الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولابد أن نذكر أيضا أن أم على كانت هاشمية اسمها فاطمة بنت أسد (انظر ابن حجر، الإصابة، القاهرة، 1928 م جـ 4، ص 380) وأن هذا يعتبر بين أهل الحق مرتبطًا بأسطورة متعلقة بسلمان الفارسى الذى لعب دورًا بارزًا فى التراث المتعلق بفاطمة.
ووفقا لما ذكره إيفانوف فى مبحثه عن تراث الاسماعيلية المتعلق بظهور الفاطميين (نشر فى بومباى 1942 م) فإن اسم الفاطميين كان هو الاسم الذى أطلق على الاسماعيلية فى بداية الأمر، وكان هذا الاسم -فيما يقول الطبرى- قد اتخذه بدو بنى الاصبغ فى بادية الشام تحت زعامة القرمطى الاسماعيلى يحيى بن زكرويه.
لكن ماسينون يذكرنا بأن اسم الفاطميين يوجد بالفعل فى أشعار بشّار بن برد فى سياق معين يحمل معنى الانتقاص ويجب تلمس أصول الحركة الفاطمية التى أوصلت الفاطميين إلى السلطة فى شمال أفريقيا بزعامة عبيد اللَّه المهدى فى أصول عقائد الشيعة الاسماعيلية التى تمثل -فى الوقت نفسه أبعادا سياسية وفلسفية ودينية واجتماعية والتى يتوقع معتنقوها ظهور المهدى المنتظر من سلالة النبى [صلى الله عليه وسلم] من خلال على وفاطمة مرورا بفرع إسماعيل بن جعفر الصادق.
نَسَبُ الفَاطميين:
يعود الفاطميون بأصولهم إلى إسماعيل ومع هذا فإن أصل الفاطميين ظل حتى اليوم يلفه الغموض، لأنهم ظلوا لفترة لا يعلنون أنسابهم بشكل رسمى، كما أنهم تعمّدوا أن يجعلوا أسماء أئمتهم من محمد بن إسماعيل حتى عبيد اللَّه المهدى مخفيّة فى الفترة التى اتخذوا فيها مبدأ سَتْر الإمام (فترة الأئمة المستورين). وقد أنكر أعداء الفاطميين نسبهم إلى على بن أبى طالب وأعلنوا أنهم أدعياء. بل لقد وصف بعضهم عبيد اللَّه المهدى بأنه ابن يهودى، وفقا للعادة العربية القديمة بخلع أصول يهودية على كل من يكرهونه.
أما النسب التقليدى للفاطميين فيقول إن عبيد اللَّه كان ابنا للحسين بن أحمد ابن عبد اللَّه بن محمد بن إسماعيل بن
جعفر الصادق. أما نسبه كما يقول أعداء الفاطميين فهو عبد اللَّه بن الحسين بن أحمد بن محمد بن عبد اللَّه ابن ميمون القدَّاح، وأن الاسم الحقيقى لعبيد اللَّه كان سعدا، وأنه لم يتخذ اسم (عبيد اللَّه) أو (عبد اللَّه) إلا فى شمال أفريقيا ومن ثم ادّعى أنه من سلالة علوية وأنه المهدى.
ويمكن للقارئ أن يطالع نسب الفاطميين بمختلف أشكاله سواء من وجهة نظر أعداء الفاطميين أو من وجهة نظر الاسماعيلية، وما يُثار حوله من قضايا معقدة لم يصل الباحثون فيها إلى نتائج مرضية -فى الأعمال الآتية:
كتابات دى ساسى (1838 م)، وبيكر، ودى خويه عن القرامطة وأصول الفاطميين لمامور كما نوقشت مسألة نسب الفاطميين فى أعمال -أكثر حداثة عند: ايفانوف فى ثلاثة أبحاث صدرت عام 1940، 1942، 1946 م على التوالى وبرنارد لويس عن أصول الاسماعيلية. ومن الأعمال التى صدرت حديثا حول هذا الموضوع:
