الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأربعة كيلو مترات، وعن قفسة أو "جفسة" بمائة وخمسين، ويبلغ تعداد سكانها أربعين ألف نسمة منهم ألفان ومائتان من الأوربيين، وقد قسمت مدينة قابس منذ سنة 1957 م إلى أربعة نواح، واجتاحت السيول المدمرة ناحيتى "منزل" و"جارة" منها فى عامى 1959 م و 1962 م لكن أمكن السيطرة على هذه السيول اليوم بشق قناة تأخذ مياهها إلى البحر مباشرة.
وتحتوى واحة قابس على 14.000.000 شجرة منها 47 % تنتج تمرًا متوسط النوعية، ويليها تبعًا للأهمية أشجار الرمان وعددها 107000 تثمر أحلى أنواع الرمان الذى يعد المحصول الثانى فى الأهمية. وقد نجحت زراعة الزيتون فى بعض المناطق من قابس كما تزرع بها الغلال ولكن بكميات ضئيلة فى الأراضى الخصبة وكذلك الأعلاف لاسيما البرسيم الحجازى والطباق والحناء والاسبراجوس، وتربى الحيوانات للاستهلاك المحلى وللحصول على مزيد طفيف فى الدخل، أما المياه الساحلية فضحلة وبها وفرة من الاسماك لكن لم تستغل بعد. وقد اتسعت رقعة الواحة بفضل الرى أما المياه الجوفية فقد أوشكت على النفاذ. وقد اختيرت قابس حديثًا كمركز متطور لجنوب تونس وأعد الميناء ليسع السفن ذات الخمسين ألف طن، وتأسست شركة لصناعة المخصبات كما مد خط أنبوب غاز يربط البلد بحقول البرمة. وقد عملت الحرف والسياحة على تشغيل الأيدى العاملة وينتظر لها مزيد من التقدم.
قابس تاريخيًا:
قابس هى الرسم العربى لمدينة عرفت قديما باسم Tacapas وكانت عامرة بالسكان منذ العصر اليلوتى، ويستدل على ذلك من كثير من آثارها الباقية، ثم جاء بعدها الفينيقيون الذين يحتمل أنهم كانوا أول من أقام بها سوقًا تجاريًا اختص بالمتاجرة مع نوميديا عبر الصحراء، وقد أصبحت هذه السوق ميناء قرطاجينيا قبل أن يتحول إلى مستعمرة رومانية، ويصبح تاريخ قابس منذ ذلك الحين واضح المعالم. ولقد بدأ تطور الإقليم منذ عهد طيبريوس (14 - 37 م)
فارتبط قابس (أو Tacapcs كما كانت تسمى) بقرطاجنة عبر الطريق الساحلى الرئيسى، وتم فتح طريق حربى يربط قابس "بتليت" وحيدرة التى كان يرابط بها الجيش الثالث، وتطورت المدينة إلى الإمام بفضل مجهودات القرطاجينيين التى بذلوها منذ وقت بعيد وبسبب هذه الشبكة من الطرق التى زادت من نشاط الميناء وكثرة المياه المتدفقة وانتشار السلام.
كما أصبحت قابس فى العهد المسيحى مركز أسقفية، ومن ذلك فلم يتم تحصينها إلا فى وقت متأخر نسبيًا إذ ظلت -كما يقول المؤرخ شال ديل- حتى منتصف القرن السادس على الأقل "خالية من التحصينات" ولم يكن يقيها شر الهجوم عليها سوى ناحية حصينة تعترض طريق الغزو، أعنى بذلك المضيق الواقع بين الساحل وبين شط الفجيج، والذى يربط المركز البيزنطى الحربى بليبيا، وهو الموضع الذى شاهد الهزيمة الساحقة التى نزلت بالقوات البيزنطية على يد قبيلة "استريس" وليس من شك فى أنه بعد هذه الهزيمة تم تشييد سور حول قابس ظل موجودا حتى القرن السادس عشر على الأقل وقد اندثرت من البلد اليوم كل آثار ماضيها القديم، أو بقول أدق لم يبق إلا أطلال من السد الرومانى وعدة أعمدة ومقرنصات أدخلت فى مسجد سيدى ادريس لو فى مزار سيدى بليابة، وبعض آثار أقل من هذه أهمية استعملت فى المبانى التى شيدت بالأحياء القديمة.
