الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الـ Al-Idji عن البلاغة بعنوان "الفوائد الغياثية".
3 -
رسالة فى إثبات الهيولا -وهى بحث عن المادة الأولى "الهيولا".
4 -
"الشمس البازغة" وهو كتاب عن الفلسفة شرح لكتاب له بعنوان "الحكمة البالغة".
المصادر:
(1)
ج. زيدان: تراجم مشاهير الشرق، جـ 2، ص 193.
(2)
عباس العزاوى: تاريخ العراق بين احتلالين، جـ 5، بغداد 1955، ص 119 - 140.
(3)
م. م. البصير: نهضة العراق الأدبية، بغداد 1365/ 1946، 89 - 113.
بهجت عبد الفتاح [شارل بيلا Ch. Pellat]
فاروقى
هو عبد الباقى الفاروقى -وهو شاعر عربى ولد فى الموصل فى عام 1204 هـ (1790 م) - يعتز بانتسابه إلى الخليفة عمر بن الخطاب ولذلك يحمل اسم "الفاروقى" و"العمرى" ولا نعرف إلا القليل عن حياته. . فقط نعرف أنه صحب ابن عمر قاسم باشا عندما أرسل الباب العالى هذا الأخير إلى بغداد للقضاء على سلطة المماليك هناك، وعندما فشلت هذه الحملة، ذهب مع الحملة التالية لنفس الغرض بقيادة "على رضا باشا" الذى نجح فى إنهاء حكم "داوود" باشا والمماليك، وبقى الفاروقى معه فى بغداد فى منصب "كتخدا" الولاية حتى وفاته فى عام 1278 هـ (1862 م). . وقد نشر "عثمان الموصلى" فى القاهرة عام 1316 هـ (1896 م) أشعاره تحت عنوان "الترياق الفاروقى من منشآت الفاروقى وبجانب هذا الديوان، وضع ديوان آخر تحت عنوان "أهلّة الأفكار فى معانى الابتكار" وأيضا عملا عن سيرة حياته بعنوان "نزهة الدهر فى تراجم فضلاء العصر"
بهجت عبد الفتاح [شارل بيلا Ch. Pellat]
فاس
(1)
التطور التاريخى للمدينة
مدينة فى شمال المغرب على خط طول 4.54 درجه غربا و 34.6/ شمالا.
وتقع مدينة فاس فى أقصى الشمال الشرقى عن نفس الموضع الذى تنحدر عنده مياه الجزء الشرقى لهذا السهل إلى وادى "سبو" طريق وادى فاس ولذلك فهى تشغل الطرق السهلة الواصلة بين ساحل المغرب المطل على المحيط الأطلنطى ووسطه ويوجد، بالإضافة إلى ذلك، على بعد 30 كم جنوب فاس واحد من أقل الطرق وعورة ويمر بوسط جبال أطلس إلى الجنوب عبر طريق "سفرو" كذلك فإن طرق الاتصال بين فاس وكل من ساحل البحر المتوسط أو مضيق جبل طارق على قدر كبير من السهولة ويمكن القول إن "فاس" تقع على نقطة تقاطع بين محورين كبيرين للاتصالات يحددها الخط الساحلى للبلاد أما المحور الأول فيمتد من الشمال إلى الجنوب بين البحر المتوسط أو مضيق جبل طارق أو تافيللت [تافلالت] إلى ما وراء بلاد الزنج أما المحور الثانى فيمتد من الغرب إلى الشرق بين ساحل الأطلنطى ووسط المغرب.
وزيادة على ذلك فإن موقع فاس يتميز بوفرة المياه حيث يوجد. النهر وروافده التى كان من السهل جعلها تجرى فى قنوات لخدمة سكان المدينة فضلا عن العديد من العيون التى تنبع من الضفاف شديدة الانحدار وخاصة فى الضفة اليسرى الواقعة داخل المدينة.
وتوجد قرب المدينة المحاجر التى توفر أحجار البناء والرمال والجير، وفى الوقت ذاته هناك الغابات بوسط الأطلس والتى تتوفر فيها أشجار البلوط والأَرْز والتى تستخرج منها أخشاب عالية الجودة.