- حسين الحمدانى، عن أنساب الخلفاء الفاطميين، القاهرة، 1958 م، بالإضافة إلى كتابات مادلونج. وليس فى مقدورنا فى هذا المقال سوى أن نلقى نظرة على القضايا التى ناقشتها هذه الأعمال والصعوبات التى تواجهنا فى دراسة أصل الفاطميين واضعين فى اعتبارنا الاختلافات الكثيرة التى تزخر بها المصادر، وكذلك الاختلافات الشديدة فى وجهات نظر المؤلفين الذين تناولوا هذا الموضوع حتى بين الكتاب الاسماعيليين أنفسهم الذين يجب أن نضع كتاباتهم فى الاعتبار بما فيها من تباين شديد فى المعالجة، فقد تناولت كتبهم هذه المسألة بطريقة بسيطة شعبية أحيانا وبطريقة مُمعنَة فى الغموض موجهة للخاصة منهم أحيانا أخرى، وفى هذا الصدد فإننا نواجه قليلًا من الصعوبات، ففى المصادر الإسماعيلية نجد أن سلسلة الأئمة قبل عبيْد اللَّه ليست دائما واحدة إذ يوجد خلاف فى أسمائهم كما بين ذلك ايفانوف، وحتى اسم والد عبيد اللَّه غير متفق عليه بين هذه المصادر فثمة رواية واحدة تذكر أنه عبيد اللَّه بن أحمد وليس عبيد اللَّه بن حسين، بل إن عبيد اللَّه يظهر أحيانا باعتباره هو على بن
الحسين، لكننا نجد -من ناحية أخرى- أن عليا بن الحسين الذى يعتبر هو الإمام الرابع المستور لا يظهر فى قوائم الأئمة التى ذكرناها آنفا. فهل كان حسين، والد عبيد اللَّه إماما معتمدًا فى سلسلة الأئمة، أم كان الإمام لا يعدو كونه محمد بن أحمد عم عبيد اللَّه؟ ففى تلك الحال لا يكون العم قادرا على توريث الإمامة (أو نقلها) لعبيد اللَّه لأن الإمامة -وفقا لأصول عقائدهم- لا تنتقل إلّا من الأب لابنه فيما عدا حالة الحسن والحسين، كما أن محمد بن أحمد الآنف ذكره يسمّى أيضا بأبى على الحاكم وكنيته أبو الشَّلَغْلَغْ أو أبو الشَّلعْلَعْ كما يسمى سَعِيد الخيْر، وتقدمه المصادر باعتباره أيضا والدًا لعبيْد اللَّه، وإذا كان عبيد اللَّه يسمّى أيضا سعيدا، فإنه يتضح لنا كيف أن هذه الأسماء المختلفة تعد مصدرا هائلًا للاضطراب الذى يشكل عائقا بين الباحث وبين الوصول للحقيقة (راجع فى ذلك مادلونج وايفانوف وداى ساسى ودى خويه).
بل إن عبيد اللَّه نفسه قد قدم لنا نسبه بصورة مغايرة لما قدمه التراث المتعلق بأنساب الفاطميين والذى ذكرناه آنفا. ففى خطاب أرسله إلى الاسماعيليين فى اليمن ذكر أنه ليس من سلالة إسماعيل بن جعفر وإنما من سلالة ابن آخر لجعفر هو عبد اللَّه. بل ويقرر أبو محسن (وهو شريف لا مَنَاص من معاداته للفاطميين) أن مبعوث حمدان قرمط ذكر أن عبيدْ اللَّه من سلالة ميمون بن القِّداح. وثمة أمر آخر غير مؤكد فيما يتعلق بعلاقة القرابة بين عبيد اللَّه والخليفة الفاطمى الثانى محمد أبى القاسم القائم بأمر اللَّه، فمصطلح "القائم" يعنى وفقا للتراث الفاطمى "المهدى المنتظر" الذى يتحتم أن يحمل اسم الرسول [صلى الله عليه وسلم] ونعنى به محمدا، فمصطلح "المهدى" يعنى "القائم" والكلمتان تستخدمان لتحمل إحداهما محل الأخرى. حقيقة إن عبيد اللَّه اتخذ لقب "المهدى" لكن أكان حقا -فى قرارة نفسه- يعتبر نفسه المهدى المنتظر، مع أنه يفتقد الشروط المطلوبة؟ فقد يكون القائم ليس ابنا لعبيد اللَّه مع أن هذا الأخير كان يعتبره -من الناحية الرسمية- ابنا له. ووفقًا لما ذكره خطاب بن الحسن من رجال القرن
السادس للهجرة (الثانى عشر للميلاد) فى كتابه (غاية الموالد) فإنه -أى القائم- كان ابنا للإمام الرابع المستور على المذكور آنفا كما يقول ايفانوف ومادلونج وقد كان تصرف عبيد اللَّه إزاء القائم عند دخول رقادة يشير إلى أنه يعتبره المهدى المنتظر فقد عامله بتوقير شديد ورفع مقامه عن مقامه هو شخصيا. وتثور شكوك أخرى مشابهة حول تفاصيل متعلقة بشخصية القائم (انظر: سيرة جعفر الحاجب، ص 304).
وعلى أية ح حال فإننا نجد صعوبة فى الوصول إلى حقيقة واضحة محدَّدة فى هذا الموضوع.