ولا يزال الغموض يعتور الظروف التى أدت إلى دخول قابس الإسلام وإن كان الوزير السراج يؤكد فى كتابه الحلل عبد اللَّه بن يعد لم يحاصر البلدة اثناء غزوه للإقليم البيزنطى سنة 27 هـ (647 م) مما يرجح الرأى القائل بأن الاستيلاء عليها تم فى وقت متأخر أثناء حملات معاوية بن حديج أو خليفته عقبة بن نافع (أعنى بين عامى 40 و 50 هجرية (654 - 670 م) ثم جلا المسلمون عنها بعد مقتل عقبة بن نافع عام 64 هـ (= 684 م) فاستعمل الغالب "كسيلة" القيروان قاعدة له ومد سلطانه كما يقول ابن عبد الحكم فى
كتابه الفتوح على جميع النواحى المجاورة بما فيها بوابة قابس التى تمكنت قوات الكاهنة من خلالها سنة 74 هـ من طرد قوات حسن بن النعمان واستردادها، ومع ذلك فإن ابن النعمان استطاع أن يدخل من جديد وبعد بضع سنوات من هذه البوابة ذاتها. وأصبحت قاس منذ دلك الحين -وإلى الأبد- بلدة إسلامية ولكنها لم تسلم من أن تمتد إليها يد الدمار على أيدى الخوارج الذين اجتاحوا كل إفريقية فيما بين عامى 122، 155 هـ (= 740 - 772 م) واستولى عليها سنة 123 هـ عكاشة بن أيوب الفزارى الزناتى (وكان من الصفرية) وهدد القيروان قبل أن تلحق به الهزيمة فيقتل عام 125 هـ، ثم سقطت قابس مرة ثانية فى أيدى الخوارج الأباضية بعد بضع سنوات أيام حكم عبد الرحمن بن حبيب كما تمت سنة 131 هـ هزيمة الثائر إسماعيل بن زياد النفوسى ولقى مصرعه. غير أن اغتيال عبد الرحمن بن حبيب (137 هـ - 755 م) كان إيذانا باندلاع فتن جديدة وثورة قادها الخوارج كانت البلدة أثناءها [. . . .](*) تتداولها أيدى الفئات المتنازعة، حتى تمكن أبو الخطاب (وكان من الأباضية) من الاستيلاء عليها فى مستهل 141 هـ (= 758 م) ثم حررها منه ابن الأشعث عام 144 هـ = 761 م لتضيع مرة أخرى إلى أن تمكن أخيرًا يزيد بن حاتم المهلبى (مؤسس أسرة بنى المهلب) من دخولها يوم العشرين من جمادى الأولى 155 هـ (= 28 أبريل 772 م) فكان ذلك إيذانًا بتوقف سفك الدماء لمدة ربع قرن الزمان بعد ما عاناه الإقليم من أحداث القتل التى ظلت مستمرة لبضعة عقود.
وصارت قابس زمن الأغالبة أهم بلد فى الناحية ومركز الحاكم ويشير الشماخى فى كتابه السير إلى وجود عامل للإمام عبد الوهاب (168 - 208 هـ = 784 - 823 م) مما يشير إلى أن البلدة كانت من المملكة الرسمية، لكن الواقع أن هذا "العامل" لم يكن سوى جابى ضرائب يمد فى الخفاء "صدقات" الأباضيين فى تاهرت لأننا نعرف على وجه التأكيد أن البلدة كانت خلال القرن الثالث الهجرى تعتمد كليا
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: مسح بالمطبوع
على إدارة القيروان السياسية، وكان ذلك عهد سلام لقابس إلا ما كان من إنزال إبراهيم الثانى الهزيمة بالأباضيين من أهل نفوسة الذين كانوا خطرًا كبيرًا يهدد قابس التى انتقلت فى القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى) إلى أيدى الفاطميين فعهدوا بحكمها إلى بنى لقمان من أهل كتامة الذين خلد الشعراء ما كانوا عليه من كرم فنظموا فيهم كثير من أشعار المديح لكن يلاحظ أن عهد الزيريين كان أقل هدوءًا فقد بدأ بثورة أضرمها الخوارج سنة 136 هـ (= 972 م) حاصروا فيها البلدة وخربوا ضواحيها وحينذاك حاول الخليفة الفاطمى (386 - 411 هـ = 996 - 1020 م) نزع كل من قابس وطرابلس من أيدى الزيريين، ولكن محاولاته هذه باءت بالفشل، فتولى حكم قابس من الزيريين بنو عامر ثم اخ لباديس (386 - 406 هـ = 996 - 1016 م) اسمه إبراهيم فلما مات إبراهيم خلفه المنصور بن مواس ثم كان ابن "ولمية". على أن آخر وال استعمله المعز لدين اللَّه الفاطمى (407 - 464 هـ = 1016 - 1062 م) كان ابن ولمية، ثم خرجت البلدة بعد ذلك من أيدى الزيريين على أنه وقعت كارثة فى نفس الناحية سنة 443 هـ (= 1052 م) أدت إلى سقوط إفريقية فى أيدى بنى هلال لكن يجب أن نشير إلى أن الأخيرين لم يلحقوا الخراب بالمدينة التى كانت محاطة بسور متين ولا بالواحة رغم أنها لم تكن محصنة.