وأخيرًا فإن الأراضى التى تمتد لمسافة كبيرة حول المدينة تعد صالحة لكافة أنواع الزراعة حيث تنمو الحبوب والكروم والزيتون وأنواع عديدة من أشجار الفاكهة ومن الممكن تربية الخراف والماعز والأبقار أيضا. وبالرغم من ذلك فإنه لم يكن يشغل هذا الموقع المتميز أى مدينة قبل نشأة المدينة الإسلامية.
هذا ولم يؤكد علم الآثار أسطورة الأسطورة الواردة فى أسطورة روض القرطاس لابن أبى زريح والتى تقول
إنه كانت هناك مدينة موغلة فى القدم تشغل مكان فاس الحالية ومع ذلك فيمكن القول بأن مدينة فاس لم تظهر فى الوجود إلا فى أواخر القرن الثانى للهجرة 2 هـ/8 م بناءً على رغبة الأدارسة.
وقد اعتُقد لفترة طويلة، بناءً على زعم صاحب روض القرطاس والذى أيده العديد من المؤرخين الآخرين، أن إدريس بن إدريس قد شيد مدينة فاس فى غرة ربيع الأول عام 192 هـ/ 4 يناير 808 م ويعتقد أن الملك [الأمير] الشاب قد أنشأ هذه المدينة على الضفة اليمنى لوادى فاس وبعد ذلك بسنة قمرية أى فى 22 ديسمبر 808 م قام بإنشاء مدينة ثانية على الضفة اليسرى.
إن بناء هاتين المدينتين الذى ليس له أى تفسير قد حيّر (العلامة ليفى بروفنسال) الذى عكف على دراسة هذه المسألة وانتهى به الأمر أيضا إلى القول بأن هناك رواية غير شائعة ولكنها قديمة عن نشأة مدينة فاس والتى يعتقد أن إدريس بن عبد اللَّه والد إدريس بن إدريس هو الذى قام ببنائها على الضفة اليمنى فى سنة 172 هـ/ 789 م وأطلق عليها اسم مدينة فاس ولكنه توفى قبل أن يتاح له تطويرها، ويعتقد أن ابنه قام بعد ذلك بعشرين عاما [أى فى سنة 192 هـ/ 808 م] ببناء مدينة لنفسه على الضفة اليسرى وأطلق عليها اسم "العالمية" والحق إن تلك الرواية تبدو أقرب إلى الحقيقة.
وعلى أية حال فإنه من الموكد أن كلا من هاتين المدينتين كانتا منفصلتين لعدة قرون وكان الذى يفصل بينهما هو المجرى المائى لوادى فاس ومع ذلك فقد ظلت كل منهما تنافس الأخرى دائما وتعرقل تطورها مما أعاق نموهما معًا.
وقد عكرت خلافات الأسرة الحاكمة طيلة عهد الأدارسة، أى حتى مستهل القرن 4 هـ/ 10 م، صفو الحياة لهذه المدينة المزدوجة وأصبحت المدينة بعد ذلك خلال الثلث الأول من نفس القرن [أى القرن 4 هـ/ 10 م] أحد ركائز الصراع بين الأمويين فى الأندلس
والفاطميين فى إفريقيه، وكان هذا الصراع غالبا ما يحدث فى شمال المغرب. وقد وقعت المدينة تحت سيطرة الأمويين فى الأندلس لمدة تربو على الثلاثين عاما فيما بين 980 - 1012 م [370 - 403 هـ] وتمتعت المدينة خلال تلك المدة بالازدهار.
وعندما آذنت شمس الخلافة الأموية بقرطبة بالمغيب وقعت مدينة فاس تحت سيطرة أمراء زناتة الذين كانوا على خلاف مستمر فيما بينهم وقد قاموا بإشعال نار المنافسة القديمة بين المدينتين التوأم حتى قدوم المرابطين.
إن التاريخ المعروف لدخول المرابطين فاس بقيادة يوسف بن تاشفين هو 461 هـ/ 1069 م ولكن يرى العلامة ليفى بروفنسال (فى بحث نشر له بعد وفاته وهو خاص بتأسيس مدينة مراكش) اعتمادًا على ما ذكره البكرى أنه يجب أن نتعامل بحذر مع هذا التاريخ حيث أن تأسيس مراكش وبالتالى دخول فاس لابد وأنه كان بعد هذا التاريخ بأعوام قلائل.
