الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فوتا جالون
منطقة فى غرب إفريقيا، تقع شمال غرب ما كان يعرف بغينيا الفرنسية وتتبعها سياسيا، وتتكون من هضبة جبلية تعتبر أهم المناطق الجبلية فى غرب أفريقيا، ويتراوح ارتفاعها ما بين 3000 و 3500 قدم، وتنتهى هذه الهضبة من الشرق بجبال منطقة ماندنجو Mandingo، وتنحدر فى الجنوب مكونة مجموعة من النتوءات المنحدرة إلى أن تصل إلى مستوى المحيط الأطلنطى، أما فى الشمال فتنحدر إلى بوندو Bondu ليس لدينا فى الوقت الحالى معلومات كثيرة عن جغرافية هذه الأرض ولا عن طبيعة جبالها.
ولم نعرف من أحدث الرحلات الاستكشافية أكثر من أن الحدود الجنوبية والغربية تتكون من سهول مرتفعة من الحجر الرملى بينما توجد الأحجار الأقدم مثل الجرانيت والنايس فى المنطقة الوسطى. تركيب الجبال غير منتظم إلى حد ما، والصورة العامة تمثل سهلا مرتفعا فيه قمم ترتفع ما بين 600 و 1000 قدم ومحاطًا بسلسلة من الجبال المكونة من الحجر الرملى بها شقوق عميقة بفعل النحات.
تتمتع فوتا بمناخ صحى وأكثر اعتدالا من المناطق الساحلية وذلك بسبب الارتفاع المتوسط لهذه الأرض. فدرجة الحرارة أكثر انخفاضا مما على الشاطئ كما تتغير بدرجة كبيرة على مدار العام. ففى موسم الجفاف (من ديسمبر إلى يونية) قد يصل التغير فى درجة الحرارة خلال اليوم الواحد من 25 إلى 32 م، أما فى فصل الشتاء (من مايو إلى نوفمبر) وهو موسم الأمطار، فيكون الجو بالليل منعشا بصفة دائمة. وتهطل الأمطار بشدة فى الشتاء وتصل أقصاها فى الربيع عندما تهب رياح الجنوب المحملة بالرطوبة من المحيط الأطلنطى.
تعتبر فوتاجالوّن من أهم المراكز الهيدروغرافية (تجمع المياه وتوزيعها) فى أفريقيا، فهناك منطقتين كبيرتين تتجمع فيها الأمطار. الأولى فى الجنوب فى منطقة تيمبو Timbo، حيث تنبع أنهار باليو Baleio تين Tene وتينكيسو أو كينكسو Kinkisso وهو أحد روافد
النيجر، وكونكورو الذى يصب فى المحيط الأطلنطى، وتقع منطقة تجمع الأمطار الثانية فى الشمال بجوار لاب Labe ومنها تنبع أنهار غمبيا Gambia، وسالا Salla (كاكريما Kakrima) وكومبا Komba (ريو جراند Rio Grande) أو النهر الكبير، وتخترق الأنهار التى تتجه إلى الجنوب أو الجنوب الغربى، وعند عبورها حدود فوتا، الحائط الجبلى عن طريق عدة شلالات ومجارى منحدرة ووديان عميقة صغيرة ضيقة شديدة الانحدار تتجه عادة من الشمال الشرقى إلى الجنوب الغربى، وبالرغم من أن الأرض تتجه نحو الشمال انحدارا تدريجيا، إلا أن الوديان فى هذه المنطقة ضيقة إلى درجة كبيرة بها جروف عميقة.
السمة التى تتكرر كثيرا فى تكوين هذه الأرض هى "البوال"، وهى هضبة صخرية مغطاة بكتل صخرية حديدية ضخمة، تكسوها أحيانا طبقة رقيقة من الأشجار القصيرة، وأحيانا أخرى تكون عارية وصخرية حتى أن بعض الرحالة يشبهونها بالحمادات (جمع حمادة) الموجودة فى الصحراء الأفريقية الكبرى تغطى الأرض فى موسم الأمطار بنوع من النباتات العشبية تختلف فى سمكها حسب طبيعة الأرض كما تختلف أعمارها، وتفتقر هذه الهضاب إلى الأشجار إلا بجوار مجارى المياه مباشرة، ولكن تنمو الأشجار فى الوديان بكثافة، وتتكون جزر صغيرة من الشجر على المنحدرات وفى الفجوات التى تجمع التربة المناسبة، وعندما توجد فى أعداد كبيرة، تبدو كما لو أنها غابة واحدة ضخمة، وتحيط القرى بساتين البرتقال والقارون والكولا والمانجو، كما تنتشر أشجار الكاريت أو اشجار الزبد وأنواع الخيزران فى مساحات شاسعة كما يوجد النخيل أيضا ولكنه صغير وبأعداد قليلة، وأخيرا وفى حالات استثنائية نجد فى بعض المناطق الجرانيتية مروجا وحقولا مزروعة ومزارع الواحدة بجوار الأخرى مما يعطى البلاد صورة تشبه أجزاء من سويسرا.