ولا بد أنه قد أمكن الوصول إلى شئ من التفهم بين المهاجمين وبين والى البلد يقضى بتقديم بعض المال إلى الوالى. كما أن بعض أفراد الاسرة الزيرية كانوا معرضين لأشد الأخطار لجأوا جهرا إلى المدينة ويرجع الفضل فى ذلك إلى الحماية التى بسطها عليهم مؤنس بن يحيى الرياحى. ولم تسرع قابس فى لحظتها إلى قطع العلاقات بالمهدية لكن حدث فى سنة 454 هـ (= 1062 م) أن غضب الوالى المعز بن محمد بن ولمية من سوء ما لقيه إخوته إبراهيم والقاضى على يد الأمير الزيرى فأعلن بتدبير مع القاضى استقلاله لكن تحت حماية (مؤنس بن يحيى، وكان هذا العمل كما يقول التيجانى فى رحلته
مقدمة لاحتلال الهلاليين للمدينة، وقد خلف إبراهيم أباه ثم جاء دور القاضى فقتله أهالى قابس لما كان عليه من الاستبداد "قد أدى اغتياله إلى نقل السلطة إلى بنى جامع الذين تحالفوا مع بنى هلال عن طريق الدهمانيين، ونعلم أن الخليفة الفاطمى المستنصر (427 - 487 هـ) جعل طرابلس من نصيب جماعة "زغبة" الذين قبعوا بطربلس، وقام أحد الدهمانيين الرياحين واسمه مكى بن كامل بن جامع فأسس دولته فى قابس بعد أن تخلص من أخ لميير تميم اسمه عمر بن المعز كان ثوار قابس قد جعلوا السلطة فى يده، وخلف مكى ابنه راف ثم رشيد بن كامل بن جامع أولًا (حوالى سنة 515 هـ) ثم جاء بعد فترة قصيرة من حكم المولى يوسف بن رشيد وأخيرًا مدافع بن رشيد ولقد ظل تاريخ قابس منذ منتصف القرن الخامس للهجرة (الحادى عشر الميلادى) إلى منتصف القرن التالى له (وهى فترة الولايات المستقلين وأشراف بنى جامع المباشر) سلسلة متصلة من الاضطرابات نشبت فى الداخل مؤامرات وصرعات لأخذ السلطة لكنها لم تتمخض عن فائدة. أما من الناحية الخارجية فقد عانت قابس من جراء سياسة التوسع التى انتهجها نرمان صقلية الذين كانوا يبذلون قصارى جهدهم للسيطرة على ساحل إفريقية وعلى الرغم من تعدد مرات الحصار التى كابدتها قابس (وانتهت بالفشل كحصار 474 هـ/ 1081 م و 479 هـ/ 1086 - حصار 486 هـ/ 1093 م و 511 هـ/ 1117 م) إلا أن خلفاء المعز استطاعوا استردادها وإن كان هذا الاسترداد لفترات قصيرة كالذى حدث سنة 489 هـ (1095/ 1096 م) و 542 هـ (1147 م) ثم أرادت المدينة مقاومة خلفاء المعز هؤلاء فجاهرت بانتهاج سياسة عدوانية صريحة إذ رحبت بأعدائه وأرسلت جندها إما على حدة أو مع الحلفاء لغزو عاصمتهم كما حدث فى سنوات 476 - و 493، 115 هـ (= 1083 - 1084 و 1099 - 1100، و 1117 - 8 م) وقامت قابس فى معارضتها لخلفاء المعز بالتحالف مع بنى هلال ونرمان روجر الثانى الذى أرسل لحاكم قابس (بناء على التماسه) تقليدا صريحا بحكم قابس
كما أهداه بعض الأوسمة النصرانية وعين خلفا له محمد بن رشيد بعد احتلال المهدية الذى تم سنة 543 هـ (1148 م) واحتلال جميع الساحل وعلى الرغم من كل هذه الصراعات إلا أن البلدة لم تضار كثيرا بل أنها عمرت بقصر جميل عرف بقصر العروسين وكان ابن ولمبة قد شرع فى تشييده ثم اتمه رافع ونسب إليه. على أنه ينبغى أن نذكر فى ذا المجال أن رشيدًا سك عملة باسمه هو ذاته، وكان هذا العمل من جانبه مظهرا من مظاهر تأكيد استقلاله.