ومهما يكن من أمر فإن دخول المرابطين يعد علامة هامة فى تاريخ مدينة فاس حيث أمر يوسف بن تاشفين بتوحيد المدينتين وجعلهما مدينة واحدةً صارت القاعدة الحربية الرئيسية فى شمال المغرب وعلى ذلك يعتبر يوسف بن تاشفين المؤسس الثانى لفاس فهو الذى قضى على ازدواجية المدينة وهذه الازدواجية كانت السبب الأصلى لعدم تطورها لمدة طويلة من جهة كما حدد اتجاه تطورها فى المستقبل من جهة ثانية وذلك عن طريق بناء مدينتين جديدتين فى الغرب فضلا عن بناء قلعة هامة (وهذه القلعة لم يتبق منها أى أثر)، وقد ساعد بناء تلك القلعة على ظهور أحياء جديدة فيما بينها وبين الأحياء الأصلية كذلك كان المرابطون هم المسئولون عن ازدياد أهمية الجامع الرئيسى الواقع على الضفة اليسرى وهو جامع القرويين وقد بنى هذا الجامع، على ما يبدو، فى القرن 4 هـ/ 10 م وكانت مساحته صغيرة ثم قام على بن يوسف المرابطى بهدمه باستثناء [الصومعة] التى لا تزال قائمة، وبنى فى موضعه جامعا
كبير المساحة قام بزخرفته صنّاع أندلسيون كذلك من المحتمل أن يعود إلى عصر المرابطين ما تم من الأعمال الأساسية فى وادى فاس، التى يرجع الفضل إليها فى تزويد المدينة بنظام للمياه الجارية منذ العصور المبكرة.
وعلى ذلك يمكن القول بأن فاس قد عاشت لمدة ثلاثة أرباع القرن (467 - 540 هـ/ 1075 - 1145 م) عصرًا من أزهى عصورها تحت حكم المرابطين ولكن للأسف ليس لدينا سوى القليل من المعلومات المفصلة عن تلك الفترة. إن دخول الموحدين يعد نقطة توقف قصيرة فى تاريخ فاس، وعندما قام عبد المؤمن بمهاجمتها فى سنة 540 هـ/ 1145 م أثبتت [أى المدينة] إخلاصها للمرابطين فقاومت مقاومة عنيفة ولم يستطع الموحدون دخولها إلا بعد حصار شديد ومن ثم عوقبت المدينة بتدمير قصبة المرابطين وأسوار المدينة.
ولما كان الموحدون (مثلهم فى ذلك المرابطين) فى أشد الحاجة لمدينة فاس فقد نمت المدينة وازدهرت على نحو ما ذكر الإدريسى الذى وصفها بأنها مدينة فى غاية النمو والازدهار الاقتصادى.
وقد أمر الناصر رابع خلفاء الموحدين بعد هزيمته فى لاس نافاس دى تولوسا [موقعة العقاب](1212 م - 609 هـ) بإعادة بناء أسوار مدينة فاس. وإن التصميم العام وكذا جزء كبير من أساليب الإنشاء تؤرخ بهذا العصر، هذا وقد فتحت فى السور المحيط بها ثمانية أبواب ضخمة بواقع أربعة بكل جانب وقد بات من المؤكد أنه كانت توجد داخل هذه المساحة المسورة أماكن فضاء خالية وحدائق وبساتين.
وتغير بعد قرن من الزمان، حكام فاس التى أصبحت تحت سيطرة بنى مرين وعلى الرغم من سوء استقبال المدينة فى بادئ الأمر لحكامها الجدد إلا أنهم نجحوا فى الوصول بها إلى أقصى درجات الازدهار بصورة لم تشهدها من قبل.
ولم يأت بنو مرين مثل المرابطين والموحدين، من الجنوب ولكنهم جاءوا عن الشرق وكانت فاس أول مدينة
كبيرة ينجحون فى دخولها ولذلك اتخذوها حاضرة لهم بدلا من مراكش التى تراجعت إلى مرتبة أدنى من مرتبتها هذه، ولهذا السبب احتفظت فاس بازدهار لعدة قرون.