تتمثل الثروة الحيوانية فى فوتاجالّون فى الظباء والغزلان
والحمير، وتوجد الحمير بأعداد هائلة حتى أن السكان يكونون فيما بينهم "حملات" لحماية محاصيلهم من أن تدمرها الحمير. وقد شجعت ندرة آكلات اللحوم على تطوير تربية الماشية حتى وصل عدد أنواع الخراف إلى ثلاثة والماشية إلى أربع منها الجاموس، الذى جاء به الرعاة من الغُلب Fulbe ويستخدم الآن فى الأعمال الشاقة. المدن الرئيسية فى فوتاجالّون هى تيمبو Timba المقر الرئيسى للمامى Al-mamy الإمام ولاب Labe والمدينة Medina وكادى Kade وفوجومبا Fugumba، المدينة التى ينظر لها أهل البلاد بقداسة، وهى المدينة التى يتوج فيها الحكام، ويتكون السكان من عناصر متعددة أهمها الماندى Mande، ويوجد فى فوتاجالّون ممثلون لفروع هذا الجنس المختلفة مثل الدياللونك Diallanke، والسوسو Susu والسوننكى Soninke وسلالات مختلطة مثل الخاسونكى Khassonke والفولة Fula الذين هم نتاج خليط من الماندى Mande والفولبى Fulbe، وفى خلال المائة وخمسين عاما الماضية، تفوق الفولة على باقى المجموعات ويوجد أيضا البيول Peuhl أو الفولبى Fulbe، ولكن بأعداد أقل مما فى المناطق المجاورة ويعيشون على الرعى كأجدادهم وإ ن كان هناك اتجاه واضح لديهم للاستقرار.
تختلف الطبقات الاجتماعية حسب أصولها، فتتكون الطبقة العليا من الأرستقراطيين من رجال الدين والعسكرين الذين أغلبهم من الفوله Fula وهم أحفاد المهاجرين المسلمين أو من الزعماء من أبناء البلاد الذين اعتنقوا الإسلام، وينتمى هؤلاء النبلاء الذين تطلق عليهم ألقاب مثل ألفا Alpha أو شيخو Shkrhu . . . إلخ إلى عائلات لها دور فعال فى الحياة السياسية فى البلاد، ولهم مقاعد فى المجالس التشريعية، ومنهم الضباط والموظفون العموميون الذين يعاونون المامى Almamy، ويلى هذه الطبقة الزنوج والغُلب والفولبى Fulbe المسلمون، ويحضر هؤلاء المجالس التشريعية كأتباع للنبلاء
ولكنهم، كقاعدة، لا يشاركون فى اتخاذ القرار، ويعيش هؤلاء فى قرى تسمى الجور gor. وتتكون الطبقة الثالثة من المواطنين الأحرار من غير المسلمين، وعادة ما يكونون من الحرفيين (نساجين أو نجارين أو حذائين) ويعيشون فى جماعات منفصلة فى الجور أو قريبا منها ويتزاوجون فيما بينهم، وهم مستبدون من الحياة السياسية. وأخيرا هناك عبيد بأعداد كبيرة، لأن الغزاة من السودان مثل الحاج عمر وسمورى Samory كانوا يبادلون المساجين بماشية من فوتا. وينقسم هؤلاء العبيد إلى طبقتين، الخدم، ووضعهم أفضل إلى حد ما يتمتعون باستقلالية نسبية، والمزارعون ووضعهم أسوأ بكثير. ويعيش المزارعون فى قرى خاصة (الروند runde) تحت رقابة ويعاقبون بشدة إذا حاولوا الهرب، ولكن منذ فرض الوصاية الفرنسية منع الرقيق بقوة القانون.
ينقسم سكان فوتا من حيث الديانة إلى مسلمين ووثنيين كما توجد بعض القبائل الزنجية التى لازالت وثنية، ولكن الديانة السائدة هى الإسلام الذى أدخله الفُلب إلى البلاد والذى يتزامن انتشاره مع النصر السياسى لهذا الجنس. والإسلام فى فوتاجالّون متشدد إلى حد ما وأقل اختراقا بالعادات الوثنية مما حدث مع الماندى Mande، وقد وصف هيكارد Hecquard إسلامهم بأنه مالكى، ويعرفه ليشاتيليه lechatelier بأنه "مذهب قومى نتج من مزيج من مذهبى القَدْرية Kadriya والتيجانية"، وبالرغم من أن فوتا كانت ولا تزال مركزا لنشاطات الدعوة الإسلامية، إلا أن أهلها ليسوا متعصبين بأى حال، ويعذى هذا إلى سيادة القدرية الذين فشل التيجانية، الذين يمثلون التيار المنشور فى السودان فى أن يحلوا محلهم بالرغم من جهودهم فى هذا السبيل وللصوفية مكانة اجتماعية مهمة، ولهم تشكيل هرمى عن المدارس.
