون ومراحل تمر بها للتطهر وتعود إلى أصلها ("الربوبية" أو "الأثولوجيا" المنسوب لأرسطو). أما أتباع أرسطو مثل ابن رشد فلم يتقبل هذه الأفكار كما أننا نجد لدى فلاسفة المسلمين نوعا من الأخلاق يعتمد على دراسة النفس لدى الإغريق التى تقسم النفس إلى ثلاث أرواح أو قوى (العقلانية والغضبية والشهوية) كما تعتمد على مذهب الفضيلة. وهكذا نجد فى الفلسفة الإسلامية نوعين من الأخلاق وجدا جنبا إلى جنب وتعايشا معا لبعض الوقت كما هو الحال عند ابن سينا -أما ابن رشد فالأخلاق عنده إنسانية، والسهروردى عنده الأخلاق صوفية، وكلاهما يختلف عن الاتجاه التقليدى الصارم الذى يرى أن القانون الأخلاقى الذى أنزله الوحى هو وحده مصدر معرفة القيم الأخلاقية والدينية. ولكن الفلاسفة المسلمين فى تصنيفهم للفضائل فى إطار الفلسفة الإغريقية أدخلوا عددا كبيرا من الفضائل التى عرف بها العرب المسلمون مثل الحلم (انظر رسالة الأخلاق لابن سينا). لقد تحرر الفلاسفة المسلمون فى كثير من الأحيان من الإسلام التقليدى، ولكنهم يفضل "التأويل" كانوا يعتقدون أن أفكارهم تنسجم مع ما جاء به القرآن حيث كانوا يقتبسون منه باستمرار الشواهد دون إدماجها ضمن براهينهم. ومن هنا يعد علماء الكلام معارضين لهم باعتبار أن هؤلاء يبدأون مسيرتهم انطلاقا من الكتب المنزلة. وهكذا كان الشأن مع إخوان الصفا حيث تحدث عنهم أبو حيان التوحيدى فى "الإتباع والمؤانسة" الليلة السابعة عشرة. فالشريعة فى رأيهم قد دنسها الجهل وشوهها الخطأ، ولابد من الفلسفة لتطهيرها، إنه بالإمكان بلوغ الكمال إذا نسقنا بين الفلسفة اليونانية والشريعة. ويعلن التوحيدى عن مطمح الفلاسفة: ذلك أنهم لا يرغبون فى شفاء الناس من أدوائهم، فهذه مهمة الأنبياء وحدهم،
وإنما يرغب الفلاسفة فى الحفاظ على صحة من يملك الصحة أصلا. إنهم يطمحون إلى السعادة فى أعلى درجاتها ويطمحون إلى الكرامة، بفضل هذه وتلك يصبح الإنسان جديرًا بالحياة الإلهية. ولكن ما الهدف إذن من الوحى؟ يرى الغزالى فى كتابيه (المنقذ) و (المقاصد) أن بعض أقسام الفلسفة لا ضرر منها بالنسبة للعقيدة مثل الرياضيات والمنطق، وأنه مسموح أيضا بدراسة الفيزيقا شريطة ألا يغيب عن بالنا أن العلة الوحيدة هى اللَّه. والعلوم المفيدة مثل الطب هى علوم الدنيا، ولابد من قيام البعض بدراستها نيابة عن المجتمع، أى أنها تعتبر (فرض كفاية)، لأن الحياة فى هذه الدنيا تحمل بذور الحياة الآخرة، ولا ينبغى إهمالها (راجع إحياء علوم الدين عن العلم) وبعض العلوم ضارة مثل السحر والتعاويذ ويجب رفضها، أما عن آراء الفلاسفة فى الإلهيات فهى بصراحة سيئة لأنها تعلمنا أن الأجساد لن تبعث يوم القيامة. بل إن الذى سينال الثواب والعقاب هى الأرواح بغير أجساد وأن الجزاء روحى وليس بدنيا وأن العالم قديم وأن اللَّه يعلم الكليات فحسب، وهذا كفر صريح. إلا أن الغزالى لا يرى فى توحيد الصفات مع الذات الإلهية كفرا لأن المعتزلة قالوا بها، وهم قوم لا يمكن اتهامهم بالبعد عن الإيمان. وأخيرا فإن النظرية السياسية لدى الفلاسفة مأخوذة عن سلف الأنبياء، وفلسفتهم الأخلاقية مستوحاة من المتصوفة. أما الفلاسفة عند الشهرستانى (السادس الهجرى/ الثانى عشر الميلادى) فهم أهل هوى ويجب التمييز بينهم وبين أرباب الديانة، فما بين هؤلاء وأولئك هو ما بين الأضداد من تقابل. وفيما بعد جاء ابن تيمية (السابع - الثامن الهجرى/ الثالث عشر - الرابع عشر الميلادى) ليدين منطق الفلاسفة لأنه غير مفيد ولا طائل منه. وأخيرا نشير إلى ابن خلدون (الثامن الهجرى/ الرابع عشر الميلادى) الذى هاجم الفلسفة فى مقدمته تحت عنوان إبطال الفلسفة، فالفلاسفة يرون أن العقل هو الذى يؤكد صحة الأسس التى يقوم عليها الإيمان وليس الشرع، وهذا رأى فاسد، فالوجود أشمل وأوسع من أن يحيط به عقل إنسان من جميع