وعاش البلاط الجديد [أى بنومرين] فى بادئ الأمر فى القصبة التى أعاد بناءها الموحدون فى نفس موضع قصبة المرابطين القديمة فى المنطقة التى تعرف الآن "بوجليد" وسرعان ما ضاق المكان بالمرينيين ولذلك قرر أبو يوسف المرينى (654 - 685 هـ/ 1258 - 1286 م) إنشاء مدينة ملكية وإدارية جديدة إلى القرب من المدينة القديمة ووضع أساسها فى الثالث من شوال 674 هـ/ 21 مارس 1276 م. وقد عرفت هذه المدينة فى بادئ الأمر بالمدينة البيضاء وإن كانت قد عرفت لوقت كبير ولا تزال تعرف باسم فاس الجديدة، وتتكون هذه المدينة بصفة أساسية من القصر ومبانى إدارية متنوعة والجامع ثم أضيفت إليها بالتدريج مبان أخرى كالمساجد الصغيرة والثكنات وبيوت العديدين من سادات بنى مرين وبعد ذلك وبالتحديد فى القرن التاسع للهجرة 15 م) أضيف حى خاص لسكنى اليهود. وقد أحيطت هذه المدينة الجديدة منذ بداية نشأتها بسور مزدوج تتخلله بوابات قليلة وقد دعمت هذه الأسوار فى القرن العاشر الهجرى 16 م بعدد من الأبراج البارزة لاستخدام المدافع.
وهكذا أصبحت فاس مرة أخرى مركزًا حضريًا مزدوجًا فمدينة الطبقة المتوسطة والتجارة عرفت باسم فاس بالى [أى فاس القديمة] وقد عرفت محليا باسم المدينة فحسب.
إن الوصف الذى زودنا به ليو الأفريقى [الحسن بن محمد الوزان الفاسى] لمدينة فاس فى مستهل القرن 10 هـ/ 16 م يعطى انطباعا بأن المدينة كانت تعج بالنشاط والسكان وقد كانت كثافة السكان عالية جدا لدرجة أنه استحدثت مساحات عديدة خارج الأسوار وشيدت بها بعض المبانى وخاصة فى الجانب الشمالى الغربى من المدينة القديمة ولم تكن فاس مدينة تجارية وصناعية فحسب وإنما كانت
أيضًا مدينة الدين والعلم حيث ازدهرت حول جامع القرويين مدرسة فاس على حد قول بيرك.
وأخيرًا أصبحت المدينة مركزًا للفن ويرجع ذلك إلى قصور المرينيين التى شيدوها على التلال التى تطل على فاس من جهة الشمال فضلا عن المدارس التى بنيت خاصة فى القرن 8 هـ/ 14 م على يد العديد من الأمراء حول كل من جامعى القرويين والأندلسيين فى الجزء الأعلى من المدينة القديمة وفاس الجديدة.
وقد زينت كل هذه المدارس تقريبًا بذوق فنى رفيع ومتنوع وهى بذلك تشكل واحدة من أروع الكسوات الزخرفية فى فاس.
ولقد استمر هذا الوضع المتميز لمدة ثلاثة قرون حظيت فاس خلالها بالازدهار السياسى والاقتصادى والفكرى بين سائر بلاد المغرب فضلا عن الأقاليم الغربية فيما يعرف الآن بالجزائر، كما كانت لها علاقات اقتصادية وثقافية مع أقاليم الصحراء الغربية حتى النيجر وفى عام 870 - 871 هـ/ 1465 م كانت المدينة مسرحا لمحاولة الأدارسة استعادة الحكم فأشعلوا النار فى المدينة، ويبدو أن الوطاسيين خلفاء المرينيين لم يضربوا بيد من حديد على المشتركين فى هذه المؤامرة على حد قول (ليو الافريقى) الذى أعطى وصفا للمدينة المزدهرة.
ورغم ذلك فقد بدأ الأشراف السعديون حكام مراكش منذ عام 931 هـ/ 1524 م يمدون نفوذهم تدريجيا على بقية مراكش وبدأوا يهددون فاس منذ عام 954 هـ/ 1547 م واستطاعوا بفضل المؤامرات الداخلية السيطرة على المدينة فى 28 ذى الحجة 955 هـ/ 28 يناير 1549 م.