وثمة صعوبة أخرى نشأت عن التناقض بين النَّسب الرسمى، والنسب الذى يربط الفاطميين بميمون القدَّاح، فحتى فى عهد المُعِز الخليفة الفاطمى الرَّابع جرت محاولة فى بعض الدوائر الاسماعيلية لربط سلسلتى النسب بعضهما ببعض باعتبار عبد اللَّه بن ميمون القدّاح هو نفسه عبد اللَّه بن محمد بن إسماعيل بن جعفر، وقد اعتبر هؤلاء هراطقة لأنهم أدخلوا فى السلالة الفاطمية عناصر غير علوية (انظر ايفانوف فى مجلة P. 140. S. M. Stern، Heterodox Ismailism BSOAS، مجلد 17، سنه 1955، ص 12 وما بعدها) وقد قام برنارد لويس بحل هذا التناقض الظاهرى اعتمادا على النظرة الروحية (أو التفسير الباطنى) وذلك استنادا إلى براهين استقاها من كتابات الدروز والاسماعيلية وبين كيف أنه من الممكن اعتبار القدَّاحين أئمة فاطميين. فبين الاسماعيلية هناك نوعان من النسب: النسب الظاهر، والنَّسب الباطن (ويمكننا أن نستدعى للذاكرة هنا ما ذكره عبيد اللَّه فى خطابه لاسماعيلية اليمن من أن عمه محمد بن أحمد مدرج بين الأئمة)، وأنه هو نفسه كان يدعى عبد اللَّه بن محمد لأنه كان (فى الباطن) ابنا لمحمد بن أحمد هذا الذى نقل الإمامة إليه (انظر ما ذكره حسين همدانى ومادلونج).
وبصرف النظر عن أن الأئمة الحقيقيين ينحدرون من نسل على وفاطمة ويسمّون بالمُسْتَقَرين (بضم الميم وتسكين السين وفتح التاء
والقاف) وتعنى الأئمة الدائمين، فإن هناك -كما يقول لويس- أئمة من نوع آخر يعرف الواحد منهم بالمُسْتَوْدَع (بضم الميم وتسكين السين) والمقصود بهم الأئمة الذين يحمون الإمامة ويسترونها وهؤلاء الأئمة "المستودعون" يعملون بحق التفويض مما يسمح لهم بالدخول ضمن الأئمة الحقيقين (المستقرين). فميمون القدَّاح الذى كان قد تولى عن جعفر الصادق أمر العناية بحفيده محمد بن إسماعيل قال إن ابنه عبد اللَّه هو ابن من الباطن (ابن روحى) لمحمد بن إسماعيل وبالتالى فهو يرث منه الإمامة. وعلى هذا فإن ذرية الأئمة القداحين (الذين هم من سلالة القدَّاح) قد وجدوا جنبا إلى جنب مع سلالة الأئمة العلويين (الذين هم من نسل على وفاطمة) وكان آخر إمام من القدَّاحين هو عبيد اللَّه سعيد وهو إمام (مستودع) للإمام القائم الذى هو الإمام العلوى (المستَقَر) وعلى هذا ففى شخص القائم عادت الإمامة للأسرة العلوية.
وبالنسبة لكل القضايا التى لم نستطع معالجتها هنا يمكن الرجوع للدراسة المفصّلة والموثقة التى أعدها مادلونج Madelung عن الإمامة فى عقائد الاسماعيلية الباكرة والتى سنعود إليها عند مناقشة السياسة الدينية للفاطميين.
ومن وجهة النظر التاريخية والتى تهمنا بشكل مباشر فى هذه المسألة عن نسب الفاطميين، نجد أن العباسيين -وهذا طبيعى- ينكرون الأصل العلوى لمنافسيهم الفاطميين لما يمنحه لهم هذا الانتساب من مكانه رفيعة، وقد كشف لنا الصولى أنه فى بغداد -على أيامه- كان يقال إن سيّد المغرب ينحدر من نسل عتيق صاحب شرطة زياد بن أبيه، ومع ذلك لم تظهر إلّا فى فترة لاحقة وثيقتان رسميتان وقعهما قضاة وعلويون، أما إحدى الوثيقتين فيرجع تاريخها إلى سنة 402 هـ/ 1011 م والأخرى إلى سنة 444 هـ/ 1052 م وهما تنكران أنهم كانوا من أصول علوية (انظر: ابن الجوزى، المنتظم، جـ 7، ص 255، ابن الأثير، حوادث 402 و 444، ابن خلدون، ترجمة دى سلين جـ 1، 39، والمقريزى، ألفاظ الحنفا، القاهرة، 58 وما بعدها، أبو المحاسن، القاهرة، جـ 4، ص 229، جـ 5، ص 53).