كان مجئ الموحدين إيذانا بنهاية عصر الاستقلال الذى كانت قابس فى الواقع قد فقده منذ سنة 541 هـ (= 1146 م) حين قبلت أن تدخل تحت سيطرة النرمنديين. ولقد استولى أبو محمد عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن على فى عام 554 هـ (= 1158 م) على مدينة قابس عقب قيامها فى السنة الماضية ضد النرمان. ولقد استمر عهد السلام الذى تمتعت به إثر ذلك لمدة عقود قليلة إذ سرعان ما وقعت فريسة صراع بين الموحدين وبين عدوين كانا يتحالفان تارة ويتخاصمان تارة أخرى، أما أحد هذين الحليفين فقراقوش والى طرابلس وأما الآخر فبنو غانية، ومن ثم صار لزاما على المنصور (580 - 596 هـ = 1184 - 1119 م) أن يتدخل شخصيا فى إفريقية منذ أن رأى الخطر يهدده بأنه موشك على فقدها وتمكن بفضل انتصاره سنة 583 هـ (= 1187/ 8 م) من أن يسترد البلد الذى حوله قراقوش (بتحالف مع بنى غانية) إلى قاعدة حصينة كما استطاع قراقوش أن يثبت أقدامه هنا مرة أخرى. غير أنه ما لبث أن شجب تحالفه السابق مع بنى غانية مما أدى إلى ضياع البلد منه وانتقاله إلى أيدى الموحدين الذين استغلوا الظروف الراهنة إذ كان يحيى بن غانية قد نجح فى هزيمة قراقوش وتملك طرابلس ثم مضى فحاصر قابس سنة 159 هـ (1195 م) ودفعته الرغبة فى ارغامها على الاستسلام إلى تخريب الواحة التى يقال إنه قطع كل نخيلها غير واحدة تركها لتكون علامة تدل على المكان، وما كاد يحرز النصر حتى جعل قابس
عاصمة له وبسط نفوذه على كل افريقية بما فى ذلك تونس التى سبق له الاستيلاء عليها سنة 600 هـ (= 1203 م) وبذلك أصبح لزامًا على الناصر الذى حكم من 596 هـ حتى 609 (= 1199 - 1213 م) أن يعيد فتح كل القسم الشرقى من هذه المملكة فحارب يحيى بن غانية وهزمه هزيمة نكراء قرب قابس فى ربيع الأول سنة 602 هـ (أكتوبر 1025 م) واستولى على البلدة مرة ثانية لكنها آلت فى النهاية إلى قبضة الموحدين الذين كان حكمهم لإفريقية مشرفا على نهايته، ذلك أن أبا زكريا يحيى (625 - 647 هـ = 1228 - 1249 م) مؤسس الأسرة الحفصية كان على قابس حين استعمله الخليفة المأمون (624 - 629 هـ = 1227 - 1232 م) واليا على كل إفريقية فنجح بفضل المساعدة التى أمده بها عبد الملك بن مكى (اقوى ملاك الأراضى نفوذًا فى البلد) فى اغتصاب تونس من يد أخيه الذى كان قد خلع من الحكم، وكان هذا علامة فارقة تؤرخ مساعدة الحظ فى ظهور نجم بنى مكى الذين استطاعوا فيما بين سنتى 681 و 796 هـ (= 1282 - 1364 م) أن يجعلوا ما كان من أسرة صغيرة محلية مستقلة: أسرة مستقلة تمام الاستقلال وكان أقوى رجلين بها هما عبد الملك بن مكى وأخوه الذى كان حاكما على "جربة" فاستطاع أن يمد نفوذه منها حتى