هذا ولم يكن تغير الأسرة الحاكمة فى صالح المدينة حيث اتخذوا [أى السعديون، وهم من أهل الجنوب]، مراكش حاضرة لهم وعلى ذلك أصبحت فاس مرة أخرى المدينة الثانية للدولة الشريفية [أى الأشراف السعديين].
ولم تتقبل المدينة فى بادئ الأمر هذا الوضع بارتياح ولكنها رحبت
ورحبوا بأبى حسون، المطالب بعرش الوطاسيين، عندما استطاع أهلها طرد السعدى [محمد الشيخ] فى 2 صفر 961 هـ 7 يناير 1554 م بمساعدة قوة تركية صغيرة صاحبته من الجزائر، ولكن تلك المغامرة لم يكتب لها النجاح طويلا حيث عاد السعدى على رأس جيشه فى شوال 968 هـ/ سبتمبر 1554 م واستطاع أن يجبر أبا حسون على تسريح حلفائه الأتراك وقد قتل أبو حسون فى المعركة تحت أسوار فاس ووقعت المدينة فى قبضة السعديين مرة أخرى.
هذا ولم يستمر السعديون فى الإساءة لمعارضيهم لفترة طويلة كما قاموا بتدعيم تحصينات المدينة ليحكموا سيطرتهم عليها فضلا عما قاموا به من أعمال التحسين والزخرفة بجامع القرويين.
وعندما توفى السلطان أحمد المنصور فى فاس 16 ربيع الأول 1012 هـ/ 25 أغسطس 1603 م شبّ الصراع بين أبنائه على العرش مما أدى إلى إشاعة حالة من الفوضى فى الغرب ظلت باقية لمدة تربو على ستين عامًا.
ووقعت فاس فى دائرة مفرغة من الضعف وتعرضت لعدة غزوات ومما زاد من سوء حظ المدينة أنها عانت كثيرًا من الخلافات الداخلية الشديدة وعاشت أحلك فترات تاريخها لمدة تربو على خمسين عامًا كانت فاس مدينة قد مسها الضعف عندما استولى عليها المطالب بعرش العلويين وهو مولاى الرشيد فى عام 1076 هـ/ 1666 م.
وبدأت جراح تلك المدينة تندمل وتدبّ فيها الحياة من جديد تحت حكم هذا الأمير النشيط الذى أولى أعمال المنافع العامة اهتماما كبيرًا (ومنها بناء جسر [قنطرة] فوق وادى سبو المتاخم لها وبناء قلعتين غريب المدينة القديمة وترميم جسر فوق وادى فاس واستحداث مدرسة جديدة تضاف إلى تلك المدارس التى بناها من قبله المرينيون).
وعندما قتل مولاى الرشيد فى سنة 1082 هـ/ 1672 م خلفه أخوه مولاى إسماعيل الذى كان حاكمًا متميزًا ومع ذلك كان لا يهتم بفاس ولذلك أنشأ حاضرة جديدة له فى مكناس واستمر
فى سب وتحقير أهل فاس خلال فترة حكمه الطويلة التى بلغت نحوا من خمسة وخمسين عاما لدرجة أن تلك المدينة [أى فاس] أصبحت مهجورة.
وازدادت الأمور سوءًا عقب وفاة مولاى إسماعيل فى سنة 1139 هـ/ 1727 م إذ دب الصراع على العرش بين العديد من أبنائه وأصاب المغرب -مثلما حدث فى القرن السابق- حالة من الفوضى كما وقعت فاس (مرة أخرى ولمدة ثلاثين عاما) فريسة لنزوات الحكام المؤقتين ومن بينهم مولاى عبد اللَّه الذى أساء معاملة أهلها كما تعرضت لعمليات السلب والنهب من قبل الجنود وخاصة جنود قبيلة الوداية.
ومرّت فاس بمرحلة من الهدوء فى عهد سيدى محمد الذى خلف والده (فيما بين 1171 - 1204 هـ/ 1757 - 1790 م) لكن لم يقدر لهذا الهدوء أن يستمر طويلا فقد بدأت الاضطرابات المهلكة لتكون نهاية حكم مولاى سليمان (1207 - 1230 هـ/ 1792 - 1824 م). واستعادت فاس مكانتها كحاضرة وتقاسمت هذه المكانة مع مراكش حتى بداية القرن 20 م.
