الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآن مراحل الوحدة التى تجمع الفلسفة مع علم الكلام. ويأتى على رأس كل مرحلة فى هذه العملية. قطب الدين الرازى (ت 765 هـ/ 1264 م) والايجى (ت 756 هـ/ 1355 م)، فعلم الكلام فى رأيهما يتضمن مسائل ميتافيزيقية وعمليات منطقية. ويبدو ظهور الأيجى فى هذا الطور بوصفه قائد مدرسة تخرج مريدين سوف تتفرق بهم السبل بعد التخرج، فبعضهم مولع بالأشعرى وآرائه التقليدية مثل الجرجانى (ت 816 هـ/ 1413 م) وبعضهم الآخر يظل على ولائه لابن سينا مثل سيف الدين الأبهرى (القرن الثامن الهجرى/ الرابع عشر الميلادى) والفنارى (ت 886 هـ/ 1481 م) والسيالكونى (ت 1069 هـ/ 1659 م) وبذلك استؤنفت من جديد المناقشات الباكرة التى كان محورها التضاد بين ابن سينا والغزالى. ونجد فى هذا الطور من أنصار ابن سينا جمال الدين الحلِّى (ت 721 هـ/ 1326 م) وهو من زعماء الإمامية، والقشجى (ت 749 هـ/ 1348 م) أما من تابع خطى الغزالى وهاجم مدرسة ابن سينا بروح المتكلمين الأشاعرة، فمنهم الأصفهانى (ت 749 هـ/ 1348 م) التفتازانى (ت 791 هـ/ 1389 م). إن الطابع المدرسى (الأسكولانى) للفلسفة الإسلامية فى هذا الطور هو الذى يجمع كل هذه الاتجاهات رغم تشعبها وتنوعها. وقد تعددت الشروح التى لم تعد مقصورة على النصوص اليونانية بل تعدتها إلى النصوص العربية والفارسية. فقد كتب الجرجانى شرحًا لـ "المواقف" للأيجى، والدوّانى كتب شرحا للسهروردى و"العقائد"، وكذلك الأيجى بينما كتب الفنارى شرحًا للفارابى. إن الفلسفة الإسلامية فى هذا الطور تعد مدرسية لأنها أيضًا اتخذت منهجًا للعرض من شأنه أن يؤدى إلى أقسام والأقسام إلى فروع. وهو منهج لم يكن جديدًا هنا ولكنه ازداد اهتمامًا بالشكل.
9 - إضافة وخاتمة:
لن نعدد أسماء الفلاسفة الذين تبنوا منهج علم الكلام فى الطور الأخير لأن القائمة طويلة ومملة، ويكفى أن نذكر الأعمال التى ألفت فى القرون السابقة
والتى لا تدخل على وجه الدقة ضمن فئة الفلسفة رغم طابعها الفلسفى. فالأشعرى الباقلانى والجوانى والظاهرى ابن حزم كتبوا عن مسائل فلسفية خالصة ولكن من وجهة نظر علم الكلام (مثل نظرية العلية ومذهب الذرية عند الباقلانى). كذلك رسائل إخوان الصفا جديرة بالذكر، فهذه الرسائل قد تناولت بالتطوير أفكارا فيثاغورية، وفيها الكثير مما يدل على الأصالة وتوشك أن تدخل فى رحاب مدرسة ابن سينا رغم بساطة تعبيرها. وابن ميسرة الذى درسه أسين بلاسيوس والذى تأثر بفلسفة امبادقليس والصوفية الباطنية، وجدير بالملاحظة أنه لكى ندرس الأفكار الفلسفية التى راجت فى الإسلام -لا الفلسفة من حيث هى كذلك- فلا بد من دراسة أثر المفاهيم اليونانية على حكماء مثل على الطبرى وأبى بكر الرازى وآخرين غيرهما -وكل من أراد دراسة أثر الفيثاغورية فى المفاهيم الكيميائية عليه ألا يهمل جابر- كذلك دراسة نظريات النحويين ولاسيما ابن جنى سوف تمدنا بمعلومات هامة عن أثر الأفكار اليونانية فى النحو العربى. وفى مجال الأخلاق لابد أن نذكر ابن مسكويه، أما أبو حيان التوحيدى فهو بحق ممثل الثقافة الفلسفية فى المشرق فى القرن الرابع الهجرى (العاشر الميلادى).
والخلاصة أن الفلسفة الإسلامية كانت تركز تأملاتها فى تراث اليونان، ولم تكن فى بدايتها من قبيل الدفاع عن العقيدة مع استخدام الفلسفة الهلينية لشرح هذه العقيدة وتبريرها. إن الفلسفة الإسلامية بدأت لدى مسلمين ذوى ميول شيعية تريد ايجاد تناسق بين حياتهم الروحية وحياتهم العقلية دون تناقض أى أنهم كانوا يهدفون إلى ايجاد نوع من النزعة الإنسانية الدينية بكل ما انطوت عليه هذه النزعة الإنسانية من حرية العقل. ثم أخذت فى التطور بداية على مقربة من علم الكلام ثم انتهت آخر الأمر إلى الامتزاج به. وعندئذ فقط بدأت الفلسفة تحمّل نفسها عبء الدفاع عن العقيدة أو قل العكس أخذت العقيدة تنير المعرفة وتدعمها. أما تصوف الإشراق فهو وحده الذى