طرابلس، وكان الأخوان من قبيلة لواته ويهتمان بالعلم حتى نعت كل منهما بالفقيه كما كانا داهيتين إذ نجحا فى كثير من الحالات فى ترك بصماتهما على سياسة بنى حفص التى ساهما فيها مساهمة فعالة استخدماها فيما بعد فيما عاد عليهما بالنفع، وفتح عبد الملك فى رجب 681 هـ (اكتوبر 1282 م) أبواب البلدة للطاغية ابن أبى عمارة (1382 - 1284 م) وساعداه على تولى أمورها وعرشها ويقال إنه أراد الاعتراف بفضلهما عليه فأنعم على عبد الملك بجميع الجوارى اللائى كن فى قصر السلطان السابق واختاره وزيرًا له مع منحه صلاحيات مالية كبيرة لكن حكم ابن أبى عمارة لم يدم طويلا فعاد عبد الملك إلى اقطاعية قابس فرد عليه الامير أبو زكريا بأن حاصرها فى سنة 1286 م وقطع كل ما بها من نخيل على
أن عبد الملك لم يبق طول هذه الفترة من الاضطرابات ساكتا بل مد يده بالمساعدة فى سنة 1287 م - 1288 م إلى الدعى ابن أبى دبوس ضد أبى حفص (683 - 692 هـ = 1284 - 1293 م) لكنه لم ينجح فى مساعدته ثم شجب سيطرة تونس (693 هـ) ليحق له المطالبة بما كان أجدر حفدة أبى زكريا يطالب بميراث أسلافه فيها وكان هذا الحفيد قد حاصر قابس سنة 1286 م على أنه ظهر فى عام 732 هـ (1332 م) مطالب جديد اسمه عبد الواحد اللحيانى فوجد منه عونا ضد أبى بكر (718 - 747 هـ/ 1318 - 1346 م) وشاهدت السنوات التالية ذروة قوة بنى مكى الذين نجحوا أثناء خصومتهم للوزير الماكر ابن تفراجين فى مد رقعة حدودهم ودعم سلطاتهم أكثر من ذى قبل وزالت هيبتهم حتى أنه فى حوالى سنة 1355 م عقدت البندقية معهم (وعلى انفراد) معاهدة نفعتهم، ولما كانوا مستمرين فى عدائهم لتونس فقد ساعدوا أبا عنان المارينى فى حملته الثانية (752 - 757 م = 253 هـ). على أنه بعد عدة عقود قليلة قام حكم أبى العباس (772 - 796 هـ = 1371 - 1374 م) فكان نذيرا بنهاية استقلال جميع مدن الجنوب.
وفى ذى القعدة من عام 781 (فبراير - مارس 1380 م) أمكن أخذ المدينة وأقيم بها وال حفصى وهو يوسف بن الأبار، إلا أنه فى السنة التالية تمكن أحد حفدة عبد الملك بن مكى ويدعى عبد الوهاب من الاستيلاء على البلد لنفسه وقتل حاكمها وحاصرها أبو العباس بشخصه سنة 789 هـ (= 1387 م) وأمر بقطع أشجار نخيلها ليرغمها على الاستسلام، ويقول ابن خلدون إن عمله هذا أتاح للبلد جوا أصح عما كان عليه من قبل، فلما استسلم عبد الوهاب سلم واحدا من أولاده إلى الوالى الحفصى ليكون رهينة عنده، ثم زاد فدفع مبلغا من المال لكن حدث بعد أن اغتيل عبد الوهاب بسنة 792 هـ (1390 م) على يدعمه يحيى بن عبد الملك بن مكى الذى أعلن استقلاله غير أن البعض نجح فى تدبير مؤامرة سنة 796 هـ (= 1393 م) وسلموه إلى الوالى أبى حفص