وعندما استطاع مولاى عبد العزيز أن يتخلص من وصاية وزيره با أحمد شرع فى انتهاج سياسة التحديث مما أثار ضده غالبية أهل المغرب.
وقد دخل عدد كبير من تجار فاس خلال النصف الثانى من القرن 19 م فى علاقات مع العديد من الدول الأوروبية والافريقية (مثل إنجلترا وأسبانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا وغرب افريقيا الفرنسية) وبدأت المدينة تعرف طريقها تدريجيا إلى التجارة الدولية وبالإضافة إلى ذلك جاء عدد من الأوروبيين والأمريكيين (من جنود ودبلوماسيين وأطباء ورجال أعمال وغير ذلك) واستقروا فى المدينة.
وبدأ مصير فاس، مثل غيرها من بقية المدن الغربية، فى التحول يضاف إلى ذلك أن السلطان مولاى الحسن (1290 - 1311 هـ/ 1873 - 1894 م) بدأ فى الاهتمام بأعمال المرافق العامة الهامة فى المدينة وذلك حين لا يكون
خارج البلد على رأس جيشه ومن ثم فقد قام ببناء مصنع صغير للأسلحة قرب قصره كما قام بتشييد أسوار كبيرة حتى تتصل المدينتان بعضهما ببعض وأعنى بهما مدينة فاس الجديدة والقديمة بعد انفصال دام زمنًا طويلًا يضاف إلى ذلك أنه شيد قصرًا جديدًا فى بوجلود على حافة المدينة.
وعانت فاس مرة أخرى منذ عام 1901 م بسب الأوضاع المتردية، حيث هددها فى سنة 1903 م أحد المطالبين بالعرش وهو "بوحمرا" وعندما أرغم مولاى عبد العزيز فى عام 1908 م على التنازل عن العرش ساقت فاس الحكم إلى أحد سلالة مؤسسها إدريس وهو الشريف محمد القطنى ولكنه فشل فى تنظيم الجيش ومن ثم لم يستطع أن يمنع سلطان مراكش المطالب بالعرش وهو مولاى عبد الحفيظ من دخول المدينة ومع ذلك ظلت القلاقل مستمرة وأصبح الحاكم الجديد مهددًا من قبل قبائل البربر التى تسكن وسط الأطلس مما اضطره فى النهاية إلى أن يستنجد بالجيش الفرنسى لمساعدته وذلك فى سنة 1911 م وبالفعل جاءت كتيبة فرنسية بقيادة الجنرال موانييه وعسكرت تحت أسوار فاس وكانت هذه هى المرة الأولى التى يدخل فيها المدينة جيش أوروبى واستقرت هذه القوات فى جنوب فاس الجديدة، وفى 30 مارس 1912 م أعلنت الحماية الفرنسية على المغرب ووقعت اتفاقية بذلك فى إحدى حجرات قصر "بوجلود" وحدث بعد ذلك بأيام قلائل أن ثارت القوات المغربية يوم 16 و 17 ابريل 1912 م ووقعت مذبحة راح ضحيتها عدد من الأوروبيين على حين قام فى الوقت ذاته بإنقاذ عدد آخر فيهم ثم قامت بعد قليل القبائل البربرية الثائرة بمحاصرة الجنرال "ليوتى" القائد المعتصم بالمغرب فى فاس، التى حررها الجنرال "جورد" فى نهاية مايو ومستهل يونيو 1912 م.
وهكذا أصبحت فاس منذ ذلك الوقت قادرة على أن تعيش فى سلام وأن تهيئ نفسها لنمط جديد من الحياة وسرعان ما بدأت تظهر مدينة أوروبية فوق مساحة مسطحة كبيرة بمنطقة دار الدبيغ والتى أطلق عليها الفرنسيون
اسم المدينة الجديدة وأصبح قصر "بوجلود" قصرًا للجنرال المقيم كما سكن عدد من الأوروبيين منطقة بوجلود.
وبنيت، خلف أسوار المدينة التى ترجع إلى عهد مولاى الحسن، مبانٍ إدارية وفق طراز العصور الوسطى، وسرعان ما تماشى تجار مدينة فاس مع الأوضاع الاقتصادية الجديدة لبلدهم كما استقر الجديد منهم فى كازابلانكا [الدار البيضاء] وإن كانوا لم يقطعوا صلتهم بموطن أجدادهم.