تمثل الحكومة نوعا من الجمهورية الأرستقراطية لها رئيس منتخب هو المامى، ويتولى المامى almamy (الإمام al
imam) السلطة التنفيذية، ولقد كان المامى فى يوم من الأيام هو قائد الجيش والقاضى والمفتى. وقبل الوصاية الفرنسية كان المامى يختاره مجلس الشيوخ، وبعد أن يوافق عليه مجلس الأحرار يرتدى عمامة الإمامية فى مدينة فوجامبا Fugumba.
ويختار المامى من سلالة مؤسس دولة الفوله، وكقاعدة، يتولى الرئيس المنتخب الحكم لمدة عامين ثم يعتزل لمدة عامين ليتولى الحكم ممثل من العائلة الأخرى. وقد ابتكر هذا النظام لمنع التنافس بين العائلتين الذى قد يؤدى إلى الحرب الأهلية، إلا أنه لم يكن يراعى فى جميع الأحوال. ويجوز لمجلس الشيوخ الذى اختار الرئيس أن يعزله إذا لزم الأمر. وفى الأوقات العادية، يقرر هذا المجلس، تحت رئاسة المامى، الأمور الهامة التى تتعلق بالسياسة والقانون والدين.
حاول الأوربيون منذ زمن طويل، إقامة علاقات مع فوتا، وفى النصف الأول من القرن التاسع عشر، نجح الرحالة الفرنسيون والإنجليز الذين خرجوا من "المراكز التجارية" فى غمبيا وسيراليون فى التغلغل فيها ومن هؤلاء الرحالة مولين Molilien (1819) ورينيه جالييه Rene Gallie (1827) الفرنسيين وكوبر تومسون Cooper Thomson الانجليزى بالإضافة إلى بعض المبشرين. وفى عام 1850 م، قضى هيكارد Hecquard عاما فى تلك البلاد وجمع معلومات هامة عن تاريخها وحضارتها، وفى عام 1859 م قام لامبرت Lambert باستكشافها، وابتداء من عام 1880 م، بدأت الإرساليات الفرنسية تتزايد، كما حاول أوليفيه دى ساندرفال Olivier de Sanderval وجابوريو Gaboriaud وأنسالدى Ansldi العثور على طرق سهلة إلى فوتا، وأقاموا علاقات تجارية مع سكان البلاد وقاموا بعمل مساحة مبدئية لإنشاء خط حديدى للداخل وفى عام 1881، وقع الدكتور بايول Bayol معاهدة مع المامى تعطى الفرنسيين حقا مطلقا فى إقامة مخازن تجارية فى فوتا والبلاد التابعة لها.
سهلت الاضطرابات التى اندلعت فى ذلك الوقت مهمة العملاء الفرنسيين. فقد كان المامى إبراهيم سورى، الذى كان عليه أن يترك الحكم بعد انتهاء فترة العامين، مرفوضا من الجميع. ولكنه تغلب على خصومه مستعينا بعبيده الذى سلمهم وانفرد بالحكم حتى عام 1887، وبعد وفاته تنازع لقب المامى اثنان من عائلة سورى، ألفا مامادو باتيه Alfo Mamado Pate وبوكر بيرو Boker Biro. وقد تغلب بوكر على خصمه، ولكنه كان يشعر بالحاجة إلى المزيد من التأييد ضد أعدائه، فلجأ إلى الفرنسيين، واحسن استقبال الإرسالية التى كانت برئاسة بلات Plat وفراس Fras وانتهى الأمر معهما إلى توقيع معاهدة وضعت فوتاجالون تحت الحماية الفرنسية. وفى البداية، التزم بوكر باتفاقيته لعدة سنوات، ولكنه بعد ذلك اتخذ موقفا عدائيا من الفرنسيين وحاول منع مرور القوافل فى بلاده وعندما حاول التخلص من مجلس الشيوخ، ثار عليه النبلاء فخلعوه وولوا أخاه عبد اللَّه Abdulaye بدلا منه، ولكن تمكن بوكر من الانتصار على معارضيه وأسر عبد اللَّه وأعدمه؛ واستغاث بعض المشاركون فى التمرد بالفرنسيين الذين كانوا غير راضين عن تصرفات بوكر، فقرر الفرنسيون غزو فوتا.
حاول بوكر المقاومة ولكن بدون جدوى فانهزم وأعدم (نوفمبر 1896 م). واختار الفرنسيون الماميا (إماما) جديدا وتركوا له مقاطعات تيمبو Timbo وبوريا Buria وكالين Kalen بينما أعلن استقلال باقى "الديوالات" diwal، وعين مندوبا ساميا فرنسيا أقام فى تيمبو. ومنذ ذلك الحين، قامت عدة حملات استكشافية بمسح البلاد جغرافيا واقتصاديا كان أهمها حملة الدكتور ماكلو Dr. Maclaud (1898 م - 1899 م)، كما أنشئ خط حديدى وصل النيجر العليا بغينيا الفرنسية عن طريق فوتا، وقد وصل هذا الخط الآن إلى تيمبو Timbo.
حسين أحمد عيسى [ج. إيفر G.yver]