كذلك تم وضع نظام للتعليم الحديث سار جنبًا إلى جنب مع نظام التعليم الدينى التقليدى.
ثم تقوقعت فاس على نفسها لسنوات عدّة ربما لما أحدثته سياسة التمدن من صدمة لها ولكنها سرعان ما اتخذت اتجاها معارضًا لنظام الحكم الجديد.
إن حرب الريف وما صادفهُ عبد الكريم (1925 م) من نجاح الأمر أثار المخاوف من أعمال السلب والنهب وظهر حزب شعبى جديد كانت اتجاهاته السياسية معادية للحماية المفروضة على البلاد، وقاد شباب هذا الحزب الحركة العدائية ضد مشروع "الزهير" الذى كان يهدف إلى تمزيق الوحده المغربية عن طريق الفصل بين المغاربة وتقسيمهم إلى كتلتين متضادتين [العرب والبربر] فى منطقة العدل وكان قد صدر مرسوم هذا المشروع فى 16 مارس 1930 م.
وكانت فاس عامى 1937 م و 1944 م وهى فترة الأزمات السياسية التى انتهت أخيرًا لإعلان استقلال البلاد (يوم 11 يناير 1944)، مسرحًا لمظاهرات هامه ومع ذلك فقد تحول مركز الثقل السياسى فى المغرب إلى الرباط والدار البيضاء وكان الدور الذى لعبته فاس دورًا ثانويًا فى مجريات الأحداث فيما بين عامى 1953 - 1956 م والتى أن إلى إعلان استقلال المغرب ولا تعدو فاس اليوم أن تكون عاصمة ولاية كما أنها تحتل المرتبة الثالثة فى المغرب بعد كل من الدار البيضاء ومراكش.
وتضم مدينة فاس، التى بلغ تعداد سكانها (حسب إحصاء 1952 م).
نحوًا من 179.400 نسمة منهم 15.800 من الأوروبيين، أربعة مراكز رئيسية وذلك على النحو التالى:
1 -
المدينة ولا تظهر بها تقريبًا أية مساحات فضاء ولكن توجد أماكن معينة فى ضواحى المدينة لحركة المرور.
2 -
فاس الجديدة وهى تتكون من ثلاثة عناصر: أولًا مدينة صغيرة يسكنها العامة من "الصفان" الدنيا فى المجتمع الإسلامى يضاف إليها القصر والمناطق المحيطة به ثم حى اليهود أو كما يسمى بالمِلّاح.
3 -
المدينة الجديدة: ويعيش فيها الكثير من اليهود فضلًا عن بعض العائلات الإسلامية.
4 -
ثم مدينة إسلامية جديدة تقع عند الشمال الغربى للقصر وقد استحدثت منذ 1950 وشيدت وفق طرز البناء الحديثة.
هذا ويربط فاس بالعالم الخارجى شبكة ممتازة من الطرق والسكة الحديدة التى تصل ساحل الأطلنطى وجبل طارق بوجده على الحدود الجزائرية فضلًا عن وجود مطار ذى أهمية بسيطة.
وتعتمد الحياة الاقتصادية فى فاس، مثلما كان عليه الحال فى الماضى، على علاقاتها بالمدن المجاورة، وقد ظلت الصناعة فيها تقليدية [أى تسير وفق الأسس الموروثة] مع محاولة القيام بعملية تحديث جزئى لها فضلًا عن أن تكيف الصناع مع الأوضاع الاقتصادية الحديثة يعد واحدًا من مشاكلها الرئيسية.
وعلى النقيض تمامًا توسعت الرقعة الزراعية التى أصبحت تشكل حزامًا عريضًا حول المدينة.
وعلى الرغم من أن فاس كانت حتى بداية هذا القرن [20 م] هى مدينة رجال الأعمال الأولى فى المغرب إلا أنه قد حلت محلها مدينة الدار البيضاء.
وظلت فاس العاصمة الفكرية فى المغرب لمدة طويلة ويرجع ذلك إلى مركزها العظيم فى التعليم الموروث المتمثل فى جامع القرويين.